في الجزء الأول من هذه المقالة، قاربت كيفية تناول العلماء قضية الخيانة الوطنية ودوافعها والظروف التي تصنع الخونة في أوطانهم.. وفي هذا الجزء الثاني والأخير، ثمة تأملات أولية من وحي "حرب الخرطوم".
في الجزء الأول من هذه المقالة، قاربت كيفية تناول العلماء قضية الخيانة الوطنية ودوافعها والظروف التي تصنع الخونة في أوطانهم.. وفي هذا الجزء الثاني والأخير، ثمة تأملات أولية من وحي "حرب الخرطوم".
إلى جانب الخصائص المحلية للصراع في السودان، لن يستغرق الوقت كثيراً حتى تبدأ الجوانب الإقليمية والدولية بالظهور، شأنها شأن الحروب السابقة التي مرّ بها هذا البلد وغيره من البلدان، وتأثرت بالخارج وتأثر الخارج بها.
محمد حمدان دقلو، أو "حميدتي" أي (المحبب) وهو لقبه المفضل. عمره دون الخمسين بسنتين، لكنه عمر بحيوات كثيرة: المتشرد، راعي الإبل، تاجر الماشية، المُهرّب، المقاتل، قائد الميليشيا المخيفة، الجنرال، السياسي، الثري، نائب الرئيس، والطامح الآن للقب الرئيس صاحب الثروة الخيالية، أو في أسوأ الأحوال أن يضيف إلى حيواته حياة المعتقل السياسي أو ربما "الشهيد"!
عرف السودان حروباً كثيرة منذ إستقلاله عن بريطانيا عام 1956. لكن الحرب التي تفجرت في 15 نيسان/أبريل الجاري بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تختلف إلى حدٍ كبيرٍ عن سابقاتها، شكلاً ومضموناً.. وربما على صعيد النتائج التي ستسفر عنها.
تلفّت عبد الفتاح البرهان حواليه، فوجد أن كل شيء يُغري لتنفيذ إنقلابه والتخلص من شركاء مدنيين زاحموه على السلطة وليس على السيادة، منذ خلع عمر البشير في 11 نيسان/أبريل 2019. وقتذاك، إنحنى العسكريون لعاصفة الإنتفاضة الشعبية ووافقوا مرغمين على إشراك المدنيين في جنة الحكم المعقود للجيش معظم الوقت منذ الإستقلال عام 1956 إلى يومنا هذا.
ثمة وجه آخر للسودان، غير وجوه الجنرالات والسياسيين الذين تطرفوا وأفرطوا بإحدى أغنى دول العالم، ففي السودان رجال من طينة الطيب الصالح و"موسم الهجرة إلى الشمال"، وفيه أيضاً "أغداً ألقاك" للهادي آدم، إحدى غرر القصائد العربية التي غنتها أم كلثوم، وذهبت معها إلى سدرة الخلود.