
ذهب الاستقطاب ضمن المجتمع السوري، بعد الأحداث الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة. وحلّت المخاوف والتجاذبات الحادّة مكان مناخ التفاؤل العام الذي ساد المجتمع إبان سقوط حكم بشار الأسد بسرعةٍ فائقة ودون إراقة ملحوظة للدماء.
ذهب الاستقطاب ضمن المجتمع السوري، بعد الأحداث الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة. وحلّت المخاوف والتجاذبات الحادّة مكان مناخ التفاؤل العام الذي ساد المجتمع إبان سقوط حكم بشار الأسد بسرعةٍ فائقة ودون إراقة ملحوظة للدماء.
على مرّ التاريخ، ظنّ الطُغاة أن الحصار هو الطريق الأقصر لإخضاع الشعوب، وأن التجويع وسيلة لكسر الإرادة. لكن الوقائع التي وثَّقها التاريخ، من لينينغراد إلى سراييفو، ومن بلغراد إلى مدن سوريا المحاصرة، تقول شيئاً مختلفاً تماماً: الحصار لا يُطفئ ثورة.. بل يُشعلها.. والجوع لا يُنتج خضوعاً.. بل يولّد الغضب والانفجار.
إذا استعرضنا العديد من التجارب التاريخية المعاصرة حول تسليم السلاح أو نزع سلاح فئات اجتماعية أو مقاومات، فإنها تتشابه في وجوه كثيرة مع الواقع السوري، ذلك أنه في غياب أية ضمانات أو أي عقد اجتماعي واضح أو دستور أو قوانين، لا شيء يضمن حقوق هذه الجماعات ويمنع الاستباحة التالية لتسليم السلاح.. إلى حد الإبادة. ما هي مناسبة هذا التنظير؟
بعد أن تناولنا في القسم الأول مسار الصراع والتعايش بين الجماعات السُنّية والدرزية في الإطار الإقليميّ، منذ نشأة الطائفة الدرزية في ظل الدولة الفاطمية وحتى التحولات الكبرى في العصر العثماني وما تلاه، نعرض في الجزء الثاني والأخير لآليات تكيّف الجماعات المحلية مع السلطة المركزية، وتحليل أنماط الاستقرار والصراع ضمن بيئة تتسم بعدم الاستقرار. وانطلاقًا من هذا السياق، يستعرض النص نفسه تطورات العلاقة السُنيّة-الدرزية في ظل المتغيرات الإقليمية الراهنة.
في كانون الأول/ديسمبر 2024 شهدت سوريا تحولًا سياسيًا جذريًا تمثّل في سقوط نظام بشار الأسد وتشكيل حكومة انتقالية حظيت باعتراف دولي وعربي سريع، وقد أدى هذا التطور بالإضافة إلى رفع العقوبات الدولية الأميركية والأوروبية عن سوريا إلى فتح الباب أمام عودة النازحين السوريين من دول الجوار ومنها لبنان.
تعدّ العلاقات بين الجماعات السُنّية والدرزية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما في بلاد الشام، ظاهرة اجتماعية وثقافية معقّدة ومتشابكة، بأبعاد تاريخية، دينية، سياسية واجتماعية عميقة. لذا، يتطلب تحليلها، من منظور أنثروبولوجي، فهمًا دقيقًا للديناميكيات الداخلية والخارجية التي شكلت مساراتها عبر الزمن، متراوحة بين فترات طويلة من التعايش السلمي والتحالفات البراغماتية، وأخرى متّسمة بالتوتر والصراع. كما يتطلب استقراء جذورها التاريخية، التي أسهمت في بناء الفهم المتبادل، وفي صياغة الأنماط السلوكية والتفاعلات السياسية والاجتماعية بين هاتين المجموعتين المؤثرتين في المشهد الإقليمي.
يعيش لبنان مجموعة تحولات بنيوية، إن لجهة إعادة تكوين السلطة فيه، أم لجهة التطورات المتسارعة في الإقليم، والتي سيكون لها تداعيات في المرحلة المقبلة، وستؤثر من دون أدنى شك على الوضع الداخلي وكيفية إدارة البلد وتحديد مراكز القوى فيه، أو شكل العلاقة بين مكوناته من جهة وبنية النظام ربطاً بوظيفة لبنان المقبلة من جهة أخرى.
ما هي توجهات الديبلوماسية الفرنسية في ظل تسارع التطورات الأمنية والسياسية في الشرق الأوسط من لبنان إلى سوريا وصولاً إلى فلسطين؟
ليس الطابع الطائفي ما يختصر حضور سُنّة لبنان في الحياة السياسية، بل هو التفاعل المتجذر مع قضايا الأمة، والذي شكّل عبر العقود أحد أعمدة الهوية السياسية والثقافية لهذا المكوّن الأساسي في البنيان اللبناني.
شكل إعلان "دولة لبنان الكبير" في الأول من أيلول/سبتمبر سنة 1920 لحظة مفصلية في تاريخ تأسيس لبنان الحديث، لكن هذا الكيان الوليد لم يحظَ بإجماع "وطني شامل". فكانت هذه الولادة تتويجًا لمشروع نخبة مارونية صرفة سعت جاهدة لقيام دولة "لبنانية مستقلة عن سوريا" تلبي طموحاتها وأحلامها السياسية والاقتصادية.