الكاظمي يتموضع.. وأسبابه أميركية ـ إيرانية
WASHINGTON, DC - AUGUST 20: U.S. President Donald Trump (R) hosts Iraqi Prime Minister Mustafa Al-Kadhimi in the Oval Office at the White House August 20, 2020 in Washington, DC. One day before the meeting, Trump announced that he will allow UN Security Council sanctions to 'snap back' into place against Iran, one of Iraq's neighbors and closest allies, even as U.S. troop levels in Iraq and Syria would most likely shrink in the coming months. (Photo by Anna Moneymaker-Pool/Getty Images)

دخل حراك تشرين/أكتوبر العراقي عامه الثاني. المجريات العراقية طوال سنة أفضت إلى إعادة خلط للأوراق في الداخل، وتعديل قواعد الإشتباك الأميركي ـ الإيراني على أرض العراق.

آلاف العراقيين خرجوا إلى الشوارع في بغداد، وبضع مئات منهم  في شوارع مدينتَي الديوانية والنجف الجنوبيتين، إحياء للذكرى الأولى للحراك. الشعارات نفسها. زد عليها محاسبة من كانوا سبباً في مقتل 565 شخصا من المواطنين العراقيين الأبرياء وعدد قليل من عناصر الأمن العراقي، منذ إنطلاق شرارة الحراك العراقي قبل سنة. أمهل المتظاهرون حكومة مصطفى الكاظمي حتى الخامس والعشرين من تشرين الحالي/أكتوبر لتنفيذ مطالبهم، ولا سيما تأمين الخدمات الأساسية وفرص العمل ومكافحة الفساد والبطالة وإجراء إنتخابات نيابية مبكرة.

من الواضح أن المرجعية الدينية العليا، التي تماشت منذ البداية مع مطالب المتظاهرين، تدعم خطوات الكاظمي. ففي بيان لها بعد الاجتماع الثنائي الذي عقده السيد علي السيستاني مع مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، أكدت المرجعية أن الحكومة الراهنة مدعوة الى الاستمرار والمضي بحزم وقوة في الخطوات التي اتخذتها في سبيل تطبيق العدالة الاجتماعية، والسيطرة على المنافذ الحدودية، وتحسين أداء ​القوات​ الأمنية بحيث تتسم بدرجة عالية من الانضباط والمهنية، وفرض هيبة ​الدولة​ وسحب ​السلاح​ غير المرخص فيه. كما شددت على مسألة الانتخابات المبكرة، واعتبرتها تشكل المسار السلمي الصحيح للخروج من المأزق الراهن.

على أن مباركة المرجعية الدينية والأمم المتحدة لمسألة الانتخابات المبكرة غير كافية، فالقرار يحتاج إلى موافقة البرلمان العراقي، وحتى الآن لم يتم التوافق على قانون المحكمة الاتحادية وقانون الانتخاب، وسط حديثٍ عن عدم رغبة حلفاء إيران في إجرائها إلا في موعدها. وقد برز ذلك في الخلاف حول القانون الانتخابي نفسه، وفي بعض الاعتراضات التي سجلت، وبعض المساعي لإمرار قانون يضمن أكبر عدد ممكن من المقاعد في الانتخابات القادمة، علماً أن الأنباء التي يتم تسريبها تفيد بأن الكتل السياسية الشيعية اتفقت على الدوائر المتوسطة في قانون الانتخابات.

الإنتخابات المبكرة مطلب عراقي.. ودولي

ومن الواضح أن الكاظمي يسعى إلى ضمان تشكيل ائتلاف يؤهله للبقاء في رئاسة الحكومة، وهذا ما دفع أحد  النواب إلى القول بأن الكاظمي سيفقد دعمه السياسي في حال أدركت الكتل انه يرغب بالترشح للانتخابات المقبلة، وأن عدالته في تطبيق القانون اصبحت محط شكوك لدى البعض، غير أن الكاظمي رد بمطالبة البرلمان بالإسراع في حسم القانون الإنتخابي وقانون المحكمة الإتحادية وقال إن الإنتخابات مطلب شعبي ومطلب المرجعية ومطلب دولي أيضاً.

الخطوات التي أعقبت زيارة الكاظمي إلى واشنطن، بدأت ترسم إطاراً عاماً للعنوان العريض الذي أراده منذ بداية توليه مهامه كرئيس للوزراء، أي محاولة تحييد العراق عن الصراع الأميركي الإيراني، وإن كان البعض يصر على إضفاء طابع إنقلابي على خطواته

وإذا كان الاتجاه الذي تسلكه حكومة الكاظمي، بتأييد ودعمٍ من المرجعيّة الدينيّة العليا، يدفع بإتجاه إجراء إنتخابات تشريعية مبكرة، في السادس من حزيران/يونيو المقبل، فإن الخطوات التي أعقبت زيارة الكاظمي إلى واشنطن، بدأت ترسم إطاراً عاماً للعنوان العريض الذي أراده منذ بداية توليه مهامه كرئيس للوزراء، أي محاولة تحييد العراق عن الصراع الأميركي الإيراني، وإن كان البعض يصر على إضفاء طابع إنقلابي على خطواته عبر توصيفها بأنها تؤدي إلى الإرتماء في الحضن الأميركي، الأمر الذي يصر مراقبون مقربون من الكاظمي على دحضه، وبالتالي الإصرار على تصوير مسار الكاظمي أنه عبارة عن إعادة تموضع إقليمي إستوجب إنفتاحا عراقيا على دول الجوار العربي، وهو أمر لم يكن ليحصل لولا الضوء الأخضر الأميركي – الإيرانيّ، على حدٍ سواء، وأن الإنفتاح الإقليمي سيترافق مع إنفتاح دولي، وتحديداً بإتجاه أوروبا، وأن البداية كانت مع إستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والخطوة التالية هي زيارة الكاظمي إلى باريس قبل نهاية العام الحالي.

وبعد القمة الثلاثية المصرية ـ العراقية ـ الأردنية، وتدشين مشروع “الشام الجديد” على شاكلة اتحاد عربي إقتصادي يحاكي الاتحاد الأوروبي، ومع بدء العمل على تفعيل خط أنابيب النفط الاستراتيجي الممتد من البصرة العراقية مرورا بالأردن وصولاً إلى الموانئ المصرية، يجري الحديث مؤخراً عن استعداد الجانب العراقي للانخراط في تفعيل المشروع القديم لسكّة حديد تصل المتوسط بدول الخليج العربي والعراق عبر الأردن (كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط قد تطرق مؤخرا إلى موضوع السكة في لقائه مع اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس)، علماً أن البعض من العراقيين طرح علامات استفهام حول هذا المشروع، لا سيما لجهة القول إن جهات استثمارية إماراتية تحديدا هي التي بدت أكثر حماسة لتفعيله، مع معلومات تفيد بأن اسرائيل قد ناقشت الخطط الفنية لإنشاء وتجهيز الجزء المتعلق بالساحل الفلسطيني على المتوسط.

إنفتاح على الجميع في الجوار

مسار التّحوّل الهادىء بعنوان إعادة التموضع في السياسة الخارجية العراقية يمكن لحظه على غير صعيدٍ أيضاً، فقد تلقى رئيس أركان الجيش في حكومة الكاظمي دعوة رسمية نقلها إليه الملحق العسكري السعودي لزيارة الرياض من أجل مناقشة “سبل تطوير التعاون الأمني والاستخباري بين الجيشين العراقي والسعودي”. هذا الانفتاح على الخليج تفسره تصريحات وزير الخارجية العراقيّ فؤاد حسين الذي كان قد أشار في تصريح سابق من واشنطن إلى أن بغداد تتعامل مع إيران ودول الجوار، وفق مبدأ المصالح المُشتركة، شرط ألا يتدخلوا في الشؤون الداخلية للعراق.

إقرأ على موقع 180  في زمن "الهويات".. "حرب استنزافٍ" جديدة بلا مقابل

هذا التوجه العام خارجياً يتناغم والخطوات الداخليّة التي قامت بها حكومة الكاظمي،  بدءاً من عملية التفتيش عن السلاح المتفلت، إلى تشكيل لجنة للتحقيق بقضايا الفساد، إلى التعيينات الإدارية الجديدة في مؤسسات الدولة، والتي أثارت سخط بعض القوى السياسية المحسوبة على إيران تحديداً، إذا أنها استبدلت في معظمها أشخاصاً موالين لإيران، بالشكل الذي يؤمن نوعاً من التوازن في المؤسسات الأمنية بعيداً عن القوى المتحالفة مع إيران. يضاف إلى ذلك المساعي التي قام بها الكاظمي لتعزيز السيطرة على المعابر الحدودية التي تؤمن في المبدأ مورداً مالياً للجماعات المحسوبة على إيران عبر عمليات التهريب التي تحصل منذ سنوات طويلة، لكن وعلى الرغم من كل هذه الخطوات، لا يخفي الكاظمي حرصه على تعزيز وتطوير الروابط الاقتصادية مع طهران؛ وهي رغبة تجلّت من خلال إبقاء الأسواق العراقية مفتوحة أمام إيران، بالإضافة إلى ما تم تداوله عن إنشاء خط للسكة الحديدية بين العراق وإيران لتعزيز التجارة والتنقل. وكان العراق في بادرة حسن نية تجاه إيران، قد سدد مؤخراً نصف ديون الكهرباء التي تراكمت في ظل العقوبات الأميركية، وجدّد عقود تصدير الكهرباء لمدة عامين، بعد أن كانت تُجدَّد عادةً على أساس سنوي.

الكاظمي يحذر من تداعيات إغلاق السفارة الأميركية ببغداد، ويقول إن التهديد بعزلة العراق “سيؤدي إلى انهيار اقتصادي مباشر، فأغلب الودائع المالية العراقية تتم عبر الولايات المتحدة”

وفي إطار الإجراءات المنضوية تحت عنوان بسط هيبة الدولة، اتخذ الكاظمي جملة من التدابير اللافتة، كحظر رفع أي علم غير العلم العراقي فوق مباني مؤسسات الدولة، وإلغاء قيادة حفظ القانون لمواجهة الاحتجاجات الشعبية، كما أطلق بعض التصريحات التي دعا فيها إلى العمل على تأمين كيانات الدولة ومحاربة الأفراد غير الوطنيين داخلها، وعلى استعادة هيبتها وأن لا تراجع عن المحاسبة، زد إلى ذلك المطلب الأهم والذي يصرّ الكاظمي على إتمامه، وهو ما يتعلّق بمسألة الانتخابات النيابية المبكرة.

كباش أميركي إيراني

ومنذ عودة الكاظمي من زيارته الرسمية الأولى من نوعها إلى واشنطن، كان لافتاً للإنتباه إزدياد منسوب المواجهة بين الأميركيين وحلفاء إيران على الأرض العراقية، ولا سيما إستهداف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء في بغداد. ونقل رئيس العراق برهم صالح عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مؤخراً أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “يدرس جدّياً قرار إغلاق السفارة في بغداد، وهو جاهزٌ لتنفيذ ذلك”، وبأن قراراً مماثلاً من شأنه أن يطلق “عمليات تصفية ضدّ كل متورّط في استهداف قواتنا”.

النية الأميركية بالانكفاء عن الأراضي العراقية، لم يُعبر عنها الأميركيون فقط. قال الكاظمي مؤخراً إنه قبيل سفره إلى واشنطن التقى جميع القوى السياسية، “وبعضهم طلب مني التفاوض مع الأميركيين على أن ينسحبوا من العراق على مدى ثماني سنوات، وأنا فاوضت وحصلنا على مدة ثلاث سنوات”، وإعتبر أنه حقق إنجازا كبيرا في الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وقال إنه تم الاتفاق على سحب 2500 جندي أميركي خارج العراق، محذراً من تداعيات إغلاق السفارة الأميركية ببغداد، وقال إن التهديد بعزلة العراق “سيؤدي إلى انهيار اقتصادي مباشر، فأغلب الودائع المالية العراقية تتم عبر الولايات المتحدة”.

بين محاولة حصار إيران بالتطبيع والعقوبات والقواعد العسكرية والحرب الأذربيجانية ـ الأرمينية وبين ضغط طهران لعدم تعديل موازين القوى في ساحات النفوذ الإيراني في المنطقة، ومنها العراق، لا سيما قبيل الإنتخابات الأميركية، يقف مصطفى الكاظمي حائراً ومتردداً. ثمة أسابيع قليلة وترتسم معالم مشهدية جديدة في المنطقة. إذا فاز الجمهوري ترامب بولاية جديدة، أو ربح مرشح الحزب الديموقراطي جو بايدن، النتيجة واحدة: مرحلة جديدة من العلاقات الإيرانية الأميركية.. وأول النتائج سترتد على بغداد.

(*) إقرأ أيضاً: سنة على الحراك العراقي، ماذا بعد؟

 

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ألعاب خطرة على حافة النار