“بعد 43 عاماً شغل خلالها مناصب رفيعة المستوى في جهاز الموساد الإسرائيلي، وبعد أن تولى قيادة قسم المحاربين “قيسارية”، وكان رئيساً لمديرية العمليات في أثناء سرقة الأرشيف النووي من قلب طهران، قرر (أ.) أن يتكلم.
وفي سياق مقابلة أدلى بها إلى صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيُنشر نصها الكامل غداً (الجمعة)، وجّه (أ.) نائب رئيس الموساد السابق، الذي اعتزل العمل في هذا الجهاز الشهر الفائت (إحتجاجاً على تعيين ضابط آخر محل يوسي كوهين عندما يتقاعد هذه السنة)، نقداً حاداً إلى سياسة إسرائيل حيال المشروع النووي الإيراني بصورة عامة، وحيال قرار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو العمل على إحباط الاتفاق النووي بصورة خاصة.
حكى (أ.) في سياق المقابلة عن عملية سرقة الأرشيف النووي التي وصفها بأنها “عملية القرن”، لكنه أكد في الوقت عينه أن على إسرائيل تغيير مقاربتها للكفاح ضد إيران، ونقل “حرب الاستنزاف إلى طهران”.
وكان (أ.) هو الشخص الذي كلفه رئيس الموساد يوسي كوهين تطوير خطة الجهاز لمواجهة فيروس كورونا، وهي الخطة التي عرضها كوهين على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس الحكومة البديل بني غانتس في نيسان/ أبريل 2020، ولا أحد يدري لماذا جرى عرضها. وهو يعتقد أن هناك صلة وثيقة بين أداء نتنياهو في مقابل إيران وأدائه حيال أزمة فيروس كورونا، ويقول (أ.): “الحصيلة العامة كانت إدارة غير جيدة. أنا شاهدت إدارة غير جيدة. وهذا ما تثبته النتيجة، سواء بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني، أو بالنسبة إلى أزمة كورونا”.
يحذّر (أ.) من أن هناك خطراً يتربص باستقلالية الموساد، أو بموجب ما قال: “لدي انتقاد فحواه أن الجهاز لا يحافظ بما فيه الكفاية على رأيه المستقل في السنوات الأخيرة”، كما هاجم نشر أخبار تتعلق بالعمليات السرية في وسائل الإعلام.
وكشف (أ.) النقاب عن أن انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران كان هدفاً لعمليات إسرائيلية علنية وسرية نفّذ فيها الموساد توجيهات المؤسسة السياسية، وكانت عملية سرقة الأرشيف النووي الإيراني واحدة منها. بموازاة ذلك، انتقد (أ.) بحدة النتيجة التي وصلنا إليها في الوقت الحالي، قائلاً: “إذا ما نظرت إلى هذه المسألة الآن، في آذار/ مارس 2021، فنحن إزاء وضع تمكن فيه الإيرانيون من تخزين 2.5 طن من اليورانيوم المخصب ولديهم أجهزة طرد مركزي متطورة.. لدينا الآن إدارة ديموقراطية (في الولايات المتحدة) غير أن وضعنا الآن أشد سوءاً بالنسبة إلى ما كان عليه إبان الاتفاق النووي. كما أن الإيرانيين لم يتوقفوا لحظة عن توسعهم الإقليمي وهم يقومون بإنتاج صواريخ.. الصفقة التي قمنا بها (مع ترامب) لم تكن جيدة. عدنا إلى المكان نفسه”.
ويؤكد (أ.) أن نتنياهو وقف في مواجهة مطلقة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الأمر الذي مسّ بقدرة إسرائيل على تقليص ضرر الاتفاق النووي مع إيران. كما يؤكد أنه في الوقت الذي يُعد التهديد النووي الإيراني بمثابة خطر وجودي فإن الحكومة الإسرائيلية لا تتعامل معه بهذه الصفة وتصرّ في كل مفاوضات تُجرى مع إيران على إضافة موضوع الصواريخ، والتمدد الإقليمي والإرهاب، الأمر الذي يجعل الموضوع النووي غير مركزي بما فيه الكفاية، وبرأيي، فإن إسرائيل تتنازل في السنتين الأخيرتين عن النووي لأنك تريد تحقيق كل شيء، وفي هذه الأثناء، هم (الإيرانيون) يجمعون مواداً انشطارية”.
جلعاد: نتنياهو يتحمل المسؤولية
بدوره، قال الجنرال عاموس جلعاد، الذي تولى مناصب سياسية وأمنية واستخباراتية لإذاعة “103FM” الإسرائيلية تعليقاً على مقابلة (أ.) إن الوضع كان أفضل بعد توقيع أوباما على “اتفاق سيء ومليء بالثقوب”، مما هو الآن، بعد انسحاب ترامب “صديقنا” من الاتفاق النووي.
وحول انتقادات (أ.)، يقول جلعاد “إنني أفرّق بين العمليات المنسوبة للموساد، وبين النظرة العامة. إسرائيل لا يمكنها العيش مع تهديد عسكري نووي. وهذه هي الحقيقة. وأعتقد أن الانسحاب من الاتفاق النووي كان خطأ. فبعد التوقيع عليه، جرى السماح للجيش الإسرائيلي أن يطور كثيرا عملياته ضد التموضع الإيراني في المنطقة. وكان بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يوجه موارد إلى هذه الناحية”.
ويتابع جلعاد أن السياسة مقابل إيران “يجب أن تكون منسقة مع جميع المسؤولين في الإدارة الأميركية”. وحمّل نتنياهو مسؤولية انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وقال: “حتى عندما تلوح بالخيار العسكري، أنت ملزم بالتنسيق مع الولايات المتحدة. وبايدن ومستشاروه يسعون إلى اتفاق، لكن ليس مؤكدا أن هذا ممكن اليوم. ونحن في وضع حساس جدا، وينبغي منع التهديد النووي، والتهديد الإيراني تقدم. وعلى إسرائيل أن تكون حازمة بمنع سلاح نووي من إيران، ويوجد خياران، إما سياسي أو عسكري”.
الجدير ذكره أن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكينازي أعلن أمس الأول (الثلاثاء) التوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة في ما يتعلق بالمفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي مع إيران، وقال إن الإتفاق يهدف ألا تفاجئ أي من الدولتين الأخرى بشأن مسار المفاوضات النووية الإيرانية، وختم “نجري حواراً مع واشنطن لحماية مصالحنا بعد العودة للاتفاق النووي ومنع إيران من أن تصبح دولة نووية” (المصادر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عرب 48، اليوم السابع).