“هآرتس”: هجوم تل أبيب.. لا مركزية “الذئاب المنفردة”!

Avatar18008/04/2022
بين طيّات المواقف والمقالات الإسرائيلية، تُستشم ملامح إتهام واضح إلى طهران في الحوادث الأخيرة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية وآخرها هجوم تل أبيب. عاموس هرئيل المحلل العسكري في "هآرتس" يطرح مقاربته ويخلص فيها إلى الآتي: "حرب ثمنها آلاف البشر، في إسرائيل أيضاً، باتت سيناريو منطقياً يجب بحثه بجدية فقط لاعتبارات داخلية سياسية".

“بعد تراجُع دام أكثر من أسبوع، عاد “الإرهاب” أمس (الخميس) إلى شوارع غوش دان. قتيلان في أقل تقدير، بالإضافة إلى عشرة مصابين في عملية إطلاق نار في شارع ديزنغوف في مركز تل أبيب. وبعد ليلة بحث طويلة عن المنفّذ، تم إيجاده في ساعات الفجر، مختبئاً بالقرب من مسجد في يافا، وإطلاق النار عليه وقتله على يد قوة من الشاباك وحرس الحدود. المنفّذ فلسطيني من شمال الضفة.

رئيس الحكومة نفتالي بينت عقد مشاورات أمنية في مقر وزارة الدفاع في تل أبيب. هذه العملية هي الرابعة منذ 22 آذار/مارس، تبدو أنها جزء من هجوم “إرهابي” متواصل. وحتى لو لم يتم الوصول إلى تنظيم أو قيادة وراء العملية، فإنها غيّرت الواقع الأمني والسياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصورة جذرية. يبدو أن تراكُم الأحداث سيدفع الحكومة إلى فرض تقييدات على الحركة بين الضفة وداخل الخط الأخضر، على عكس ما تم إعلانه.

الوضع الذي يعيشه بينت معقد جداً لأنه يبدو حالياً بين فكّي مقص، نصفه أمني ونصفه الآخر سياسي. وتُضاف إلى الأزمة الأمنية وهي الأصعب منذ عام، أزمة سياسية هي الأصعب التي تواجه حكومة بينت – لبيد منذ تأليفها في حزيران/يونيو الماضي. انسحاب رئيسة الائتلاف عيديت سيلمان فاجأ بينت أول أمس (الأربعاء). لقد تركت الحكومة في حالة تعادُل برلماني مقابل المعارضة في الكنيست، مع 60 صوتاً لكلّ منهما. هذا واقع صعب، سيُصعّب أداء الحكومة ويمنعها من العمل مع استمرار الوقت. عملياً، يبدو أن بينت، الأسير لدى المقاعد الخلفية لأعضاء الائتلاف، بات اليوم أسيراً أيضاً، مع مراعاة الاختلافات للمنفّذ القادم.

إطلاق النار الذي بدأ حوالي الساعة التاسعة مساء، تم تعريفه مباشرة على أنه عملية “إرهابية”. وجميع العمليات في الآونة الأخيرة – بئر السبع، الخضيرة، بني براك وتل أبيب – لديها مميزات مشتركة. إذ توجهت جميعها نحو المدن الكبيرة داخل الخط الأخضر، ونفّذها منفّذ واحد أو اثنان. لم يكن هناك أي تحذيرات استخباراتية تفصيلية. عدم وجود تحذيرات استباقية يُقلق الأجهزة الأمنية، لحقيقة أنه يصعب العمل بصورة دقيقة، ويتطلب نشراً واسعاً للقوات في أوسع دائرة ممكنة، بشكل غير فعّال ومن دون أن يستند إلى معلومات استخباراتية.

تبدو أنها هجمة من دون إدارة مركزية واحدة، تحدث على يد ذئاب منفردة وخلايا محلية صغيرة من الضفة، وفي حالتين منها، كان المنفّذون نشطاء إسلاميين متطرفين من أوساط العرب في إسرائيل. المركّب الأساسي هنا هو الإلهام والمحاكاة: قدرة المنفّذين على قتل مواطنين إسرائيليين في قلب المدن

حتى الآن، لا يعرف عن أي من منفّذي العمليات أنه تحرك بأوامر واضحة، وفي إطار بنية تنظيمية لأي من الفصائل. ففي بئر السبع والخضيرة، كانوا عرباً إسرائيليين، معروفين من أجهزة الأمن، كمقربين من “داعش”. اثنان من الثلاثة هم أسرى محرَّرون، كانوا في السجن بتهم أمنية وبتهمة تواصُلهم مع التنظيم في الخارج. المنفّذ الثالث، الذي قتل أربعة مواطنين وشرطياً في بني براك الأسبوع الماضي، فلسطيني من منطقة جنين، كان له تواصُل مع “حركة الجهاد الإسلامي”، لكن لم يكن هناك أي معلومات استخباراتية تفيد بأنه نشط من خلاله. وفي ليلة الجمعة، قُتل ثلاثة فلسطينيين من منطقة جنين في اشتباك مع قوة من وحدة التدخل الخاصة التابعة للشرطة، وأصيب أربعة من أفراد الشرطة أيضاً. وفي أقل تقدير، واحد من القتلى كان مرتبطاً بـ”الجهاد الإسلامي”. ويُقدّر الشاباك أن الخلية كانت في طريقها إلى تنفيذ عملية في منطقة الجدار الفاصل. أما منفّذ عملية شارع ديزنغوف الذي تم التعرف إليه صباحاً، فهو فتحي رعد حازم، عمره 28 عاماً، من مخيم جنين. وسيفحص الشاباك ما إذا كان له أي علاقة بمنفّذي العمليات السابقة.

حقيقة أن ثلاثاً من أصل خمس عمليات خرجت من منطقة جنين ومحيطها، ستفرض على أجهزة الأمن تركيز جهودها في البلدة ومخيم اللاجئين الملاصق لها. وسيتم تفعيل ضغوط عالية على الحكومة، كي تقوم بخطوات هجومية تكون واضحة للمجتمع الإسرائيلي داخلياً. أما أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، فإنها تتفادى الدخول إلى المخيمات في شمال الضفة، منذ وقت طويل. الجيش يحاول تقليل نشاطه فيها. في شباط/فبراير الماضي، قُتل فلسطينيان اثنان في اشتباك مسلح، خلال عملية إسرائيلية نادرة لاعتقال مطلوب من حركة “حماس”. وقبل 20 عاماً بالضبط، اعتُبرت المعركة في جنين الأصعب في عملية “السور الواقي”. ويُتوقع أن تنشغل أجهزة الأمن في الوقت القريب جداً بجنين ومخيمها، كما يُتوقع أن يحاول كلّ من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” صناعة رمز جديد من الاشتباك المسلح القادم هناك.

خلال الأسبوعين الماضيين، تم اعتقال عشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية بتهم تتعلق بـ”الإرهاب”، بالإضافة إلى نحو 20 عربياً إسرائيلياً، بشبهات عامة لها علاقة بالانتماء إلى “داعش”. استجابةً لطلب من الشاباك، وقّع وزير الأمن بني غانتس أوامر اعتقال إداري بحق مشتبه في علاقتهم بداعش إضافيين، مواطن عربي إسرائيلي وسبعة فلسطينيين من سكان شرقي القدس.

الصورة العامة، وفي الخلفية شهر رمضان، تبدو أنها هجمة من دون إدارة مركزية واحدة، تحدث على يد ذئاب منفردة وخلايا محلية صغيرة من الضفة، وفي حالتين منها، كان المنفّذون نشطاء إسلاميين متطرفين من أوساط العرب في إسرائيل. المركّب الأساسي هنا هو الإلهام والمحاكاة: قدرة المنفّذين على قتل مواطنين إسرائيليين في قلب المدن، تركت وثائق مصورة (من خلال كاميرات المراقبة، أو في يد مواطنين)، وخلق الرعب في الجمهور، بعد أعوام طويلة من الهدوء النسبي، تدفع بالنشطاء إلى مبادرات محلية أُخرى.

إقرأ على موقع 180  قمة بن سلمان ـ تميم: التجسير مع إدارة بايدن

على الرغم من ذلك، لا توجد في هذه المرحلة إشارات على احتجاجات جماهيرية واسعة في الضفة. لكن القيود التي من المتوقع أن تفرضها الحكومة على حرية الحركة، وتقليص عدد العمال داخل الخط الأخضر والمستوطنات، بالإضافة إلى منع الصلاة في المسجد الأقصى، يمكنها أن تؤدي إلى نتيجة عكسية وتتدحرج بموازاة العمليات الفردية إلى حالة احتجاج جماعي.

في المقابل، يبدو أنه لن يكون لنفتالي بينت والحكومة خيار آخر غير الدفع بخطوات حادة أكثر. فالغطاء الذي أمروا الجيش والشرطة بنشره لإخماد النيران قبل أسبوعين – نحو 20 كتيبة عسكرية وقوات شرطية في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، بهدف وقف العمليات، وإن كان له تأثير مهدىء، فقد نُسيَ في أعقاب عملية تل أبيب والصور والموجات المفتوحة في الراديو والتلفزيون. ولا شك في أن الأمان الشخصي للمواطنين تزعزع في أعقاب صافرات سيارات الإسعاف والشرطة، وهذا هو التحدي الذي يتوجب على الحكومة، التي تعدّ أيامها الأخيرة، معالجته الآن.

هذه المصاعب، وتحت تهديد أمني، لن تكون مشكلة بينت وحده، إنما ستكون مشكلة لبيد، كرئيس حكومة انتقالية (في حال الذهاب إلى انتخابات). ومن المحتمل أيضاً أن يشارك فيها بني غانتس، في حال سيناريو حكومة أزرق – أبيض والليكود. وعلى مدار وقت طويل، تم تفسير عدم الاستقرار السياسي الإسرائيلي في الدول المجاورة بأنه دليل ضعف إسرائيلي.

بكل الأحوال، يبدو أن الدولة تخطو خطوتها الأولى إلى منطقة الشلل السياسي الذي يحدث مع إعادة الانتخابات، وهو ما شلّ أداء المؤسسة التنفيذية بالكامل تقريباً في الفترة 2019-2021. خمس دورات انتخابية خلال ثلاثة أعوام وأكثر قليلاً، لن تكون الرقم القياسي، على ما يبدو. وهذا سيقرب إسرائيل من مستويات شلل سياسي وصلت إليها دول كإيطاليا في الثمانينيات والتسعينيات، حين كانت المؤسسات الحكومية غير قادرة على توزيع الموارد أو تخصيصها أو التخطيط للمستقبل، والسياسيون يهتمون فقط بالبقاء الشخصي.

نسي بينت ترتيب ساحة منزله. فانسحاب سيلمان هو حجر إضافي يسقط من جدار ضعيف أصلاً، ينهار. فمن حزب رئيس الحكومة، الصغير، يخرج الخطر مرة تلو الأُخرى: تبين وجود تركيز كبير جداً من الانتهازيين في يمينا. وإن أردنا العودة إلى عالم المجاز الخاص والمحبوب بالنسبة إلى بينت، من شبابه في كتيبة “متكال”، يبدو كقائد وحدة نخبة، يهاجم وخلفه مجموعة من الجنود الكسالى

بينت الذي تعامل مع التهديدات الأمنية المعقدة حتى الآن بحكمة واتزان، نسي ترتيب ساحة منزله. فانسحاب سيلمان هو حجر إضافي يسقط من جدار ضعيف أصلاً، ينهار. فمن حزب رئيس الحكومة، الصغير، يخرج الخطر مرة تلو الأُخرى: تبين وجود تركيز كبير جداً من الانتهازيين في يمينا (على الرغم من أن بينت هو الذي خرق وعوده). وإن أردنا العودة إلى عالم المجاز الخاص والمحبوب بالنسبة إلى بينت، من شبابه في كتيبة “متكال”، يبدو كقائد وحدة نخبة، يهاجم وخلفه مجموعة من الجنود الكسالى ومعنوياتهم في الحضيض.

يبدو للناظر من الخارج أن احتمالات صمود الحكومة حتى نهاية ولايتها باتت ضئيلة جداً منذ أول أمس. وحتى لو كانت الانتخابات الجديدة لا تزال سيناريو بعيداً ومركّباً، فإن العاصفة السياسية تشحم دواليب الانقلاب لزعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، خلال فترة مفصلية في محاكمته الخاصة، وتحديداً في الوقت الذي تقرب شهادة الشاهد الملك شلومو فيلبر خطر سجنه فعلياً. نتنياهو ذاته، الذي بدا واضحاً عليه التعب وقلة النوم في الفيديو الذي صوّره أول أمس صباحاً، بارك سيلمان، بعد أشهر طويلة من قيام أتباعه بمضايقتها والتنكيل بها في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحياة ذاتها.

يبدو رئيس الحكومة السابق أكثر ضعفاً واصفراراً خلال الأشهر الأخيرة، بسبب تقدّم مسار المحاكمة والصعوبة في تجنيد أتباع “الليكود” لتظاهرات من أجله، إذ لا يظهر إلا قلة من الداعمين. يبدو أن الإشراق يعود إلى وجهه اليوم، لكن الرهان يبدو باهتاً بسبب حاله قضائياً. وما تبقى هو انتظار رأي المستشارة القضائية للحكومة المحامية غالي بهاراف – ميارة، والمحكمة العليا… وعلى الرغم من ذلك، فإن أصوات الأبواق الإعلامية المرافقة له لا تترك مكاناً للشك: لو كانت الأمور متعلقة بنتنياهو وحده وبعائلته، لبدأوا مباشرة الصفوف للوصول إلى الهدف المركزي – وقف جميع المسارات الجنائية ضده.

ليس هذا الخطر الوحيد التي يهدد إسرائيل من الداخل والخارج في حال استمر التعقيد في الصورة السياسية. أول أمس، شارك المستشار الاستراتيجي موشيه كولغهافت، الذي عمل في حملات نتنياهو وبينت أيضاً الانتخابية، في برنامج “تسيفي عوفادياه” على راديو الجيش. وعندما سُئل عن توصياته لبينت في الظرف الحالي، أجاب من دون تردد: ضرب إيران. كولغهافت، كقلة من الزملاء في مجاله، يرفع في كل مرة من جديد درجة الحدة والعدوانية في السياسة الإسرائيلية. يجب أن نتمنى في هذه اللحظة أن تكون نية كولغاهفت تسلية للمستمعين فقط، وأن يكون بينت أكثر عقلانية. لكن، مرة أُخرى وصلنا إلى ذات النقطة، استفزاز الكلب من ذيله. حرب ثمنها آلاف البشر، في إسرائيل أيضاً، باتت سيناريو منطقياً يجب بحثه بجدية فقط لاعتبارات داخلية سياسية. الرب يحمينا”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الأردن والسعودية: "العلاقات ليست على ما يرام".. والأسباب كثيرة