“الخميس الحكومي” من بعبدا إلى نصرالله: لا حكومة!

من خطاب الرئيس اللبناني ميشال عون إلى كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، مروراً بإجتماع بعبدا بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سعد الحريري.. يمكن القول للبنانيين: لا حكومة يوم الإثنين المقبل!

ما جرى في الساعات الأربع والعشرين الماضية له بعدان خارجي وداخلي، يتقاطعان ويتباعدان في آن معاً. ماذا على صعيد الخارج أولاً؟

للمرة الأولى منذ إستقالة حكومة حسان دياب في آب/ أغسطس الماضي، تبرز قوة دفع أوروبية (تتجاوز فرنسا نفسها) في إتجاه تشكيل حكومة تحت طائلة تغيير التعاطي الأوروبي مع لبنان في الأسابيع المقبلة، كما قال رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، وهو ما أفصحت عنه رويترز بتلميحها إلى عقوبات أوروبية على من يتحملون مسؤولية عرقلة تأليف الحكومة اللبنانية. سفراء لبنان في الدول الأوروبية إستشعروا ذلك من خلال تبدل في نبرة التعاطي الأوروبي في الحديث عن لبنان. جرى إستخدام مصطلحات في معرض الحديث عن تأليف الحكومة الجديدة، لا تمت بصلة إلى عوالم الديبلوماسية.

العنصر المستجد، وهو الأبرز، هو ما تم تسريبه عن “تطور ما” في الموقف الأميركي من تأليف الحكومة. “على اللبنانيين أن يسعوا إلى تأليف حكومة إختصاصيين، كما يرونها مناسبة لمصلحة بلدهم”. تشي العبارة بتجاوز قضية تمثيل حزب الله، من دون أن يعطي الأميركيون أية إشارة إلى موافقتهم مسبقاً على تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة. هذا التطور إذا كان جدياً، يُفترض أن يتم تظهيره في الأيام القليلة المقبلة، وإذا لم يخرج إلى العلن، فمعنى ذلك أن هذا “التطور” كأنه لم يكن!

ماذا على الصعيد الداخلي؟

أولاً، جرى إستشعار هذا المناخ الخارجي من جهات سياسية لبنانية عديدة. المعني الأول بالتهديد الأوروبي، برغم ضبابيته، هو جبران باسيل وبعض مستشاري رئاسة الجمهورية. بالنسبة إلى رئيس الجمهورية، كان واضحاً في الإجتماع الأمني ـ المالي “الشهير” عندما إستعاد سيرة العام 1989 وكيف تحدى رئيس فرنسا فرنسوا ميتران وسفيره في لبنان رينيه آلا ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش الأب ورئيس سوريا حافظ الأسد، برغم النتيجة المأساوية التي أدت إلى إجتياح القصر الجمهوري وكل ما تلاها من إحباط مسيحي. كان هدف عون تذكير الحاضرين أنه إذا كان المدفع “ما نفع معي، حرب الدولار ما رح تزحزح موقفي”. الموقف ذاته يتبناه جبران باسيل ولكن بفارق أنه لا يتورط مباشرة أمام الدول بل يضع رئاسة الجمهورية متراساً أمام مطالبه وأولها الثلث الضامن. لماذا؟ هذا الأمر يملك الجواب عليه جبران باسيل، بما يملك من “تقارير طبية” ومعطيات دقيقة، تجعله متيقناً أنه لن يسلم قرار الحكومة بأكثرية الثلثين إلى الحريري وحده.

ثانياً، على أساس هذه المناخات الخارجية، بدأ النقاش في القصر الجمهوري حول توجية رسالة رئاسية إلى مجلس النواب في ما يخص تأليف الحكومة. كل السيناريوهات تقاطعت عند القول إن الرسالة قد ترتد على الرئيس نفسه، إذا تبنى مجلس النواب بأكثريته موقفاً متقاطعاً مع مواقف دولية عديدة وآخرها روسيا، مع التأكيد على حكومة الإختصاصيين ورفض الثلث المعطل؟ جرى الإتفاق على سحب الرسالة. تمت الإستعاضة عنها بالخطاب الرئاسي الذي كان مفعوله شبيها بالرسالة. سارع سعد الحريري إلى الإتصال بدوائر القصر الجمهوري صباح اليوم (الخميس) وطلب مكتبه موعداً، لكن لم يأت الرد صباحاً حتى الظهر. إقتضى الأمر تدخل أحد “الوسطاء الدائمين”، فجرى تحديد الموعد عند الثالثة من بعد الظهر. هل كان المقصود رئاسياً تعمد إهانة الرئيس المكلف؟ على الأرجح، لكن أمكن سحب هذا اللغم البروتوكولي ـ السياسي.. وجرى لقاء الستين دقيقة في القصر الجمهوري.

إذا صحت المعلومات التي تحدثت في الساعات الأخيرة عن مفاوضات أميركية ـ إيرانية غير مباشرة وأخرى جرت في بغداد بين أجهزة أمنية إيرانية وخليجية، فإن الترياق الحكومي لن يأتي على الأرجح من بيروت، بل علينا إنتظار تطورات الخارج من دون التقليل أبداً من حجم إستعصاء الداخل

ثالثاً، رفض رئيس الجمهورية تسلم أية مسودة من الحريري. بدا مستفزاً من اصل الزيارة. طلب من الرئيس المكلف أن يسلمه الإثنين المقبل توليفة متكاملة. رفض مناقشة العدد. رفض مناقشة الحقائب. رفض مناقشة قضية الثلث المعطل. شدد على أن يأتيه الرئيس المكلف بتشكيلة كاملة وتتضمن أسماء جميع الوزراء، بمن فيهم وزيرا حزب الله. إنتهى اللقاء بإنجاز كبير: تنازلات في الشكل وفرت فرصة عقد اللقاء، لكن في المضمون كانت النتيجة تحت الصفر.

رابعاً، لكأن إطلالة السيد نصرالله، اتت في التوقيت غير المناسب. عبّر عن ذلك خطابه على مدى تسعين دقيقة. كان يمكن للكثير من عناوين خطابه أن توضع في سياق آخر لو لم يسبقها خطاب عون.. ومن ثم لقاء بعبدا. بدا الرجل مُكبلاً بتطورات الساعات الأخيرة، بدليل أنه حرص مراراً على عدم وضع بعض الإقتراحات الدستورية السياسية (البدائل الحكومية) التي تقدم بها في خانة الإنقلاب على المبادرة الفرنسية.

إقرأ على موقع 180  "حرب الظلال" بين حزب الله وإسرائيل.. مستمرة

خامساً، ذهب السيد نصرالله أبعد بكثير مما كان ينتظره من تابع خطابه. ذهب إلى حدود الدعوة إلى “سد ثغرات في نظامنا السياسي”، وهي الجملة التي مرّت في خطابه مروراً عابراً قبل أن يعطفها على إقتراحه المتمثل بالدعوة إلى حلول دستورية (وطنية) “دقيقة” تراعي “التوازنات الدقيقة” في موضوع الصلاحيات (بعنوان التكليف والتأليف). وهذه القضية ستكون مثار جدل سياسي ودستوري وستجعل خصوم حزب الله يربطون بين التعطيل وبين “رغبة مضمرة” عند حزب الله بالذهاب إلى ما يسمى “المؤتمر التأسيسي”!

سادساً، حتماً، بدا جبران باسيل منتشياً بعد خطاب السيد نصرالله بدليل “التغريدة” العاجلة التي تلت خطاب الأمين العام لحزب الله، وقال فيها “هذا ما ينتظره التيار واللبنانيون.. هذا هو المشروع المشترك الذي يمكن ان ينضمّ اليه الجميع، وهذه هي روحية وثيقة التفاهم “المطوّرة” التي يمكن لها ان تنقذ البلد وتنهض به. الى الأمام بالأفعال، حماية للبنان وحرباً على الفساد”. في المحصلة: عود على بدء. إستقواء بخطاب ومضمون رسائل حزب الله.

سابعاً، بهذا المعنى، هل يمكن أن يؤدي لقاء الإثنين إلى إحداث خرق سياسي؟ الجواب حتماً لا. كل ما طرحه الأمين العام لحزب الله من قضايا تتصل بالبدائل ولا سيما الذهاب نحو حكومة سياسية أو تكنو سياسية (حكومة عندها أكتاف “سياسية”) أو تفعيل حكومة حسان دياب لن يكون قابلاً للصرف السياسي. بدا الأمر على طريقة اللهم إشهد أنني قد بلغت، اي أن حكومة الإختصاصيين.. وإن تألفت “ما رح تصمد” و”لن تتتخذ قرارات جريئة”، أي “ما رح تشيل الزير من البير”.

ثامناً، تطرق السيد نصرالله إلى قضايا هامة أبرزها الخطاب الموجه إلى حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة بصفته هو من يتحمل وحده مسؤولية إرتفاع سعر الدولار وصولاً إلى القول له: أنت قادر على إنزال سعر صرف الدولار. هو موقف مبني على معطيات دقيقة كان آخرها ما حصل اليوم في الأسواق، في موازاة الإجتماع الذي عقد بين رياض سلامة ووزير المالية، وتم خلاله إتخاذ قرار بخفض سعر صرف الدولار، والتهيئة لتعديل سعر المنصة! أما الرسالة الثانية وهي الأهم، فهي التي تم توجيهها إلى قيادة الجيش اللبناني لجهة عدم التساهل مع إقفال الطرق وعدم الإنصات إلى نصائح السفارات الغربية، وهو أمر يحتاج إلى مقاربة لاحقة.

تاسعاً، إذا صحت المعلومات التي تحدثت في الساعات الأخيرة عن مفاوضات أميركية ـ إيرانية غير مباشرة وأخرى جرت في بغداد بين أجهزة أمنية إيرانية وخليجية، فإن الترياق الحكومي لن يأتي على الأرجح من بيروت، بل علينا إنتظار تطورات الخارج من دون التقليل أبداً من حجم إستعصاء الداخل.. للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  17 تشرين: لحظة تاريخية.. لولادة جديدة