انتخابات إيران: مقصلة صيانة الدستور تهدد نسبة الاقتراع وأكثر

لم يكن مفاجئا عدم تدخل القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي لتعديل لائحة المرشحين المقبولين للانتخابات الرئاسية. آية الله خامنئي، ومن دون الخوض في النوايا، مطلع تفصيليًا على سير عمل مجلس صيانة الدستور. هو يعين نصف أعضائه، ولو كانت لديه نيّة التدخل لفعل ذلك، قبل أن تُعلن اللائحة رسميًا، وقبل أن تتحول إلى قضية رأي عام في إيران، حيث تعيش البلاد في ظلّ نقاشاتٍ حادة، بالتوازي مع ترقّب خارجي لمعرفة الوجه الذي سيخلف حسن روحاني.

قرار مجلس صيانة الدستور الذي استبعد شخصيات إصلاحية ووسطية وأصولية تقليدية عسكرية، سهّل بنسبةٍ كبيرة معرفة المرشح الرئاسي الأكثر حظًا. من هنا تبدأ تعرّجات العقدة الجديدة.
لعلها منذ انتخابات عام ٢٠٠٩ وما تلاها من اعتراضات واتهامات بالتزوير، من المرات القليلة التي توضع فيها الانتخابات تحت مجهر التشكيك، وتزداد حساسية ذلك لأن مصدره نخب في النظام وشخصيات يمكن وصفها بالمحورية فيه. الإشكالية هنا، والسؤال الذي يتكرر: كيف لعلي لاريجاني، مستشار المرشد ورئيس مجلس الشورى السابق، إلى جانب لائحة طويلة من المناصب الحساسة، كيف له أن يكون فاقدا للأهلية لخوض الانتخابات الرئاسية؟ هذا إذا وضعنا جانبا نائب الرئيس الحالي اسحق جهانغيري، الذي خاص الإنتخابات الماضية قبل أن يتراجع لصالح حسن روحاني.

بعيدا عن الصلاحية والسماح بخوض الانتخابات، تؤكد نتائج إحصاءات مؤسسات الإحصاء واستطلاعات الرأي أن لاريجاني بعيد عن الفوز بالرئاسة، وأن إبراهيم رئيسي متقدم على الجميع، كما أن جهانغيري لم يكن يملك ما يجعله يتفاءل بأن يصبح رئيسا بعد ثماني سنوات في الموقع الثاني في الحكومة. لم يكن سرا بالنسبة للإصلاحيين أن رئيسي هو المرشح الأول والأقوى، وأن التسوية ضمن تيارهم والتي ستسمح بأن يكون لاريجاني، الأصولي التقليدي، مرشحا توافقيا عن الإصلاحيين والوسطيين والأصوليين التقليديين، لن تكون كافية له بأن يصبح رئيسا لأسباب عديدة تبدأ من عدم اقتناع القواعد الإصلاحية بهذه التسوية، مرورا بكونه يفتقد للشعبية في صفوف الأصوليين والوسطيين، وهي أساسية في قدرته على خوض معركة بوجه إبراهيم رئيسي، الذي يقف أمام فرصته الأخيرة لتثبيت نفسه شعبيا على طريق تحصيله “الأهلية” لخلافة القائد الأعلى. رغم كل هذا، ورغم الحاجة التي تحدث عنها خامنئي سابقا لتكون الانتخابات شعبية وحاشدة، استبعد سليل عائلة لاريجاني الحافرة عميقا في النظام، ما دفع شقيقه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، صادق آملي لاريجاني لشن هجوم شرس على مجلس صيانة الدستور، والقول بأنه تأثر بتقاربر أمنية كاذبة، قبل تأكيده أنه كان دائما داعما للمجلس في قراراته، لكنه هذه المرة لم يجد “قرارات مجلس صيانة الدستور بهذا المستوى الذي لا يمكن الدفاع عنه، سواء في منح الأهلية لمرشحين أو في عدم منحها لآخرين”.

خلاصة تصريحات المنتقدين، ولا سيما زعيم الإصلاحيين محمد خاتمي، وحسن الخميني وزهراء الخميني حفيد وإبنة مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني، بدأ التحذير الأساسي من التداعيات التي ستحملها هذه الانتخابات على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثمّة من يعتقد حتى من الأصوليين في إيران، بأن الذي جرى قد يكون في حجم تداعياته الطويلة الأمد أشد خطرا على النظام مما جرى في اعقاب انتخابات ٢٠٠٩ لأنها المرة الأولى التي تُكسر على نحو حاد المساكنة النسبية التي حكمت إيران منذ العام ١٩٩٧ بين ما اصطلح على تسميته منذ ذلك الوقت تيارا اصلاحيا، وما تطور من رحم الحزب الجمهوري الإسلامي ليصبح تياراً أصوليا. صحيح أن الإصلاحيين لم يحكموا مباشرة خلال السنوات الثماني الماضية، إلا أن حسن روحاني كان نتاج تسوية تشبه تلك التي كان من المفترض أن تدعم ترشح لاريجاني، إلا أن ذلك لم يحصل.

معظم الذين انتقدوا استبعاد مرشحين من العيار الثقيل، وضعوا القرارات في سياق تمهيد الطريق لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي ليصل إلى الرئاسة من دون تشويش، وذلك بسبب أهمية هذا الأمر لدوره اللاحق المفترض، لكن هل هذه هي الحقيقة؟

ليس بإمكان احد حسم الخلفيات، لكن هذا الاتهام يبدو سطحيا بعض الشيء إذا اخذنا بعين الاعتبار واقع أن المؤسسة الحاكمة في طهران ليست فاقدة لخيوط اللعبة، وأن كل المرشحين الكبار المفترضين، باستثناء المتمرد محمود أحمدي نجاد، كلهم تحت سقفها بل ومن صناع سياستها، لذلك نحن لا نتحدث عن مشاريع رؤساء انتحاريين، على العكس تماما، في حالتي جهانغيري ولاريجاني، الحديث عنها عن سياسيين مصنفين “لايت” وبعيدين كثيرا عن إثارة الجدل وفي حال فوز أي منهما، لن يكونا مزعجين.

إقرأ على موقع 180  إسرائيل وسؤال ما بعد إغتيال فخري زاده: ماذا سيكون الرد؟

هناك تحليل يقول إن انتخابات الرئاسة الإيرانية، قد انتهت على طاولة المفاوضات بين إيران والدول الغربية وروسيا والصين حول العودة للاتفاق النووي. الحديث هنا محوره أن رغبة إيران في الوصول لاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية، تدفعها لمناورة كبرى بحجم إرسال رسالة واضحة للغرب بأن أي خيار للتفاوض بعد الحكومة الحالية سيكون صعبا، فالمرشحين الأبرز الآن، سعيد جليلي وإبراهيم رئيسي ليسا من المعجبين باتفاق فيينا النووي، وهذا ما سيجعل التفاوض مع أي منهما صعبا للغاية، حتى ولو كان النظام يرغب في العودة للاتفاق النووي.

التزامن بين الإعلان عن لائحة المقبولين للترشح من مجلس صيانة الدستور، والانتخابات الرئاسية السورية، دفعت بعض المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي للقول إن “الانتخابات المطلوبة في إيران هي انتخابات حزب بعث إيران”، وذهب آخرون لاستعادة الانتخابات التي كانت تجري في السنوات العشرين الأخيرة من زمن شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي، بداية بين حزبي مردم ايران ورستاخيز ولاحقا رستاخيز من دون منافس.

المرور على تعليقات مواقع التواصل هدفه الإشارة إلى أن بعض الناشطين، وجزء منهم يعيش داخل البلاد، ذهبوا في تعليقاتهم إلى مساحة غير ملموسة سابقا، ما يأخذنا مجددا إلى التداعيات بعيدة الأمد. فالبعض يحذر من أن شعور شريحة معينة من المواطنين الإيرانيين، ولا سيما من كانوا لا يزالون يؤمنون بالتغيير تحت مظلة الجمهورية الإسلامية، بأنهم مهمشين وممنوعين من التغيير بالطرق القانونية والدستورية، هذا الشعور سيدفعهم لسلوك مسارات أخرى لإيصال صوتهم، أو لفرضه. نسبة التصويت في الانتخابات النيابية الماضية عكست نوعا من الانكفاء، بعد حجب الصلاحية عن معظم المرشحين غير الأصوليين، ولم تتخط الـ %43 وهي الأقل في تاريخ الجمهورية منذ الثورة عام ١٩٧٩. والآن، وبحسب أخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “أيسبا” تراجعت نسبة من يرغبون بالاقتراع من %43 الأسبوع الماضي إلى %36، وقد تكون الأرقام هنا أولى مؤشرات أزمة سياسية داخلية يخشاها فريق ليس هامشيا في المشهد الإيراني.

ينشر بالتزامن مع موقع “جاده ايران”

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  العراق: حكومة السوداني "فرصة أخيرة".. أو المجهول!