لا جديد.. لقد بلغنا النهاية التي نستحقُها!

هل لا يزال لبنان حيَّاً؟ يبدو كأنه ميت يسير على قدميه. إنه يشبه المستحيل. أمامه نهاية الطريق. يتيمٌ تخلى عنه الجميع. لِمَ لا؟ إنه متعبٌ ومرهقٌ وحزينٌ، يثير الشفقة والغضب معاً. يسير منحنياً إلى كارثته!

كل الأبواب مقفلة. حتى السماء أقفلت صباحاتها. نهارات لبنان معتمة، وشعوبه تنحني، تلوّح بأحزانها الباقية، وهي تعرف جيداً أن الصباح قد تأجل، وان العتمة قرينة ما بعد الإنهيار. لا فسحة لأي حل أبداً. ها هو ينحني إنحناءاته الأخيرة. غريب هذا المآل البائس. لم تعد الصلوات مجدية. نلوّح بدموعنا: “وداعاً أيتها الخسارات المتراكمة. وداعاً أيها الوطن المستحيل”.

لم يكن لبنان، منذ ولادته، مشروعاً ممكناً. لم يكن لبنان لمن هم فيه. لم يكن أداة جمع بل أدوات فرز. طوائف معتلة، لا تنجب وطناً معافى. كل من فيه، ليسوا منه ولا معه. إنهم أضداد ملتئمة مؤقتاً. لم يكن لبنان دولة. هذا من سابع المستحيلات. لم تغدق فرنسا على شعوبه بدولة. كيان هزيل، يحتاج إلى سند، ولكل مجموعة طائفية، حُمَّى البحث عن أم. فرنسا أم الموارنة هكذا كان في الأصل. من رحم الفتن السابقة جاء. لم يكن متعافياً أبداً. أُضيف إليه سُنّةُ الأطراف والساحل. لم يلتئما. وبعد عقود، حضر الشيعة مع إمامهم. إختلطت السياسات. المعادلة اللبنانية غير عادلة. كل فريق يشكو غبناً أو إستئثاراً أو تعدّياً. لذا، إستحال أن يكون لبنان لبنانياً اولاً، لذا، ظلّ لبنان ثانياً وثالثاً. ملحقاً بالطوائف الداشرة بين العواصم. عفواً، بين الملاجئ. اللبناني، لم يكن لبنانياً، شُبّهَ لهم ذلك.

الفاسدون في كل مكان. لبنان مبني على أهم قيمة ملعونة. لبنان مبني على عقيدة الفساد المبرمة. والفاسدون هم خدم غرائزهم وحساباتهم. لقد أكلوا الأخضر واليابس. على مرأى ومعرفة ويقين، جميع المقيمين في لبنان، من كل الطوائف والمشارب

لا أم واحدة للبنان. لذا، كان لبنان موطئ سياسات خارجية. تاريخه متصل، إتصالاً أمومياً، بعواصم دولية أو إقليمية. لذا، لم يكن لبنان، مستقلاً أبداً. إستعيدوا تاريخه. قلّبوا صفحاته السود. تذكّروا الفتن الصامتة والمعارك الصاخبة والحلول الخائبة، التي صاغتها، مطامع الغرباء. جوّانية لبنان، فارغة. ويمكننا أن نقول، والشواهد أدلة، لا وجود للبنانيين في لبنان. “اللبنانية” ليست واحدة. الهوية، عبارة عن هويات لا تلتقي. المؤكد في كل ذلك، أن الناس، كانوا على دين زعمائهم. ما يقال عنه الشعب، هو خطأ سياسي فادح جداً. لا شعب عندنا. لدينا أتباع، وقلة حرة والأتباع يسيرون حذو النعل بالجباه. ولا مرة كان “اللبنانيون” لبنانيين أولاً. كانوا موارنة وسنة وشيعة وكاثوليك ودروز وأرمن وأرثوذوكس. لكل ملة زريبة، يقيم فيها الأتباع، ويُخلِصون لطوائفهم وحماتها، بأقصى ما يملكون من إنتهازية وتبعية وحقد.

المشهد المأساوي الراهن، قد يكون الفصل الأخير من تراجيديا الإنحدار المستدام والإنتحار المجاني. فلسفة الكيان، “عليّ وعلى أعدائي”. وإذا لم يكن ذلك كذلك، فكيف يمكن تفسير سلوك أمراء الطوائف اليوم، وهم يمعنون بدفع اللبنانيين دفعاً إلزامياً، إكراهياً، مُنظماً، إلى الفاقة والجوع والمرض والأحزان والفقدان والإفقار واليأس والإنحطاط والعجز و… على وشك الإنتحار.

هؤلاء اليوم، هم الأبناء “الشرعيون”. لأجدادهم وآبائهم، الذين أدمنوا النوم في الفراش الأجنبي أو العربي أو الدولي.  كل ما نحنُ فيه، سبق أن ذقناه. هل تتذكرون الحروب والفتن؟ هل ذقتم من قبل طعم الإفساد والفساد؟ لا جديد حتى الآن. سوى أننا بلغنا النهاية التي نستحقها.

كفى ندباً وعويلاً وصراخاً. لم يفدنا شيء من هذا القبيل. كفى توقعاً للمستحيل. المستحيل وحده الحي الباقي. هذا المستحيل، منع ظهور القبضات العارية التي تنكب ضرباً على رؤوس السلطة، أو السلطات. يقال أحيانا: إضرب في كل الإتجاهات وحتماً ستصيب. ستصيبهم عن جد. الفاسدون في كل مكان. لبنان مبني على أهم قيمة ملعونة. لبنان مبني على عقيدة الفساد المبرمة. والفاسدون هم خدم غرائزهم وحساباتهم. لقد أكلوا الأخضر واليابس. على مرأى ومعرفة ويقين، جميع المقيمين في لبنان، من كل الطوائف والمشارب.

كان الحراك أملاً. لقد إغتالته الطوائف علانية. جسم الحراك نحيل جداً، لأن أكثريته غاضبة على خصم أو عدو منتقى. العدو لم يكن واحداً. لكل فريق أعداؤه. فرز طائفي للأعداء. هذا منا وهذا ضدنا. الفرز ليس على أساس الجرم، بل على أساس الإنتماء. قلة مباركة ـ أفَلَتْ في ما بعد ـ صوّبت بدقة على المرتكبين، بلا تمييز طائفي. هذه القلة القوية، لا تتغلب على قوى متناحرة، تجرجر خلفها أتباعها. غريب، هناك مساجين يطربون لصوت السلاسل، ويسمونها أنغام الإنتماء!

الإفلاس هو رصيدنا الأخير. القهر هو مصيرنا الدائم. لا تعوِّلوا على حكومة. إن أي حكومة محكومة بالدجل والكذب وهي متهمة بأعظم الإرتكابات من قبل ومن بعد. لا أمان ولا أمن ولا تأمين مع هؤلاء أبداً

عودوا إلى الوراء دائماً. تاريخ لبنان هو تاريخ الفتن، واللجوء إلى “صديق”، ولو كان عدواً. لبنان كان فرنسياً يوم كان فريق منه يقول إنه سوري. لبنان صار ناصرياً، ضد لبنان الإنعزال. لبنان كان فلسطينياً ضد لبنان المُطبّع باكراً. لبنان كان مُدوّلاً إبان الحرب. إنتهى سورياً، بدعم سعودي وتأييد أميركي. إجتياح أمني سوري واجتياحات مالية مشبوهة، دمّرت إقتصاد لبنان الزراعي والصناعي والإنتاجي. لبنان حائر اليوم بين إيران والسعودية والخليج وأوروبا وعقوبات أميركا. لا تراهنوا على لبنانية اللبنانيين. هؤلاء ليس بوسعهم أن يكونوا لبنانيين فقط، أو لبنانيين أولاً.

إقرأ على موقع 180  حادثة التنف.. لا أحد يخوض معارك أميركا بعد اليوم!

لا تعدوا الوقت أبداً. لقد خسرنا كل شيء. الرابحون هم المقيمون في السلطة والزعامات والأتباع فقط. الغلابى من اللبنانيين باتوا أيتاماً: لا وطن. لا مال. لا أعمال. الإفلاس هو رصيدنا الأخير. القهر هو مصيرنا الدائم. لا تعوِّلوا على حكومة. إن أي حكومة محكومة بالدجل والكذب وهي متهمة بأعظم الإرتكابات من قبل ومن بعد. لا أمان ولا أمن ولا تأمين مع هؤلاء أبداً.

نصيحة: أقلعوا عن تضييع الوقت في الإستماع إلى كذبهم ودجلهم وفسقهم، وهم يتفوهون بها على الشاشات الشرهة لنشر الكلام على علاته، من دون محاسبة. خلص. إسمعوا صوت قلوبكم وعقولكم وأبنائكم. أجيبوهم: لماذا كنتم كذلك؟ لماذا أخلصتم لناهبيكم وسارقيكم ومرتكبيكم حتى الثمالة. أنتم لستم بحاجة إلى دليل يدلكم على الفاسدين. الفاسدون مشهورون جداً. إنهم نجوم الإطلالات التلفزيونية والتصريحات “البتولية”.

علينا أن نوفر عذاباتنا. أن نقلع عن الأمل. الأمل بوطن لن يكون. الأمل بنظام لن يولد. الأمل بمؤسسات خادمة لا مخدومة، الأمل بحياة كريمة وعمل منتج. خلص. لا تحلموا أبداً. كونوا واقعيين عن جد. قولوا هذا الكيان غلط. مرتكبو الغلط من قبل ومن بعد، هم هم. لا تحاربوا الفساد. الفساد عقيدة هذا النظام الحقير. لم يلحظ تاريخ لبنان إلا القليل القليل من القادة ذوي الأيادي البيض. البقية ملوثة، حتى صماصيم القلب. الإستقلال متعذر. لبنان يتسول من الدول، رمقه السياسي الملوث.

قليل من الواقعية. إعترفوا بأن المستحيل موجود.. وأن لبنان ينتمي إلى المستحيل.

كنتُ أودُ أن أكونَ متفائلاً قليلاً. أعتذر. لا أريدُ أن أكون كذاباً.

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  أزمة "كورونا" والتسليح.. تصفير ميزانية الدفاع الأميركية؟