هل تستطيع “إسرائيل” مهاجمة ايران؟

قلما يتحدث الاسرائيليون عن نواياهم في ما يريدون فعله. ما يعلنون عنه ليس بالضرورة هو ما سيقومون بتنفيذه. ربما يتركون ذلك الی آخرين؛ او يدفعون جهات دولية او اقليمية لتقوم بالنيابة عنهم بعمل معين؛ سواء أكان عسكرياً أم دبلوماسياً.

إذا اطمأن الإسرائيليون إلی وجود غطاء عسكري مناسب، لا يترددون في إفتعال حرب او ازمة لأن حالة كهذه تعني ان “الغطاء” هو الذي يحارب؛ وهي من الحالات النموذجية التي سعی إليها الكيان الاسرائيلي في كل ازماته وحروبه مهما كانت صغيرة او محدودة من اجل لعبة يجيد قوانينها وهي توظيف الازمات الدولية لتصب في مصلحته.. وابتزاز الآخرين من اجل تحقيق هذه المصلحة.

وجد الكيان الإسرائيلي ضالته في انسحاب الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب من “الاتفاق النووي” في العام 2018 فرصة لإطلاق رصاصة الرحمة على الإتفاق، غير أنه فشل في تحقيق ذلك بسبب اصرار ايران ومعها الدول الاخری علی صموده؛ وساعد في ذلك الهزيمة التي مُني بها ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفوز منافسه الديموقراطي جو بايدن الذي وضع في سلم اولوياته العودة إلى هذا الاتفاق.

لا اريد الدخول في قصة احياء “الاتفاق النووي” الذي تسعی إليه الولايات المتحدة، وفق المقاسات التي تريدها؛ لكن ما اريد الحديث عنه هو الخيارات الاخری التي تبشر بها “اسرائيل” قبل الولايات المتحدة وكأنها الفاعلة في ضبط إيقاعات الجانب الامريكي مع ايران في حال فشل المفاوضات النووية في فيينا.

الكيان الاسرائيلي يتحدث عن “الخيار العسكري”، حيث قال وزير المالية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن المواجهة مع ايران لا يمكن اجتنابها وأنها الطريق الوحيد لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي؛ معرباً عن اعتقاده ان المفاوضات لا يمكن ان توقف البرنامج الايراني. في الوقت ذاته، أشارت وسائل اعلام اسرائيلية إلى تخصيص مليار ونصف المليار دولار من اجل دعم القوة العسكرية الاسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية؛ في الوقت الذي قال وزير الحرب بيني غانتس ان “اسرائيل” تستعد لتنفيذ هجوم عسكري علی ايران.

الحرب علی ايران ليست نزهة ولن تسقطها؛ لكن الرد علی “اسرائيل” سيكون “رداً وجودياً”. الهجوم علی المنشآت النووية ربما يُدمّرها لكنه لن يستطيع تدمير الكفاءات العلمية والتجربة التي حصلت عليها ايران ولربما اعادة بناء هذه المنشآت سيكون باتجاه وشكل آخرين

لا اريد ان اجيب علی سؤال بشأن مدی قدرة “اسرائيل” علی مهاجمة ايران؟ وهل تستطيع ذلك ام لا؟ وفي اي الحالات يمكن أن تتمكن من ذلك؟ لكن الواضح ان “اسرائيل” توفرت لديها عدة فرص لضرب ايران منذ العام 2003 لكنها واجهت معارضة امريكية استنادا لحسابات ومصالح امريكية خاصة، لانها كانت في كل تلك الفرص تنتظر ابتزاز الولايات المتحدة وتوظيف القوة الامريكية لمهاجمة ايران.

ما استطيع ان استخلصه هنا هو ان “اسرائيل” لم تكن لتتردد للحظة في مهاجمة ايران وضرب منجزاتها النووية او الصاروخية لو كانت قادرة علی ذلك بمفردها، لكنها لم تكن في يوم من الايام تمتلك جرأة القيام بهكذا خطوة لانها تدرك عواقبها بشكل جيد، ولذلك كانت دائماً تحاول اقناع الولايات المتحدة لتوفير الغطاء العسكري والسياسي والامني من اجل تحقيق حلمها الذي لا تخفيه على احد.

الامن القومي الاسرائيلي يستند علی التفوق العسكري والعلمي في المنطقة ولذلك منعت اي دولة وقعت معها علی معاهدة سلام من السير بالاتجاهات العلمية التي تعتقد انها تضر بأمنها القومي، كما ورد في معاهدة كامب ديفيد مع مصر واتفاق وادي عربة مع الأردن. واستناداً الی ذلك، تمت مهاجمة مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981 والبرنامج النووي السوري عام 2007، فيما تحلم بمهاجمة المنشآت النووية الايرانية منذ سنوات عديدة.

خلال الرئاسات الامريكية السابقة، فشلت “اسرائيل” في اقناع الولايات المتحدة بالهجوم علی ايران؛ وخلال عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ما زالت الحكومة الامريكية تعتقد ان الخيارات الدبلوماسية افضل من غيرها علی الرغم من قولها ان “صبرها ينفذ”.

الولايات المتحدة تعرف جيداً ان اي توتر بهذا الحجم مع ايران سوف يبعثر كافة الاوراق الامنية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط ذات الرمال المتحركة. وان المصالح الاسرائيلية لن تكون آمنة ولربما الوجود الاسرائيلي في المنطقة سيكون بخطر، وهذا الأمر تعرفه “إسرائيل” جيداً قبل الولايات المتحدة ولذلك تحاول توريطها بأي حرب تريد القيام بها ضد ايران.

الحرب علی ايران ليست نزهة ولن تسقطها؛ لكن الرد علی “اسرائيل” سيكون “رداً وجودياً”. الهجوم علی المنشآت النووية ربما يُدمّرها لكنه لن يستطيع تدمير الكفاءات العلمية والتجربة التي حصلت عليها ايران ولربما اعادة بناء هذه المنشآت سيكون باتجاه وشكل آخرين.

وعليه من السذاجة والبساطة الإعتقاد ان إيران ستخضع للابتزاز، كما تتمنى “إسرائيل”، لكن هذا لا يمنع ان تكون بأعلى جهوزيتها العسكرية والاقليمية لمواجهة أي مغامرة يمكن أن تغامر بها “إسرائيل” ضد المصالح الايرانية.

[email protected]

إقرأ على موقع 180  ملف التضليل الإعلامي على مكتب بايدن

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180   كروغمان عن جانيت يلن وزيرة الخزانة.. "أعطِ خبزك للخبّاز"!