أولوية إيران.. برنامجها النووي أم أمنها القومي؟

معظم المؤشرات لا تشير الی أن جولة 27 ديسمبر/كانون الأول من مفاوضات فيينا النووية ستكون نقطة تحول كبيرة في الدبلوماسية الإيرانية لكنها ربما تستطيع دعم الجهود المبذولة من جميع الأطراف.

في العام 2005 عندما حصل إتفاق بين إيران والترويكا الأوروبية التي مثّلها وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا في اجتماع عقد بطهران لتعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم؛ سألتُ الرئيس حسن روحاني الذي كان يشغل منصب أمين مجلس الأمن القومي حينذاك عن الأسباب التي جعلت إيران توافق على تعليق أنشطة التخصيب؛ فأجاب من دون تردد أن إيران “تريد أن تحيا بالبرنامج النووي ولا تريد ان تموت.. وهناك فرق بين الحياة والموت”؛ وأضاف أن إيران تتعامل مع برنامجها النووي وفق سياقات ومسارات أمنها القومي.

هذا الفهم الذي يربط البرنامج النووي الإيراني مع الأمن القومي هو الطريق الذي سارت عليه الحكومات الإيرانية المتعاقبة بعيداً عن متبنياتها الإصلاحية أو الأصولية. معركة طويلة؛ مكلفة؛ غير سهلة خاضتها طهران مع الدول الغربية من أجل إكتساب إعتراف المجتمع الدولي ببرنامجها النووي حتی وإن كانت نسبة التخصيب فيه 3.76 بالمئة، كما نصّ عليه الإتفاق النووي المبرم عام 2015.

في العام 2013 وتحديداً بعد فوز الرئيس حسن روحاني في الإنتخابات الرئاسية، دخلت إيران مرحلة جديدة من المفاوضات مع الدول الغربية وكانت عيون روحاني مُصوّبة علی “المختار” – هكذا سمّی الرئيس الامريكي باراك أوباما – بعدما لمست طهران بوادر حسن النوايا من رئيس الولايات المتحدة الذي أرسل رسالته الشهيرة إلى المرشد الايراني آية الله علي خامنئي حملها حينها الراحل قابوس بن سعيد، سُلطان عمان.

الحكومة الإيرانية التي شكّلها روحاني كان نواتها الفريق المفاوض الذي ترأسه وزير الخارجية محمد جواد ظريف وكانت مهمتها الرئيسية التوصل مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة إلى إتفاق يزيل العقوبات المفروضة علی إيران مقابل كبح جماح طموحات إيران النووية والحد منها.

علی هامش المفاوضات النووية، قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري “إن عدم الإتفاق أفضل من الإتفاق السيء”، لكن نظيره الإيراني الذي كان يجلس في الجانب الآخر من الطاولة رأی “أن الإتفاق السيء أفضل من عدم الإتفاق”.

سألتُ روحاني الذي كان يشغل منصب أمين مجلس الأمن القومي حينذاك عن الأسباب التي جعلت إيران توافق على تعليق أنشطة التخصيب؛ فأجاب من دون تردد أن إيران “تريد أن تحيا بالبرنامج النووي ولا تريد ان تموت.. وهناك فرق بين الحياة والموت”؛ وأضاف إيران تتعامل مع برنامجها النووي وفق سياقات ومسارات أمنها القومي

لا تختلف كثيراً إستراتيجية حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي عن سلفه حسن روحاني النووية. ربما تختلف في السلوك والتفاصيل لكن الإستراتيجية التي تسير عليها السياسة الإيرانية ثابتة وهي إزالة العقوبات مقابل الحد من الطموح النووي. لا يوجد فرق كبير سواء في العام 2013 أو 2015 أو 2021.

في كل هذه المراحل كانت “إسرائيل” هي المعارض الأساس والوحيد للإتفاق التي كانت تطالب بضرورة مروره من نافذتها الأمنية. إيران كانت مدركة لذلك؛ وعليه كانت تطالب الغرب وتحديداً الأمريكي بعدم رهن المفاوضات بالرغبات والإملاءات الإسرائيلية لأنها مدمرة ومكلفة ولا يمكن أن تكون بنّاءة.

نحن الآن نتحدث عن مفاوضات الجولة الثامنة. ليس مهماً ماذا تريد إسرائيل؟ المهم هناك تصعيد في برنامج إيران النووي يريد الغرب تبديد قلقه بشأنه؛ مقابل عقوبات فرضها الرئيس دونالد ترامب تريد إيران ازالتها من أجل العودة إلى إتفاق 2015.

هناك عدة سيناريوهات حالياً. أولها أن تسير المفاوضات إستنادا إلى قاعدة “رابح رابح” لإحياء الاتفاق النووي على قاعدة “المؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين”. ثانيها، عدم تمكن هذه المفاوضات من التوصل لإتفاق جيد وإنما يتم التوصل لإتفاق مؤقت أو مرحلي. ايران تسير وفق سياق السيناريو الاول ولا ترغب الخوض في السيناريو الثاني لأنها تعتقد أنه لا يُحقّق أهدافها.. ثالثها هو بقاء مجموعة 4+1 مع إيران في الإتفاق النووي من دون عودة الجانب الأمريكي؛ رابعها هو انهيار المفاوضات بشكل كامل وانهيار الاتفاق النووي وعودة كل طرف إلى المربع الأول وهذا السيناريو ضعيف ولا يرغب به أحد لأنه مكلف جداً ولا يخدم مصالح أي من الأطراف المتفاوضة.

الضرورات الإستراتيجية تُحتّم علی جميع الأطراف المعنية بالدبلوماسية النووية استخدام الوسائل المتاحة لتحقيق الأهداف المرجوة. يبدو لي أن إيران أبدت تفهماً للقلق الذي يبديه الغرب بشأن طموحاتها النووية لكن المشكلة أن الدول الغربية لا ترغب ولا تريد أن تتفهم الضرورات الإستراتيجية والإقتصادية الإيرانية، ولذلك فإن المفاوضات لن تكون قصيرة لكن بالتأكيد لن تنتهي بالإتفاق المرحلي.

حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تتحدث عن هدف واحد للمفاوضات وهو وضع نهاية للعقوبات والاستفادة بشكل كامل من الفرص الإقتصادية المتاحة في الإتفاق النووي مقابل إزالة القلق عند الجانب الغربي من البرنامج النووي الإيراني.

إقرأ على موقع 180  دماء على طريق الصين وروسيا إلى "معادلة القمة"!

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  دمشق تُقدّم التزامات أمنية وسياسية للرياض.. بضمانة روسيا