مبدئياً، لا أحد يذهب إلى المبادأة بالحرب من دون قناعة مسبقة بأن النصر معقود بين حاجبيه، وقديماً قال أحد أهم أعلام الفكر العسكري والإستراتيجي، الصيني سون تزو (551 ـ 479 ق.م) في كتابه “فن الحرب” إن “الجيش المنتصر لا يدخل حرباً إلا بعد أن يكون متأكداً من النصر، وتلحق الهزيمة بالجيش حين يعتمد على محالفة الحظ في ميادين الحرب”.
وبهذا المعنى فإشكالية المبادأة الروسية بالحرب تنطلق من أسئلة كبرى فحواها يغوص في البحث العميق عن أجوبة مقنعة أدت إلى اتخاذ قرار الحرب، فيما “النصر” لم تكن ملامحه ظاهرة ولا مرة منذ ساعة انطلاق “العمليات العسكرية الخاصة” في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي.
والآن وبعد تسعة أشهر من بداية الحرب وإثر الإنسحاب من مدينة خيرسون، وبعيداً عن البروباغندا الدعائية والرغبوية والعاطفية، بات من الضروري مصارحة روسيا بمجموعة من الحقائق المرة:
ـ الحقيقة الأولى؛ إرادة العدو: وفقاً لكبير المفكرين العسكريين الكلاسيكيين الجنرال الألماني كارل فون كلاوزفيتز (1780 ـ 1831) في كتابه الشهير “عن الحرب”، أن عوامل قهر العدو “تتطلب معرفة قوة إرادته، وبما أنه ليس من السهل قياس قوة الإرادة فالقياس التقريبي هو الذي يحدد عناصر وجهود مواجهة العدو”، وقبل كلاوزفيتز كان سون تزو قد حدد بدوره متطلبات هزيمة العدو عبر قوله “إعرف عدوك واعرف نفسك تستطيع أن تخوض مئة معركة من دون أن تجازف بهزيمة واحدة، وحين تكون جاهلاً بالعدو وعارفاً بنفسك فإن فرص النصر والهزيمة تكون متساوية”.
لا لبس في القول إن معرفة إرادة الأوكرانيين بالمواجهة كانت غائبة عن موسكو، أو لم تعطها الأخيرة المكانة اللازمة في التحليل والإستنتاج، ودلالات ذلك ظهرت في عدة مواقف متلاحقة أطلقها مسؤولون روس من بينهم المتحدث باسم وزارة الدفاع ايجور كوناشينكوف الذي دعا في الثامن والعشرين من شباط/فبرير الفائت “كل سكان مدينة كييف لمغادرتها عبر الطريق السريع كييف- فاسيلكيف”، أو كما طالب المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف (28 ـ 6 ـ2022) الجيش الأوكراني بـ”الإستسلام لإنهاء الحرب في يوم واحد” أو حين راهن (26 ـ 8 ـ 2022) الرئيس الروسي السابق والنائب الحالي لمجلس الأمن القومي ديمتري ميدفيديف على حدوث انقلاب عسكري في أوكرانيا يطيح الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
هل بلغت اندفاعة الهجوم الروسي ذروتها في الصيف الماضي ثم انقلبت تراجعاً في الخريف الحالي؟ ثمة مغامرة في الإجابة المطلقة، ولكن ما يمكن قوله إن الوضعيات القتالية الراهنة للجيش الروسي ليست مريحة، وقد تتحول إلى مقلقة إذا لم يفلح الروس في تحقيق إنجاز ميداني على الأقل في المنطقة التي تبدو حالياً نقطة الضعف الرئيسية للجيش الأوكراني في مدينة باخموت ومحيطها
علام اعتمد المسؤولون الروس في رهاناتهم تلك؟
حتى الآن لا يجيب المسؤولون الروس عن هذا السؤال، ولكن من الواضح أنهم وكما يقول سون تزو كانوا يعرفون أنفسهم ولا يعرفون عدوهم ولم يستطيعوا أيضا تقدير “إرادة العدو بالقتال”، بحسب المحددات التي طرحها كلاوزفيتز، فأوكرانيا استطاعت تعزيز تشكيلاتها المقاتلة ورفعت عديدها إلى ما يقارب مليون جندي مثلما أكد وزير دفاعها أوليكسي ريزنيكوف في تموز/يوليو المنصرم، ولا ينطوي ذلك إلا على ارتفاع إرادة الأوكرانيين بالمواجهة وإخفاق التقديرات الروسية في هذا الشأن.
الأمر الآخر الذي غاب أو سقط عن تقديرات موسكو، دراسة متأنية ودقيقة لردة الفعل الغربية حيال دخول الجيش الروسي إلى الأراضي الأوكرانية، وعلى الأرجح أن ذلك عائد لثلاثة أسباب، الأول تعويل موسكو على الحرب الخاطفة ورهانها على فرض نتائجها السريعة كأمر واقع، والثاني عدم القياس السليم للمخاوف الأوروبية من توسع روسيا إلى ما بعد أوكرانيا وما يجر ذلك على الأوروبيين من هواجس كابوسية تستعيد الفترتين السوفياتية والقيصرية، والثالث عدم القراءة الحسنة لموقف الإدارة الأميركية حين تكون في عهدة الديموقراطيين الذين ما فتئوا يعتبرون روسيا الخطر الأول الذي يهدد أمن الغرب انطلاقا من قوتها العسكرية والنووية، وبما يخالف إلى حد ما رؤية الجمهوريين الذين يرون الخطر الأول متمثلاً بالصين لما تملكه من مقومات النهضة الإقتصادية والصناعية والعلمية وحتى الحضارية.
– الحقيقة الثانية؛ الإحتمالات النظرية: هذه الحقيقة مرتبطة بالأولى، فلا حرب ابتدائية تُخاض من دون دراسة وتقليب احتمالاتها النظرية والنفسية وما تتضمنه من توقعات لأفعال العدو وارتداداتها داخل صفوفه، وبالأصل فحروب المبادأة يحض عليها ترجيح انهاك العدو وبعثرة صفوفه وتمزيقها، وكان سون تزو سبّاقا في تقديم هذه الإحتمالات واعتبارها شرطاً من شروط النصر الذي يسبق فعل الحرب ذاته، ولذلك قال “إن النصر يكون حيث تكون الإحتمالات صحيحة، ولا يكون حين تندر هذه الإحتمالات، ولن يكون هناك أمل في إحراز أية انتصارات إذا لم يحصل القائد على أية نتائج من خلال حساباته النظرية قبل الحرب، نعم.. من خلال فحص الموقف من جميع الأوجه أستطيع أن أتنبأ بمن سيحالفه النصر ومن ستلحق به الهزيمة”.
بالعودة إلى الأيام والأسابيع القليلة التي تلت بداية الحرب ومقارنة الإحتمالات الروسية بما جرى لاحقاً في الميدان، ستخلص النتيجة إلى إخفاق الإحتمالات الروسية بإستسلام الأوكرانيين أو بإنشقاق الجيش الأوكراني او بحدوث انشقاق أهلي أو سياسي أحد اجنحته داعم للعمليات العسكرية الروسية، ولم يحدث أيضا انشقاق وزاري أو دبلوماسي، ولا برزت وجوه قيادية أوكرانية تعارض توجهات السلطات الحاكمة في كييف، ولم يقع انقلاب عسكري ولم يرفع الأوكرانيون الرايات البيضاء، بل على النقيض من ذلك، فقد ذهب الأوكرانيون إلى المواجهة بدعم سخي وغير محدود من الغرب، وعلى ذلك يعود السؤال إلى أوله: على أية احتمالات نظرية استندت روسيا واعتمدت؟.
ـ الحقيقة الثالثة؛ النصر السريع: هذه الحقيقة وثيقة الصلة بما سبقها، وعلى ما يرى كلاوزفيتز “أن خطة الحرب التي تستهدف تدمير العدو ترتكز على مبدأين: الأول العمل على الدفع بإتجاه إجبارالعدو على تجميع قواته في مراكز ثقل محددة أو في مركز ثقل واحد، والثاني العمل بأكبر سرعة ممكنة” لضرب العدو واستنزافه وعدم السماح له بإلتقاط أية فرصة أو مهلة تحولان دون انحصار قواته في مناطق محددة يسهل ضربها. إذا لم تقم خطة الحرب على هذين المبدأين، فالحرب تأخذ منحى طويلاً وتغيب عنها ملامح النصر السريع، وبناء على خلاصات سون تزو “لم نسمع عن عملية عسكرية ذات خطة باهرة استمرت طويلاً، ولم توجد أبداً حالة أفادت فيها الحرب الطويلة البلد أو الوطن”.
هذه الخلاصات في حال تطبيقها على وقائع الحرب الروسية ـ الأوكرانية، لا يبدو أن صالحها يميل للجانب الروسي، فبعد تسعة أشهر على الحرب بات من غير المعروف من هو الرابح ومن هو الخاسر، وبات يصعب تحديد اتجاهات الحرب، فالتبدلات والمتغيرات الميدانية تتسارع بصورة لافتة للإنتباه منذ انسحاب الجيش الروسي من محيط مدينتي كييف وتشيرنيهيف في آذار/مارس الماضي، وما أعقبه من تراجع للجيش المذكور في منطقة خاركيف في الشرق خلال أيلول/سبتمبر، وتلاه الإنسحاب من مدينة خيرسون في الجنوب هذا الشهر “حفاظا على حياة 30 ألف جندي روسي”، كما قال القائد العام لقوات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الجنرال سيرغي سوروفيكين، وكل ذلك يؤشر إلى طول الحرب وصعوبتها وإخفاق القوات الروسية في الإحتفاظ بالمناطق التي كانت سيطرت عليها في جولات القتال الأولى.
عموماً، ومهما قيل إن روسيا لم تكن تعمل وفق مفهوم “الحرب الخاطفة”، فذاك قول لا يقف على أعمدة مقنعة، فالمُبادر إلى الحرب ليس كزارع النخل يطمح إلى ثمار تُقطف بعد نصف جيل، إنه أشبه بالصيّاد الذي يبتغي إصابة طريدة إثر كل طلقة تخرج من فوهة بندقيته، وبحسب سون تزو “النصر الحقيقي في الحرب هو النصر السريع، لا نصر العمليات العسكرية الطويلة والممتدة”.
بعد تسعة أشهر على الحرب بات من غير المعروف من هو الرابح ومن هو الخاسر، وبات يصعب تحديد اتجاهات الحرب، فالتبدلات والمتغيرات الميدانية تتسارع بصورة لافتة للإنتباه منذ انسحاب الجيش الروسي من محيط مدينتي كييف وتشيرنيهيف وأعقبه الإنسحاب من خاركيف ثم خيرسون
ـ الحقيقة الرابعة؛ حرب المدن: لا تزال معركة مدينة ماريوبول عالقة في الأذهان، واستغرقت العمليات الحربية حولها وفي داخلها زهاء ثلاثة أشهر قبل أن تدخلها القوات الروسية، وإلى جانب معركة ماريوبول، كانت معركتان لا تقلان قساوة يشتعل وطيسهما حول مدينتي كييف وخاركيف، ولا يعني هذا الأمر سوى أن الجيش الروسي جرى إدخاله في المحظور، أي في حرب المدن.
لا أحد يدري ما الأسباب التي أدت إلى أن لا يستبصر القادة الروس بذاكراتهم القتالية المضيئة في مدينة ستالينغراد التي افضت معاركها إلى هزيمة الجيوش النازية بعدما ضربها العجز على ابواب المدينة المعجزة، فإحتلال المدن لا يتأتى عن طريق القوة العسكرية المحضة، وإن حصل ذلك فعن طريق الحظ ليس إلا، وأما دخول الجيوش المهاجمة إلى مدينة محاصرة فيتم عن طريقين لا ثالث لهما إما استسلام القوى المدافعة وإما التدمير الشامل كما حدث في ماريوبول، ولا يمكن للخيال العسكري أن يصل مستوى تحليقه الجامح لأن يتصور خاتمة لكل المدن الأوكرانية متماثلة مع نظيرتها ماريوبول، فذلك فوق الخيال وفوق العقل.
عن حرب المدن، كان سون تزو قد توقف طويلاً وقال “إذا هاجم الجيش المدن فسوف تُنهك قواه، وكذلك إذا شن حملات عسكرية طويلة، وأفضل وسيلة في الهجوم تمزيق روابط العدو ومهاجمة الجيش في الميدان، وأسوأ سياسة في الحرب هي مهاجمة المدن الحصينة، إن مهاجمة المدن هي الخيار الأخير حين لا يكون هناك بديل آخر، مع احتمال أن يتعرض ثلث المهاجين للموت في الهجوم على المدن الحصينة”.
في حال تم الأخذ بالتقديرات التي سبقت وأعقبت الإجتياح الروسي لأوكرانيا والتي أشارت إلى أن ما بين 130 ألفاً إلى 150 ألفاً من الجنود الروس يشاركون في العمليات العسكرية، فهذا يعني أن أكثر من نصف القوات الروسية على الأقل كانت جهودها مصوبة نحو بضعة مدن اوكرانية لا يتجاوز عددها الأربع مع ملاحظة المسافات البعيدة بينها وتأثير ذلك على طرق الدعم والإمداد، وإذا جرى النظر بعين ثاقبة إلى رقم الثلاثين ألف جندي روسي الذين خرجوا من خيرسون فإشكالية حرب المدن تتوسع ليطل منها سؤال خطير: هل كانت خطة الحرب الروسية في أوكرانيا مقتصرة على حروب المدن وهي الحروب التي ينصح المفكرون العسكريون والإستراتيجيون بتلافيها وتجنبها؟.
ـ الحقيقة الخامسة؛ دول الجوار: من ضمن التقديرات التي تسبق اندلاع العمليات الحربية يدخل عنصر ردة فعل الدول المجاورة في صلب التقديرات الدراسية وينبِه كلاوزفيتز إلى مخاطر ذلك بقوله “اذا كانت الأرض المستولى عليها محاطة بأراض معادية على جانبيها، فإحتلالها سيكون صعباً، كما سيجعل النصر غير مؤكد وسيغدو الإحتلال عبئاً ثقيلاً، وإذا تلقت الدولة المحتلة مساعدات خارجية فسينتج عن ذلك حافزاً وحماسة لقتال المحتلين”، وهذا ما حدث بالضبط في الحروب الحديثة ابتداء من فيتنام المجاورة للصين، ومروراً بأفغانستان المجاورة لباكستان وإيران وانتهاء بلبنان المجاور لسوريا.
والنظر إلى جغرافية أوكرانيا سيُظهر مجاروتها لبولندا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا، وكلها خرجت من دائرة الإستحكام الروسي بها وانخرطت كيداً وسخطاً في حلف “الناتو” الذي يستبطن ويُظهر عداء جلياً لروسيا، ولذلك كان طبيعياً أن تتحول هذه الدول إلى مواقع لوجستية متقدمة لـ”الناتو” في دعمه المفتوح لأوكرانيا.
ليس في متابعة المواقف الروسية ما يؤشر إلى أن موسكو قد درست بعناية ما يمكن ان تكون عليه رياح الغرب تجاه دخولها العسكري إلى أوكرانيا وقد يعود ذلك إما لأنها توقعت نصراً سريعاً، وإما لتقديرها بأن الغرب يتحاشى الصدام المباشر أو غير المباشر مع القوة الروسية الهائلة، وإما لأن إنجازها السريع في كازاخستان في مطلع السنة الجارية أغراها وأغواها، فحاولت استنساخه على حدودها الغربية متوقعة ومتكئة على دعم صيني لم يظهر ومتجاهلة تربص الغرب بها وقد ظهر بأسرع من ومضة عين.
ـ الحقيقة السادسة؛ الجدار المسدود: منذ ما قبل استعادة الأوكرانيين لمساحات واسعة في منطقة خاركيف في أيلول/سبتمبر الفائت، لوحظ ان البلاغات العسكرية الروسية باتت شبه مقتصرة على استخدام أفعال من نوع أن الجيش الروسي “تصدى” و”أفشل” و”أحبط” و”دحر”، وهذه أفعال تدل إلى انتقال الجيش الروسي من موقع الهجوم إلى موقع الدفاع، وإذا كان من المتوقع أن تستعيد القوات الروسية زمام المبادرة بعد معارك خاركيف قبل شهرين، وهذا لم يحصل، فإن الخروج من مدينة خيرسون جاء ليرسخ ـ حتى الآن ـ مراوحة الجيش الروسي على الموقع الدفاعي ومن دون أن يبدر منه ملمح لإستعادة هذه المدينة أو مناطق أخرى كان الأوكرانيون قد أعادوها إلى سيطرتهم.
هل بلغت اندفاعة الهجوم الروسي ذروتها في الصيف الماضي ثم انقلبت تراجعاً في الخريف الحالي؟
ثمة مغامرة في الإجابة المطلقة، ولكن ما يمكن قوله في هذا الصدد إن الوضعيات القتالية الراهنة للجيش الروسي ليست مريحة، وقد تتحول إلى مقلقة إذا لم يفلح الروس في تحقيق إنجاز ميداني على الأقل في المنطقة التي تبدو حالياً نقطة الضعف الرئيسية للجيش الأوكراني في مدينة باخموت ومحيطها.
يبدو الأفق مفتوحاً على تسوية ما ليست لناظرها قريبة بالطبع، ولكنها تقوم على المعادلة التالية: لا نصر ولا هزيمة لروسيا، ولا تعود أوكرانيا تحت عباءة بطرس الأكبر ووريثه بوتين الأول
أخيراً؛ عن تسوية مرتقبة؟
يقول الجنرال كلاوزفيتز “إن هدف الحرب هو هزيمة العدو أو نزع سلاحه”، وفي الذاكرة الحية هذا ما فعله الأميركيون في حرب أفغانستان عام 2001 حين هزموا نظام حركة “طالبان” وأسقطوه، وهذا ما نفذوه مع الرئيس صدام حسين عام 2003، وفي عدوان تموز/يوليو 2006 على لبنان طالب الإسرائيليون بنزع سلاح المقاومة اللبنانية فأصابهم الفشل والإنكسار، ولم يخرج الروس عن هذه الجادة بعد إطلاق عجلة الحرب في اوكرانيا إذ طالبوا بنزع سلاح الجيش الأوكراني، لكنهم الآن على ما يبدو تخلوا عن هذا المطلب وغدا خطابهم السياسي حافلاً بمفردات التسوية، وكأنهم يجنحون إليها ويعترفون ضمناً بنظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
في المعلومات المتداولة أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز اجتمع ونظيره الروسي سيرجي ناريشكين في مدينة أنقرة مثلما كشفت وكالة أنباء “الأناضول” التركية في الرابع عشر من هذا الشهر، وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية (7 ـ 11 ـ 2022) أكدت أن مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان اجتمع هو الآخر مع أمين مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف، وتناول الإجتماعان تداعيات الحرب الأوكرانية وآفاقها، وكأن المجتمعين يبحثون عن إجابة على سؤال: من أين نبدأ بالتسوية؟.
ما هو معلوم أن الأميركيين يخشون خروج الحرب الأوكرانية عن السيطرة، وهذه الخشية سيرتفع منسوبها بعد سقوط صاروخ أوكراني “بطريق الخطأ” على أراضي بولندا الدولة العضو في “الناتو”، وأما الروس فأي إخفاق جديد قد يخرجهم من عقالهم وثيابهم، ولذلك يبدو الأفق مفتوحاً على تسوية ما ليست لناظرها قريبة بالطبع، ولكنها تقوم على المعادلة التالية: لا نصر ولا هزيمة لروسيا، ولا تعود أوكرانيا تحت عباءة بطرس الأكبر ووريثه بوتين الأول.