“وول ستريت جورنال”: أميركا غير جاهزة لمواجهة الصين

تعاني الولايات المتحدة من مشاكل كبيرة في قطاع صناعة الأسلحة لديها، الأمر الذي قد يُعوّق قدرة الجيش الأميركي على خوض أي حرب طويلة المدى، خصوصاً ضد الصين، بحسب دراسة أعدها مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، يستعرضها غوردون لوبولد، محرر شؤون الأمن القومي ومندوب صحيفة "وول ستريت جورنال" في البيت الأبيض في هذا التقرير.  

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، العام الماضي، إلتزمت الولايات المتحدة بمساعدة الأخيرة، وأرسلت لها معدات وإمدادات عسكرية (تشمل كل شيء، من الخوذات إلى عربات الهامفي) بلغت قيمتها حتى الآن أكثر من 27 مليار دولار. ولهذه “المساعدة” يعود الفضل في أن القوات الأوكرانية استطاعت؛ حتى الآن؛ التخفيف ولو قليلاً من حدَّة أكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن الصراع الروسي-الأوكراني، الذي طال أمده، كشف أيضاً عن الخطر الإستراتيجي الذي تواجهه الولايات المتحدة، حيث انخفضت مخزونات الأسلحة لديها بشكل كبير فيما الشركات التابعة لوزارة الدفاع ليست مجهزة لسد النقص في السرعة المطلوبة، وفقاً لبحث أعده سيث جونز، نائب رئيس مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS).

مخزون الذخائر لا يكفي

يرى جونز أن “العامل الأساسي والأكثر أهمية هو أن قاعدة الصناعات الدفاعية الأميركية غير مجهزة للبيئة الأمنية الموجودة الآن، لأنها تعمل بوتيرة يمكن القول إنها تلائم بيئة في زمن السلم”.

يستند جونز في دراسته على مداخلات أدلى بها مسؤولون حكوميون وعسكريون كبار في وزارة الدفاع والكونغرس وشركات صناعة الأسلحة. ويقول إن ما سمعه من هؤلاء يُؤكد أن الجيش الأميركي معرض لأن تنفذ منه الذخائر بسرعة في حال خاض معركة ما مع الصين، خصوصاً إذا وقعت في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ويضيف جونز: “كيف يمكن لأي جيش أن يردع عدوه إذا لم يكن لديه مخزوناً كافياً من مختلف أنواع الذخيرة التي يحتاجها، خصوصاً وأن مسرح سيناريو المواجهة المحتملة التي نتحدث عنها هو مضيق الصين وتايوان”.

إجراءات بطيئة وبيروقراطية

خلال العشرين عاماً الماضية، خاضت أميركا “حروب تمرد” في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى، اعتمدت فيها على حشد قوات بأعداد كبيرة. لكن ما يدور الآن في أوكرانيا هو عبارة عن “حرب برية – تقليدية” بكل معنى الكلمة، تعتمد بشكل أساسي على الأسلحة الثقيلة. أما الصراع المحتمل مع الصين؛ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ فسيكون مختلفاً إلى حد كبير، وسيتطلب تأمين مخزونات ضخمة من الأسلحة والعتاد.

تعاني قاعدة الصناعات العسكرية الدفاعية من مشاكل عدَّة، أبرزها الإجراءات المتبعة في مشاريع التعاقد، فهي قديمة وبطيئة وبيروقراطية. وهذا يُضعف القدرة على إنشاء رادع موثوق به في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أو مواجهة الصين في أي صراع عسكري محتمل، وفقاً لنتائج الدراسة.

يقول جونز: “مثل هذه المشاكل والنواقص ستجعل من الصعب للغاية على الولايات المتحدة أن تمد قواتها بالدعم اللازم في أي صراع طويل الأمد. كما أن القاعدة الصناعية الدفاعية الأميركية تفتقر إلى القدرة الكافية على تجهيز القوات لحرب كبرى”.

إن معدل استهلاك الأسلحة من قبل الأوكرانيين يدل على التحديات التي قد تواجهها قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية في حال قررت أميركا خوض صراع طويل الأمد بسبب تايوان. وبحسب الدراسة التي أعدها جونز، فإن عدد صواريخ “جافلين” المحمولة على الكتف، التي أُرسلت إلى أوكرانيا منذ آب/أغسطس الماضي؛ على سبيل المثال؛ يعادل حوالي سبع سنوات من الإنتاج بناء على معدلات الإنتاج المالية لعام 2022.

الحرب الأوكرانية كشفت عن الخطر الإستراتيجي الذي تواجهه أميركا: مخزونات الأسلحة انخفضت بشكل كبير، وشركات الدفاع ليست مجهزة لسد النقص وتجديد مخزون الجيش في السرعة المطلوبة

كذلك، فإن عدد أنظمة صواريخ “ستينغر” المضادة للطائرات المقدمة إلى كييف يساوي عدد تلك التي تم تصديرها إلى الخارج على مدى العشرين عاماً الماضية. وفي الوقت نفسه، فإن المليون طلقة من عيار 155 ملم التي قدمتها واشنطن لأوكرانيا تسببت في تقليص الإمدادات العسكرية الأميركية، والتي تؤكد الدراسة إنها انخفضت كثيراً. كذلك أصبحت مخزونات نظام “جافلين” ومدفعية “هاوتزر” والرادارات المضادة للمدفعية منخفضة أيضاً. كما أن المنصات، مثل نظام “هاربون” للدفاع الساحلي، الذي يُنظر إليه على أنه جزء مهم من استراتيجية الدفاع لتايوان، تعتبر متوسطة، على الرغم من أن المخزونات الحالية قد لا تكون كافية في زمن الحرب.

القادة العسكريون محبطون

وبحسب تاريخ التعبئة الصناعية الأميركية فان “الأمر سيستغرق سنوات حتى تتمكن قاعدة الصناعات الدفاعية من إنتاج وتسليم كميات كافية من أنظمة الأسلحة والذخائر الحيوية، وإعادة رسملة المخزونات التي تم استهلاكها”.

وقد أعرب القادة العسكريون عن إحباطهم المتزايد في الأشهر الأخيرة. حتى أن رئيس قيادة قوات الأسطول الأميركي، آدم داريل كودل، وجه إنتقاداً صريحاً وعلنياً بسبب تأخر توريد الأسلحة.

فعندما سُئل كودل عن موازنة استعداد الجيش الأميركي وسط شحنات المساعدات العسكرية التي تُرسل بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، قال: “أنا لا أستطيع تقبل حقيقة أنهم لا يسلموننا الذخائر التي نحتاجها. أنا غير قادر على المسامحة في هذا الشأن. أنا حقاً لا تهمني كل تلك المبررات التي يربطونها بجائحة كورونا وتعقيدات سلسلة التوريد وغير ذلك.. لدينا جميعاً وظائف صعبة علينا القيام بها”.

خلال سنة واحدة فقط، أرسلت واشنطن لكييف صواريخ “جافلين” بأعداد تساوي 7 سنوات من الإنتاج… وصواريخ “ستينغر” تساوي عدد ما تم تصديره إلى الخارج خلال العشرين سنة الماضية

وفي حين تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من إرسال أسلحة وعتاد ومعدات بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا، منذ بدء الغزو الروسي في العام الماضي، يتوقع قادة البنتاغون أنه لن يكون بالإمكان إمداد تايوان بما تحتاجه بسهولة في حال نشوب صراع مع الصين، حيث من المحتمل أن تحاصر القوات الصينية الجزيرة. وهناك بالفعل تراكم يزيد عن 19 مليار دولار من الأسلحة الأميركية إلى تايوان، بناء على المبيعات المعتمدة منذ عام 2019.

إقرأ على موقع 180  "الفورين أفيرز": هذا ما تقوله حقائق أميركا والصين

حكومة بطيئة وغير فعَّالة

يركز جونز في دراسته على الحكومة الأميركية، التي برأيه “فشلت في التكيف، وظلَّت تتجنب المخاطرة، وأصبحت غير فعَّالة وبطيئة عندما يتعلق الأمر بالقاعدة الصناعية”. ويضيف “اللوائح الحكومية التي تحكم المبيعات العسكرية الأجنبية قد عفا عليها الزمن، وأي عملية حالية قد تستغرق من 18 إلى 24 شهراً“.

فمن أجل منع وقوع التكنولوجيا العسكرية في أيدي الخصوم، “وضعت الولايات المتحدة نظاماً تنظيمياً بطيئاً للغاية في العمل مع دول خط المواجهة الحاسمة”.

واستشهدت الدراسة بأحد الأمثلة التي أدَّى فيها قرار تقديم نظام أسلحة غير مسمى إلى تايوان باستخدام عملية المبيعات العسكرية الخارجية الأميركية إلى إضافة عامين إلى تاريخ التسليم، ما يعني أن الأمر استغرق أربع سنوات للوصول إلى الجزيرة مع احتساب وقت الإنتاج لمدة عامين، “وهذا الفرق في التوقيت مهم وإشكالي بالنظر إلى التوترات المستمرة في مضيق تايوان”، كما يقول جونز.

“ففي حين يعتقد المسؤولون الأميركيون أن أنواع الأسلحة التي تحتاجها تايوان للقتال يختلف في كثير من الحالات عمَّا تم إرساله إلى أوكرانيا، إلَّا أن الصراع في أوروبا كشف عن انقسامات وتصدعات داخل القاعدة الصناعية والحكومة عند مواجهة المشكلة”، كما قال جونز.

في الوقت نفسه، لا يزال يتعين على الحكومة التكيف مع ما يعتقده جونز وآخرون بأنها عقلية زمن الحرب التي تتطلب خفة الحركة والكفاءة لتمكين صناعة الدفاع من إنتاج المزيد من الأسلحة.

في حال نشوب صراع مع الصين، فإن الولايات المتحدة ستنفذ منها الكثير من الأسلحة والذخائر في أقل من أسبوع واحد

من ناحية أخرى، عملت حكومة الصين على تحديث استثماراتها العسكرية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.

وقد أظهرت سلسلة من المناورات الحربية، التي أجراها مركز (CSIS) في الأشهر الأخيرة أنه في حال نشوب صراع مع الصين، فإن الولايات المتحدة، وفي أقل من أسبوع واحد، ستنفذ منها الكثير من الأسلحة، بما في ذلك الذخائر بعيدة المدى والذخائر الموجهة بدقة.

في هذا الشأن، يوصي جونز بأن تُعيد أميركا تقييم متطلباتها الإجمالية من الذخيرة، ويحث الكونغرس على عقد جلسات استماع لمناقشة هذه المسألة. ومثل هذه الجهود “جارية بالفعل”، بحسب ما صرح به رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

وتقترح الدراسة التي وضعها جونز إعادة تقييم المتطلبات من أجل تجديد المخزونات العسكرية العسكرية، وإنشاء احتياط استراتيجي من الذخائر، ووضع خطة مُستدامة لشراء الذخائر اللازمة لتلبية المتطلبات الحالية والمستقبلية.

– النص بالإنكليزية على موقع “وول ستريت جورنال“.

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  ما بعد "طبخة بريغوجين".. أتُحِبونَ تناول "بوتين+"؟ (2)