تكمن أهمية الشراكة الإستراتيجية التي وقعها الرئيس بشار الأسد مع نظيره الرئيس شي جين بينغ، في كون الجانب الصيني تجاوز من خلالها معايير وشروط لطالما كان يتمسك بها لتوقيع إتفاقيات ثنائية في السنوات الأخيرة.. فإذا به ينتقل دفعة واحدة نحو خطوة لم تكن في الحسبان السوري.
تجاوز الصينيون “الشرط الأمني”، فلا يُمكن توقيع شراكة إستراتيجية بوجود هذا العامل، وحين تدخل الصين إلى بلد للإستثمار فيه تضع شرطاً هو “الضمانات السيادية”، لكن سوريا لا تعطي الضمانة السيادية لأحد، وهو ما يفتح الباب أمام الشركات الصينية للدخول إلى السوق السورية.
وبدأ التحضير، قبيل زيارة الأسد إلى الصين، لإبرام مشاريع ذات “طابع إنساني وخدماتي” مثل الكهرباء والنقل والصرف الصحي، وهي قضايا أساسية في سوريا، بعد مرور 12 عاماً على الأزمة السورية التي ما زالت مفتوحة على مصراعيها. وكان الصينيون قد حاولوا الإستثمار في هذه المجالات منذ سنوات، ولكن لم يكملوا خطواتهم لإعتبارات صينية من جهة وسورية تتعلق بالقوانين والإدارة من جهة ثانية، أما حالياً فإن هذه المشاريع باتت شبه محسومة وستبدأ ملامح تنفيذها تظهر بشكل سريع.
هل تنجح الصين، كما فعلت بين طهران والرياض، في إيجاد مخرج وحل سياسي للأزمة السورية، وهل تتمكن دمشق عبر الشراكة، والتي تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها الفعلية، من أن تسلك خطواتها الأولى نحو التعافي.. وبين الإثنين ما هو موقف واشنطن من هذا الإقتحام الصيني؟
أول زيارة للرئيس الأسد للصين كانت في العام 2004، أما زيارته الثانية هذه السنة، فلها قراءة مختلفة بعد سنوات الحرب على سوريا والأزمة المعيشية والاقتصادية التي تعاني منها، مع الدور الصيني في استخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي بالتوازي مع الدور الروسي في القضايا المتعلقة بالأزمة السورية. وكانت الحكومة السورية انضمت إلى مبادرة “الحزام والطريق” عبر توقيعها مذكرة تفاهم سنة 2022.
وتُشكّل الشراكة الإستراتيجية تجاوزاً للعقوبات الأوروبية والأميركية تجاه الدولة السورية، حيث يصل تأثيرها إلى حد منع الشركات الأجنبية من التعاون مع دمشق. كما تسعى دمشق إلى الإنتقال من الإنفتاح العربي (عودة العلاقات الدبلوماسية مع معظم الدول العربية واستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية)، إلى التوسع دولياً لمتابعة كسر العزلة التي فرضت عليها منذ العام 2011.
وعبر الإتفاقية تستطيع الصين الإنخراط في ورشة إعادة إعمار سوريا ولا سيما في البنى التحتية المتهالكة والمدمرة، وهذا الأمر سيكون محور رصد في المرحلة المقبلة، لما يترتب عليه من تأثيرات وتداعيات تطال المنطقة بأسرها.
فإن كان للصين دور أساسي في تحقيق التقارب بين إيران والسعودية، بإحداث خرق في العلاقة بينهما، وتأكيد حضورها في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن تعاونها مع سوريا يشكل حالة خاصة بالنسبة لها، كونها بوابتها البحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا، لتكون منافساً للمشروع الذي أعلن عنه في قمة العشرين الأخيرة والذي يفتح ممراً اقتصادياً تجارياً بين الهند والخليج العربي باتجاه أوروبا، وهو المشروع الذي يستبعد العراق وإيران وتركيا وباكستان وأفغانستان ومصر من خرائطه، لتأتي الصين وتواجه المشروع بربط البلدان الواقعة على مسار مشروعها الأكبر (الحزام والطريق)، سواء أكانت بلداناً صديقة لواشنطن أو في حالة عداء معها، عبر تشبيكها بسكك حديدية وبنى تحتية ومشاريع تنموية ضخمة.
تبقى الإتفاقية رهن تنفيذها على الأرض، فيما يتعلق بما يلزمها من تشريعات وقوانين تحتاج الدولة السورية إلى إصدارها في المرحلة المقبلة، إضافة إلى الحالة الأمنية فيما يتعلق بالإحتلال الأميركي لقسم من الشرق السوري والذي تتواجد فيها الآبار النفطية، حيث يشهد في الفترة الأخيرة جولات قتال بين قوات “قسد” والعشائر العربية، ناهيك عن تجدد الحراك في محافظة السويداء في الأسابيع الأخيرة.
فهل تنجح الصين، كما فعلت بين طهران والرياض، في إيجاد مخرج وحل سياسي للأزمة السورية، وهل تتمكن دمشق عبر الشراكة، والتي تحتاج إلى وقت لتظهر نتائجها الفعلية، من أن تسلك خطواتها الأولى نحو التعافي.. وبين الإثنين ما هو موقف واشنطن من هذا الإقتحام الصيني أم أن الحرب الروسية ـ الأوكرانية تستحوذ على الإهتمام الأميركي والغربي الأكبر؟.