أوردت وسائل إعلامية أمريكية أن محادثات عُمان الأميركية ـ الإيرانية، في جولتها الأخيرة، تناولت التصعيد الذي تمارسه حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر علی خلفية سعيها إلى عرقلة خط الملاحة البحري المتجه نحو الموانیء الإسرائيلية. الإيرانيون الذين أكدوا هذه المعلومات نفوا أن يكونوا قد بحثوا مع الجانب الأمريكي التصعيد في البحر الأحمر وأن هذا الأمر لم يكن في أولوية مباحثاتهم مع الجانب الأمريكي، بوساطة عُمانية.
ونقلت مصادر ديبلوماسية مطلعة أن هذه المباحثات تمت بناءً على رغبة الجانب الأمريكي الذي نقل رسالة إلى طهران عبر الوسيط العُماني يبدي فيها رغبته باستئناف المباحثات التي كانت توقفت بين الجانبين غداة عملية “طوفان الاقصی” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والتي تم بموجبها تم تبادل عدد من المعتقلين والإفراج عن جزء من الأصول المالية الإيرانية المُجمدة في كوريا الجنوبية بقيمة ستة مليارات دولار أميركي.
وبعد مباحثات أجراها كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني مع نائب مسؤول السياسة الخارجية بالإتحاد الأوروبي أنريكي مورا بمساعدة العُمانيين، عُقدت اجتماعات غير مباشرة بين الجانب الأمريكي مُمثلاً بموفد البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك يعاونه المبعوث الأمريكي الخاص بالشؤون الإيرانية أبرام بيلي، فيما ترأس علي باقر كني الوفد الإيراني.
هل أن الإيرانيين يميلون لعقد صفقة “العقوبات مقابل الأمن” في البحر الأحمر مع الأمريكيين؟ مثل هذا السؤال طرح بقوة منذ أن تم تسريب معلومات خاصة بشأن المباحثات الإيرانية ـ الأمريكية الاخيرة، لكن الاعتقاد السائد أن مثل هذا السؤال يستبطن الكثير من المغالطة بسبب عدم توفر مثل هذه الفرصة لا عند الجانب الأمريكي ولا عند الجانب الإيراني
وقد تركزت المباحثات بين الجانبين علی آلية إزالة العقوبات الإقتصادية المفروضة علی إيران بعد أن وصلت الجهود الهادفة إلى عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي الموقع عام 2015 إلى طريق مسدود؛ لكن هذه المصادر لم تنفِ تناول الجانبين، من خلال الرسائل المتبادلة، ملفات أخرى أبرزها تطورات قطاع غزة والبحر الأحمر حيث أعرب الجانب الإيراني عن اعتقاده أن بؤرة التوتر الأساسية ليست في البحر الأحمر ولا في أي مكان آخر وإنما في قطاع غزة حيث يستمر الجيش الإسرائيلي بعدوانه علی المدنيين من الأطفال والنساء، الأمر الذي تسبب بتداعيات في البحر الأحمر قابلة للتمدد إلى ساحات أخرى بسبب استمرار هذا العدوان.
واتفق الجانبان علی استمرار هذه المباحثات في الأسابيع التالية، على أن تسعى واشنطن لافساح المجال أمام الجهود المبذولة دولياً وعربياً لوقف إطلاق النار في غزة، وذلك سعياً لتحييد هذه المباحثات عن ظروف حرب غزة وتداعياتها الإقليمية والدولية.
إلا أن ذلك لم يمنع المفاوض الإيراني علي باقري كني من إجراء مباحثات مع الممثل الخاص للإتحاد الأوروبي المكلف بمسار السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانز والمسؤول الأوروبي انريكي مورا تمحورت حول سبل وقف حرب الإبادة الجماعية التي تستهدف قطاع غزة المحاصر.
وهذه ليست المرة الأولی التي يتصل فيها الجانب الأمريكي بنظيره الإيراني بعد السابع من تشرين الأول/اكتوبر؛ فقد تبادلت واشنطن وطهران الرسائل بشان إدارة الموقف وعدم توسيع نطاق الحرب بعد انخراط فصائل المقاومة في حرب الدفاع عن غزة وأهمها في البحر الأحمر لحساسية تلك المنطقة وارتباطها بخطوط الملاحة التي تربط قارتي آسيا وإفريقيا مع أوروبا وأمريكا؛ حيث اعربت إيران عن موقفها الداعي إلى عدم اتساع نطاق الحرب لأنها لا تريد ضبط ساعتها وفق التوقيت الذي يريده نتنياهو بهدف استدراج الولايات المتحدة وإيران لمواجهة عسكرية مباشرة، لكن طهران طلبت من واشنطن العمل علی ايقاف الحرب في غزة باعتبارها شرارة كل التوترات التي تشهدها المنطقة.
بدورها، نقلت إيران وبشكل رسمي إلى مجلس الأمن الدولي في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي أنها غير معنية بالتصعيد في البحر الأحمر وأنها غير منخرطة في هذا التصعيد وغير مسؤولة عما يفعله الآخرون في تلك المنطقة. في الجانب الآخر، أعلنت واشنطن أكثر من مرة بأنها غير راغبة في الدخول بحرب مباشرة مع طهران لكن مساعيها تنتظر قدرتها على تسويق طروحاتها لدى الجانب الإسرائيلي من أجل عودة الهدوء إلى المنطقة.
هنا، لا بد من استدراك سريع؛ ففي العام 2003 قامت الولايات المتحدة بغزو العراق وتحملت ضريبة كبيرة راح ضحيتها ما يقارب 5 آلاف من ضباطها وجنودها وهي الآن تتفاوض مع الحكومة العراقية من أجل الإنسحاب من العراق، كما فعلت مع أفغانستان؛ ولذلك فإن واشنطن لا تريد فتح حرب مع إيران، فكيف على عتبة الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ وفي ظل عدم رغبة الديموقراطيين اللعب على هذا الوتر خصوصاً أن القواعد الأمريكية لا تنحصر في العراق فحسب بل هي موجودة في الأردن والبحرين وسوريا وقطر؛ ولذلك تحاول أمريكا ممارسة سياسة الردع لمواجهة كافة الاحتمالات الممكنة.
وفي ظل هذه الأجواء، هل أن الإيرانيين يميلون لعقد صفقة “العقوبات مقابل الأمن” في البحر الأحمر مع الأمريكيين؟ مثل هذا السؤال طرح بقوة منذ أن تم تسريب معلومات خاصة بشأن المباحثات الإيرانية ـ الأمريكية الاخيرة، لكن الاعتقاد السائد أن مثل هذا السؤال يستبطن الكثير من المغالطة بسبب عدم توفر مثل هذه الفرصة لا عند الجانب الأمريكي ولا عند الجانب الإيراني وبالتالي لا الحكومة الأمريكية تستطيع أن تزيل هذه العقوبات بسبب ارتباطها بموقف الكونغرس ولا إيران تستطيع أن توقف حرب غزة بسبب تعنت بنيامين نتنياهو واصراره علی تحقيق حلمه الذي لم يتحقق في اطلاق سراح الرهائن من دون صفقة تبادل مع حركة “حماس”.
وبانتظار وقف اطلاق النار في غزة، تبقی المباحثات الأمريكية ـ الإيرانية معلقة وهي تنتظر أيضاً ايقاعات الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.