خطة بايدن.. أميركية أم إسرائيلية أم مجرد خداع تفاوضي؟

أثار اعلان الرئيس الأميركي جو بايدن عن خطته لوقف اطلاق النار في قطاع غزة الكثير من التكهنات، ولا سيما أن رئيس أقوى دولة في العالم خرج للقول إن ما أعلنه هو اقتراح "إسرائيلي" تم تسليمه لحركة حماس عبر دولة قطر!

لم تمر ساعات قليلة على اعلان بايدن حتى انطلقت جوقة التأييد للاقتراح بلا أي تحفظ من حلفاء واشنطن الأوروبيين والعرب، حتى قبل أن تعلن “إسرائيل” موقفها من الاقتراح المنسوب إليها، ولكن سرعان ما ظهر إلى العلن تخبط القيادة “الإسرائيلية” قبولاً أو رفضاً، ناهيك عن موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي أعرب عنه مدير مكتبه قائلاً إنه لن يقبل أي حل للوضع في غزة ما لم يتم القضاء على حركة حماس واستعادة الأسرى “الإسرائيليين” لديها، أي أنه نسف مضمون اقتراح بايدن المفترض أنه اقتراح “إسرائيلي”. فهل كان بايدن يكذب على العالم عندما قال إن الاقتراح “إسرائيلي”؟ أم أن “إسرائيل” كانت تكذب؟ أم أن كلاهما يكذب وبالتالي ما زالت الحرب حاجة أميركية إسرائيلية؟

في الشكل، إن كانت الخطة “إسرائيلية” فعلاً لماذا أعلنها بايدن وليس نتنياهو أو أحد وزراء حكومته؟ هنا تتعدد الإجابات، بحسب أهواء المجيب، فمنهم من يرى أن اعلان الاقتراح على لسان بايدن يُعطيه جدية ومصداقية في النوايا “الإسرائيلية”، ومنهم من يرى فيه محاولة أميركية للضغط على نتنياهو وحكومته لإنهاء القتال بعد الفشل العسكري الذريع في تحقيق أهداف العدوان على غزة بالرغم من جسامة الخسائر البشرية الفلسطينية وحجم الدمار الذي خلّفه على مدى ثمانية أشهر متواصلة، ومنهم من يرى أن الاقتراح ما هو إلا مجرد مناورة دبلوماسية لفك عزلة “إسرائيل” بعد رفضها الاقتراح المصري/القطري الذي وافقت عليه حركة حماس، قبل حوالي الشهر، وهناك من رأى أن الاقتراح يرمي إلى إعطاء “إسرائيل” المزيد من الوقت في هجومها على رفح لعلها تتمكن من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ثمانية أشهر من الحرب.

كيف لحركة حماس ان توافق على أي صفقة لا تضمن وقفاً للحرب وليس للنار أو أن تقبل بصفقة تُكرّس وجود قوات الاحتلال على أرض غزة بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في هذه الحرب؟ وكيف لها أن توافق على تبادل كامل للأسرى مع عدم وجود تأكيد واضح ولا جدال فيه لوقف دائم لإطلاق النار بضمانة أميركية ودولية وعربية

الثابت أن الإعلان عن الخطة بلسان بايدن وبمؤتمر صحافي خُصّص لهذه الغاية يجعلنا نستنتج أن “إسرائيل” التي تم التسويق لها على أنها دولة “لا تقهر” باتت دولة أشبه بالولد القاصر، وذلك يعني طي صورة تفوق الكيان التي تم ترسيخها في الوعي العربي على مدى عقود. ويعني ذلك أيضا هزيمة مدوية لـ”إسرائيل” لما يتضمنه الاقتراح من تنازلات واضحة.

هذا في الشكل، أما في مضمون الاقتراح المعلن، فقد اعتبرت حركة حماس كما رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري (وهو المحاور الدبلوماسي باسم المقاومة في لبنان) أنه يتضمن الكثير من الإيجابيات ومما كان تضمنه الاقتراح المصري/القطري، ولكن ثمة أمور لا بد من دراسة تفاصيلها (تسلم الخطة رسمياً أولاً ومن ثم الخوض في بنودها التي يحتاج كل بند فيها إلى خطة) ناهيك عن معرفة الموقف “الإسرائيلي” النهائي منها.

ولعل اللغم الأبرز في الخطة أن هناك محاولة أميركية “إسرائيلية” للتذاكي على المقاومة الفلسطينية بعدم توضيح موضوع وقف إطلاق النار وما إذا كان نهائياً أم أن العدوان يمكن ان يتجدد بعد الانتهاء من عملية تبادل الأسرى في المرحلة الثانية من الاقتراح.

ويستطيع أي قارئ عادي أن يرى الكثير من الشياطين في تفاصيل الخطة الأميركية، وكأن واضعها يريد أن يُصوّر حركة حماس في موقع المعرقل وبالتالي أن يعطي “إسرائيل” بالمفاوضات ما فشلت في تحقيقه في الحرب. فكيف لحركة حماس ان توافق على أي صفقة لا تضمن وقفاً للحرب وليس للنار أو أن تقبل بصفقة تُكرّس وجود قوات الاحتلال على أرض غزة بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني في هذه الحرب؟ وكيف لها أن توافق على تبادل كامل للأسرى مع عدم وجود تأكيد واضح ولا جدال فيه لوقف دائم لإطلاق النار بضمانة أميركية ودولية وعربية، فورقة الأسرى هي أغنى ورقة تفاوضية تملكها حماس بعد ورقة القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية والتي لن تقبل أن تفرط بها أبداً.

أما النقطة الأهم والأبرز التي غابت كلياً عن اقتراح بايدن “الإسرائيلي” فهي موضوع ماهية الوضع السياسي والإداري لقطاع غزة خلال المرحلة الثالثة لتنفيذ الاقتراح، أي مرحلة إعادة الإعمار، فمن سيتولى إدارة هذه العملية من الجانب الفلسطيني؟

لا شك أن الجانبين الأميركي و”الإسرائيلي” يعيشان معضلة في الحديث عن هذا الأمر، فإن انسحب جيش الاحتلال من غزة بموجب هذا الاتفاق فإن الشعب الفلسطيني لن يرضى أن تأتي السلطة الفلسطينية على دبابات العدو فوق أشلاء شهدائه لإدارة هذه العملية، ولا شك بان حماس ستستعيد سلطتها على كامل القطاع وهي من سيتولى إدارة عملية إعادة الإعمار. وبذلك يكون الهدف الرئيسي للعدوان على غزة قد أحبط بشكل لا جدال فيه. وهكذا فان ما دأبت إدارة بايدن على مطالبة نتنياهو به بشأن ما أسمته بخطة “اليوم التالي” بعد انتهاء العدوان قد عجزت عن وضع ملامح لهكذا خطة.

إقرأ على موقع 180  نداء "الجنرال" غير مسموع.. لماذا؟

وأخيراً، فإن مرور بايدن باختصار شديد على الوضع المتفجر على الحدود الجنوبية للبنان يوحي بوجود قناعة أميركية بأن وقف النار في “الجبهة الشمالية” سيكون تلقائياً بعد وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  لا يمكن لسلطة أبو مازن أن تواصل هذا التوازن المثير للسخرية