الانتخابات الرئاسية في أمريكا وإيران.. من يلعب في ملعب الآخر؟

في الوقت الذي تنشغل فيه إيران بانتخاباتها الرئاسية المبكرة، إثر وفاة رئيس جمهوريتها إبراهيم رئيسي بحادث تحطم طائرة، صعّدت الدول الغربية مواقفها من إيران، سواء بإصدار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرار ادانة بحق طهران تقدمت به الترويكا الأوروبية وأيّدته الولايات المتحدة أو باطلاق مدير الوكالة الدولية رافائيل غروسي تصريحات يُحذّر فيها من مخزون اليورانيوم المُخصّب والذي أدرجه في خانة سعي إيران بلوغ مرحلة انتاج السلاح النووي.

داخلياً؛ شكّل الاتفاق النووي مادة أساسية علی طاولة المرشحين للسباق الانتخابي الرئاسي خصوصاً بعد أن جلس وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف ـ الذي قاد مفاوضات التوصل للاتفاق النووي عام 2015 ـ إلی جانب المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، في إحدی الندوات التلفزيونية الانتخابية، بوصفه أحد أبرز مستشاريه وأعمدة حملته الانتخابية؛ وركّز الأخير بشكل دقيق علی الاتفاق النووي وعلاقته بالوضعين الداخلي والخارجي، في مقابل المرشحين الآخرين الذين دافعوا عن مواقفهم الرافضة لهذا الاتفاق، مستندين علی موقف غير معلن لمرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي بشأن هذا الاتفاق، ما دعا مكتب المرشد إلی طلب توخي الحذر في نقل مواقف غير مكتوبة أو غير مسموعة مباشرة من المرشد.

الملف الإقتصادي الداخلي حضر بقوة على طاولة المتسابقين للرئاسة الإيرانية، وهو أيضاً ليس ببعيد عن الملف النووي، وبات يحتل حيزاً مهماً في برامج المرشحين، في حين ينخرط الناخب الإيراني بشغف لمتابعة الآلية التي يريد المرشحون من خلالها معالجة المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تعاني منها كل عائلة إيرانية.

خارجياً؛ يبدو أن الولايات المتحدة تريد الدخول علی خط هذه الانتخابات ونتائجها لأنها لم تنجح في ترويض الحصان الإيراني لتقديم تنازلات وابرام تفاهمات تصب في خانة معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يخوضها الرئيس جو بايدن ضد خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب، ولذلك أوعزت واشنطن للترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لاستخدام نفوذها باعتبارها شريكة في ابرام الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018، وذلك من خلال الضغط علی الناخبين الإيرانيين والمشهد الانتخابي بواسطة ورقة تفعيل الـ”سناب باك”، وهي الآلية الأتوماتيكية الموجودة في الاتفاق النووي لإعادة العقوبات الإقتصادية التي فرضها مجلس الأمن الدولي علی إيران، بما في ذلك العودة للفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.

تحاول طهران استخدام جميع الأوراق المتوفرة بين يديها لكن في أوقاتها المناسبة، بما يُحقّق مصالحها في السياسة والاقتصاد والأمن من دون أن نستبعد استغلال طهران للأجواء الانتخابية الأمريكية وحاجة المرشحين الأمريكيين إلى “جوائز” تخدمهم في لهاثهم الانتخابي لبلوغ عتبة البيت الأبيض

وليس خافياً أن الولايات المتحدة تملك الإرادة والقوة والامكانية لفرض عقوبات أو إعادة عقوبات ضد إيران؛ وفي المقابل، ثمة خيارات تملكها إيران قادرة من خلالها على ارباك الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة. وبعيداً عن الخيارات الأمنية والسياسية الإقليمية؛ فإن طهران تعلم المسار الذي تريده واشنطن وتعلم أن القرار الدولي الرقم 2231 الذي احتضن مجلس الأمن من خلاله الاتفاق النووي سوف ينتهي تاريخه في تشرين الأول/أكتوبر 2025. وأمام واشنطن مهلة أشهر من أجل استكمال عملية ترحيل الملف الإيراني من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أروقة مجلس الأمن الدولي.

وطالما أن طهران تعلم ذلك كُلّه جيداً، تضع أمامها “خارطة طريق” واضحة ومعلنة يُلم بتفاصيلها المعنيون بالملف في واشنطن والعواصم الأوروبية، وأساسها، أولاً؛ إعادة النظر بــ”عقيدتها النووية” ربطاً بالسلوك العدواني الذي تتخذه الدول الغربية. التلويح بهذه الخطوة تكرّر أكثر من مرة، ما يعني أننا لسنا أمام “شطحة لسان” بل تهيئة المناخ أمام خطوات “قد” تفكّر بها طهران بشكل جدي.

ثانياً؛ أعلنت طهران بأنها سوف تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا تم ترحّيل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي واستخدام آلية “سناب باك”، وتحديداً كما تعاملت مع “قرار الإدانة” الصادر عن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة، ولا سيما لجهة التلويح بإجراءات إيرانية معينة إذا صدر قرار الإدانة؛ وبالفعل، أعلنت عن عزمها زيادة عدد أجهزة التخصيب في منشأتي فوردو ونطنز النوويتين.

ثالثاً؛ أعلنت طهران أنها ملتزمة بالتعاون مع الوكالة الدولية وأن كل الاجراءات التي تتخذها تتم بعلم ومراقبة الوكالة من خلال فرق التفتيش التي يبلغ عدد أفرادها 250 مفتشاً لا تخلو منهم المنشآت النووية وأنها مستمرة في تنفيذ قانون الضمانات التابع للوكالة، لكنها قالت أيضاً بأنها عملت علی تخفيض التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق النووي بما يتيح لها الاتفاق نفسه، حسب المادة 36، عندما لا تلتزم بقية الأطراف ببنود الاتفاق المذكور. وما تطالب به الوكالة من أجوبة علی أسئلة تتعلق بمواقع عُثر فيها علی مواد ملوثة، فإن طهران أبدت استعدادها للإجابة عليها شريطة أن تتعامل الوكالة بمهنية بعيداً عن الضغوط السياسية التي تمارسها بعض الأطراف وتحديداً الولايات المتحدة وإسرائيل.

في ظل هذه الأجواء، هل تستطيع الولايات المتحدة أن تؤثر علی نتيجة الإنتخابات الإيرانية؟

الإجابة علی هذا السؤال ليست سهلة لكن الأكيد أن الثقة المفقودة بين طهران وواشنطن لا يُمكن أن تُرمَّم بموقف من هنا أو من هناك.. وأن ثقة الشارع الإيراني لا تختلف عن ثقة النظام السياسي بمصداقية الولايات المتحدة حيال إيران. ربما تصدر عن بعض الأوساط انتقادات للسياسة الأمريكية، لكن عندما أتاح النظام الإيراني استخدام سياسة “المرونة البطولية” وجلس المفاوضون الإيرانيون مع نظرائهم الأمريكيين في فيينا وتوصلوا إلى الإتفاق النووي عام 2015؛ كانت واشنطن هي التي تبرعت بالانسحاب من هذا الاتفاق الذي اعتبره دونالد ترامب “سيئاً”! ولذلك من الصعب تصور استجابة الشارع الإيراني للضغوط التي يُطلقها البيت الأبيض، غير أن ذلك لا يعني اغلاق باب المفاوضات؛ بل علی العكس من ذلك، تحاول طهران استخدام جميع الأوراق المتوفرة بين يديها لكن في أوقاتها المناسبة، بما يُحقّق مصالحها في السياسة والاقتصاد والأمن من دون أن نستبعد استغلال طهران للأجواء الانتخابية الأمريكية وحاجة المرشحين الأمريكيين إلى “جوائز” تخدمهم في لهاثهم الانتخابي لبلوغ عتبة البيت الأبيض.

إقرأ على موقع 180  سياديّون.. ولكن!

معنى ذلك أنه ليس مستبعداً أن تحاول كل من طهران وواشنطن اللعب في الملعب نفسه حتی تتوضح صورة الوافد الجديد إلى القصر الرئاسي الإيراني والحاكم الجديد البيت الأبيض الأمريكي.. ولننتظر ما سيقوله المرشحان الأمريكيان الجدمهوري والديموقراطي في مناظرتهما الأولى خلال الساعات المقبلة عن إيران والاتفاق النووي.. ومن بعدها لكل حادث حديث!

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  محطة زابوريجيا النووية.. اللعب بالنار!