سياسات الموت.. لماذا تُمارس إسرائيل كل هذا العنف والقتل؟

هل سبق لك أن تساءلت عن السبب وراء كل هذا العنف والقتل والموت الذي تقوم به إسرائيل ضد لبنان وفلسطين وسوريا وغيرهم في الإقليم، وقد ألقت إسرائيل عليهم عشرات أو مئات آلاف الأطنان من المتفجرات، وبخاصة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبالأخص هجمات إسرائيل على الضاحية الجنوبية لبيروت في شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر الماضيين، وهي الأكثر وحشية وتدميراً؟

في السؤال

ما الذي يفسر كل هذا القتل الغرائزي للعرب وغير العرب، أعني المقاومين وبيئاتهم الحاضنة، كما لو أن إسرائيل تريد التخلص من “عِلَّةِ زوالها”، علماً أن من يقاومها هم جزء صغير من جزء صغير من مجتمعات وبلدان الإقليم؟ ولماذا هي بحاجة لـ”إثارة ذعر مستمر”، ليس بين أعدائها فحسب، وإنما بين الإسرائيليين أنفسهم أيضاً، على ما يقول المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، واصفاً إسرائيل بأنها “أمة لا يندمل لها جرح”. (بابيه، فكرة إسرائيل، الترجمة العربية، ص 231).

الموت “عامل مؤسس”

يُمثل الموت والقتل “عاملاً مؤسساً” لإسرائيل، حركة أو عصبة مسلحة، تحت عناوين هووية دينية مفترضة أو مزعومة أو متخيلة أو مختلقة، وهي ليست سواء، أسّست كيانية عنصرية استيطانية إحلالية، ما لبثت أن أعلنت نفسها “دولة”، بالدم والنار والتهجير. ويتحدث المؤرخ بابيه (الذي تتكرر الإشارة إليه) عن تفاصيل صادمة، ويعرض وثائق عن ممارسات تهجير وإبادة منظمة حدثت خلال الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1948، ولحظة الإعلان عن “إقامة إسرائيل”. ثم أن الخوف من القتل، أدى إلى هجرة وتهجير كبيرين، وهذا جزء من سياسات إبادة وتطهير عرقي واسع النطاق. (بابيه، التطهير العرقي في فلسطين، الترجمة العربية، 2007).

ومن لم يمت بالسلاح والتهجير القاتل، تحكم إسرائيلُ وجوده وفضاءه ومخياله، بالحصار والهندسة الديموغرافية والاستيطان وسياسات تحكم وتمييز في العمل والإنتاج والتنظيم الاجتماعي ونظم التعليم والتنمية. وبالطبع الخوف من السجن والتعذيب أو الموت أو الإبادة أو الاقتلاع على المدى البعيد، ويمكن أن يحدث ذلك فوراً في حال صدر من الأفراد ما تعده إسرائيل تهديداً لها.

وبقي الموت والقتل والتهجير بمثابة “بصمة تأسيس” لإسرائيل، وسياسات ملازمة لها. وقد زرعت الخوف والتهديد المستمرين في محيطها وزعزعت الأمن في الإقليم، مثلما بقيت هي نفسها في خوف من أن يحدث حادث ما يغير في الواقع ويزعزع وجودها بالذات. بل خوف من أدنى أو أبسط فعل رمزي مقاوم لها.

السياسات الحيوية

يتعلق الأمر بنوع من السياسات الحيوية، بالمعنى المعروف لدى ميشيل فوكو وجورجيو أغامبين مثلاً، أي سياسة أو سلطة الإماتة والإحياء، على الناس تحت الاحتلال، وحتى على من هم خارج سلطتها المباشرة، أي في المهاجر والشتات، وحتى بالنسبة لغير الفلسطينيين، ممن تعدهم معادين لها. وبنت شبكات اختراق أمني واستخباراتي وأذرع استهداف واغتيال وقتل واسعة النطاق، بمساعدة غير محدودة من قبل الغرب وحلفاء له ولها في الإقليم (والعالم).

سياسة أو سلطة الإماتة، بمعنى القتل أو إنهاء الحياة بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالكيفية التي تراها مناسبة أو كلما دعت الحاجة لذلك. بأدواتها هي أو من خلال وكلاء محليين من شبكات وحركات مسلحة أو غيرها. ونفذت إسرائيل عمليات تدمير اغتيال ممنهجة لشخصيات قيادية وعلماء وخبراء في فلسطين ولبنان وسوريا.. من خلال عملاء محليين أو عناصر “الموساد” مباشرة. والتدمير والاغتيال ليس مجرد فعل عسكري، بل هو فعل عدواني هووي وجزء من سياسات حيوية. حتى سلطة الإحياء نفسها أو التحكم بالحياة، بمعنى الإماتة أيضاً، ليس بيولوجياً، وإنما بالمعنى الرمزي، إذ يكون الفلسطيني أو اللبناني بالحياة، لكن ليس بما هو فلسطيني أو لبناني، وإنما بوصفه “آلة بيولوجية” أو “وجوداً بيولوجياً”، لا بُعد سياسياً أو هووياً له. (انظر: إيلان بابيه، أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المحتلة، 2020).

يصبح الفلسطيني أو اللبناني أو السوري أو غيره.. “حياً-ميتاً”، بتعبير مبيمبي، طالما أن لا ضمانات لحياته أو ضمانات تقصيه عن فعل الاعتداء والموت. يصبح الموت أقرب من الحياة في مجتمعات غزة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والقرى والمساكن في بعلبك والهرمل وغيرها

“السياسات النكرووية”

ويأتي بعد “السياسات الحيوية”، ما يمكن أن يُدعى “سياسات الموت” أو ما يسميه أشيل مبيمبي “السياسات النكرووية” (Necropolitics)، وتصدر هذه عن تلك، لا فرق جوهرياً بينهما، أي بين “السياسات الحيوية” و”سياسات الموت”، إنما هو فرق في درجة وإيقاع وعمق الموت أو الإماتة، إن أمكن التعبير. وإذا كانت السياسات الحيوية تركز على “الأنا” و”الآخر”، فإن “السياسات النكرووية”، عادة ما تركز على “الآخر”، وهو هنا – من منظور إسرائيل – العرب والإقليم الذين يرفضون وجود إسرائيل ويقاومون سياساتها.

المهم – من منظور هذه السياسات – هو اعتبار الفاعل أن من حقه إنزال الموت بالآخر، لمجرد عده خصماً أو عدواً، بل لمجرد وجود احتمال أن يُصَنَّف على هذا النحو. وهكذا، تكون سياسات التضييق والقتل والسيطرة على الأجساد وفضاءات العيش والوجود الاجتماعي، وخلق ظروف دافعة للهجرة وبالتالي التهجير طويل الأمد، من أجل تغيير موازين الديموغرافيا وطبيعة البنية السكانية. يندرج في هذا السياق وضع حواجز وإجراءات وشروط وحدود حركة وانتقال بالغة التعقيد وعسكرة الحياة حتى في أبسط تفاصيلها، والاعتقالات المستمرة، والاقتحامات، والاغتيالات و”المجازر الصغيرة”، الأمر الذي يجعل كل تلك الممارسات مجرد “مشهدٍ اعتياديٍ”.

وليس ثمة ضمانات للحياة في مثل هذه الظروف، حتى بالنسبة للأفراد الذين لا يمارسون السياسة، إذ أن مجرد وجودهم في بيئات أو مواقع تعدها إسرائيل مصدر تهديد أو تهديد محتمل، بل ان مجرد هويتهم أو سحنتهم أو مجرد مرورهم في الشارع، يجعلهم هدفاً محتملاً لسلوك عدواني من قبل إسرائيل، قد لا يكونوا مستهدفين بالاعتداء أو القتل بشكل مباشر، لكن وجودهم في مكان يحتمل أن يكون هدفاً وعرضة للعدوان.

وإذا ما حدث عدوان وأدى إلى قتل أفراد عابرين في المكان، فهذا أمر مفهوم ومبرر، من هذا المنظور. ثمة “نتائج عرضية” ليست هي الهدف بالتمام، لكنها ليست بعيدة عن دائرة التوقع وربما القصد. لكنها “نتائج” يتم إهمالها، طالما أنها تحدث في إطار “سياسات الموت” المطلوبة والضرورية لأمن إسرائيل. يصبح الفلسطيني أو اللبناني أو السوري أو غيره.. “حياً-ميتاً”، بتعبير مبيمبي، طالما أن لا ضمانات لحياته أو ضمانات تقصيه عن فعل الاعتداء والموت. يصبح الموت أقرب من الحياة في مجتمعات غزة وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت والقرى والمساكن في بعلبك والهرمل وغيرها.

عنف غريزي فائق

لا تستطيع إسرائيل إلا أن تكون كذلك، مدفوعة بعنف غريزي وحشي، مخافة أن يتمكن أهل الأرض والإقليم من كسر هيمنتها وتفوقها، الذي تأمل أن يكون تفوقاً تاماً ونهائياً وأبدياً. وهي على يقين بأن الضعف هو علامة اندثار وتفكيك لوجودها ومشروعها في الإقليم (والعالم). وهي – على أية حال – في خوف عميق من الزوال، وتعمل على تأكيد وجودها بأن تؤكد قدرتها على إزالة ومحو ما يمثل تهديداً لها.

قام مشروع إسرائيل، حتى قبل أن تتشكل كيانيةً أو دولةً أو شبه دولة، على أنواع من الإماتة أو العنف الفائق:

  • “اختلاق” الأساطير والسرديات والمقولات. و”تحطيم” سرديات عربية ومشرقية مناقضة. و”تخليق” سرديات ورموز ومرويات. و”تدجين” للتواريخ والتأويلات الدينية والسجلات والحفريات الآثارية. (انظر: فاضل الربيعي، القدس ليست أورشليم، مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين، 2020).
  • هندسة فكرة عن “شعب يهودي” و”أمة يهودية” بوصفهما جماعات إثنية وقومية، بالمعنى الذي تعرفه العلوم الاجتماعية والسياسية والانثروبولوجيا والتاريخ. وهذا مجرد “اختلاق” و”تخيل” لا أساس علمياً له، لكنه “صالح للاستعمال الإيديولوجي”. (شلومو ساند، اختراع الشعب اليهودي، 2011، ص 49)، وتوظيفه في خلق واقع مادي، وبالطبع واقع سياسي.
  • “تحطيم” واقع اجتماعي وتاريخي وانثروبولوجي وقيمي. و”خلق” فجوات ومسافات مادية وجغرافية واتصالية بين الناس: داخل الكيان وخارجه. وتعزيز توطين الفلسطينيين في المهاجر والشتات. وتعزيز الهجرات وانتقال الأشخاص والعائلات، لـ”خلخلة” الوجود الاجتماعي، وبالطبع “خلخلة” النسيج التواصلي والقيمي، وبخاصة عندما تطول فترات الهجرة والانقطاع. بكل ما يعنيه ذلك من: تغير في نظم القيم لدى الأفراد والجماعات التي تصبح خارج أرضها التاريخية ومجالها التاريخي. والتغير في الذاكرة الجماعية، سواء ما يحدث بفعل مرور الزمن أو ما يحدث بفعل سياسات قصدية.
  • تعزيز وتشجيع الفروق والصدوع الاجتماعية والقيمية في مجتمعات الخصوم، سواء أكانت مناطقية وجهوية أو كانت طبقية أو دينية ومذهبية إلخ.. وهذا ما يحدث قي مجتمعات الإقليم ككل. ذلك أن “أدينة” و”مذهبة” و”تطييف” السياسات والصراعات، بما فيها الصراع مع إسرائيل، يخدم إسرائيل، وهو – في جانب منه – نتيجة فعل إسرائيل نفسها.
  • عندما يزداد الموت بين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين وغيرهم، تحت عناوين مذهبية وطائفية، فهذا نوع من “التطبيع النفسي” مع الموت أو الإماتة المفروضة والمكرسة من قبل إسرائيل تجاه غزة أو بيروت أو غيرها. يصبح الموت “ظاهرة اعتيادية”، كما تتكرر الإشارة.
  • ولاحقاً، هندسة المجال الجغرافي ليصبح “فضاءً جغرافياً صهيونياً”، ومعه الكثير من الخرائط والمناطق المصنفة عسكرية والطرق الإلتفافية، ومصادرة الأراضي، وهندسة شبكات النقل والانتقال التي تميز بشكل حاد بين الإسرائيليين والعرب. لتصبح حياة العربي في فلسطين المحتلة بالغة الصعوبة، كأنه في “سجن كبير”، بتعبير إيلان بابيه. (بابيه، أكبر سجن على الأرض، 2020).
  • وصولاً إلى إيديولوجيا وخطط وسياسات “يهودية الدولة” أو “دولة اليهود فقط”. وهذا إعلان بالغ الدلالة والصراحة عن نية إسرائيل طرد وتهجير العرب الفلسطينيين داخل “أراضي الـ 48” وحتى “أراضي الـ 67”. ربما كأفق وخط نهاية للمشروع، لكن قبل ذلك، سوف تعمل إسرائيل على تفعيل نمط سياسات الموت الرمزي وبعيد الأمد، أي جعل الحياة صعبة ومستحيلة، الأمر الذي يدفع الناس المستهدفين أو المهددين بالاستهداف إلى الهجرة، وان لم يكن ذلك في إيقاع مناسب، فإن من المحتمل أن تدفع ببدائل سياسات من أجل موت أسرع وأكثر تواتراً وأكثر عنفاً.
  • إعادة التفكير في أسس وبيئة وجود إسرائيل، الإقليمية والدولية. والحاجة لـ”تغيير” أو “تشكيل” شرق أوسط جديد، بتعبير بنيامين نتنياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة (نيويورك، 27 أيلول/سبتمبر 2024). وتوسيع النطاق الجغرافي والجيوستراتيجي اللازم أو الموافق لمتطلبات وجودها. الحديث اليوم عن الحاجة لتوسيع جغرافية الكيان، بالمعنى المادي المباشر، باقتطاع أراض من لبنان وسوريا (والأردن ومصر).
  • السيطرة على الأفراد والجماعات والفضاءات، وحتى على الذاكرة. وتعد هذه الأخيرة “مسألة أمن قومي” لإسرائيل. وهي أخطر مصدر تهديد. وعندما يتجه العرب وأي فاعل في الإقليم لرفض تلك السياسات، وحتى مجرد التعبير الاحتجاجي، وليس العسكري أو المسلح، فإن الرد المعتاد يتمثل بالقوة والعنف.

عندما يزداد الموت بين الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والسوريين وغيرهم، تحت عناوين مذهبية وطائفية، فهذا نوع من “التطبيع النفسي” مع الموت أو الإماتة المفروضة والمكرسة من قبل إسرائيل تجاه غزة أو بيروت أو غيرها. يصبح الموت “ظاهرة اعتيادية”

تحيزات رؤيوية قاتلة

إقرأ على موقع 180  لودريان في بيروت.. مهمة أبعد من إسم رئيس الجمهورية!

ارتكبت إسرائيل مجازر كثيرة بحق الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين وغيرهم، وهذا ليس فعلاً ماضياً، بل له صفة الراهنية والاستمرارية، إذ يمكن أن تفعل ذلك في أي وقت. حتى أصبح الموت أو القتل “ظاهرة عادية”، كما تتكرر الإشارة، والقتلى أو الضحايا مجرد أعداد، كما لو أنهم يموتون في حوادث سير أو في أخطاء طبية أو علاجية!

لا تصدر “سياسات الموت” عن مدارك تهديد مباشرة أو عسكرية الطابع فحسب، بل عن تحيزات عميقة في وعي ولاوعي الإسرائيليين (وحلفائهم الغربيين) تجاه أجساد وحيوات الآخر، وتبرير موته أو لا معنى وجوده وأحياناً ضرورة إزاحته وإماتته، لأن ذلك من متطلبات وجود “القاتل المتحضر”. وإذا حدث ذلك الموت أو القتل، فليكن بعيداً عن مقولات الأخلاقية والإنسانية والإبادة. وليوضع الموت أو القتل، بكل تداعياته، في حيز “اللا مفكر فيه” أو “الممنوع التفكير فيه”، إنسانياً وحقوقياً إلخ..

وهذا “يتمفصل” مع المنظور التمييزي والتحقيري والازدرائي الاستشراقي من قبل الغرب تجاه المجتمعات والشعوب غير الأوروبية أو غير الغربية، غير الجديرة بالعيش، بما هي مجتمعات وشعوب، بين الأمم. وإذا كان لا بد من بقائها، فلتكن منزوعة الهوية والروح والمعنى والقوة. ولا بد من إغراقها في أزمات قاتلة أيضاً من قبيل: نظم الحكم المتسلطة والفاسدة، النزاعات الداخلية، الانقسام الاجتماعي، الصراعات الطائفية، الدول الفاشلة أو المهددة بالفشل، إلخ..

الضرورة والصدمة!

تقدم إسرائيل وحلفاؤها في الإقليم والعالم، وبينهم عرب ومسلمون كثر، وحتى فلسطينيون ولبنانيون وغيرهم، سياسات الموت والقتل والتدمير الشامل والإبادة العميقة للناس في فلسطين ولبنان، وبخاصة بعد حدث غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بوصفه ضرورة، ليس لأمنها فقط، وإنما لأمن المجتمعات والبلدان، وأمن الإقليم والعالم.

وهذا الموت الذي تسببه إسرائيل بإسقاط آلاف الأطنان من القنابل، على أناس أو جماعات هي – من هذا المنظور- غير جديرة بالحياة أو مجرد البقاء البيولوجي في الحيز الجغرافي والمكاني التي ترى إسرائيل أنه من الضروري إخلاءه من سكانه وأهله، والتخلص ممن يقاوم سياساتها في الإقليم.

وقد يكون القتل والتدمير ضرورياً لإحداث “الصدمة” أو “الرضة النفسية” اللازمة من أجل “خلخلة” نظم الوعي والتفكير بين المستهدفِين وبين شعوب وأمم الإقليم حيال إسرائيل. وهذا يخدم أهدافاً عدة في آن واحد:

  • الشعور باستحالة فعل شيء حيال إسرائيل. بوصفها “الكيان الذي لا ينكسر” ولديها “جيش لا يُقهَر”، و”تأثيم” و”تسخيف” و”أبلسة” فكرة المقاومة.
  • تشويه أنماط القيم حول جذر وأصل الصراع، بتحريف المدارك والرؤى حول ما كان في الماضي، وحول من هو العدو ومن هو الصديق؟ وعندما يتم خلخلة القيم على هذا المستوى، يمكن لإسرائيل أن تجد بيئة أكثر أمناً لها.
  • تكييف وتهجين الأفكار حول الواقع، وإيهام الناس بعوائد التسويات، وأن المقاومة (أو الحرب) لا معنى لها ولا أفق لها.
  • القطع مع أفكار وسرديات ووقائع العداء مع إسرائيل. وعد كل ما قامت به بوصفه جزءاً من “التاريخ السوداوي” المشترك. وضرورة فتح صفحة جديدة من أجل “مستقبل أبيض” مشترك!

وهنا تصبح أفكار وقيم الحق والتاريخ ومقاومة الاحتلال والهيمنة نوعاً من الإرهاب المدفوع بقيم سلبية واختراقية وارتزاقية وتآمرية من خارج الإقليم.

إن نظرة واحدة على وسائل الإعلام العربية في تغطيتها وتحليلها للحرب في غزة والحرب بين لبنان وإسرائيل، كفيلة بإعطاء القارئ النابه الكثير من المؤشرات ذات الدلالة في هذا الباب.

ثمة نوع من “التوافق الموضوعي”، وبالطبع التآمر القصدي والمباشر، بين “نزعة التفوق” و”الغلبة” و”امتلاك القوة”، و”قوة التحالفات” لدى إسرائيل؛ وبين نزعة “التمثل” و”استبطان” ما تريده إسرائيل وأمريكا، و”التبعية” و”الاختراق” للبنى الذهنية ومنظومات القيم الاجتماعية والسياسية إلخ.. لدى كثير من فواعل السياسة والاجتماع والدين من الإقليم (والعالم)، مسلمون ومسيحيون، عرب وغير عرب.

عنف المقاومة هو جذوة متقدة وروح وحيوية متوثبة من أجل الوجود الحر. تنطوي المقاومة على إرادة وقوة لا مثيل لها، كفيلة – لو استمرت – أن تُفكّك أعتى نظم السيطرة والقوة والاحتلال في التاريخ. وهذا يقوم مقام البداهة بالنسبة للمقاومين الحركيين وغيرهم، ولكن ليس من دون شروط ومتطلبات

نبوءات متعاكسة

تحاول إسرائيل بـ”سياسات الموت” التي تمارسها، أن تباعد – ما أمكن – بينها وبين نبوءة الدمار والانهيار والتلاشي في وعي ولا وعي الإسرائيليين. وهي تعاكس نبوءتين ميتافيزيقيتين رئيستين:

  • الأولى، نبوءة راسخة في منظومات القيم اليهودية والإسرائيلية، وهذه (النبوءة) جزء من سرديات ونبوءات كان لها – مع عوامل أخرى- دور مؤسس لإسرائيل نفسها.
  • الثانية، نبوءة معاكسة للأولى، هي نبوءة تاريخية وانثروبولوجية هجينة، قيمية دينية وإلى حد ما إيديولوجية قومية أو قوموية، وهي إلى حد ما نبوءة مخيالية وميتافيزيقية، لدى العرب وعدد من شعوب الإقليم، حول زوال إسرائيل.

لكن النبوءات والإيديولوجيات أحياناً ما تعكس – في جوانب منها – أمنيات أو تقديرات مخيالية لدى الأطراف. ولا تقوم المجتمعات والأمم والكيانات والدول بمجرد الأمنيات والنبوءات. هذه أمور مادية ووقائع وظواهر وحركيات اجتماعية وسياسية، تتطلب حشد أو تخصيص الموارد المادية والمعنوية، بما في ذلك الهمة على العمل والاستعداد للتضحية، والأهم أنها سياسات موت وحياة.

روح المقاومة

عودة إلى السؤال الذي بدأ به المقال، الجواب بكل بساطة هو: أن إسرائيل لا تستطيع إلا أن تكون كذلك. العنف والقتل هو “عامل مؤسس” لها، كما سبقت الإشارة، وهذا العنف والقتل ينتج عنفاً وقتلاً معاكساُ أو معكوساً، قل: ينتج مقاومة. قد لا يكون العنف والقتل متناسباً، وكذلك المواجهات والموارد والإمكانات، وهذا أمر معلوم ومفهوم الأسباب، إلا أن عنف المقاومة هو جذوة متقدة وروح وحيوية متوثبة من أجل الوجود الحر. تنطوي المقاومة على إرادة وقوة لا مثيل لها، كفيلة – لو استمرت – أن تُفكّك أعتى نظم السيطرة والقوة والاحتلال في التاريخ. وهذا يقوم مقام البداهة بالنسبة للمقاومين الحركيين وغيرهم، ولكن ليس من دون شروط ومتطلبات.

Print Friendly, PDF & Email
عقيل سعيد محفوض

كاتب وأستاذ جامعي، سوريا

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  MBS VS MBZ: إنتهى شهر العسل