إزالة تشوّهات قانون الانتخاب.. مدخل للإصلاح الحقيقي 

كل القوانين الانتخابية التي اُعتمدت منذ الاستقلال اللبناني عام 1943، كانت تُعيد ادخال الناس في عصبياتهم القبلية الضيقة. كما كانت تُعيد انتاج نظام المحاصصة الطوائفي الذي يُعيق نهوض حالة وطنية جامعة. فمن الضروري أن يكون هدف قانون الانتخابات هو تحرير التمثيل السياسي والإداري من هيمنة الفكر الطائفي المريض الذي يستخدم الدين لخدمة منافع الزعماء الخاصة.

جرت العادة أن يحرص زعماء الطوائف اللبنانية مجتمعين على استمرار احتكار تمثيل الناس من خلال قوانين انتخابية تؤبد سيطرتهم. ولَكَم شَهِدنا من ألوان التفنن في تقطيع الدوائر بشكل لا يقوم على معيار جغرافي وديموغرافي واحد. فرأينا تفاوتات كبيرة في أحجام الناخبين في الدوائر الانتخابية وفي مستوى التمثيل الانتخابي للمرشحين الفائزين.. والحال لأن لا انتخابات ديموقراطية من دون توفير مقتضيات حياد السلطة، وتكافؤ الفرص بين المرشحين والمساواة بين الناخبين.

تقييم قانون 2022

خدمَ قانون الانتخاب القوى والأحزاب اللبنانية التقليدية الكبيرة. وهي القوى التي تعتمد على وجهاء العائلات وأصحاب الأموال. اعتمد النسبية لكن جوّفها بخبث. رسم دوائر انتخابية تُراعي المذاهب وبعض القوى الطائفية. اعتمد الترشيح الفردي قبل تشكيل اللوائح. أجرى الاقتراع للوائح مقفلة وحصر الصوت التفضيلي الواحد في القضاء فعزّز ذلك الانتماء الطائفي في الدوائر المختلطة. سمح لتأثير كبير للمال الانتخابي، وأدخل خلافات وصراعات داخل اللائحة الواحدة. وأشغل الرأي العام بمعارك الحاصل الانتخابي والصوت التفضيلي.

أطاح القانون بالعمل السياسي بمعناه النبيل الذي يفترض تحالفات سياسية تُبنى على برامج انتخابية. فظهرت لوائح انتخابية عكست تحالفات عرجاء «من كل واد عصا». هكذا ضاعت المحاسبة بين من كان شريكاً في السلطة ومن كان خارجها. وتكشفت جوانب بشعة من وجوه ممارسة السياسة الانتخابية مثل ازدهار توريث الأبناء والأصهرة واستفحال المال السياسي. وهو في كل مرّة يتخطى السقوف “القياسيّة” التي ينصّ عليها القانون، ولا من يرفع السرية المصرفية.

بالإضافة إلى أنه استبعد إصلاحات جوهرية بما يعني المرأة والشباب والاقتراع في مكان الإقامة (ميغا سنتر). فلم يُطبق اصلاحات محدودة مثل البطاقة الانتخابية، مراكز الاقتراع الكبرى وغيرها.

وفي الأساس، قفز قانون الانتخاب عن فكرة إيجابية تضمّنها الدستور قضت بتجاوز الطائفية في الانتخابات النيابية، عبر انشاء مجلس شيوخ يمثّل الطوائف ومجلس للنوّاب خارج القيد الطائفي.

وللتذكير؛ نصّ الدستور اللبناني في المادة 22 المعدلة في 21 أيلول/سبتمبر 1990 على الآتي: مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. تشترط المادة 22 أن يسبق إنشاء مجلس الشيوخ انتخاب مجلس نواب على أساس لا طائفي.

التشويه الذي حصل في تطبيق النصوص الإصلاحية الواردة في الدستور أوصل الطبقة السياسية لابتداع صيغ ابتزاز وتبادل “فيتوات” وتغيير التحالفات. وظهرت أعراف وتفسيرات عن التوافقية والميثاقية وحقوق مفترضة للمذاهب والطوائف

كيف نؤمن صحة التمثيل في نظام الاقتراع وفي تقسيم الدوائر وفي شروط ادارة العملية الانتخابية؟ مع الأخذ بالاعتبار، التوزيع المذهبي والمناطقي للمقاعد ريثما يتم التفاهم الوطني على تجاوز الطائفية؟

للإجابة على هذا السؤال الكبير والمعقّد، رجعت بشكل خاص إلى كتابات رئيس الحكومة القاضي نواف سلام، وهي كثيرة وقيّمة طالت كافة جوانب وتفرعات إصلاح النظام السياسي.

 تُبيّن المراجعة الدقيقة لنتائج الأخذ بنظام التمثيل الأكثري البسيط ولارتفاع عدد المرشحين في الدورات الانتخابية المتعاقبة عبر العقود، أن النسبة المئوية من أصوات المقترعين التي يفوز بها النائب هي على انخفاض مطرد. كما ازدادت نسبة المقترعين التي لا تتمثل في المجلس، أي تذهب أصواتها كلها هدراً. واستفحلت العلاقة الزبائنية بين المرشح والناخبين.

فوائد النسبية 

واستبان أن اعتماد النظام النسبي يُعزّز صحة التمثيل لأنها لا تضخّم تمثيل أحد ولا تلغي تمثيل أحد. بل يُساعد على خلق ديناميات صحية جديدة في الحياة السياسية ويرفع نسبة المشاركة في العملية الانتخابية ويُشجّع على نماء الأحزاب وانشاء الجبهات التي تقوم على أساس البرامج السياسية.

ويُحدّ النظام النسبي من سيطرة المحادل الانتخابية دون أن يقصي أياً من الأقليات السياسية بل يمثلها بما يتناسب حجمها. وتتيح النسبية تمثيل أحزاب وحركات سياسية منتشرة على امتداد جغرافية الوطن، وأيضاً مجموعات الناشطين الذين يُدافعون عن المصالح الاجتماعية أو البيئية أو عن قضايا نقابية ومهنية وعن حقوق المرأة وحقوق الإنسان. يصير بوسع هؤلاء التكتل في لوائح والحصول على نسب كافية من الأصوات للفوز.

النظام المركب

وكانت الهيئة الوطنية لقانون الانتخاب التي رئسها فؤاد بطرس وشارك فيها زياد بارود ونواف سلام، قد وضعت مشروعاً تفصيلياً لقانون انتخابي يحفظ صحة التمثيل. استغرق اعداده طويلاً ولم يناقش فيما بعد. اقترحت هذه اللجنة اعتماد نظام انتخابي مركب ينتخب 77 نائباً وفقاً للنظام الأكثري و51 نائباً وفقاً للنظام النسبي على أساس المحافظات أو الدوائر المُعاد تقسيمها على أسس إدارية جديدة. كما اقترحت اصلاحات أبرزها «هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات» (لكن لم يُقرّ لاحقاً سوى هيئة إشراف ذات صلاحيات مُقيَّدة).

أتت فكرة النظام المركب للاقتراع ثمرةَ مراجعة دقيقة لنتائج الأخذ بنظام التمثيل الأكثري عبر العقود. واقترحت الهيئة النظام المركب الذي يدمج بين انتخاب قسم من النواب بالنظام الأكثري في دوائر انتخابية صغيرة وقسم آخر بالنظام النسبي في الدوائر الكبيرة، إلى أن يتم انشاء مجلس الشيوخ وصدور قانون دستوري يُحدّد ويُوزّع صلاحيات مجلس الشيوخ ومجلس النواب.

إقرأ على موقع 180  رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد.. حتى لا ينضم إلى "قافلة الفاشلين"!

بحسب نواف سلام (في دراسة عن اصلاح النظام الانتخابي في كتاب جماعي بعنوان “خيارات للبنان”، صادر عن “دار النهار”) «لا يناقض النظام المركب مبدأ المساواة لا بين الناخبين ولا بين المرشحين إذ يمنح كل ناخب صوتين، كما أنه يترك لكل مرشح خيار أن يترشح أما على صعيد القضاء وأما على صعيد الدائرة الوطنية».

قد يؤمن النظام المركب صحة التمثيل وعدالته، بحيث يتم الاقتراع في دورة واحدة لقسم من أعضاء البرلمان بحسب النظام الأكثري على أساس القضاء وقسم آخر على أساس الدائرة الكبرى والنظام النسبي. وتعتمد هذا النوع من الأنظمة الانتخابية روسيا، اليابان، ألمانيا، إيطاليا.. ويزداد عددها في معظم دول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية.

ولعل اعتبار المحافظات دوائر انتخابية مع الترشيح على أساس القضاء «هي الحكمة الأصلية لاتفاق الطائف»، فالمحافظات هي دوائر مختلطة طائفياً ومذهبياً إلى حد كبير، مما يفرض على المرشحين أخذ فئاتها المختلفة في الحسبان، مما يُعزّز من اعتدال الخطاب السياسي. لكن التشويه الذي حصل في تطبيق النصوص الإصلاحية الواردة في الدستور أوصل الطبقة السياسية لابتداع صيغ ابتزاز وتبادل “فيتوات” وتغيير التحالفات. وظهرت أعراف وتفسيرات عن التوافقية والميثاقية وحقوق مفترضة للمذاهب والطوائف إلخ..

باختصار؛ تفرض عورات القانون الانتخابي الساري المفعول إجراء بعض التعديلات عليه، فلتكن التعديلات هذه المرّة حاملةً جرعة اصلاحات نوعية تؤمن التمثيل العادل وتُحدث صدمةَ وعي إيجابية في النفوس وتكون مدخلاً للعبور إلى دولة المواطنة.

(mediayehia.com)

Print Friendly, PDF & Email
حسان يحيى

طبيب فمّ وأسنان ومجاز في علوم التغذية

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "تسونامي" ترامبوي.. في الآتي من أيام وسنوات!