

ما أن دخل ستيف ويتكوف قاعة المفاوضات المخصصة لوفد بلاده، حتى سلّمه وزير الخارجية العُماني “الإطار التفاوضي” الذي قدّمه وزير خارجية إيران ليُصار إلى اعتماده منهاج عمل لمسار تفاوضي لم يُحدَّد مداه الزمني بسبب تعقيدات الملفات والقضايا المطروحة في الوقت الذي لا يبدو فيه أن الجانب الإيراني يريد حرق المراحل، بل الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق أهدافه وأبرزها رفع العقوبات الإقتصادية الأميركية والغربية.
وفي انتظار الجولة الثانية التي تقرر عقدها يوم السبت المقبل، يتعامل الإيرانيون مع “الفرصة التفاوضية” بإيجابية، وذلك استناداً إلى عاملين مهمين:
الأول؛ موافقة إيران على خيار المفاوضات تأتي استجابة لقرار اتخذه المرشد الأعلى الإمام السيد علي خامنئي، وبالتالي لا يُمثل الوفد المشارك في المفاوضات الحكومة أو مجموعة سياسية معينة (محافظون أو اصلاحيون) بل يُعبّر عن موقف رأس هرم النظام السياسي الإيراني ممثلاً بشخص السيد خامنئي الذي ردّ علی رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتنسيق مع الحكومة بكل دوائرها السياسية والأمنية والاقتصادية؛ وهذا يعني أن المفاوض الإيراني محصنٌ بقوة ويملك صلاحية التفاوض بلا أدنى تردد خصوصاً وأنه يحمل أيضاً “إطاراً تفاوضياً” واضحاً. وخير دليل على ذلك وضع صورة لوزير الخارجية في صفحة المرشد الرسمية علی منصة “اكس” والدعوة له بالدعاء ما يعني أن المرشد الأعلی يدعم بشكل كامل جهود الحكومة بخوض المفاوضات مع الجانب الأمريكي خلافاً لما يُردّده البعض من المعارضين للمفاوضات في الداخل الإيراني.
الثاني؛ تترقب الأوساط الإيرانية السياسية والاقتصادية والشعبية هذه المفاوضات لما سيكون لها من تأثير على الأوضاع الراهنة والمستقبلية في إيران؛ إن في جانبها السياسي أو الأمني أو الاقتصادي أو العلمي.
وفي سياق هذين العاملين، حمل عباس عراقجي “الإطار التفاوضي” الذي يعتقد أنه كفيل بإزالة القلق لدی الجانبين لأن هذا القلق عبارة عن جادة ذات اتجاهين. قلقٌ عند الجانب الأمريكي من طبيعة البرنامج النووي الإيراني؛ وقلقٌ عند الجانب الإيراني من استمرار العقوبات علی إيران إضافة إلی البرامج التي تُهدّد بها الولايات المتحدة الدولة الإيرانية بين فينة وأخری.
يعمل الجانب الإيراني مع نظيره الأمريكي لايجاد نقاط مشتركة يتم الاستناد عليها لأن جميع الاحتمالات مطروحة الآن علی الطاولة وهي متساوية في مقدارها، وتتوقف إلى حد كبير علی الجانب الأمريكي في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر الإيرانية عن أن آخر ما يُفكر به المفاوض الإيراني هو الخيار العسكري الذي يُلوّح به الأمريكيون لأنه “خيار فارغ”
وكشفت مصادر إيرانية مواكبة أن “الإطار التفاوضي” الذي اقترحه الإيرانيون علی الجانب الأمريكي يشمل التصورات التالية:
أولاً؛ إن إيران جادة في التوصل لاتفاق يُنهي هذا القلق عند جميع الأطراف وبالتالي يضع حداً للحظر والمقاطعة الموجهة ضدها.
ثانياً؛ إن إيران لا تريد تضييع الوقت كما لا تريد التلاعب به وهي تسعی للتوصل للاتفاق بأسرع وقت ممكن شريطة أن يتضمن ضمانات واضحة للتنفيذ بالشكل الذي لا يتم فيه تكرار التجارب السابقة وتحديداً تجربة عام 2018 عندما قرّر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في العام 2015.
ثالثاً؛ المفاوضات تمثل اختباراً صعباً لجميع الأطراف لكنها في الوقت نفسه تُمثل فرصة مهمة للتوصل إلى اتفاق علی قاعدة (win/ win) “رابح /رابح”، والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
رابعاً؛ سلوك الجانب الإيراني يعتمد علی سلوك الجانب الآخر في المفاوضات، بمعنی أن الجانب الأمريكي إذا تقدم خطوة نحو تعزير الثقة فإن الجانب الإيراني يتقدم بخطوتين للتدليل علی حسن النوايا وعدم رغبته في إضاعة هذه الفرصة.
خامساً؛ العين الإيرانية مفتوحة علی خطوات الجانب الأمريكي الملموسة والواقعية الهادفة إلى تعزيز الثقة المتبادلة، ذلك أن الجانب الإيراني صاحب تجربة ثقيلة جداً من انعدام الثقة مع الولايات المتحدة التي أضرت بالشعب الإيراني من خلال الحصار والعقوبات غير المبررة في المجالات الاقتصادية والعلمية والطبية والثقافية وبالتالي هي المسؤولة أولاً عن ترميم هذه الأضرار.
سادساً؛ إيران عازمة ومستعدة لازالة أي قلق إزاء طبيعة برنامجها النووي مقابل إزالة العقوبات.
سابعاً؛ إن المفاوض الإيراني سينسحب من المفاوضات بلا تردد إذا ثبت له وجود مماطلة أو دوافع لا تخدم المصالح الوطنية الإيرانية وخارجة عن “الإطار التفاوضي” الذي سيتم الاتفاق عليه.
ثامناً؛ إن إيران قلقة من البرامج والتهديدات الأمريكية المضادة لنظامها السياسي والتي يبادر إليها الجانب الأمريكي بين فينة وأخری؛ وبالتالي هي بحاجة إلى من يُطمئنها في هذا السياق.
تاسعاً؛ إن تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة ليس مهمة الجانب الإيراني فحسب وإنما مهمة جميع الأطراف المعنية بهذا الأمن والاستقرار والسلام في الشرق الأوسط.
عاشراً؛ كانت القضية الفلسطينية المركزية عند العرب والمسلمين وما تزال وستبقی مصدر التوتر الرئيس في المنطقة ما لم تعمل الأطراف الدولية والاقليمية لإيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني وانهاء حالة الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي اطار هذه الأفكار والتصورات يعمل الجانب الإيراني مع نظيره الأمريكي لايجاد نقاط مشتركة يتم الاستناد عليها لأن جميع الاحتمالات مطروحة الآن علی الطاولة وهي متساوية في مقدارها، وتتوقف إلى حد كبير علی الجانب الأمريكي في الوقت الذي تتحدث فيه المصادر الإيرانية عن أن آخر ما يُفكر به المفاوض الإيراني هو الخيار العسكري الذي يُلوّح به الأمريكيون لأنه “خيار فارغ”، على حد تعبير المصادر الإيرانية.