

بعد حرب "طوفان الأقصى"، اتضح بجلاء أن مشروع إسرائيل الكبرى لم يعد مجرد فكرة، بل أصبح خطة استراتيجية طويلة المدى لإعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق مصالح إسرائيلية بحتة. لم يقتصر هذا المشروع على المواجهة العسكرية المباشرة، بل امتد ليشمل إعادة رسم خرائط النفوذ، واستغلال الانقسامات الداخلية للدول العربية، والسيطرة على الموارد الاستراتيجية والطرق الحيوية، بما يضمن تثبيت نفوذ دائم في المنطقة.
سوريا كانت نقطة الانطلاق المثالية لهذا المشروع، وبخاصة بعد ضعف ومن ثم سقوط نظام بشار الأسد. هذا الفراغ السياسي والأمني أتاح لإسرائيل فرصة استثنائية لإطلاق مشروعها التوسعي، إذ تم استغلال الأزمة السورية لتقسيم الدولة إلى كيانات قبلية وطائفية صغيرة يسهل التحكم فيها واستمرار النزاعات داخلها، بما يضمن عدم قدرة الدولة على العودة إلى موقعها كقوة إقليمية مستقلة. وقد أصبح واضحًا أن هذا النهج لا يقتصر على سوريا، بل يمتد ليشمل لبنان والعراق وأجزاء من الأردن وفلسطين التاريخية، حيث يسعى المشروع إلى إنشاء شبكة من المناطق الخاضعة لنفوذ إسرائيلي مباشر أو غير مباشر.
تجلّى هذا الاستغلال بوضوح في الاعتداء على السويداء من قبل الجماعات التكفيرية التي استغلت الفراغ الأمني والفوضى الداخلية لفرض نفوذها على مناطق استراتيجية. وقد أدى هذا الوضع إلى التوصل لاحقًا إلى اتفاق لإنشاء ممر بحجة فك الحصار عن الأهالي. وبرغم المظهر الإنساني الظاهر للاتفاق، إلا أنه يعكس في جوهره كيفية استغلال الأزمات الداخلية لمصلحة الأطراف الخارجية، بما في ذلك المشروع الإسرائيلي التوسعي، الذي يجد في مثل هذه الأزمات فرصة لترسيخ نفوذه عبر تحويل مناطق مثل السويداء إلى ساحات صراع مستمرة خارج سيطرة الدولة المركزية.
المواجهة الفاعلة تتطلب استراتيجية عربية متماسكة تعتمد على الوحدة والقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتعيد رسم حدود النفوذ بما يحمي الدول العربية وشعوبها من الانقسام والهيمنة، لضمان مستقبل مستقل ومستقر للمنطقة بأسرها

ومع ذلك، يبدو أن العجز العربي أمام إسرائيل الكبرى صار واقعًا ملموسًا، إذ تعجز الدول العربية عن تقديم رد فعل استراتيجي حقيقي، بسبب الانقسامات الداخلية، وضعف التنسيق الإقليمي، وتبعية بعض الأنظمة للنفوذ الخارجي. وهذا يطرح تساؤلات حيوية: هل يمكن للعالم العربي جمع قواه لمواجهة هذا المشروع؟ هل ما زال هناك وقت لتوحيد الجهود قبل أن يتحول المشروع الإسرائيلي إلى واقع لا رجعة فيه؟ وكيف يمكن حماية سيادة الدول العربية في ظل تهديدات مباشرة ومتزايدة؟
إن استمرار الوضع الراهن وغياب الوحدة العربية يعني تمكين إسرائيل من تثبيت نفوذها وفرض هيمنتها على مساحات واسعة من المنطقة، وتحويلها إلى مسرح للصراعات المستمرة والهيمنة الخارجية الدائمة. لذلك، يصبح التحرك العربي الموحد ضرورة ملحة، يشمل تعزيز التنسيق السياسي والعسكري بين الدول العربية، دعم المشاريع الوطنية والقومية التي تعزز التضامن، ومواجهة الانقسامات الداخلية التي تسمح للتدخل الخارجي بالتمدد.
المواجهة الفاعلة تتطلب استراتيجية عربية متماسكة تعتمد على الوحدة والقوة السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتعيد رسم حدود النفوذ بما يحمي الدول العربية وشعوبها من الانقسام والهيمنة، لضمان مستقبل مستقل ومستقر للمنطقة بأسرها. الفشل في ذلك يعني قبول مشروع إسرائيل الكبرى واقعًا لا رجعة فيه، وتكريس هيمنة خارجية تستند إلى ضعفنا الداخلي، وهو ما لا يمكن التسامح معه إذا كانت هناك إرادة للحفاظ على كرامة الأمة وقوتها.