اكتشفت مؤخراً، بل ومؤخراً جداً، أنه بعد عقود عديدة قضيت بعضها أدرس علوم السياسة وقضيت أكثرها أعمل في جانب أو أكثر من جوانبها وأعيش في دهاليزها ما زالت تحدث أمور وتغيب، أو تحدث وتستقر، ويبقى فهمي لها متعثراً.
اكتشفت مؤخراً، بل ومؤخراً جداً، أنه بعد عقود عديدة قضيت بعضها أدرس علوم السياسة وقضيت أكثرها أعمل في جانب أو أكثر من جوانبها وأعيش في دهاليزها ما زالت تحدث أمور وتغيب، أو تحدث وتستقر، ويبقى فهمي لها متعثراً.
يعيش لبنان في مرحلة دقيقة تتقاطع فيها الضغوط الدولية والإقليمية مع التهديدات الأمنية الميدانية، ما يجعله أمام تحدٍّ وجودي يتجاوز حسابات السياسة الداخلية. فالمناخ الدبلوماسي في المنطقة يشي بمسار تطبيعي متسارع مع إسرائيل، وبمحاولات مستمرة لإدماجها في ترتيبات الأمن والاقتصاد الإقليميين، في ظلّ تراجع واضح للدور العربي التقليدي، وتمدّد للنفوذ الأميركي والإسرائيلي في ملفات الطاقة والحدود والمياه الإقليمية.
اتفاق غزة هش، ولا أفق سياسيًا يُعوَّل عليه. هذه حقيقة تتبدّى في تفاصيله وتطوراته الميدانية كافة. تفجيره وارد، وتفجير المنطقة كلها ليس مستبعدًا. فالخرق المتكرر لوقف إطلاق النار أثار إحباطًا أمريكيًا معلنًا، خشية انهياره الكامل.
تتأرجح المسألة الإيرانية بين عدة ملفات معقدة وشائكة شرق أوسطية، لكنها تتقاطع عند نقطة محورية تتصل بالأمن القومي الإسرائيلي؛ وإذا كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أوكلت مهمة ترتيب الشرق الأوسط لكيان الاحتلال الإسرائيلي ووفق مقاساته، إلا أن الوقائع تُبيّن أن مثل هذه المهمة لن تكون بمتناول اليد وبالسرعة التي تصورتها هذه الإدارة، ذلك أن الأهداف الحقيقية التي يطمح إليها الكيان، والتي عبّر عنها رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بعنوان «إسرائيل الكبرى»، قد تتناقض أحياناً مع الأهداف الأميركية.
لا تبنى الاستراتيجيات الوطنية على خلفية انفعالية أو انتقامية أو تشفياً من فريق وطني ضد آخر. بل على الاستراتيجية أن تكون محايدة وموضوعية بالمعنى المصلحي العام. فالدولة العادلة هي الدولة التي تكون محايدة تجاه مواطنيها، بمعنى عدم الانحياز لفئة دون الأخرى، وعدم تجسيد مصلحة فئة دون أخرى، أو أفراد دون آخرين. ما يجعلها قادرة على المساواة بين مواطنيها في حقوقهم وواجباتهم.
كيانيَّانِ استيطانيانِ في عالمِنا المعاصر. "الولاياتُ المتحدةُ" و"إسرائيل". نموذجانِ كولونياليّانِ يجْمعانِ بين الرأسماليّةِ والعنصرّيّةِ والاستبدادِ والتزويرِ. ويتقنَّعانِ بشعاراتِ الحريّةِ والديمقراطيّة. تقودُهُما الماسونيةُ، والصهيونيةُ التَلموديةُ، والصهيونيّةُ المسيحيةُ، أيْ مُثلَّثُ الدولةِ العالميةِ العميقةِ، أو الحكومةِ العالميةِ الخَفيّةِ. كلٌّ من هذينِ الكيانينِ اِغتصبَ أرضاً، وارتكبَ مجازرَ، ونظَّمَ إباداتٍ جَماعيّةً بحقِّ أبناءِ الأرضِ الحقيقييّن. هذا ما حصلَ في أرضِ أميركا وفي أرضِ فلسطين..
يتفق مجمل المراقبين على أن المرحلة الأولى من خطة دونالد ترامب ــــ والتى تتعلق بالإفراج عن الإسرائيليين «الرهائن أحياء كانوا أو أمواتًا» وبعدها تفرج إسرائيل عن عدد معين من الأسرى الفلسطينيين ــــ ستجد طريقها للتنفيذ رغم بعض التعثرات التى قد تصيبها والتى يمكن استيعابها ومعالجتها.
أيام تاريخية تلك التي نعيشها، كل يوم يمر علينا يترك وراءه علامة جديدة على أن "النظام" العالمي كما "النظام" الإقليمي العربي، انتقل خلال اليوم درجة أو درجات نحو هاوية وفي أحسن الأحوال نحو فوضى أشمل وأوسع مجالاً وأكثر تنوعاً.
اعترافُ عددٍ من الدول بـِ"دولة فلسطين" ليس في أكثرِهِ إلَّا رَواغاً. لا جَرَمَ في ذلك ولا غرابة. الرَوَّاغون كثيرون، وفي الدرَكِ المُهينِ يقبعُ ولاةُ العربِ، ولا نقولُ "قادة". حاشا أن يستحقُّوا هذه التسمية. يتشدَّقُ هؤلاءِ الولاةُ بالدعوةِ إلى ما يُسمَّى بـِ"حلِّ الدولتينِ". لم يقُلْ أحدٌ منهم شيئاً حول جغرافيا هذه الدولة. ولم يَنبِسوا ببنتِ شَفةٍ حول مضمونِها وهُويّتها وتاريخِها وموقعِها في العالمِ بعد نحو ثمانيةِ عقودٍ على اغتصاب فلسطين.
إذا كانت مقررات قمة الدوحة العربية والإسلامية، في مواجهة الإستهداف الإسرائيلي الأول من نوعه للعاصمة القطرية، تميّزت بسقفها المنخفض، فإن ما تلاها هو ما لم يكن بحسبان "إسرائيل".