مسرحية المفاوضات الإيرانية الأميركية.. طهران تُسدل الستارة!

أسدل مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام علي الخامنئي الستار علی المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة بعد أن قال إنها لا يمكن أن تخدم المصالح الإيرانية راهناً، ولا يمكن أن تدفع الضرر عن إيران بل إنها تضر بالمصالح الإيرانية.

هذه التصريحات جاءت عندما كان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في طائرته متوجهاً إلی نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث كانت أوساط إيرانية تعتقد أن بزشكيان بامكانه العودة من نيويورك وبيده انجازٌ ما يكون كفيلاً بوقف التصعيد مع الولايات المتحدة ويُشكل مدخلاً لاستئناف المفاوضات معها وبالتالي إعطاء فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق معها يضنت استئناف المفاوضات المتوقفة منذ العدوان الإسرائيلي الأميركي علی إيران في يونيو/حزيران الفائت.

الموقف الجديد للمرشد الإيراني يأتي في ظل استحقاقات تنتظر إيران، بعد الخطوة التي أقدمت عليها الترويكا الأوروبية ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا والقاضية بتفعيل “آلية الزناد” أو “سناب باك”، أي تمديد عقوبات مجلس الأمن الدولي.

وتنتظر طهران سلسلة من المواعيد أولها إعادة تفعيل ست قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي وتم توقيفها بموجب الاتفاق النووي الموقع عام 2015، وذلك بعد مرور عشر سنوات على توقيع الاتفاق الذي خرج منه الأميركيون في العام 2018 بعد وصول دونالد ترامب إلى السلطة في ولايته الأولى. ثاني الإستحقاقات في 18 تشرين الأول/أكتوبر تاريخ انتهاء صلاحية القرار الأممي الرقم 2231 الذي احتضن الاتفاق النووي الموقع بين إيران والمجموعة الغربية 5+1 عام 2015. ثالث الاستحقاقات يتصل باتفاق طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة علی وثيقة تم بموجبها السماح لفرق التفتيش التابعة للوكالة المذكورة بتفقد المنشآت النووية الإيرانية بما في ذلك تلك التي تعرضت للقصف الإسرائيلي الأميركي في يونيو/حزيران الماضي وذلك لأجل التحقق من كمية اليورانيوم مرتفع التخصيب فيها. هذا الاتفاق الذي سمي “اتفاق القاهرة” نصّ علی أن إيران سوف تنسحب من هذا الاتفاق إذا تعرضت لاعتداء أو تم تفعيل آلية “سناب باك” لعودة العقوبات الأممية. وطالما أنه تم تفعيل الآلية فإن طهران باتت متحررة من التزاماتها ضمن الاتفاق المذكور. زدْ على ذلك أن مجلس الشوری الإيراني أصدر قراراً يُلزم الحكومة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي “NPT” في حال تفعيل آلية “سناب باك”. ويعتقد نواب إيرانيون أن السماح لفرق التفتيش بالدخول للمواقع النووية الإيرانية له هدف واحد وهو معرفة مصير كمية اليورانيوم عالي التخصيب وتحديد موقعها من أجل ايجاد ذريعة لواشنطن وتل أبيب لشن عدوان جديد علی إيران.

المفاوضات مع الجانب الأميركي يجب أن تتخذ مساراً مختلفاً إذا كانت واشنطن وطهران مستعدتان للتوصل لاتفاق وهو مسار يبتعد عن الملف النووي نحو معالجة المشاكل الموجودة بين البلدين علی قاعدة “رابح/ رابح”؛ الاحترام المتبادل، والتفاهم على “المصالح المشتركة”، الأمر الذي يُمهد الطريق للتوصل إلی اتفاق ينهي الحرب الباردة الموجودة بينهما ويضع الأمور في نصابها، بما يخدم مصالح البلدين

ومن نافل القول إن طهران كانت تترقب تاريخ الأول من تشرين الأول/أكتوبر المقبل، عندما تُدشّن رئاستها لمجلس الأمن الدولي، حيث كانت تنوي بالاتفاق مع الصين تقديم “مشروع قرار” لمجلس الأمن يطلب تمديد صلاحية القرار 2231 لمدة معينة لافساح المجال أمام الجهود الرامية لايجاد حل للملف الإيراني واستئناف المفاوضات بين طهران وواشنطن علی أسس وقواعد جديدة. لكن استعجال الترويكا الأوروبية حرق المراحل وجعل مجلس الأمن يُسقط مشروع قرار روسي صيني بتمديد القرار2231 وتأجيل إعادة فرض العقوبات على طهران لمدة 6 أشهر، وذلك من خلال استخدام واشنطن حق النقض (الفيتو) ضد المشروع الصيني الروسي. يعني ذلك أننا أمام تصعيد إيراني مقابل كل تصعيد غربي، غير أن هذا المسار المتدحرج لا يستطيع أحد أن يتوقع حدوده ولا سيما أن المناخات الدولية والإقليمية تتحدث عن جولة عسكرية إيرانية إسرائيلية جديدة، لن يكون الأميركيون بعيدين عنها.

واللافت للانتباه أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي رافق الرئيس بزشكيان في زيارته لنيويورك أجری مباحثات مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لمرتين وعلى مدى يومين متتاليين قبل أن يتوجه يوم الأربعاء الماضي إلی موسكو في زيارة رسمية. وحتى الآن لا توجد معلومات واضحة لماذا حصل اللقاء الثاني مع غروسي أو ما الذي استوجب زيارة موسكو. وهل ثمة قناة اتصال ثالثة أفضت إلى نتيجة معينة ما زالت تفاصيلها غير واضحة حتى الآن؟

لا أحد يملك جواياً حاسماً، لكن عراقجي أجری مباحثات أيضاً مع نظرائه في الترويكا الأوروبية، كما أنه التقی أعضاء في مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا يعني أن وزير خارجية إيران كان يركز جهوده علی بحث ملف بلاده النووي والأزمة الحالية بشأن المفاوضات التي يقول الإيرانيون إنها تحطمت طاولتها لحظة بدء الهجوم الإسرائيلي الأميركي علی إيران.

لكن السؤال الكبير يبقی، هل أن تصريحات المرشد الإيراني في 23 أيلول/سبتمبر الجاري بعدم جدوی المفاوضات مع واشنطن راهناً، أسدلت الستار كاملاً علی هذه المفاوضات وبالتالي ثمة توجه نحو إدارة البلاد في ظل عقوبات وزارة الخزانة الأميركية إضافة إلی عقوبات مجلس الأمن الدولي؟

إقرأ على موقع 180  ثِقل الأوليغارشية الروسية.. إلى "ملاذ تل أبيب" أيضاً

من المفترض أن تكون تصريحات الخامنئي ملزمة للحكومة الإيرانية لأنها صدرت عن الرجل الأول في البلاد، بحسب القوانين السائدة، لكن مصادر دبلوماسية تری أنها غير مُلزمة للحكومة ما دامت الأولوية لانهاء العقوبات علی إيران. وتعتقد هذه المصادر أن هذه التصريحات رفعت السقف التفاوضي عالياً، لكنها أرادت أن تحدد الموقف أولاً، وتحدد اتجاه البوصلة ثانياً، لكنها في ذات الوقت أرادت تخفيف حدة الضغوط التي تواجه الحكومة الإيرانية أثناء وجود بزشكيان في نيويورك.

وفي ظل هذه الأجواء، من الصعب استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران علی أساس القواعد السابقة وخصوصاً أن كيان الاحتلال الذي لديه اليد الطولی علی البيت الأبيض لا يريد القبول بأي مفاوضات لا توفر له الأمن المنشود.

ويبدو أن المفاوضات مع الجانب الأميركي يجب أن تتخذ مساراً مختلفاً إذا كانت واشنطن وطهران مستعدتان للتوصل لاتفاق وهو مسار يبتعد عن الملف النووي نحو معالجة المشاكل الموجودة بين البلدين علی قاعدة “رابح/ رابح”؛ الاحترام المتبادل، والتفاهم على “المصالح المشتركة”، الأمر الذي يُمهد الطريق للتوصل إلی اتفاق ينهي الحرب الباردة الموجودة بينهما ويضع الأمور في نصابها، بما يخدم مصالح البلدين وعودة العلاقات المبنية علی القواعد الثلاث الآنفة الذكر.

ربما يبدو هذا الاقتراح صعب المنال في الوقت الراهن لكنه يُصبح ممكناً إذا اقتنعت به الإدارة الأميركية وساعدت فيه الدول العربية التي تسعی إلی تعزيز الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.

(*) ينشر بالتزامن مع جريدة “الصباح” العراقية

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  طلال سلمان.. علمٌ عربيٌ يفتخر بك سهل البقاع