غزة أسيرة.. “التهجير الصامت”

لم يغب مخطط التهجير القسري لسكان قطاع غزة عن الأجندة السياسية للحكومة الإسرائيلية بل ما زال حاضرًا بقوة في التفكير السياسي الإسرائيلي، برغم الإعلان عن اتفاق شرم الشيخ ضمن ما يُعرف بـ"خطة دونالد ترمب".
تصريحات بنيامين نتنياهو حول فتح معبر رفح فقط للمغادرة هو خير دليل على تلك السياسة التهجيرية للاحتلال، علماً أن المرحلة الأولى من اتفاق شرم الشيخ لم تُنفّذ كما وُعد؛ فقد أقر الاتفاق بأن معبر رفح سيفتح للمغادرين والقادمين بعد الأسبوع الأول من توقيع الاتفاق إلا أن ذلك لم يحدث، إضافة إلى عدم إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع خلافاً لما نصّ عليه الاتفاق، فعدد الشاحنات التي تدخل غزة لا يتجاوز 170–200 شاحنة يوميًا، وهو أقل بكثير من الحد المتفق عليه البالغ 600 شاحنة، ما يُعمّق الأزمة الإنسانية ويعرقل المسار السياسي.
لقد جاءت مبادرة الرئيس الامريكي دونالد ترمب لوقف الحرب في قطاع غزة بهدف إنقاذ رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو من ثلاثة ضغوط مركزية: الضغط الداخلي الإسرائيلي المتصاعد نتيجة الفشل السياسي والأمني؛ ملف الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس؛ ضغط المظاهرات العالمية التي هزّت العواصم الغربية وأضعفت وحدة الموقف الدولي المؤيد لإسرائيل، إضافة إلى تخلخل المواقف الأوروبية بشكل واضح، إذ ابتعدت بروكسل ولندن وباريس عن الاصطفاف التقليدي خلف تل أبيب، تاركة واشنطن وحيدة في الدعم المطلق، ما دفع ترامب للتدخل لاحتواء هذا التحول.
ومن هنا فإن وقف الحرب قد شكّل إنجازًا مهمًا من حيث تقليل عدد الضحايا المدنيين، برغم استمرار الاحتلال بتنفيذ عمليات عسكرية محدودة، وتبع ذلك اصدار قرار مجلس الامن الدولي رقم 2803 الذي وضع آليات تنفيذية لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق في خطة ترامب، وبرغم ما جاء في هذا القرار فإنه يُعبّر بكل وضوح عن موازين القوى على الأرض ويكشف عن رؤية الولايات المتحدة التي تتماهى مع نوايا إسرائيل الحقيقية، وتمضي نحو تحقيق أهدافها بعيدة المدى، وفي مقدمتها التهجير بصوره المختلفة؛ القسري، أو الطوعي، أو المغطّى بمبررات إنسانية مثل العلاج ومرافقة المرضى.
هذا الواقع الصعب في قطاع غزة اليوم يُمكن تشخيصه بأنه بيئة طاردة للحياة: خيامٌ لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، وأمطار تُغرق الخيام، وحصارٌ خانق، وانعدام مطلق لأبسط مقومات العيش.
أصبحت غزة اليوم “رمالاً وخياماً فقط”، ما يدفع المواطنين إلى البحث عن أي منفذ للخروج، سواء عبر معبر كرم أبو سالم أو معبر رفح أو رحلات غير نظامية إلى دول مختلفة، وكانت رحلات ما عرف بمؤسسة “المجد الانسانية” عبارة عن رحلات تهجير إلى جنوب افريقيا وماليزيا وأندونيسيا وغيرها أحد تجليات هذه المأساة الفلسطينية التي يعيشها المواطن الفلسطيني في قطاع غزة.
الحقيقة تشي أن التهجير لا يحتاج دائمًا إلى سلاح؛ فالمجاعة والإغلاق وغياب الإعمار والقتل اليومي كلها أدوات تهجير قسري بصيغة جديدة، فطالما بقيت غزة بلا إعمار وبلا أفق سياسي، ستظل مرشحة لموجات تهجير متتابعة، وربما أكبر مما ظهر حتى الآن، فالتهجير الصامت أصبح عنوان هذه المرحلة في ظل استمرار الحصار وتلاشي الاستقرار السياسي والاقتصادي في قطاع غزة.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  حاييم رامون: إسرائيل على حافَّة هزيمة تاريخية والقادة يغذّون الشعب بالأوهام
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  هل تجازف روسيا بالصراع مع تركيا في إدلب؟