كل تحرك إنفرادي ومستقل متعلق بالتطورات على الساحة السورية وتتبناه ايران أو روسيا أو تركيا سوف يخلف آثاراً سلبية وتخريبية بالنسبة للتحركات المشتركة التي تم اتخاذها في إطار اجتماعات أستانة، وربما تجعل هذا الإتفاق السياسي عرضة للإنهيار.
الإشارات حول الخطر الذي يتربص بإتفاق أستانة مع بدء العملية العسكرية التركية في الأراضي السورية تأتي تباعاً، وأولها قرار رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني إلغاء زيارته المقررة إلى تركيا، الذي كان من المقرر أن يسافر إلى اسطنبول في التاسع من الشهر الجاري للمشاركة في إجتماع برلماني بناء على دعوة رسمية تلقاها من رئاسة البرلمان التركي، إلا أنه قرر إلغاء هذه الزيارة بسبب العملية العسكرية التي تقودها تركيا في الأراضي السورية.
وفي المقابل، رد وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو على الإعتراضات التي أبدتها بعض الدول ومنها ايران على العملية العسكرية التي تخوضها تركيا في سوريا قائلاً: نحن لا نخاف من العزلة.
وتعقيباً على إلغاء لاريجاني زيارته إلى اسطنبول تابع تشاويش أوغلو قائلاً: “لا أريد التعليق على قرار رئيس برلمان إحدى الدول إلغاء زيارته إلى تركيا. ربما يكون لديه أسبابه الخاصة ولكن أنا سعيد لتواجد رئيس الدوما الروسي بيننا”.
وعلى هامش إجتماع زعماء الدول المعنية بإتفاق أستانة، كانت ايران قد أعلنت أنها تتفهم المخاوف التركية في شمال سوريا، وأعطت الحق لتركيا للعمل على إزالة هذه المخاوف بالطريقة المناسبة، ولكنها عارضت بشدة أن تكون هناك أية عمليات عسكرية بقيادة الجيش التركي في عمق الأراضي السورية. واقترحت إيران آنذك أن يعود الجيش السوري للسيطرة على الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا لكي يحافظ على أمن الحدود بالنسبة للبلدين.
إلغاء رئيس البرلمان الايراني زيارته إلى تركيا إنقسم معه الشارع الايراني ما بين مؤيد للقرار ومعارض له. البعض يعتقد أن قرار لاريجاني سوف يرسل إشارات سلبية بالنسبة للعلاقات الايرانية التركية، ومن الممكن أن تقوم أنقرة بالرد بالمثل في المستقبل القريب ما سوف يعرض العلاقات الايرانية التركية للخطر. هناك أيضاً من يعتقد أن لاريجاني كان يجب أن يسافر إلى اسطنبول وأن يستغل المنبر المتاح له في تركيا ليعلن مخالفة طهران للعملية العسكرية التي تخوضها تركيا في سوريا.
وجهتا النظر تشيران إلى أن ايران تشعر بالقلق إزاء العلاقات الايرانية التركية، وهناك شعور ينتاب الايرانيين بأن العملية العسكرية التي تخوضها تركيا قد تنعكس بشكل سلبي على العلاقات الثنائية. وبرغم تنظيم الخلاف بين الدولتين في مقاربة الملف السوري منذ العام 2011، حاولت طهران جاهدة تعزيز العلاقات الثنائية مع تركيا ولكن القرار التركي الأخير يمكن أن تكون له إنعكاسات سلبية على العلاقات الايرانية التركية بما لا يخدم مصالح أي من الدولتين في ظل الظروف الراهنة. وأهم ما في الأمر يتعلق بالخطوات المشتركة للدول الثلاث أي ايران وروسيا وتركيا في إطار إتفاقات أستانة والتي تبدو الآن أكثر هشاشة مما سبق، في الوقت الذي نرى فيه تقارباً في المواقف بين ايران وروسيا تجاه العملية العسكرية التي تخوضها تركيا في سوريا.
لندقق أكثر في رد وزير الخارجية التركي على قرار رئيس البرلمان الايراني إلغاء زيارته إلى تركيا حيث قال: أنا راضٍ عن حضور رئيس مجلس الدوما الروسي في هذا المؤتمر. من دون أن نطيل التعليق على هذه الجملة، فهي تحمل في ثنايا حروفها غضباً تركياً من قرار رئيس البرلمان الايراني الذي يمثل بالضرورة الموقف الايراني.
وفي الوقت الذي أضافت فيه أميركا وزارتين وثلاثة وزراء من تركيا إلى قائمة العقوبات بذريعة العملية العسكرية التي ينفذها الجيش التركي في سوريا، أصبحت هناك قواسم مشتركة بين إيران وتركيا أكثر من أي وقت مضى. وينبغي أن تساهم هذه القواسم المشتركة في تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، ولكن من الواضح أن الخلافات الجذرية بين البلدين على خلفية العملية العسكرية الأخيرة لتركيا في الأراضي السورية سوف توسع الهوة والضرر الأكبر سوف يعود على إتفاقيات أستانة.
وتبنى الرئيس الايراني حسن روحاني مواقف حازمة بالنسبة للعملية العسكرية وعبر عنها بأسلوب هادئ وديبلوماسي حيث قال: جميعنا يجب أن نكون حريصين على الحفاظ على سير إتفاقيات أستانة التي أثبتت أنها أفضل الطرق لإرساء الأمن والسلام في سوريا، وأضاف أن طهران تدرك المخاوف التي تشعر بها تركيا من الحدود السورية ولكنه قال إن بلاده لا تواقف على الطريقة التي اختارتها تركيا لإزالة هذه المخاوف وفي هذا الإطار قال: تركيا دولة صديقة بالنسبة لنا ولكن هناك طرق أفضل كان يمكن أن تختارها لتحقيق أهدافها، ويجب أن تتراجع عن هذه العملية بأسرع وقت ممكن.
تركيا وايران توجهان أنظارهما إلى الموقف الروسي الذي من شأنه التأثير بشكل كبير على موقف الأكراد في سوريا
ايران لديها أسبابها المنطقية في رفض العملية العسكرية التي تخوضها تركيا في الشمال السوري وهي مناطق يسكنها الأكراد السوريون، لأن ايران هي الأخرى يقطنها الملايين من الأكراد وهؤلاء يتعاطفون بشدة مع الأكراد السوريين. بعض النواب الأكراد في البرلمان الايراني طالبوا بردة فعل أقوى من قبل الحكومة الايرانية وطالبوا باستدعاء السفير التركي إلى وزارة الخارجية الايرانية، والبعض أيضاً يطالب بردود فعل أقوى وأكثر وقعاً، وبالتالي، بات واضحاً أن ايران تشعر بالقلق تجاه إتفاقيات أستانة التي باتت عرضة للخطر من جهة، ومن جهة أخرى تشعر بالقلق إزاء ردود الفعل التي قد تصدر عن مواطنيها الأكراد إثر العملية العسكرية التي تشنها تركيا على المناطق الكردية في شمال سوريا.
تركيا لم تعر العقوبات الأميركية على إيران أي اهتمام، لا بل حافظت على علاقاتها التجارية والإقتصادية مع طهران. كما أنها عززت هذه العلاقات في الأشهر الأخيرة حيث أصبحت الحدود الإيرانية التركية وعلى وجه الخصوص حدود بازرجان شريان الحياة الذي يضخ الدماء في الإقتصاد الايراني منذ بدء العقوبات الأمريكية المشددة ضد طهران.
يبدو أن تركيا وإيران في الوقت الراهن توجهان أنظارهما إلى الموقف الروسي والخطوات التي قد تتبناها موسكو والتي من شأنها التأثير بشكل كبير على موقف الأكراد السوريين. كلا الطرفين التركي والإيراني يعول على المواقف الروسية للحيلولة دون إنهيار إتفاقيات أستانة من جهة، وإقناع تركيا من جهة أخرى بقبول اللجوء إلى حل سوري كردي يزيل الخطر الذي تشعر به من حدودها مع سوريا وبما يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويمنع إنهيار الإتفاقيات المذكورة.