إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟

الكل بانتظار ما ستسفر عنه القمة الأمريكية ـ الإسرائيلية في ٢٩ من هذا الشهر في وشانطن لمحاولة استكشاف مستقبل التطورات في العام القادم، في المسارات الساخنة والقابلة لمزيد من التسخين بدرجات وسرعات وأوقات مختلفة على الجبهات المشتعلة والمترابطة بأشكال عديدة. وهي المسارات التي تفصل بينها إسرائيل لأسباب تتعلق برؤيتها الأيديولوجية (وبخاصة مع الحكومة الحالية) والاستراتيجية ومصالحها الأمنية الأساسية والحيوية.

تعتبر إسرائيل قطاع غزة مجرد مشكلة أمنية أساسية بالنسبة لها، وليست جزءًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة (ولو كان القطاع يخضع لترتيبات مختلفة عشية الحرب). وبالتالي تصطدم المطالب الإسرائيلية في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب بالموقف العربي ـ الإسلامي بشكل عام، الذي أبدت بعض أطرافه الاستعداد للمساهمة في القوة المطلوب تشكيلها لحفظ الأمن في غزة، بناءً على مسوغات معروفة وأكثر من ضرورية لتثبيت وقف إطلاق النار؛ وهي مسوغات أو شروط لا تندرج ضمن تنفيذ الخطة الإسرائيلية لإخضاع القطاع كليًا للرؤية الأمنية الإسرائيلية، بل تتناقض مع تلك الرؤية التي تتعامل مع غزة وكأنها جزيرة في محيط لا علاقة لها بالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وبمستقبل التسوية الشاملة والمتدرجة المطلوبة لهذا الصراع. لذلك تبقى أية تسوية لتطبيق المرحلة الثانية من خطة ترامب بمثابة هدنة هشة تحت عنوان تسوية قابلة للانفجار في أي وقت لاحقًا طالما استمر الموقف الإسرائيلي على ما هو عليه؛ رؤيةً وممارسةً.

في الضفة الغربية، حيث تُدار الحرب الإسرائيلية بأشكال أخرى، ومن ضمنها أعمال العنف المسلّح ضد السكان، يذكرنا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو الوزير المسؤول أيضًا عن ملف الاستيطان، بشرعنة ١٩ وحدة استيطانية مؤخرًا ليصل العدد الذي تم شرعنته من مستوطنات إلى ٦٩ في السنوات الثلاث الأخيرة. ويأتي ذلك ـ كما يذكر سموتريتش ـ بهدف منع قيام دولة فلسطينية مستقبلًا. ويحذر الأمين العام للأمم المتحدة مؤخرًا من أنه يجب كسر دائرة العنف التي لا تنتهي، وتمهيد الطريق لحل الدولتين بشكل نهائي ولا رجعة عنه. غير أن الواقع والتطورات الحاصلة على الأرض تدل على أن الأوضاع تسير في مسار متناقض كليًا مع نداء أو تحذير الأمين العام للأمم المتحدة، طالما أن القرارات التي تُتخذ في هذا المجال على الصعيد الأممي تبقى حبرًا على ورق ولا تجد طريقها للتنفيذ، ولو بشكل تدريجي، وهذا ليس أمرًا مفاجئًا.

المنطق الإسرائيلي ذاته يحكم الأمور على الجبهة اللبنانية، حيث تستمر إسرائيل في خرق فاضح لاتفاق إعلان وقف الأعمال العدائية (وقف إطلاق النار) منذ التوصل إليه في ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٤. وفيما يفاوض لبنان تحت هذا العنوان (وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من النقاط التي احتلتها)، ويدفع ـ برغم الرفض الإسرائيلي الواضح وغياب الضغوط الدولية المطلوبة ـ باتجاه العمل على إحياء اتفاقية الهدنة لعام ١٩٤٩، ومع إدراك مصاعب تحقيق هذا الهدف، يبقى الهدف الإسرائيلي هو العمل على «التطبيع والتفاوض السياسي مع لبنان»، وهو بالطبع أمر مرفوض لبنانيًا، مع التمسك بالتسوية السلمية الشاملة على أساس قرارات القمة العربية في بيروت عام ٢٠٠٢.

ولا بد من التذكير في هذا الصدد بنظرية «السيادة الأمنية» التي يبدو أنها في طريقها ـ إذا لم يتم وقفها ـ لأن تصبح جزءًا من العقيدة الاستراتيجية الإسرائيلية التي تعمل إسرائيل على فرضها على كل من لبنان وسوريا، وهو ما يرفضه البلدان بالطبع بشكل مبدئي وقاطع.

نذكر هذه الأمور لقراءة مسار التطورات في العام القادم في شرق أوسط يعيش متغيّرات هامة وتحديات عديدة، من الاستراتيجي إلى السياسي والاقتصادي والتنموي، ولو بدرجات مختلفة وفي دول عديدة من الإقليم. ولا بد من التذكير أيضًا بأن التطورات في دولة معينة أو في جزء من الإقليم لها تداعيات تطال الإقليم كله ولو بدرجات متفاوتة. لذلك، وبالنظر إلى هذا التنوع في التحديات وتداعياتها، فإن التعاون الإقليمي الشامل أو القطاعي، ولو بشكل تدريجي، يبقى مصلحة للجميع، سواء في بناء الاستقرار أو في تعزيزه، وبخاصة في احتواء نقاط التوتر القابلة للتصعيد والتوظيف في صراعات مختلفة تحمل تداعيات سلبية على الجميع ولو بأوقات وأشكال مختلفة. فالانخراط في تعاون قائم على عدم التدخل في شؤون الآخرين، واحتواء الخلافات والعمل على تسويتها، والبناء على المشترك أو المتكامل من المصالح، أمر أكثر من ضروري لتعزيز الاستقرار على كل المستويات في الإقليم، مستفيدين من دروس وعبر الماضي القريب والبعيد.

(*) بالتزامن مع “الشروق” المصرية

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "يديعوت": حروب سرية مع إيران.. وضغوط على بايدن
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إقتصاد إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر.. انكماش واستعداد لافلاس مصارف