ترامب لبن سلمان: تقليص انتاج النفط أو خسارة الحماية العسكرية
U.S. President Donald Trump holds a chart of military hardware sales as he welcomes Saudi Arabia's Crown Prince Mohammed bin Salman in the Oval Office at the White House in Washington, U.S., March 20, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst - RC1D275A0090

على عكس تصريحات دونالد ترامب منذ بداية انخفاض أسعار النفط مطلع الشهر الماضي بأن بلاده ستستغل تدهور الأسعار الناتج عن الخلاف بين روسيا والسعودية لتخزين النفط بكميات استراتيجية، كشف تقرير خاص لوكالة رويترز عن أن الرئيس الأميركي أجرى اتصالاً هاتفياً في الثاني من نيسان/ابريل الماضي بولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهدده بإنهاء التفاهم الاستراتيجي بين البلدين في حال استمرت الرياض عبر منظمة "أوبك" في زيادة انتاج النفط وتخفيض أسعاره.

واعتبر تقرير رويترز أن هذا التهديد “غير المسبوق” شكل المرتكز الأساسي لضغوط واشنطن على الرياض لإيقاف تدهور أسعار النفط وصولاً لانهيارها في الأسواق الأميركية بقيمة سالبة، وذلك برهن استمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والقائمة منذ 75 عاماً، والتي من المفترض أنها تقوم على ضمان الأولى لأمن الثانية في مقابل استقرار تدفق النفط للأسواق الأميركية، وذلك حسب اتفاق كوينسي الشهير عام 1945 بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.

 ولكن في السنوات الأخيرة، ومع استراتيجية الإدارة الأميركية المستجدة بخصوص الطاقة والنفط وتقليص الاعتماد على استيراده من الخارج – وبخاصة نفط الخليج – وصولاً إلى تحول الولايات المتحدة الأميركية إلى المنتِج الأول عالمياً للنفط، وتجاوزها في ذلك السعودية وروسيا، فإن المعادلة الحاكمة للعلاقات بين واشنطن والرياض باتت قيد المراجعة، وبحد أدنى منذ دخول ترامب البيت الأبيض، الذي بدوره أقرّ سياسة جديدة تجاه المملكة مفادها بحسب تصريحاته العديدة خلال السنوات القليلة الماضية: الأموال مقابل الحماية.

وبحسب تقرير  رويترز، فإنّ ترامب تدخل قبل عشرة أيام من إعلان الرياض خفض الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار خام “أوبك”، وأبلغ في مكالمة هاتفية ولي العهد السعودي بأنه في حال استمرت السعودية و”أوبك” في رفع الإنتاج، فسيكون من الصعب إقناع المشرعين الأميركيين بإرجاء تشريعات من شأنها سحب القوات الأميركية العاملة في السعودية.

ويُعد تخفيض الإنتاج الذي أتى بعد تهديد ترامب هو الأكبر من نوعه على الإطلاق، حيث خفضت السعودية ودول “أوبك” وروسيا نحو 10% من الإنتاج العالمي منذ منتصف شهر نيسان/ابريل، ولكن ذلك لم يحل دون انهيار أسعار النفط إلى مستويات تاريخية، كان أبرزها انخفاض عقود النفط الأميركية الآجلة لما تحت الصفر نظراً لعدم توفر أماكن لتخزينه، وانخفاض قيمة خام برنت من 70 دولاراً في بداية العام، إلى أقل من 15 دولاراً الأسبوع الماضي.

ونقلت الوكالة عن مسؤول أميركي كبير أن البيت الأبيض أبلغ السعوديين بأنه إذا لم يجرَ تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار، فلن تكون هناك طريقة لمنع الكونغرس الأميركي من فرض قيود واتخاذ إجراءات من شأنها الوصول إلى سحب القوات الأميركية من السعودية، وأن هذه المحصلة التي نوقشت عبر مختلف القنوات الدبلوماسية أتت على أرضية “لن أدافع عن صناعتك وأنت تدمر صناعتي”، وذلك في إشارة إلى تأثير رفع الإنتاج وخفض الأسعار من جانب الرياض على صناعة النفط الأميركية وخاصة الصخري منها.

وكانت واشنطن زادت عدد قواتها في السعودية العام الماضي، وخاصة بعد سلسلة الهجمات الصاروخية التي طالت المنشآت النفطية لشركة “أرامكو” في شرق المملكة، والتي تسببت حينها في تخفيض انتاج المملكة اليومي من النفط بنحو 50%، وهو الأمر الذي اعتبره ترامب وقتها “أمراً جيداً” لسوق النفط الأميركية، حيث أنّ خفض الإنتاج وارتفاع الأسعار يشكل استقراراً للجدوى الاقتصادية لإنتاج النفط الصخري، وذلك بخلاف رغبة ترامب في أن تكون الأسواق والبورصات الأميركية مساراً نهائياً لأسهم شركة “أرامكو” التي طُرح جزء منها للاكتتاب أواخر العام الماضي.

وأوضح تقرير “رويترز” أن ما اعتبره البيت الأبيض “انجازاً دبلوماسياً” في الضغط على السعودية لإيقاف تخفيض سعر النفط، والذي يشهد الطلب عليه انخفاضاً حاداً بدافع من تداعيات وباء “كورونا”، قد أتى في الأساس كمحاولة للحيلولة دون انهيار صناعة النفط الأميركية، والتي وصلت عقودها الآجلة ولأول مرة في التاريخ لقيمة سالبة في العشرين من نيسان الماضي، بالإضافة إلى رغبة ترامب في تخفيف قبضة الرياض على تكتل “أوبك” الذي تستخدمه الأخيرة في استيعاب ضغوط ترامب المتكررة وذلك عبر تحكمها في سعر الوقود في الأسواق الأميركية.

ولكن التناقض الذي يبرزه تقرير “رويترز” هو أن ترامب طالب السعودية هذه المرة بخفض الإنتاج لرفع السعر وليس رفع الإنتاج لتقليل السعر كما المعتاد منه.

وفي إشارة إلى الإجراءات الاحترازية التي اتخذها الأميركيون تجاه توقعات انهيار أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، ذكرت “رويترز” في تقريرها أن عضوي مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الجمهوري، دان سوليفان وكيفين كريمر، قدما مشروع قانون في أواخر آذار/مارس الماضي يقضي بسحب القوات الأميركية المنتشرة حديثاً في السعودية، والتي تتكون في معظمها من أنظمة دفاع جوي وبطاريات “باتريوت” المضادة للصواريخ، إذا ما لم تعمل المملكة على خفض انتاجها من النفط. وأن هذا التشريع شهد زخماً في أروقة الكونغرس في ضوء حرب الأسعار التي نشبت بين الرياض وموسكو، وبمقتضاها رفع البلدين من انتاجهما، على الرغم من ضعف الطلب العالمي بسبب وباء “كورونا”.

وينتشر حوالي ثلاثة ألاف جندي أميركي في السعودية بمقتضى تشريعات تتم مراجعتها كل ستة أشهر، وكان من المتوقع أن تتم مراجعتها في أواخر آذار/الماضي.

دبلوماسي شرق أوسطي: التهديد الأميركي بفقدان السعودية للحماية العسكرية الأميركية هو ما جعل العائلة المالكة تنحني على ركبتيها وتوافق على مطالب ترامب

وذكر تقرير “رويترز” أن السيناتور كيفين كريمر قد أخبر ترامب عن نيته هو وزملاؤه بتمرير مشروع قانون سحب القوات الأميركية من السعودية في الثلاثين من آذار/مارس، وذلك قبل مكالمة ترامب لبن سلمان بثلاثة أيام.

إقرأ على موقع 180  المبادرات اليمنية بلا أفق.. ومأرب ستخلط الأوراق

ونقلت “رويترز” عن دبلوماسي شرق أوسطي قوله: “التهديد الأميركي بفقدان السعودية للحماية العسكرية الأميركية هو ما جعل العائلة المالكة السعودية تنحني على ركبتيها وتوافق على مطالب ترامب الخاصة بتقليص الإنتاج ورفع الأسعار.

وأشار تقرير رويترز إلى أن 13 من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي عن الحزب الجمهوري أرسلوا رسالة تذكير لولي العهد السعودي في 16 آذار/مارس الماضي باعتماد بلاده الاستراتيجي على الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لها، كما أجرى عدد منهم مكالمة وصفتها رويترز بـ”النادرة” مع سفيرة السعودية في واشنطن، ريما بنت بندر بن سلطان، ونقلت عن كريمر وصفه للمكالمة بـ”القاسية” والتي عبر فيها أعضاء الشيوخ الأميركي عن مدى تضرر صناعة النفط في ولاياتهم بقرارات السعودية بإغراق سوق النفط. وأضاف كريمر إن الأميرة نقلت تعليقاتها إلى المسؤولين في السعودية، بمن فيهم وزير الطاقة، علماً بأنه التهديدات، وبجانب مسألة سحب القوات الأميركية من السعودية، امتدت أيضاً إلى التلويح بمعارضة متزايدة في مجلس الشيوخ الأميركي لاستمرار الحرب السعودية في اليمن.

ولم تتوقف ضغوط البيت الأبيض والكونغرس عند حدود التهديد بسحب القوات الأميركية من السعودية فحسب، ولكنها امتدت لتشمل مقترحات بفرض عقوبات اقتصادية في شكل حزم جمركية على واردات النفط السعودي، حيث ذكر ترامب في اجتماع عُقد مع أعضاء الشيوخ في البيت الأبيض في الثالث من نيسان/ابريل أن “مليارات الدولارات التي تنفقها واشنطن لحماية السعودية من الممكن أن تُوجه لأولويات أخرى في حال استمر اصدقاؤنا هنا بمعاملتنا بمثل هذه الطريقة”، وذلك في إشارة إلى رفع الرياض للإنتاج وتخفيض الأسعار الذي أدى بجانب تداعيات وباء “كورونا” إلى خسائر فادحة في سوق النفط الأميركية حتى شهر حزيران على أقل تقدير.

Print Friendly, PDF & Email
إسلام أبو العز

كاتب صحافي ومحلل مختص بالشؤون الإقليمية والعلاقات الدولية - مصر

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  اليسار الديموقراطي الأميركي بالمرصاد لـ"القبة الحديدية"!