معركة إدلب المرتقبة: الحدود والأبعاد

للمرة الثانية على التوالي تفشل تركيا في تنفيذ التزاماتها وفق اتفاقية سوتشي الموقعة مع تركيا العام 2018 حول إدلب، والبروتوكول الإضافي الذي تم توقيعه في شهر آذار/مارس الماضي، والقاضي بفتح طريق M4 (حلب - اللاذقية)، الأمر الذي يرسم بمجمله صورة عامة لعملية عسكرية منتظرة يستعد الجيش السوري لإطلاقها من أجل تأمين الطريق بالقوة.

بعد معاركه الأخيرة مع الفصائل المسلحة وقوات الجيش التركي، تمكن الجيش السوري من فتح طريق حلب – دمشق (M5) وتأمين محيط حلب، إضافة إلى السيطرة على جزء واسع من طريق (M5) قبل أن تتصاعد الأحداث بشكل كبير وتنتهي باتفاقية أبقت على مناطق من الطريق تحت سيطرة الفصائل المسلحة، على أن تقوم أنقرة بفتح الطريق.

وبالرغم من المهل العديدة التي قدمتها موسكو لم تقم أنقرة بتنفيذ تعهداتها، حيث أعادت سبب ذلك إلى “جماعات راديكالية”، من دون أن تسميها، في حين استغلت هذه المدة لإقامة نقاط مراقبة جديدة وتوسيع دائرة حضورها في إدلب، إضافة إلى تحصين مواقعها، من دون أن تقدم على أية خطوة حقيقية لتأمين الجزء الخارج عن سيطرة الحكومة السورية من الطريق، باستثناء بعض الدوريات المشتركة مع روسيا والتي لم تحقق أية نتيجة.

وأقامت تركيا منذ تدخلها عسكرياً في إدلب، وحتى الآن، أكثر من 60 نقطة مراقبة، كما قامت بإدخال آلاف الآليات العسكرية والجنود. وتمكنت خلال هذه الفترة من تحصين وجودها، إضافة إلى تطويع قوى عدة للعمل تحت أمرتها، حيث أعلنت “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام”) ولاءها الكامل لتركيا، كما قامت “الهيئة” قبل بضعة أيام باعتماد الليرة التركية عملة رسمية في مناطق نفوذها.

وبالرغم من حضورها القوي، تواجه تركيا في إدلب مجموعة من الأزمات المؤجلة، أبرزها الفصائل “الجهادية” التي رفضت الاتفاق الروسي – التركي، ووجود عدد كبير من “الجهاديين” الأجانب ضمن فصائل مرتبطة بتنظيم “القاعدة”، حيث تخشى أنقرة أن تتسرب بعض هذه الفصائل إلى الداخل التركي، خصوصاً أن معظم “الجهاديين” وصلوا إلى سوريا عبر أراضيها، الأمر الذي يجعل مسألة ارتدادهم إلى تركيا ممكناً.

فوق الطاولة.. وتحتها

خلال الأسابيع الماضية، حشد الجيش السوري قواته على محاور عدة في ريف إدلب، ضمن استعداداته لشن عملية عسكرية في ريف إدلب الجنوبي  ومناطق في سهل الغاب في ريف حماة الشمالي، بهدف تأمين الجزء الخارج عن سيطرة الحكومة السورية من طريق M4 لإعادة فتحه.

ومنذ توقيع البروتوكول الإضافي بين موسكو وأنقرة في الخامس من شهر آذار الماضي، والذي قضى بتثبيت مناطق السيطرة، على أن تؤمن تركيا مسافة ستة كيلومترات من جانبي الطريق، برزت إلى الواجهة مشكلة وجود جيب كبير للفصائل المسلحة جنوب الطريق في المنطقة الممتدة من بداما وصولاً إلى النيرب، حيث تضم هذه المنطقة عشرات القرى التي تتمركز فيها الفصائل “الجهادية”، وأبرزها تنظيم “حراس الدين” التابع لـ “القاعدة” و “الحزب الإسلامي التركستاني”، وفصائل أخرى، في حين انسحبت “هيئة تحرير الشام” جزئياً من هذه المنطقة.

وأمام هذه المعضلة وعدم قدرة تركيا على إيجاد حل لها، بدأت ملامح العملية العسكرية تتضح بشكل كبير، حيث باتت مسألة سيطرة الجيش السوري على هذا الجيب أمراً لابد منه.

ومع استمرار استعدادات الجيش السوري لتنفيذ العملية، ارتفعت نبرة تركيا الرافضة للعملية عبر وسائل الإعلام، الأمر الذي اعتبره مصدر ميداني سوري “مجرد تصريحات لا أكثر هدفها ضمان عدم انقلاب مزاج الفصائل التابعة لتركيا، الأمر الذي تخشى أنقرة أن يورطها في معارك جانبية لا فائدة لها فيها، إضافة إلى أن أية انشقاقات في هذه الفصائل ستهدد الوجود التركي في إدلب”.

المصدر الميداني الذي أكد خلال حديثه إلى “180” أن قرار العملية العسكرية اتخذ فعلاً، وأن موعد العملية تأجل بعض الشيء بسبب “بعض المتغيرات”، أشار أيضاً إلى أن تركيا لن تشكل أي تهديد للجيش السوري خلال مراحل العملية، على عكس السيناريو الذي شهدته إدلب قبل نحو أربعة أشهر عندما وقعت مواجهات عدة بين الجيشين السوري والتركي.

وللدلالة على الموقف التركي، أشار المصدر إلى انسحاب مقاتلي “هيئة تحرير الشام” من المحاور المتوقعة للقتال بشكل تدريجي وانكفائهم خلف طريق M4، إضافة إلى توتر العلاقات بين “الهيئة” وتنظيم “حراس الدين”، الامر الذي وضع “التركستان” و”حراس الدين” وفصائل أخرى في الواجهة. ويبدو أن تركيا تستغل رغبة دمشق وموسكو في تسريع عملية فتح الطريق لضمان توجيه ضربات لهذه الفصائل، الأمر الذي سيمهد الأرض أكثر لتأمين وتحصين وجودها، إضافة إلى إبعاد شبح تسرب هذه الفصائل إلى تركيا، في ظل الولاء المطلق الذي تبديه “هيئة تحرير الشام” القوة الأكبر في إدلب.

وعلى الرغم من رغبة تركيا في إضعاف تلك الفصائل، وعدم وضع جنودها في مواجهة مباشرة معها، لا يبدو أنها ستتخلى عن الإشراف على الجزء الخارج عن سيطرة الحكومة السورية من الطريق، الأمر الذي يفسر زيادة عدد نقاط المراقبة التركية في محيط جبل الزاوية، حيث يبلغ عدد نقاط المراقبة المنتشرة في الجيب الذي يستهدفه الجيش السوري 12 نقطة ، بينها نقطتان أقامتهما تركيا مؤخراً.

إقرأ على موقع 180  بين روسيا وسوريا... صراع أوليغارشيات

وأمام هذه المعادلة، ذكر المصدر أن الجيش السوري سيحرر هذا الجيب وسيؤمن مناطق جنوب الطريق لإعادة فتحه، في وقت تفاوض تركيا على مسألة الإشراف على الطريق من الجهة الجنوبية على امتداد ستة كيلومترات وفق البروتوكول الموقع في شهر آذار.

ووجهت روسيا رسائل شديدة اللهجة إلى تركيا خلال الأيام الماضية بسبب المماطلة في فتح الطريق، ووصول دعم تركي للفصائل “الجهادية” المنتشرة في مناطق العمليات، وفق ما ذكر المصدر، الذي أضاف أن تركيا متأكدة من قدرة الجيش السوري من السيطرة على هذا الجيب إلا أنها ترغب في أن تكون هذه العملية منهكة وغير سهلة من جهة، إضافة إلى أنها تحاول عن طريق تقديم هذا الدعم ضمان عدم انقلاب بعض الفصائل ضدها.

وشنت الفصائل المسلحة خلال الفترة الماضية هجمات عدة على مواقع الجيش السوري في خروقات للاتفاقية الموقعة بين تركيا وروسيا، الأمر الذي شكّل دافعاً إضافياً لشن العملية وإعادة فتح الطريق، خصوصاً مع بدء تطبيق قانون العقوبات الأميركي الجديد على سوريا (قانون قيصر)، لما يمثله هذا الطريق من أهمية اقتصادية وسياسية كبيرة.

Print Friendly, PDF & Email
علاء حلبي

صحافي سوري

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  روسيا و«الهجمة الايديولوجية»… بين الـ«رينبو» والـ«رادوغا»