جذور الصراع في قره باخ… “شراكة ثورية” بين لينين واتاتورك

"مشكلة ناغورنو قره باخ هي نتيجة مباشرة لإعادة تقاسم الحدود في القوقاز بعد معاهدة قارص". هذا ما خلص إليه ألكسندر فاسيلييف، الباحث البارز في مركز دراسات آسيا الوسطى والقوقاز ومنطقة أورال والفولغا التابع لمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية. في مقابلة أجرتها معه مجلة "أوغونيوك" الروسية، يستعرض فاسيلييف بعضاً من فصول "الشراكة الثورية" السوفياتية-التركية، وكيف قام البلاشفة والأتراك بتقسيم منطقة ما وراء القوقاز بعد الحرب العالمية الأولى، وكيف تركت هذه الخطوة أثرها على العلاقات المعقدة في تلك الرقعة من العالم، على النحو الذي نشهد اليوم أحدث فصوله.

– الكسندر ديميتريفيتش، إلى أي مدى تسببت معاهدة قارص وأحداث تلك السنوات في المشاكل الحالية في ناغورنو كاراباخ؟

مشكلة ناغورنو قره قره باخ هي نتيجة مباشرة لإعادة توزيع الحدود في القوقاز بعد معاهدة قارص، وعندما تم تشكيل الاتحاد السوفياتي والجمهوريات الاتحادية. لكنك محقة: لولا معاهدتي موسكو وقارص، ربما لما كانت هناك جمهوريات اتحادية – سواء كلها أو جزء منها. قبل هذه الأحداث بوقت قصير، في عام 1918 ، وُلد اتحاد بين أذربيجان وتركيا، وقد نما بقوة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ونحن نرى العواقب اليوم.

– كيف استطاعت الحكومة السوفياتية التوصل إلى اتفاق مع مصطفى كمال أو أتاتورك المستقبلي؟

جرت الاتصالات الأولى بين البلاشفة والأتراك خلال المفاوضات حول “سلام بريست” في شتاء العام 1917. بحلول نهاية العام 1917، كانت القوات الروسية تسيطر على جزء كبير من شرق الأناضول. لعب تغيير السلطة في بتروغراد لصالح الأتراك: تم إنقاذ الإمبراطورية العثمانية من الهزيمة على الجبهة القوقازية. في تشرين الأول/أكتوبر من العام 1918، أبرم الأتراك هدنة مع إنكلترا وفرنسا، ولكن خلافاً لتوقعات الدائرة المحيطة بالسلطان، التي كانت تنوي اللعب على تناقضات القوى وفق أسلوب الدبلوماسية التركية التقليدية، وبالتالي تجنّب انهيار الإمبراطورية، كان ثمة إجماعٌ في موقف الحلفاء الغربيين. كان تقسيم الأراضي الإمبراطورية أمراً لا مفر منه. ومع ذلك، فإن جزءاً كبيراً من المجتمع التركي، ولا سيما الضباط، ظلّ مصمماً على المقاومة. في 28 كانون الثاني/يناير من العام 1920، تبنى البرلمان التركي ما سُمّيَ بـ”العهد الوطني”، والذي شمل الحدود المستقبلية للبلاد. وفقاً لهذه الوثيقة، كان من الضروري إجراء استفتاء حول ملكية الدولة التركي للأراضي في مناطق قارص وأرداهان وباتومي. وبحلول العام 1920، تمكن أحد قادة الحركة الوطنية التركية، مصطفى كمال، من توحيد جزء كبير من القوى المعادية للغرب حوله. ومع ذلك، لم يكن لقيادة الحركة الوطنية حلفاء في السياسة الخارجية ولا أموال ولا أسلحة.

– في تلك الحقبة، كان التاريخ من صنع الأفراد…

لا يصح إلا الصحيح. كان من الضروري أن تكون هناك غريزة سياسية وتفكير غير تافه يقودان إلى الحوار مع عدو لدود منذ قرون مثل روسيا. اعتمد مصطفى كمال هذا الخيار. وبحلول ذلك الوقت، كان قد تمكن من إنشاء هيئة حكومية بديلة لحكومة السلطان في إسطنبول – الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا – وأقنع مساعديه ببدء المفاوضات مع لينين، بالرغم من أنَّ أمراً كهذا لم يكن سهلاً. في 26 نيسان/أبريل من العام 1920، كتب رسالة شهيرة إلى لينين وأرسلها مع بعض المقربين، الذين سافروا إلى موسكو لمدة شهر ونصف الشهر. أما الرد فكان على النحو التالي: مفوض الشعب للشؤون الخارجية غيورغي فاسيليفيتش تشيشيرين أعرب في رسالته عن موافقة البلاشفة على معظم المطالبات الإقليمية الواردة في “العهد الوطني”.

– اتفقوا بسهولة بالغة… ماذا كان في الأمر؟

في تلك اللحظة، كانت تركيا تُعتبر ضحية للتطلعات الإمبريالية للقوى الغربية، التي تدخلت أيضاً في روسيا خلال الحرب الأهلية. كان ذلك بمثابة حساب استراتيجي لإضعاف الخصوم. ولكن في الوقت ذاته، كما قال سيرغو أوردزونيكيدزه، يمكن وصف سياسة روسيا السوفياتية تجاه تركيا بأنها “سياسة نصف الثقة”. أدت السياسة الخارجية للحكومة السوفياتية في الاتجاه التركي، إلى جانب الاتصالات الرسمية مع الحكومة في أنقورا (التسمية التاريخية لأنقرة وتعني مرساة السفينة – المترجم)، إلى تعاون نشط مع قادة “تركيا الفتاة”، الذين قادوا تركيا إلى الحرب العالمية الأولى ثم فروا من قبضة الوفاق الثلاثي إلى برلين. يتعلق الأمر بشكل أساسي باثنين قادة “تركيا الفتاة” الثلاث: أحمد جمال باشا وأنور باشا. كان لهذين الرجلين تأثير كبير على السياسة الشرقية لروسيا السوفياتية في أوائل عشرينيات القرن الماضي. تم تقديم قادة “تركيا الفتاة” للسوفيات من قبل سكرتير الكومنترن آنذاك كاريل راديك، وهو ثوري معروف تعرض للقمع في العام 1939. كانت لراديك اتصالات طويلة الأمد مع الدوائر الثورية في الغرب، وخاصة في ألمانيا، حيث التقى شخصياً بأنور باشا. تأثر راديك بشدة بفكرة تصدير الثورة إلى الشرق، والتي روج لها أنور، وحاول بالفعل تطبيقها بمشاركة هيئة الأركان العامة الألمانية خلال الحرب العالمية الأولى (تم وضع خطط “لتصدير عدم الاستقرار” إلى الهند البريطانية عبر إيران وأفغانستان). على الرغم من خسارة الحرب، كان أنور باشا يأمل في في تنفيذ خطته بمساعدة روسيا السوفياتية، بما يسمح له بالعودة منتصراً إلى تركيا. أما منافس أنور باشا في الصراع على السلطة في تركيا، مصطفى كمال، فقد فكر بطريقة أكثر براغماتية وواقعية: كان من المهم بالنسبة إليه، قبل كل شيء، ومن خلال اتفاق مع السوفيات، أن يتلقى المساعدة المادية ويؤمن الحدود التركية في القوقاز من أجل تخفيف الضغط عن القوات التي تحارب الغزاة في الغرب (اليونانيون والبريطانيون والإيطاليون) وفي الجنوب (الفرنسيون).

نظر السوفيات إلى تركيا باعتبارها ضحية للتطلعات الإمبريالية للقوى الغربية التي تدخلت أيضاً في روسيا خلال الحرب الأهلية، مع ذلك يمكن وصف سياسة روسيا السوفياتية تجاه تركيا بأنها “سياسة نصف الثقة”.

– من في موسكو دعا إلى التفاوض مع مصطفى كمال؟

كانت القيادة السوفياتية تلعب في الواقع لعبة “ثلاثية”: جرت مفاوضات رسمية مع مصطفى كمال بشأن توقيع معاهدة سياسية، ومن ناحية أخرى؛ مع “تركيا الفتاة” لتطبيق السياسة السوفياتية في الشرق؛ وثالثاً، كان هناك الكومنترن، الذي توقع أن تدعم الحركة الشيوعية في تركيا نفسها. الشخصية الرئيسية في تحقيق المهمة الأخيرة كان مصطفى صبحي، الذي أصبح في ما بعد رئيس الحزب الشيوعي التركي.

كانت الشخصيات الرئيسية والأهم في هذا السياق: فلاديمير ايليتش لينين، مفوض الشعب للشؤون الخارجية غيورغي شيشيرين، رئيس المكتب القوقازي للجنة المركزية سيرغو أوردزونيكيدزه. لعب أيضاً دوراً مهماً كل من الممثل الدائم لجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفياتية في تركيا إبراهيم محرّم أوغلو أبيلوف، والرئيس المستقبلي للمجلس العسكري الثوري ميخائيل فرونزي الذي التقى أتاتورك شخصياً. كذلك كان لأول قائم بأعمال البعثة الدبلوماسية لروسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية في تركيا يان يانوفيتش أوبمال أنغارسكي تأثيراً معيناً على رؤية القيادة السوفياتية وفهمها للعملية السياسية والوضع العام في تركيا، إلى جانب الممثل المفوض سيرغي بيتروفيتش ناتسارينوس وآخرين.

– كيف كانت شخصيتان سياسيتان من الوزن الثقيل مثل كمال ولينين تنظران إلى بعضهما البعض؟

لم يلتقيا شخصياً. كان كلاهما شخصاً براغماتياً للغاية وليس عاطفياً جداً. إذا نظرنا إلى نتائج معاهدة قارص، لتبيّن أن البلاشفة حصلوا على منطقة عازلة في القوقاز فصلتهم عن تركيا التي تشكل خطراً محتملاً، بجانب باتومي الغنية والمتطورة اقتصادياً، علاوة على خط الحدود المعتمد للدولة. كما أن المعاهدة حولت العدو السابق إلى حليف مرحلي ساهم في انتصارهم في الحرب الأهلية. غالباً ما يُعبّر البعض عن الندم تجاه فقدان قارص وأرتوين وأرداهان وجبل أرارات وبعض المناطق الأخرى. لكن إذا سألت نفسك عما إذا كان السوفيات كانوا يريدون الاحتفاظ بكل هذه المناطق في تلك اللحظة، فإن الإجابة لا لبس فيها: لا. بحلول نهاية العام 1917 ، لم يعد الجيش الروسي على الجبهة القوقازية موجوداً. وبدلاً من ذلك، قاوم الأتراك قوات حكومتي أرمينيا وجورجيا. كانت تلك القوات قليلة العدد وسيئة التنظيم والتسلح، لذلك لم يكن بإمكانها الاحتفاظ بمناطق محددة. بالإضافة إلى ذلك، في نهاية القرن التاسع عشر، كانت معظم هذه المناطق منكوبة اقتصادياً، وهي لا تزال حتى اليوم تعتبر في بدايات مرحلة طور التنمية الاجتماعية والاقتصادية في الاقتصاد التركي.

– أي نوع من الأشخاص كان مصطفى كمال؟

شخصية كاريزمية وجذابة للغاية، وسياسي ماهر قادر على القيام بتصرفات غير معيارية. ضابط قتالي لديه خبرة في الحرب العالمية الأولى (تميز أثناء عملية الإنزال في الدردنيل عندما منع قوات الوفاق من التقدم في عمق الساحل، وشارك في الأعمال العسكرية على الجبهة القوقازية وفي سوريا). في موسكو، فهموا طبيعة الشخص الذين يتعاملون معه، واعتبروا أن التحالف مع أتاتورك المستقبلي هو مجرّد ظاهرة مؤقتة. رد الأتراك بالمثل. من بين الظروف المهمة التي فرضت نفسها في هذا السياق يمكن الحديث عن غيرة مصطفى كمال من نجاح أنور باشا. ربما هناك عامل شخصي هنا: ثمة أسطورة تقول إنه قبل الحرب بفترة وجيزة، وُعد مصطفى كمال بالزواج من ابنة السلطان، ما كان من شأنه بالطبع أن يرفع من مكانته الاجتماعية في الإمبراطورية، لكن الفتاة تزوجت من أنور باشا. سواء كان ذلك صحيحاً أم لا، فإنّ مصطفى كمال كان خائفاً بشدة من رجل “تركيا الفتاة” بسبب تقاربه مع الحكومة السوفياتية. كذلك استشعر مصطفى كمال تهديداً إزاء محاولات إضفاء الطابع السوفياتي على تركيا. لقد كان مدركاً جيداً لطبيعة تغيير السلطة في بخارى وخوارزم و”سَفْوَتَتهما”، وكان على علم بمحاولة تصدير الثورة إلى إيران، ورأى كيف كانت عملية “سَفْوَتَة” ما وراء القوقاز مستمرة.

إقرأ على موقع 180  بوتين يحدد مهمات 2020 العسكرية: الخطر يقترب!

– نفهم من ذلك أنه عند توقيع معاهدتي موسكو وقارص، لم يعد البلاشفة يعتمدون على تركيا الاشتراكية؟

من المؤكد ذلك. لقد أفادت مصادرهم في تركيا بأنه لا توجد أرضية للحركة الشيوعية هناك. ولم يخفِ مصطفى كمال حقيقة أن مسار تركيا هو في الواقع تحولات تراكمية. لقد قال بصراحة إنه إذا كانت موسكو تريد جعل تركيا سوفياتية، فهذه العملية ستكون بطيئة، وعلى أي حال سيتعيّن عليها العمل من خلاله.

–  هل وافق لينين؟

راح ينتظر ويراقب الموقف ابتداءً من نهاية العام 1920. طوال العام التالي، وقعت معارك ضارية بين الأتراك واليونانيين، واستمرت حتى أيلول/سبتمبر من العام 1921 (للتذكير فإنّ معاهدة قارص وقعت في تشرين الأول/أكتوبر 1921). كانت موسكو تنتظر باهتمام نتيجة المعركة التركية- اليونانية الكبرى على نهر سكاريا. كان من المفترض أن يكون ذلك اختباراً لقوة نظام مصطفى كمال. من ناحية أخرى، لم تسمح القيادة السوفياتية لأنور باشا بالمغادرة إلى تركيا في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر 1921، حيث كان بإمكانه تنظيم انقلاب ضد الكماليين. كان من المخطط توجيه جهود أنور باشا في اتجاه تقويض النفوذ البريطاني بين مسلمي الهند. لذلك، وبحلول أيلول/سبتمبر من العام 1921، قررت الحكومة السوفياتية وضع الرهان الأخير على أتاتورك.

– لماذا؟

لقد ذهبت المفاوضات مع كمال بعيداً خلال هذا الوقت. بالإضافة إلى ذلك، كان البلاشفة يثقون بأنور باشا بدرجة أقل من ثقتهم بأتاتورك. كان ثمة إدراك بأن أنور انتهازي ويمكنه بسهولة تغيير ناقل حركة السياسة الخارجية لتركيا، أي الدخول في مفاوضات مع القوى الغربية بدلاً من التقارب مع روسيا السوفياتية، وذلك بالرغم من أنه كان على قائمة المطلوبين الدوليين في ذلك الوقت، إذ كان البريطانيون والفرنسيون يستعدون لتقديمه للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

– لنقل بصراحة أن أنور باشا كان على قائمة المطلوبين الدوليين بتهمة الإبادة الجماعية للأرمن، وعليه فإنّ اخفاءه في روسيا كان أمراً ينطوي على الكثير من الغموض، أليس كذلك؟

تمتع أنور بدعم الحكومة السوفياتية. حصل على مقر في موسكو، وتلقى سُعاته ووكلاؤه وثائق موقعة من سكرتيرة هيئة رئاسة مجلس شعوب الشرق يلينا ديميترييفنا سوستوفا، وهي كانت عضو في مكتب القوقاز للجنة المركزية. كان أنور يميل إلى أن ينسب إلى نفسه مزايا غير حقيقية في النضال ضد الإمبريالية البريطانية. على سبيل المثال، عزا أنور إلى نفسه تنظيم “انتفاضة عيد الفصح” في ايرلندا عام 1916. كان ذلك جزئياً سبب حصوله على لقب نابوليون. كانت القيادة السوفياتية، بدورها، مهتمة بتقويض القوة البريطانية في الهند، وكانت تنوي استخدام علاقات أنور الدولية الواسعة لهذا الغرض، خاصة في العالم الإسلامي. بصراحة، لم تكن روسيا السوفياتية وحدها مع قدم له الحماية، فقد فعلت ذلك ألمانيا، وفيها التقى أنور براديك وحصل على دعم الدوائر العسكرية الألمانية. ومع ذلك، لم تكن “دول الوفاق” متحمسة للغاية للبحث عنه.

– عند الحديث عن معاهدة قارص، يتحدث الجميع ترسيم الحدود، ولكن كان هناك أيضاً ذهب ملَكي…

 كان هناك الكثير من الذهب – 11 مليون روبل ذهبي، و200 كيلوغرام من السبائك الذهبية (وفقا لاتفاقية 24 آب/أغسطس عام 1920، حُددت المساعدة المالية لتركيا بمبلغ 10 ملايين روبل ذهبي، أي ما يعادل 7.74 طن من الذهب، بالإضافة إلى 620 كيلوغراماً من احتياطي الذهب للامبراطورية الروسية، تسلمها خليل باشا، صديق مصطفى كمال، خلال زيارته موسكو. وبعد مفاوضاته مع كامينيف، قرر مجلس مفوضي الشعب تخصيص مليون روبل ذهب سراً لتركيا). وهذا لا يشمل الأسلحة والذخيرة والإمدادات العسكرية. مذكرات وزير العدل التركي – وفي السنوات التي تهمنا وزير الشؤون الخارجية لتركيا – يوسف كمال بك تنغيرسنك، تظهر كيف أنه في شتاء العام 1920 وربيع العام 1921، تم دفع رواتب جميع المسؤولين الأتراك في أنقرة بالذهب الروسي. كان الوضع المالي لحكومة مصطفى كمال آنذاك سيئاً. بعد الحرب العالمية، كانت البلاد في حالة خراب، وكان جزء منها تحت الاحتلال، فلم يكن بالتالي ممكناً تحصيل الضرائب فيها، وقد تم تدمير النظام المالي. ومن غير المعروف لو أنّ حكومة أتاتورك كان بإمكانها البقاء في الحكم لولا المساعدة المالية السوفياتية.

– لماذا دفع البلاشفة هذه الأموال؟

من أجل محاربة الغرب. قال سيرغو أوردزونيكيدزه بصراحة إن السوفيات سيدعمون كمال طالما أنه يحارب أعداءهم المشتركين – إنكلترا وفرنسا. وقد أتى هذا الاستثمار ثماره: لم يكن لدى الحلفاء السابقين في “الوفاق” ما يكفي من القوة والموارد لإنشاء جسر على الأراضي التركية من أجل شن هجوم على روسيا السوفياتية. بالإضافة إلى ذلك، لعبت أخبار المساعدة المالية الروسية دوراً في تحسين صورة البلاشفة في الشرق الإسلامي. كان التأثير الأخلاقي والنفسي هائلاً. عشية الحرب العالمية الأولى، كانت هناك قناعة بين مسلمي العالم آنذاك بأن تركيا كانت آخر معقل على طريق تنصير الشرق وسقوط الإسلام كدين عالمي. أنا متأكد من أن لينين، الذي درس الصحافة الغربية بعناية، كان على دراية بذلك واستخدمه لمصلحة القضية. لم يتم توفير الذهب في ذلك الوقت عندما خاصة أن الأمر كان يتعلق بقضية الثورة.

– لماذا لم يعترف لينين بمعاهدة سيفر؟ هي لم تؤدي الى خسارة في أراضي أرمينيا، لا بل ان هذه الأراضي زادت على حساب تركيا …

 كما ذكرنا سابقاً، لم تكن لدى البلاشفة القوة الكافية للاحتفاظ بهذه الأراضي، وهو ما كان ينطبق على الأرمن. علاوة على ما سبق، في ذلك الوقت، كان القوميون في السلطة في أرمينيا، ولم يكن رهانهم على موسكو، بل على الغرب. كان البلاشفة مقتنعين بأن أرمينيا (تحت حكم القوميين) ستصبح دمية في يد الوفاق في القوقاز، وهو أمر خطير. بالإضافة إلى ذلك، احتاج السوفيات إلى “منطقة عازلة” في القوقاز لتأمين حدودهم الجنوبية. في ما يتعلق بمعاهدة سيفر، كان موقفا لينين وكمال متطابقين. وهكذا استفادت جميع الأطراف من إبرام اتفاقية موسكو ثم اتفاقية قارص.

ليس كل الأطراف. سيختلف الأرمن معك …

 من وجهة نظر القيادة السوفياتية آنذاك، فإن خسارة 30 في المئة من الأراضي لصالح أرمينيا المناهضة للسوفيات كانت أخف شراً مقارنة بوجود رأس جسر للوفاق في القوقاز. لم تدعم دول الوفاق أرمينيا في الصراع مع تركيا. في الواقع، واجهت أرمينيا خطر القضاء على الدولة نتيجة للحرب الأرمينية التركية عام 1920. لولا الجيش الجيش الأحمر ومعاهدة قارص، لا أحد يدري أين كانت ستمر الحدود بين أرمينيا وتركيا اليوم، وهل ستكون هناك مثل هذه الحدود بشكل عام. مهما كانت أراضي أرمينيا السوفياتية صغيرة، فقد كانت لا تزال أكبر مما خطط الأتراك بعد صراع العام 1920. بالغت الحكومة الأرمنية في تقدير قوتها وقدرتها على دعم الغرب، على الرغم من أنها حصلت على جزء من الإمدادات العسكرية وأسلحة الجيش الإمبراطوري الروسي على جبهة القوقاز.

لطالما اعتبرت القيادة السوفياتية الأتراك إما حلفاء لها، أو حلفاء للغرب، أي أعداء. ويبدو أن الحكومة الروسية قد ورثت هذا النهج

– ما هو برأيك الخطأ التاريخي في العلاقات بين روسيا وتركيا؟

لطالما اعتبرت القيادة السوفياتية الأتراك إما حلفاء لها، أو حلفاء للغرب، أي أعداء. ويبدو أن الحكومة الروسية قد ورثت هذا النهج. لكن الأتراك هم الأتراك. هم وحدهم، ليست لديهم سياسة موالية للغرب أو موالية لروسيا أو موالية لأميركا. لديهم دائما سياسة موالية لتركيا. إنهم “بريطانيو آسيا” الذين ليس لهم أعداء أو حلفاء، وانما لديهم مصالح. سوف ينطلقون مما هو مفيد لهم في الوقت الحالي. في إطار معارضة “الصديق – العدو”، لا يمكن تقييم سياستهم على الإطلاق. واليوم نرى هذا بوضوح: فكلما طال بقاء رجب طيب أردوغان في السلطة، كلما أصبحت تركيا أكثر استقلالية،  ولن يكون ممكناً يمكن التنبؤ بدورها كلاعب في منطقة البحر الأسود والقوقاز.

ترجمة: وسام متى

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الحرب السيبرانية تندلع.. وكالات حكومية أميركية تسقط بالجملة!