لعل الموقف الواضح لباراك اوباما يدعم فيه المملكة العربية السعودية خلال ثماني سنوات في البيت الابيض، كان في ايلول/ستمبر 2016 عندما استخدم حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون وافق عليه الكونغرس الاميركي بالاجماع، يسمح لعائلات ضحايا 11 ايلول/سبتمبر 2001 بمقاضاة السعودية بسبب «صلات» مزعومة للهجمات الارهابية على نيويورك وواشنطن في ذلك الحدث (…).
ذكر جيفري غولدبرغ في مقالته في مجلة «اطلنتيك» في نيسان/أبريل 2016، عن السياسة الخارجية لاوباما امثلة كثيرة عن تشكيكه في استمرار الدعم الاميركي للسعودية. يذكر مثلاً حديثاً بينه ورئيس حكومة اوستراليا وقتذاك مالكوم ترنبول، خلال اجتماعات مؤسسة «التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادىء»، في مانيلا في الفيليبين عام 2015. كان الكلام عن اندونيسيا حينما وصفها اوباما تنتقل تدريجاً من اسلام تعدّدي وتوافقي الى اسلام اكثر تشدّداً لا يتسامح مع تفسيرات مختلفة، وان اعداداً كبيرة من النساء الاندونيسيات اعتمدن الحجاب الآن. فسّر اوباما ذلك التطور بـ«ان السعوديين، وغيرهم من العرب في الخليج، شحنوا الاموال وعدداً كبيراً من الائمة والمعلمين الى اندونيسيا في تسعينات القرن الماضي. موّل السعوديون المدارس الدينية الوهابية بشكل كبير، وهي معاهد تُدرس التفسير الاصولي في الاسلام والتي تفضّلها العائلة السعودية الحاكمة».
اضاف اوباما ان الاسلام اليوم في اندونيسيا اكثر تشدّداً من الاسلام عندما كان هو يعيش هناك (في منتصف ستينيات القرن الماضي).
تساءل تيرنبول: «أليس السعوديون اصدقاءكم؟».
«الامر معقد»، اجابه اوباما.
يضيف غولدبرغ: «غالباً ما سمع المرء في البيت الابيض خلال عهد اوباما مسؤولين في مجلس الامن القومي يذكّرون الزوار بأن الغالبية العظمى من خاطفي الطائرات في 11 ايلول/سبتمبر 2001 ليسوا ايرانيين. انهم سعوديون. حتى الرئيس نفسه يهاجم التمييز ضد النساء في السعودية الذي تجيزه الدولة، مشدّداً على ان لا دولة يمكنها ان تنهض في العالم الحديث عندما تُمارس القمع على نصف سكانها».
يضيف في الموضوع نفسه: «يمكن المرء قياس نجاح مجتمع ما من خلال كيفية معاملته نسائه».
حروب بالوكالة
يعود الاحباط القوي للرئيس الاميركي في ما يتعلق بالسعوديين، الى حد بعيد، الى تحليله سياسات موازين القوى في الشرق الاوسط. يروي غولدبرغ انه قال لاوباما مرة انه لاحظه «اقل احتمالاً من الرؤساء السابقين في الانحياز الى المملكة العربية السعودية في نزاعها مع خصمها اللدود إيران». لم ينفِ الرئيس أوباما ذلك وقال: «ايران منذ عام 1979 عدو للولايات المتحدة، وتشارك في الارهاب الذي ترعاه الدولة، وتشكل تهديداً حقيقياً لاسرائيل وعدد من حلفائنا، وتشارك في كل انواع السلوك المدمر».
اضاف: «ليس رأيي ابداً ان نرمي حلفاءنا التقليديين – السعوديين – الى البحر لمصلحة إيران. لكن السعوديين في حاجة الى مشاركة في الشرق الاوسط مع اعدائهم الايرانيين. المنافسة بين السعوديين والايرانيين ساعدت على اشعال حروب بالوكالة وفوضى في سوريا والعراق واليمن، تتطلب منا ان نقول لاصدقائنا، وكذلك للايرانيين، انهم في حاجة الى ايجاد طريقة فعالة للمشاركة في المنطقة، والاتفاق على نوع من السلام البارد».
قال الرئيس الاميركي ايضاً: «النهج الاميركي الذي قال لاصدقائنا في الخليج انكم على حق ايران هي مصدر كل المشاكل وسندعمكم في مواجهتها، يعني بالضرورة انه مع استمرار هذه الصراعات الطائفية المحتدمة. هذا، بينما اصدقاؤنا التقليديون في الخليج ليست لديهم القدرة على اطفاء تلك الحرائق، او ان يربحوا بشكل حاسم بمفردهم، ما يعني ان على الولايات المتحدة ان تستخدم قوتها العسكرية لتصفية الحسابات. هذا لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة ولا الشرق الاوسط. هذه هي القبلية بعينها، وهي قوة لا يستطيع اي رئيس اميركي ازالتها او اضعافها حتى. القبلية، التي تظهر بوضوح في عودة مواطني الدولة الفاشلة الى الطائفة والعقيدة والعشيرة والقرية، مصدر الكثير من مشاكل الدول الاسلامية في الشرق الاوسط، ومصدر آخر للقدرية».
جذور التعاسة
في موضوع مشابه، يقول غولدبرغ انه سأل اوباما ماذا كان يأمل في تحقيقه من خلال الخطاب الذي القاه في القاهرة عام 2009، فاجابه انه كان يحاول «من دون نجاح اقناع المسلمين بفحص جذور التعاسة التي هم فيها».
اضاف: «كانت حجتي هي: دعونا نتوقف عن التظاهر بأن الاسباب لمشاكل الشرق الاوسط هي اسرائيل، مع اننا مصممون على ان نعمل لتحقيق الدولة والكرامة للفلسطينيين. لكنني كنت آمل في ان يؤدي خطابي الى اثارة نقاش يمكن ان يخلق مساحة للمسلمين لمعالجة المشاكل الحقيقية التي يواجهونها – مشاكل الحوكمة. هناك تيارات في الاسلام لم تمر في عملية اصلاح تساعد الناس على تكييف عقائدهم الدينية مع الحداثة. كنت افكر في اقناعهم بأن الولايات المتحدة لا تقف في طريق هذا التقدّم، واننا سنساعد، بأي طريقة ممكنة، على دفع اهداف اجندة عربية عملية وناجحة توفر حياة افضل للناس العاديين في البلدان تلك».
اوضح اوباما في حديثه لغودبرغ ان جزءاً من مهمته كرئيس للولايات المتحدة «حض البلدان الاخرى على اتخاذ اجراءات بانفسهم، بدلاً من انتظار قيادة الولايات المتحدة». الدفاع عن النظام الدولي الليبرالي ضد الارهاب الجهادي والمغامرات الروسية والبلطجة الصينية يعتمد في جزء كبير منه، كما يعتقد، على استعداد الدول الاخرى لتقاسم العبء مع بلاده.
في حديث آخر مع كاتب المقالة في اثناء زيارة تايلاند، لفته الى ان قيادات دول آسيا واميركا اللاتينية وافريقيا يسألونه، عندما يجتمع بهم، مساعدة بلدانهم على رفع مستوى المعيشة وزيادة العمالة، فيما قيادات الشرق الاوسط يبحثون معه في الخلافات القبلية بعضهم مع بعضهم، وفي سبل التغلب على منافسيهم.
توصّل، في نهاية ولايته الاولى الى عدد من الاستنتاجات حيال العالم، وخصوصاً الشرق الاوسط، ودور اميركا فيه. منها:
أولاً، لم يعد الشرق الاوسط مهماً للمصالح الاميركية بسبب الاكتفاء الذاتي في حقل النفط.
ثانياً، لو كان الشرق الاوسط مهماً على نحو كبير، سيكون ثمة القليل الذي يمكن اي رئيس اميركي القيام به لجعله مكاناً افضل.
ثالثاً، الرغبة الفطرية الاميركية في اصلاح كل انواع المشاكل التي تظهر اكثر حدة في الشرق الاوسط، تؤدي حتماً الى الحرب، الى مقتل جنود اميركيين، والى النزف النهائي لصدقية الولايات المتحدة وقوتها حول العالم.
لم يرَ الرئيس في مؤسسات السياسة الخارجية في واشنطن، خصوصاً مراكز الابحاث والتفكير، الصدقية في انتاجها الفكري وآرائها. اشار لغولدبرغ ان هؤلاء يعتبرون مشاكل الشرق الاوسط لا تستطيع حل نفسها بنفسها، ومن دون تدخّل اميركي ستتفاقم تلك المشاكل، ما يعني تراجع مكانة الولايات المتحدة وصدقيتها في المنطقة تلك. غير ان هذا المنطق، بحسب اوباما، اوصلها الى حرب فيتنام.
يضيف احد مستشاريه «ان ذلك يعني ابقاء الولايات المتحدة منغمسة في ازمات الشرق الاوسط، وان الرئيس اوباما يتخذ موقفاً معاكساً من ذلك. التوسّع المفرط في الشرق الأوسط سيضر في نهاية المطاف بالاقتصاد الاميركي وقدرة الولايات المتحدة على البحث والتعامل مع التحديات الاخرى حول العالم. الاهم ان ذلك يعرّض حياة الشباب الاميركي للخطر. كل ذلك ليس في مصلحة الامن القومي الاميركي».
بندر وتركي
انتخب باراك حسين اوباما رئيساً للولايات المتحدة من دون ان تكون للسعودية علاقة معه. حدث ذلك ايضاً عام 1992 في معركة الانتخابات الرئاسية بين جورج بوش الاب وبيل كلينتون. كتب الصحافي والباحث دايفيد اوتاوي في صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً طويلاً عن علاقة السفير السعودي وقتذاك، بندر بن سلطان، بالبيت الابيض. كان ذلك في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولم تكن ثمة علاقة وثيقة للسفير السعودي بالبيت الابيض وسيّده كلينتون. يذكر اوتاوي انه اتصل بالامير مرتين عندما كان حاكماً لولاية اركانساس، فلم يردّ بندر، المطمئن في انتخابات الرئاسة الى عودة صديقه الرئيس، جورج بوش الاب، الى البيت الابيض. لم يكترث لارساء علاقة مع منافسه الديموقراطي خلال الحملة. لذا لم يولِ كلينتون في السنوات الاولى من عهده، اهتماماً ببندر بن سلطان.
ترك بندر سفارة السعودية في واشنطن عام 2005، وحلّ مكانه ابن عمه وشقيق زوجته الامير تركي الفيصل الذي كان قد خدم مديراً للمخابرات السعودية (1977-2001)، وكان على صلة بالمقاومة الاسلامية (القاعدة لاحقاً) في افغانستان، وتعاون مع «سي اي اي» لدعمها في حربها على الاتحاد السوفياتي الذي كان احتل البلاد عام 1980. استقال تركي من منصبه في المخابرات السعودية في الاول من ايلول/سبتمبر 2001، عشرة ايام قبل احداث 11 ايلول/سبتمبر في واشنطن ونيويورك.
لم يكن مسار السفير الجديد في واشنطن مشابهاً لسلفه بندر. لم يبنِ علاقات قوية مع المسؤولين الاميركيين، وكثيرا ما راح ينتقد السياسة الخارجية لاميركا فيما سلفه اشترك في صنعها. ترك تركي الفيصل واشنطن بانقضاء 15 شهراً عندما اكتشف ان عمّه الملك عبدالله يفضّل استمرار بندر في اتصالاته المباشرة بالبيت البيض. خلفه في سفارة واشنطن الديبلوماسي السعودي عادل الجبير الذي اصبح وزيراً للخارجية بعد وفاة الامير سعود الفيصل.
الحد الادنى
شبّ اوباما على افكار ليبرالية، وتمركز سياسياً في فئة يسار الوسط. في الغالب تتبنّى هذه الفئة قيّم حقوق الانسان والمساواة بين كل أفراد المجتمع من النواحي الجندرية، والجنسية، والاثنية والسياسية حتى، وغيرها من الحقوق المدنية والاجتماعية. لطالما صُدم اوباما من العلاقات القوية بين السعودية والولايات المتحدة اذ تتغلب فيها المصلحة على القِيّم والمبادىء الديموقراطية والاجتماعية.
تكمن اهمية العائلة السعودية المالكة في ان المملكة اكبر منتج للنفط في العالم. تقدّر احتياطات النفط فيها بحوالى ربع الاحتياط العالمي المؤكد. على طرف نقيض من الدول الاخرى المصدرة للنفط، للحكومة السعودية مرونة كبيرة في حجم صادراتها. اذ في استطاعتها زيادة او خفض انتاجها من النفط وتصديره للحفاظ، بحسب الحاجة السياسية او المالية، على استقرار سعر برميل النفط العالمي.
اعطتها قوتها في قطاع الطاقة اهمية كبيرة عند دول اوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة. لكن مع وصول اوباما الى الرئاسة الاميركية في كانون الثاني/يناير 2009، كانت اميركا قد شارفت على الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع، ولذا لم يرَ الرئيس، الليبرالي سياسياً واجتماعياً، اي نوع من الحاجة الى السعودية والعائلة المالكة فيها اقتصادياً. غير ان العلاقات التاريخية بين البلدين التي انطلقت عام 1945 من اجتماع الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت بملك السعودية عبدالعزيز بن سعود، حملته على ان يحافظ على حد ادنى منها بين الدولتين، معتبراً ان انتقاده المملكة هو لمصلحة العائلة الحاكمة. لا يمكن النظام السعودي الاستمرار في هذه الحال طويلاً في القرن 21 (…).
المقايضة
تنبع السياسة الشرق اوسطية للرئيس الاميركي من اقتناعاته وافكاره الليبرالية الدولية. شدّد مثلاً في خطابه عند تسلمه «جائزة نوبل للسلام» في كانون الاول/ديسمبر 2009 على تبنّي ما قاله الزعيم الاميركي الافريقي مارتن لوثر كينغ في الحفل ذاته قبل عقود من الزمن، بأن «العنف لا يجلب سلاماً دائماً. لا يحل مشكلة اجتماعية. العنف يخلق فقط مشاكل جديدة اكثر تعقيداً». علّق اوباما في خطابه على كلام كينغ: «انا اعيش شهادة على قوة اللاعنف المعنوية. اعلم ان لا شيء ضعيفاً ولا شيء ساذجاً ولا شيء سلبياً في عقيدة غاندي وكينغ وحياتهما».
اضاف في ذلك الخطاب: «لكن يجب ان لا نرتكب خطأً ان الشر غير موجود في العالم. لم يكن في امكان الحركة اللاعنفية وقف جيوش هتلر. لا يمكن المفاوضات اقناع قيادة القاعدة بالقاء سلاحها. القول ان القوة ضرورية في بعض الاحيان ليس مدعاة للسخرية، بل هو اعتراف بالتاريخ».
قال في خطابه في القاهرة، بدعوة من جامعتي القاهرة والازهر في حزيران/يونيو 2009: «لدّي ايمان قوي بأن كل الناس يتوقون الى اشياء معينة، منها القدرة على التعبير عن الرأي، وان يكون للانسان رأي في كيفية حكمه، والثقة في سيادة القانون والمساواة في العدالة، وحكومة تتسم بالشفافية وعدم سرقة اموال شعبها، وحرية العيش كما يختار المرء. هذه ليست مجرد افكار اميركية. انها حقوق الانسان. وهذا هو السبب في ان الولايات المتحدة ستدعم هذه القيم في كل مكان».
اضاف في المناسبة ذاتها: «كل ذلك لا يقلل التزامي تجاه الحكومات التي تعكس ارادة الشعب. على كل دولة ان تنفذ هذه المبادئ بطريقتها الخاصة المتجذرة في تقاليد شعبها. الحكومات التي تحمي هذه الحقوق هي في نهاية المطاف اكثر استقراراً ونجاحاً واماناً. قمع الافكار لا ينجح ابداً في جعلها تختفي. تحترم اميركا حق جميع الاصوات السلمية الملتزمة القانون في كل انحاء العالم، حتى لو اختلفنا معها. سنرحب بالعمل مع كل الحكومات المنتخبة والمسالمة، شرط ان تحترم حقوق شعوبها».
الافكار والقيم والمبادئ التي طرحها اوباما في اوسلو او في القاهرة غير قابلة للهضم في بلد كالسعودية. طرح جورج بوش الابن افكاراً مماثلة بعد 11 ايلول/سبتمبر، وكانت موجهة ايضاً الى العالمين العربي والاسلامي. لم يرتح وقتذاك السعوديون لذلك، لكنهم اعتبروا وبوش ان المصلحة والصداقة، بين البلدين وبين العائلتين، اهم من تلك المبادىء. اكتفى الرئيس السابق باصلاحات قام بها الملك عبدالله، البديهية، ومنها انشاء مجلس استشاري وانتخابات بلدية للرجال ومدارس وجامعة للنساء.
توتر لا بد منه
حتى وصول اوباما الى سدة الرئاسة كانت المعادلة مع السعودية كالآتي: المصلحة المشتركة في مقابل القيم المختلفة. انكسرت المعادلة تلك عندما وصلت اميركا الى الاكتفاء الذاتي في قطاع الطاقة، وحصل ذلك عند وصول رئيس اميركي متحرّر من المصلحة ويؤمن بقوة بمبادىء حقوق الانسان وحكم القانون وشفافية الدولة. لذلك كله كان الخلاف حتمياً بينه وحكام المملكة العربية السعودية.
خلاف اساسي مع السعودية كان حول ايران، مع ان موقف اوباما لم يختلف عن موقف سلفه. كان هدف بوش الابن منع الجمهورية الاسلامية، بالوسائل الديبلوماسية والاقتصادية والمالية، من امتلاك السلاح النووي. لم تكن لديه خطط احترازية او طارئة لضربها وتدمير مفاعيلها النووية متى فشلت السبل الديبلوماسية.
استمر اوباما في السياسة ذاتها التي اتبعها بوش. من خلال مجلس الامن استطاع فرض عقوبات صارمة على ايران اقوى من تلك التي فرضت خلال عهد سلفه، ما حملها على تغيير اتجاهها في الانتخابات الرئاسية عام 2013، فانتخب «الليبرالي» الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية، واصبحت المحادثات بينها والدول الخمس زائداً واحداً جدية، وتوصّل الاطراف الى اتفاق يمنعها من تطوير صناعتها النووية. لم يعجب الاتفاق السعوديين وبعض دول الخليج التي كانت تخشى أن يؤدي رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، في مقابل القيود المفروضة على برنامجها النووي، الى تقوية امكاناتها المادية والسياسية، ويشجعها على ان تكون اكثر تحركاً في المنطقة العربية.
اجتمع الرئيس الاميركي بقادة دول الخليج الست في كامب دايفيد في ايار/مايو 2015 قبل التوقيع النهائي على الاتفاق النووي مع ايران في تموز/يوليو. حاول طمأنتهم الى ان الولايات المتحدة لا تزال حليفاً ثابتاً لهم، ولن تسمح لايران بتوسيع هيمنتها، وهي تضمن امن دول الخليج بحسب الهيكلية الامنية التي وضعت في عهد جيمي كارتر عام 1980. تعهد تعزيز التعاون الامني مع دولهم في مجال مكافحة الارهاب والامن البحري والامن السيبراني والدفاع ضد الصواريخ البالستية. كذلك وعد القادة الخليجيين بتلبية حاجاتهم الدفاعية اياً تكن.
رغم تأكيد المرشد الاعلى الايراني السيد علي خامنئي ان لا محادثات مع واشنطن حول القضايا العالقة الاخرى، من ثم جزم واشنطن بذلك، بقي التوتر بين اوباما والسعودية على حاله. لاحقاً، بعدما طال امد حرب المملكة وحلفائها على اليمن، ورغم الانتقاد الاميركي الرسمي والاعلامي للسعودية، دعمتها ادارة اوباما فيها مذ اندلعت هذه الحرب ربيع 2015، فزودتها السلاح والذخيرة والمعلومات اللوجستية من خلال الاقمار الاصطناعية حتى الاشهر الاخيرة من وجود اوباما في البيت الابيض، حينما توقفت المساعدات بسبب تكرار الطيران الحربي السعودي قصف اهداف مدنية في اليمن، تسببت في وقوع اصابات كبيرة من المدنيين من الاطفال والنساء والعجّز.
ورد في الاعلام ان الرئيس تساءل في اجتماعه بالقادة الخليجيين في كامب دايفيد عن سبب خوفهم من الجمهورية الاسلامية وفي الخليج قوات اميركية، برية وبحرية وجوية، للحفاظ على الوضع القائم واستقرار دوله. ردّهم انها تتدخّل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية ما يضعضع استقرارها.
ايضاً كان تعقيب اوباما مفاجئاً وصاعقاً: غياب المواطنة الحقيقية في بلدانكم واستمرار بعض الدول العربية في التمييز بين مواطنيها على اسس طائفية ومذهبية واثنية وقبلية، يسمح لايران وغيرها من الدول الاقليمية بالتدخّل في الشؤون الداخلية لتلك الدول. رص الصف الداخلي وتحقيق المواطنة الحقيقية يمنع التدخّل الخارجي من اي طرف.
بين الرئيس والدولة
لم تختلف ظاهرياً المواقف السياسية بين واشنطن والرياض بالنسبة الى سوريا. اراد كل من اوباما والملك عبدالله رحيل بشار الاسد. كلاهما لا يحبّذ تغييراً في النظام. رغباً في الحفاظ على وحدة القوات المسلحة والادارة بعد رحيله. كلاهما تعلم من تجربتي العراق وليبيا ان الانتقال السلمي للسلطة يمنع الفوضى، ولذا ارادا اطاحة الاسد وبقاء الدولة.
بينما ارادت السعودية رحيل الاسد بأي ثمن، كان اوباما متشائماً بامكان حصوله. كما ورد في مقالة غولدبرغ في مجلة «الاطلنتيك»، ان الرئيس اعتقد انه لا يمكن ثوار من الفلاحين والحرفيين والمهنيين هزم جيش منظم ومدعوم من دولتين قويتين هما ايران وروسيا، اللتين لهما مصالح كبيرة هناك.
مع ذلك، وافق على اقتراح سعودي بتدريب قوات الجيش السوري الحر في الاردن، بالتعاون مع الرياض. سرعان ما تبين عدم انضباط ذلك الجيش وافتقاره الى ولاء جزء كبير من عناصره لقيادتهم.
الخلاف الكبير بين اوباما والسعودية وقع عندما امتنع في الربع الساعة الاخيرة عن قصف مواقع النظام السوري بعد اتهامه باستعمال السلاح الكيميائي، وقد شرحتُ بعض الوقائع في فصل سابق من هذا الجزء من الكتاب. اعتبر النظام السعودي ان نهاية الاسد آتية مع قصف اميركي مماثل لما حدث للقذافي. كما روى غولدبرغ، ابلغ السفير السعودي لدى واشنطن وقتذاك عادل الجبير الى رؤسائه في الرياض حتمية الضربة الاميركي لنظام الاسد. قرار اوباما عدم قصف مواقع النظام السوري بدا صفعة قوية للسعودية التي قادت الدعم المالي في الحرب على الاسد. كان ذلك في 30 آب/أغسطس 2013، من بعدها لم تسوَّ العلاقة بين الرئيس الاميركي والعائلة السعودية الحاكمة، بل تفاقمت مع توصّل مجموعة الدول الخمس زائداً واحداً مع ايران الى اتفاق حول برنامجها النووي عام 2015.
ارتفعت درجة توتر العلاقات بعد مقالة غولدبرغ في مجلة الاطلنتيك (نيسان/ابريل 2016)، فلم يرتح بعدئذ السعوديون لاوباما برغم محاولات قام بها لترميم علاقته بالعائلة الحاكمة. زار الرياض في شتاء 2015، بعد وفاة الملك عبدالله للتعزية والتعرّف على الملك الجديد سلمان بن عبدالعزيز. ثم دعا قادة دول الخليج في ربيع 2015 الى قمة في كامب دايفيد، واخيراً زار السعودية للاجتماع بقادة مجلس التعاون الخليجي في نيسان/ابريل 2016. عشية الزيارة الاخيرة، قال الناطق الرسمي للبيت الابيض ان المملكة «شريك مهم في الجهود الاميركية لحل الصراع في سوريا، ومكافحة ارهاب الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة في اليمن، وسلوك ايران السيء في المنطقة». مع ذلك، لم تأتِ قمة الرياض بنتائج ايجابية. بينما ارادت السعودية التركيز على مساعدة اعداء النظام السوري ورحيل الاسد، رغب اوباما في مساعدة السعودية ودول الخليج في محاربة داعش في العراق وسوريا. كذلك بالنسبة الى اليمن، قال مسؤول البيت الابيض، عشية الاجتماع، ان «الصراع في اليمن صرف الانتباه عن المعركة الحاسمة ضد الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وضد تنظيم القاعدة الذي ينشط في اليمن».
الى ذلك كله، اتهم الاميركيون متمولين كباراً في دول الخليج بتمويل منظمات ارهابية كداعش والقاعدة. كانت الدولة السعودية بدأت تدعم تنظيم جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، بعدما غيّر اسمه الى احرار الشام. كذلك، بعد الاشهر الاولى من بدء الحرب الجوية على داعش في العراق، توقفت دول الخليج والاردن عن المشاركة في التحالف الدولي ضد داعش.
على غير العادة، لم يتعرّف الحكم السعودي على اوباما قبل انتخابه رئيساً. بدا ان احداً منه لم يرَ وصوله الى الرئاسة الاميركية ممكناً. حدث وصول اوباما اليها مع وصول اميركا الى الاكتفاء الذاتي في قطاع النفط والطاقة، ما كسر معادلة الصداقة منذ عام 1945. الى ذلك، فإن الخلفية السياسية والأيدولوجية للرئيس لا تتلاءم مع طريقة الحكم السعودي، ومع الطلبات المستمرة منذ عهد جورج بوش الابن كسر اخصامهم في ايران وسوريا. لذا بقيت العلاقات السعودية – الاميركية متوترة خلال ولايتي اوباما، من دون تخليه عن الالتزامات الامنية للولايات المتحدة تجاه المملكة والدول الاخرى في الخليج.