لم يعد سراً أن إيران قررت إستئناف تخصيب اليورانيوم بدرجة 20%، وحسب تصريح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية خطيب زادة، فإن الحكومة الإيرانية ورئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي أبلغا رسمياً الوكالة الدولية للطاقة الذرية بقرار طهران البدء بتخصيب اليورانيوم بدرجة عشرين بالمئة، وذلك إستناداً إلى القانون الذي سنّه البرلمان الإيراني في الأول من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وذلك رداً على إغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وليس خافياً أيضاً أن الحكومة الإيرانية والرئيس حسن روحاني أكدا مراراً أن القانون الذي صادقت عليه الأغلبية النيابية المحافظة “ليس مفيداً لإيران”، وحاولا عرقلته أو تأجيل تمريره ولكن بمجرد مصادقة البرلمان عليه أولاً ومجلس صيانة الدستور ثانياً، أصبح نافذاً وبالتالي باتت حكومة روحاني ملزمة به.
ماذا يعني ذلك؟
بالنسبة إلى الإيرانيين، أصبحت الكرة الآن في ملعب الإدارة الأميركية الجديدة، وبالتالي، فإن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عليه أن يضع موضع التنفيذ إلتزاماته التي جاهر بها خلال حملته الإنتخابية بإعادة الإعتبار إلى الإتفاق النووي. إذا التزم بايدن بالإتفاق النووي الذي تنصل منه دونالد ترامب في العام 2018، يعني ذلك إعادة إلتزام الولايات المتحدة وأوروبا بتعهداتهم الإقتصادية والمالية وإلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية على إيران.
إذا جّدد الأميركيون والأوروبيون إلتزامهم بالإتفاق النووي، سوف تعلن إيران إلتزامها بكافة تعهداتها في الإتفاق النووي (2015)، ومن الواضح أن طهران لن تقبل بنصف إلتزام، أي العودة إلى الإتفاق واستمرار العقوبات المفروضة عليها، وخاصة في مجال التبادلات التجارية والمالية والصادرات النفطية. في هذه الحالة، لن يكون أمام حكومة روحاني إلا الإلتزام بباقي قرارات البرلمان الإيراني، ولا سيما لجهة رفع المخزون الإيراني من اليورانيوم المخصب بنسبة عشرين بالمئة إلى مئة وعشرين كيلوغراما خلال العام الحالي.
فور إعلان بايدن عودة بلاده إلى الإتفاق النووي وإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، فإن طهران لن تلتزم فقط بتعهداتها المنصوص عليها في الإتفاق النووي بل هي أبدت استعدادها للتفاوض مع الإدارة الأميركية في إطار الإتفاق النووي
وبموجب القانون الجديد الذي أقره البرلمان الإيراني، ستوقف إيران العمل بالبروتوكول الإضافي في الإتفاق النووي وسوف تخفض تعاونها مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر شباط/ فبراير المقبل. إذا تم الوصول إلى مرحلة خفض التعاون ووقف العمل بالبروتوكول الإضافي، خلال أسابيع، يمكن القول إن الإتفاق النووي إنتهى رسمياً.
صحيح أن ايران تبنت اليوم (الإثنين) خطوة تصعيدية على صعيد برنامجها النووي بهدف إجبار الولايات المتحدة على العودة إلى الإتفاق النووي، ولكن الإعتقاد الراسخ في طهران، هو أنه فور إعلان بايدن عودة بلاده إلى الإتفاق النووي وإلغاء العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران، فإن طهران لن تلتزم فقط بتعهداتها المنصوص عليها في الإتفاق النووي بل هي أبدت استعدادها للتفاوض مع الإدارة الأميركية في إطار الإتفاق النووي، ولكن في حال لم تسفر عودة أميركا إلى الإتفاق النووي عن إلغاء العقوبات الإقتصادية المفروضة في مجال التبادلات المالية والتجارية ومبيعات النفط عندها يصح القول إن الإتفاق النووي أصبح جزءاً من الماضي، ولم يبق مطلوباً سوى تحديد موعد دفنه.
ذكرى إغتيال سليماني
في موازاة ذلك، ولمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإغتيال سليماني، تجدد خطاب الثأر الإيراني، وهو ما دفع بالولايات المتحدة إلى إتخاذ وضعية هجومية في كل منطقة الخليج والشرق الأوسط، من خلال إرسال غواصة “يو اس اس جورجيا” النووية وقاذفة ” بي 52″ إلى منطقة الخليج. ترافق ذلك مع تهديد وجّهته قيادة الجيش الأميركي لإيران بأنها ستتلقى رداً قوياً وساحقاً إذا أقدمت على إستهداف القوات الأميركية بأي شكل من الأشكال.
في المقابل، رفعت إيران درجة التأهب القصوى، كما أن جميع القوى الحليفة لإيران من اليمن إلى فلسطين مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وضعت على أهبة الإستعداد، وقال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال حسين سلامي إن إيران سوف ترد بكل ما تملك من قوة على أي إعتداء يقوم به الأعداء، وطبعاً هو يقصد أميركا. بدوره، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إنه يشتم رائحة مؤامرة إسرائيلية تُحاك في المنطقة وتحديداً في العراق بهدف إجبار دونالد ترامب على الدخول في حرب مباشرة مع إيران قبل أن يغادر البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/ يناير الجاري.
هذا هو المشهد الإيراني ـ الأميركي في الذكرى السنوية لإغتيال الجنرال سليماني. إزاء التحشيد السياسي والميداني في المنطقة برمتها، لم يعد الأمر يحتاج سوى إلى شرارة صغيرة لكي يتطور ويتحول إلى مواجهة مفتوحة. قائد “قوة القدس” الجنرال اسماعيل قاآني قال إن الرد على أي اعتداء أميركي وكذلك الإنتقام الإيراني (لإغتيال سليماني) “ربما يكون من داخل الأراضي الأميركية”. طبعاً هو يبعث برسالة إلى ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو بأنهما حتى لو غادرا البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية لن يكونا في مأمن ويجب أن ينتظرا الإنتقام الايراني، في يوم من الأيام.
من الواضح في الوقت الراهن، أن الحرب النفسية تتقدم على حرب المدافع والبنادق والصواريخ، ولكن بطبيعة الحال، إذا تجاوز الأمر هذه الحدود، وهذا الأمر موضوع في الحسبان، فإن الأمور ستكون مفتوحة على شتى الاحتمالات والسيناريوهات وذلك حتى الدقيقة الأخيرة من تاريخ 20 كانون الثاني/ يناير 2021، ما يعني أنه سيستمر حبس الأنفاس من الآن وحتى تاريخ مغادرة ترامب للبيت الأبيض.