طهران وواشنطن.. هل تتحاوران؟
Iran's Foreign Minister Javad Zarif (L) holds a bilateral meeting with US Secretary of State John Kerry (R) on the second straight day of talks over Tehran's nuclear program in Vienna, on July 14, 2014. US Secretary of State John Kerry pressed his Iranian counterpart Monday to make "critical choices", six days before a deadline to cut a historic deal that would finally dispel fears about Tehran's nuclear drive. AFP PHOTO/ POOL / JIM BOURG (Photo credit should read JIM BOURG/AFP via Getty Images)

لا يكون التفاوض فقط بالجلوس حول طاولة ما. قواعد ووسائل التفاوض عديدة. أن تقول ما تريده عبر الإعلام وأن يفعل ذلك خصمك، فهذه أيضاً من أدبيات المفاوضات السياسية.

تدرك طهران أن شيئاً كبيراً تغيّر في أميركا. ليس عادياً أن ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلي بنجامين نتنياهو اتصالاً من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لثلاثة أسابيع كاملة، وليس طبيعياً أن يصرح البيت الأبيض بوضوح ألا خطط للاتصال بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقبل ذلك تجميد صفقات السلاح وإعلان واشنطن وقف دعمها للحرب الهجومية للتحالف السعودي الإماراتي على اليمن. بل، ورفع حركة أنصار الله الحوثية اليمنية عن لوائح الإرهاب الأميركية بعد شهر على وضعها من قبل الإدارة الأميركية السابقة.

تراجع واشنطن سياساتها في المنطقة بشكل جذري، هذا الذي تقوله خطوات الأسابيع الأولى من حكم بايدن. حتى في ما يتعلق بالعلاقة مع طهران هناك ما يجري خلف الكواليس ولا يبدو أن أحداً تمكن حتى الآن من رصده. ربما هي ظروف كورونا التي تمنع الحركة وتسمح أكثر بدبلوماسية رقمية سرية غير قابلة للخرق من جهة، وبجهود دبلوماسية موزعة على جبهات متعددة لصناعة حلول تمهّد لحل كبير قد يأتي وقد لا يأتي، بناء على ما ستثمر عنه الجهود، من جهة أخرى. لكن ما هي هذه المسارات الحساسة التي تلتقي عند الهدف وتبقى منفصلة في الطريق؟.

إمكانية حصول اتفاق إيراني أميركي ـ في حال وجود الرغبة ـ متوفرة ومن دون وساطة أحد. ولعل كلام وزير الخارجية العماني حول عدم الحاجة لقنوات خلفية بين أميركا وإيران بسبب وجود خطط مباشرة بينهم، يلمح إلى أن إمكانية حدوث شيء بعيدا عن الأنظار غير مستبعد

  • المسار الأول مرتبط بأموال إيران في الخارج، وقد برزت مؤخراً بشكل كبير قضية الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية والتي بحسب وكالة يونهاب الكورية تزيد عن التسعة مليارات دولار، سبعة منها من صفقات نفطية لم تقم سيول بتسديدها بسبب العقوبات الأميركية، والبقية أموال مصادرة من فرع بنك ملت الإيراني في العاصمة الكورية. ملف الأموال يتحرك بشكل بطيء لكن جدي وتقول مصادر مطلعة لـ “جاده إيران” إن محاولة لربط النزاع تجري حاليا دون الكشف عن المكان أو طبيعة الحل وهل هو نتيجة وساطة أم بشكل مباشر. الأموال الإيرانية المصادرة في الخارج ملف ضخم وجزء كبير منه في دولة كالصين، من المفترض أن علاقاتها بطهران جيدة وتتجه تدريجياً لتصبح استراتيجية في حال التوقيع على معاهدة التعاون الاستراتيجي بين البلدين، بيد أن العقوبات الأميركية تمنع بكين من تسديد ما يقارب العشرين مليار دولار من الأموال الإيرانية المحتجزة. العراق بدوره لديه ما يقارب الستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية ولا يبدو أنه قادر على سدادها عما قريب.
  • المسار الثاني يرتبط برفع العقوبات وتراجع إيران عن الخطوات التي تبنتها بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار/ مايو من العام ٢٠١٨. قد تكون المسألة ظاهرياً سهلة إذا ما جرت العودة إلى خطة التزامن التي جرى تبنيها عام ٢٠١٣ بعد اتفاق جنيف. تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية والذي دعا فيه وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بالإشراف على عملية مزامنة رفع العقوبات مع تعليق الخطوات الإيرانية، عكس نوعاً من رمي الكرة في الملعب الأوروبي، بينما تقول المؤشرات إن إمكانية حصول اتفاق إيراني أميركي ـ في حال وجود الرغبة ـ متوفرة ومن دون وساطة أحد. ولعل كلام وزير الخارجية العماني حول عدم الحاجة لقنوات خلفية بين أميركا وإيران بسبب وجود خطط مباشرة بينهم، يلمح إلى أن إمكانية حدوث شيء بعيداً عن الأنظار غير مستبعد. وقد قال بدر البوسعيدي إن مسقط “تتمتع بعلاقات طيبة للغاية مع كل من طهران وواشنطن، ومستعدة للمساعدة إذا لزم الأمر”، مضيفاً أن “القنوات مفتوحة مباشرة بين فرق السياسة الخارجية في واشنطن وإيران” وأنه لا يرى سبباً يحول دون إعادة تفعيل تلك القنوات.
  • المسار الثالث متعلق بدور إيران في المنطقة وقدراتها العسكرية التي تنظر إليها واشنطن بريبة وتصّر دول المنطقة المتخاصمة مع إيران على أنها تشكل خطراً كبيراً عليها. برز في هذا الإطار ربط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بين أي مفاوضات نووية قادمة ومشاركة السعودية وإسرائيل فيها، وهو ما رفضته طهران جملةً وتفصيلاً على لسان المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده. ترفض إيران هذا الطرح وتقدم طرحاً مقابلاً مفاده أن أي حوار حول المنطقة والخلافات والتهديدات يجب أن يكون بين دول المنطقة ومنفصلاً عن أي شيء آخر. في هذا الإطار، يمكن القول إن طهران لا تبدو في عجلة من أمرها لصناعة تسوية مع السعودية تحديداً، مع الأخذ بالاعتبار المنحى غير الواضح الذي تتخذه العلاقات السعودية الأميركية، كما أنها تعوّل بشكل كبير على حصول تحولات في المنطقة على غرار المواقف الأميركية من حرب اليمن ورفع الحوثيين عن لوائح الإرهاب واتضاح موقف واشنطن أكثر من الرياض وأبو ظبي.

العودة لخطة العمل الشاملة سيشكل نقطة انطلاق للمزيد من التواصل الأميركي الإيراني والذي قد يحمل حلولاً إضافية وتهدئة مفترضة لنقاط اشتباك عديدة يتجاور فيها الطرفان

بغض النظر عما يمكن أن يتمخض عنه الملف الأخير، تبرز محورية الملف النووي كعامل تهدئة وتفجير في العلاقة بين واشنطن وطهران. الاتفاق على العودة لخطة العمل الشاملة سيشكل نقطة انطلاق للمزيد من التواصل الأميركي الإيراني والذي قد يحمل حلولاً إضافيةً وتهدئة مفترضة لنقاط اشتباك عديدة يتجاور فيها الطرفان. لكن فشل هذا المسار، لأي سبب كان، ومتابعة واشنطن فرض العقوبات، واستمرار إيران في عملية تطوير برنامجها النووي، مع الأخذ بالاعتبار إشارة وزير الأمن الإيراني محمود علوي لمسألة فتوى القائد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي حول الأسلحة النووية وإمكانية أن تعمد أي “قطة لحظة حشرها في الزاوية” لفعل أي شيء، هذه الإشارة وإن حصلت محاولات لتوضيحها لاحقاً، تقول إن المزيد من الضغط الأميركي، والذي لن يكون شبيهاً بذلك الذي مارسته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب تحت عنوان “حملة الضغوط القصوى”، سيعني تحولاً ضخماً على مستوى القراءة الإيرانية لمنظومة الردع وحتى لمبدأ حيازة الأسلحة النووية والدمار والشامل.

إقرأ على موقع 180  مناورات في العراق وحوله.. ماذا يريد الأميركيون؟

(*) ينشر بالتزامن مع “جاده إيران

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  ماكرون يفتح "جارور شينكر" اللبناني.. مبادرة اللحظة الأخيرة!