من المقرر حصول الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في ٢٢ أيار/ مايو المقبل. حق الإقتراع فيها يقتصر على حاملي الهوية الفلسطينية المقيمين في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة. لا يسمح لفلسطينيي الشتات بالمشاركة فيها، برغم أنهم يمثلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، إلا أنهم ووفق إتفاقيات أوسلو، يُحرمون من حق الترشح والتصويت في إنتخابات المجلس التشريعي، على أن تشكل نتائج هذه الإنتخابات، مرحلة أولى في مسار تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، أما المرحلة الثانية، فتأتي في ٣١ آب/ أغسطس ٢٠٢١، عندما يكتمل المجلس الوطني بصفته ممثل الشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها.
أُجريت آخر إنتخابات تشريعية فلسطينية في العام ٢٠٠٦ وفازت فيها حركة حماس، واختلفت وقتها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس على برنامج الحكومة، ما أدى إلى إنقسام سياسي وإنشطار جغرافي. من جهة، السلطة الفلسطينية وعلى رأسها «فتح» برئاسة محمود عباس تحكم في الضفة الغربية المحتلة، ومن جهة ثانية، حركة حماس تحكم قطاع غزة المحاصر.
إذا مرّ الإستحقاق التشريعي بخير، من المقرر أن تجري الإنتخابات الرئاسية في الحادي والثلاثين من تموز/ يوليو المقبل، وهذه أول إنتخابات تجري أيضاً منذ العام ٢٠٠٥، تاريخ فوز محمود عباس لرئاسة السلطة الفلسطينية.
أغلقت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، في السابع عشر من شهر شباط/ فبراير الباب أمام تسجيل الناخبين للمشاركة في الانتخابات المرتقبة. وقد بلغ عدد الذين تسجلوا مليونين و622 ألف ناخب من أصل مليونين و809 آلاف ناخب، أي ما نسبته ٩٣،٣٪ ويقارب هذا الرقم ضعف العدد الإجمالي للناخبين المسجلين في آخر انتخابات تشريعية جرت في العام ٢٠٠٦ والذين بلغ تعدادهم مليون و340 ألف ناخب.
تعكس أرقام الناخبين المسجلين المرتفعة، رغبة الفلسطينيين في المشاركة بقوة في العملية الانتخابية في محاولة ربما لإحداث تغيير جذري في الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة والقطاع لأسباب مختلفة، ولا سيما واقع التشظي السياسي، بما هو عنصر ضعف وتقهقر إضافة إلى تراجع الوضع الإنساني والاقتصادي كما تراجع الحضور الوازن للقضية الفلسطينية في المنابر العربية والإسلامية والدولية.
الخيارات الفتحاوية
من الملاحظ أن الإنقسامات الفلسطينية التقليدية تتحكم بتأليف اللوئح والترشيحات، وهذا يسري أولاً على قوائم حركة فتح الإنتخابية حيث تلوح في الأفق أربع قوائم منبتها فتحاوي واحد وهي:
أولاً، قائمة الحركة ولجنتها المركزية. ويلعب إلى جانب محمود عباس، كلٌ من جبريل الرجوب وحسين الشيخ وماجد فرج، أدوارًا اساسية في الضغط بشتى الوسائل لتشكيل لائحة موحدة تمثل فتح. وقد بلغ الأمر بأمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، حد القول “لن نستسلم للحاقدين والجاهلين ولمن ولاءاتهم مشبوهة، ولن نسمح لهم بتسميم الأجواء وتعطيل الانتخابات”.
تعكس أرقام الناخبين المسجلين المرتفعة، رغبة الفلسطينيين في المشاركة بقوة في العملية الانتخابية في محاولة ربما لإحداث تغيير جذري في الواقع الصعب الذي يعيشه الفلسطينيون في الضفة والقطاع لأسباب مختلفة، ولا سيما واقع التشظي السياسي، بما هو عنصر ضعف وتقهقر
ثانياً، قائمة المناضل الأسير مروان البرغوثي المرتكزة إلى أفضلية تمنحها لها استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث المسحية منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي. تقول أرقام المركز إنه لو شكّل البرغوثي قائمة مستقلة عن قائمة فتح الرسمية، فإن ٢٥٪ من الجمهور سيصوت لها، مقابل ١٩٪ لقائمة فتح الرسمية. يسري ذلك على إنتخابات الرئاسة الفلسطينية، فلو ترشح اثنان فقط هما محمود عباس وإسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس) يحصل الأول على ٤٣٪ من الأصوات والثاني على ٥٠٪، أما لو كانت المنافسة بين البرغوثي وهنية فإن البرغوثي يحصل على ٦١٪ وهنية على ٣٧٪.
ثالثاً: لائحة يشكلها ناصر القدوة، وهو إبن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وكان شغل مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية، منها منصب وزير الخارجية، وعارض علنًا تفاهمات فتح وحماس وأبدى استعدادًا لدعم ترشيح البرغوثي اذا ترشح الأخير.
رابعاً: لائحة يشكلها القيادي السابق في فتح نبيل عمرو بالتعاون مع رئيس الحكومة السابق سلام فياض، برغم إعلانه أنه لم يتخذ شخصياً قراراً بشأن تشكيل قائمة خارج إطار القائمة الرئيسية للحركة، مع يقينه بصعوبة تشكيل قائمة فتحاوية موحدة بسبب «ظهور إختلافات وصراعات وإقصاءات في الحركة».
ولا يغيب عن معظم المتابعين قدرة محمد دحلان، القيادي الفلسطيني المحتضن إماراتيًا، في تغليب كفة فريق على الآخر، بما يمتلك من نفوذ يُعتدُ به في مخيمات اللاجئين في بلاطة والأمعري وجنين في الضفة. وتردد أنه ينوي تقديم مرشحين “مستقلين” في قوائم متعددة كي يصبح من الصعب على السلطة منع مشاركتهم. كما يدأب دحلان على تحويل اموال إلى الأراضي المحتلة وبعض مخيمات الشتات ومنها لبنان، ومؤخراً قام بإرسال لقاحات كورونا إلى غزة مصدرها الإمارات وممرها الإلزامي مصر. ولدى دحلان القدرة على خوض حملة إنتخابية وسط سكان القدس الشرقية بمساعدة “مجلس القدس للتنمية الاقتصادية” الذي أسّسه سري نسيبة، الذي دعا إلى تشكيل قائمة مقدسية تحت مسمى “القدس أولًا”. وتظهر الإستطلاعات ان دحلان إذا شكّل قائمة في مواجهة قائمة فتح الرسمية، سيحصل على ٧٪ من الأصوات مقابل ٢٧٪ لقائمة الحركة الرسمية.
محوران يتجاذبان حماس
أما على ضفة حماس التي تخوض انتخاباتها الداخلية حتى نهاية آذار/ مارس الحالي (شورى الحركة ورئاسة مكتبها السياسي)، فيمكن الحديث عن محورين يتجاذبان الصراع الإنتخابي:
- محور الأمن والعسكر بقيادة يحي السنوار وصالح العروري، وهو محور يتماهى مع الخط الإيراني ويحظى بدعم سياسي من اسماعيل هنية ويعتبر ما حصل في سوريا خطأ إستراتيجيًا يتحمل مسؤوليته خالد مشعل.
- محور خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وعزت الرشق المستند إلى دعم قطر وتركيا، برغم إيحاء الدوحة بلسان عزمي بشارة أن الإنتخابات باتت مصدراً للتشظي والانقسام، كما حصل في العام ٢٠٠٦.
حماس، بحسب الإسرائيليين، غير معنية بالإعتراف بالإتفاقات السياسية ما بين السلطة واسرائيل، برغم أن الحركة تظهر إعتدالاً نظرياً من خلال تواصلها مع مصر والأردن والإمارات عبر محمد دحلان، غير أن ترسيخ زعامتها قد يؤدي إلى تغيّرعميق في طبيعة العلاقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي
عربيًا، تعمل كلٌ من مصر والأردن بدعم سعودي واضح، على إعادة إحياء المبادرة العربية لعام ٢٠٠٢ المستندة إلى حل الدولتين ومحاولة لم الشمل الفلسطيني تمهيدًا للمفاوضات المقبلة، في ظل إدارة أميركية جديدة تنادي بخيار الدولتين من جهة، وترفض سياسة الاستيطان الإسرائيلية من جهة أخرى.
ومقابل حماسة الإمارات والبحرين والمغرب والسودان للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، ترفض كل من سوريا والجزائر والعراق ولبنان خيار التطبيع نهائيًا، لكن قدرة هذه الدول كلها على التأثير في مجرى الإنتخابات الفلسطينية تبدو محدودة جدًا، بإستثناء الإمارات التي تحاول التأثير عبر الخيار الدحلاني وفتح خطوط غير مباشرة مع بعض وجوه حماس التي تنادي بعودة العلاقات الحمساوية السورية.
أما الموقف الايراني فيظهر في أدبيات “حركة الجهاد الإسلامي”، التي قررت عدم المشاركة في انتخابات سقفها اتفاق أوسلو، “الذي أهدر حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته”، ورأت أن المدخل الصحيح للوحدة الوطنية “يتمثل في التوافق على برنامج سياسي يعزز صمود الشعب ويحمي مقاومته”.
الإعتبارات الإسرائيلية
أما على الضفة الإسرائيلية، فإن مراجعة الإعلام العبري تجعل التعامل الإسرائيلي محكوما بهذه الإعتبارات:
- الأول: إحتمال فوز حماس في الإنتخابات التشريعية بحيث تنجح الحركة في تمدد نفوذها إلى الضفة الغربية، إضافة إلى غزة. وحماس، بحسب الإسرائيليين، غير معنية بالإعتراف بالإتفاقات السياسية ما بين السلطة واسرائيل، برغم أن الحركة تظهر إعتدالاً نظرياً من خلال تواصلها مع مصر والأردن والإمارات عبر محمد دحلان، غير أن ترسيخ زعامتها قد يؤدي إلى تغيّرعميق في طبيعة العلاقة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
- الثاني: مسألة اقتراع فلسطينيي القدس والتي تشكل نقطة خلافية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بما تعنيه هذه النقطة من إشارة إلى رفض ضم القدس الشرقية لدولة اسرائيل، غير أن هذا الأمر لن يشكل ذريعة لإلغاء الانتخابات. إذ وبحسب حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات لسنة 2021، “المقدسيون مستعدون في زمن الكورونا للتصويت عبر البريد، ويمكن ترتيب وضع يسمح لعرب القدس الشرقية الذين يحملون إقامات إسرائيلية بالاقتراع في صناديق موجودة في ضواحي المدينة، أي في الرام وكفر عقب وغيرها”.
- الثالث: إمكان ترشح مروان البرغوثي إلى الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات سياسية وقانونية حادة بالنسبة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية معاً.
في ٢٦ شباط/ فبراير الماضي، عبّر المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل عن تلك المخاوف في مقالة له في صحيفة “هآرتس”، اوضح فيها أن كبار المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا في الأشهر الأخيرة مع محمود عباس وحذروه من فوز “حماس”، واقترحوا عليه إيجاد طريقة لتجميد التحضيرات الانتخابية خوفاً من خسارته. وسألوه: “هل هذا هو الإرث الذي تريد أن تتركه من بعدك”؟
وبرغم الزخم الفلسطيني الذي تعبر عنه أرقام الناخبين المسجلين، إلا أن إحتمال تأجيل او إلغاء الإنتخابات لأسباب تتعلق بما يجري في الساحة الفتحاوية بشكل اساس، تبدو ممكنة إلى حد كبير، فحركة فتح تشكل منذ العام ١٩٦٨ العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية وهي التي أسست السلطة الوطنية عام ١٩٩٤ وتولت قيادتها إلى يومنا هذا.
يذكر أن حركة فتح تفاهمت قبل حوالي الشهر في القاهرة مع باقي الفصائل الفلسطينية ولا سيما حماس على “آليات” إجراء الإنتخابات، كما أعلنت حركة حماس عن حصولها على ضمانات من دول خمس هي: مصر، قطر، روسيا، تركيا والأردن لإجراء الإنتخابات، وهذه كلها لا تزيل المخاوف من تأجيلها والغائها في ظل ضغوط متعددة.
ختاماً، تشكل الإنتخابات الفلسطينية فرصة لتجديد بعض من طبقة سياسية لم تتجدد منذ ٢٠٠٦ وتفتح الباب أمام كوادر سياسية وحركية وإجتماعية وأكاديمية لتلعب دورًا في صناعة الرأي والقرار الفلسطيني. أيضاً من شأنها أن تساهم في تجميل المشهد السياسي الذي طغت عليه الإنقسامات والصراعات. كما أنها تعني إعادة الاعتبار للسلطة التشريعية التي تم الإجهاز عليها بالكامل خلال فترة الإنقسام، حيث تحولت السلطة إلى فردية مطلقة في الضفة كما في القطاع، فإنتفت المحاسبة والرقابة للسلطة التنفيذية، وبات الرئيس الفلسطيني يجمع كل السلطات في يده.