قبل أيام قليلة، جرى تسريب خبر إستهداف إسرائيل سفينة استخباراتية تابعة للحرس الثوري الإيراني في البحر الأحمر إلى الصحافة الأميركية. في الساعات الأخيرة، تعمد الفريق المحيط برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التسريب إلى الصحافة الأميركية أن إسرائيل تقف وراء إستهداف منشأة نطنز في العمق الإيراني، من دون التنسيق مع أجهزة الأمن الإسرائيلية، حسب “يديعوت أحرونوت”.
في الحالتين، كان رد فعل طهران واحداً. التعهد بالرد والإنتقام. كيف؟ هذه حرب أمنية باردة وساخنة في آن معاً. باردة تبعاً للعقول التي تخطط وتنفذ وساخنة لأنها صارت مكشوفة بين الطرفين.
في التفاصيل، أن هيئة البث الإسرائيلية الرسمية (كان) نقلت عن مصادر إستخباراتية أن الموساد نفذ هجوما سيبرانيا تسبب بضرب مفاعل نطنز ليل الأحد الإثنين الماضي.
بدورها، نقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤولين إستخباراتيين أميركيين تأكيدهما وجود “دور إسرائيلي سري” في هجوم نطنز وأنه نجم عن إنفجار كبير دمر بشكل كامل نظام الطاقة الداخلي المستقل والمحمي بشدة والذي يزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض والتي تخصب اليورانيوم، وأكدا أن الهجوم وجه ضربة قاسية لإيران لا تستطيع أن تستفيق منها قبل تسعة أشهر على الأقل، موعد إستعادة المنشأة قدرتها النووية.
وجاء الانفجار بعد يوم من تأكيد طهران بلسان حسن روحاني قرارها ببدء تشغيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة في منشأة نطنز، في إطار خطواتها المتدرجة ردا على تنصل الولايات المتحدة من إلتزاماتها المنصوص عليها في الإتفاق النووي الموقع 2015 والذي خرج منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العام 2018.
وذكرت “يديعوت أحرونوت” في إفتتاحية كتبها إيتامار آيخنر، أن محافل إستخباراتية غربية تتحدث عن إستعداد نتنياهو للقيام بأي شيء للتخريب على الإتصالات التي تجريها الولايات المتحدة وإيران (بشكل غير مباشر) عن طريق الأوروبيين لإعادة إحياء الإتفاق النووي.
وأشارت إلى تزامن حادثة نطنز مع زيارة هي الأولى لمسؤول أميركي كبير من فريق جو بايدن الرئاسي إلى تل أبيب هو لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي، وهذه رسالة بحد ذاتها إذ أن إختيار وزير الدفاع (أوستن) وليس وزير الخارجية (انتوني بلينكن) معناه “أن الولايات المتحدة تريد أن تتأكد أن الإتفاق النووي لن يمس بأمن إسرائيل وفي الوقت نفسه التأكد من أن تل أبيب لا تريد المس بجهودها لإستئناف المسار الدبلوماسي مع إيران”.
وقال آيخنر إن نتنياهو يلعب لعبة خطيرة “فعمليات محتملة في المستقبل من شأنها أن تشعل المنطقة فيما لا يكون لها ريح إسناد أميركية”، محذرا من أن إحدى أبرز المشاكل هي الثرثرة والتبجح (في إسرائيل)، وهذا من شأنه أن يجبي ثمناً باهظا في وقت لاحق.
ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، عضو الكنيست يائير غولان، من حزب ميرتس، قوله إن “نتنياهو فقد سحره. وأخشى أن الحديث لا يدور فقط عن كشف الأنشطة الإسرائيلية وإنما عن مبادرات أمنية هدفها خدمة احتياجات سياسية. فبعد الجولة (الانتخابية) الثالثة، كانت كورونا حبل النجاة. وهل إيران هي (حبل النجاة) بعد الجولة الرابعة؟ وفي وضع كهذا، أدعو (المستشار القضائي للحكومة أفيحاي) مندلبليت إلى إخراج نتنياهو إلى وضع تعذر قيامه بمهامه الآن”.
تزامن حادثة نطنز مع زيارة هي الأولى لمسؤول أميركي كبير من فريق جو بايدن الرئاسي إلى تل أبيب هو لويد أوستن وزير الدفاع الأميركي، وهذه رسالة بحد ذاتها إذ أن إختيار وزير الدفاع وليس وزير الخارجية (انتوني بلينكن) معناه “أن الولايات المتحدة تريد أن تتأكد أن الإتفاق النووي لن يمس بأمن إسرائيل وفي الوقت نفسه التأكد من أن تل أبيب لا تريد المس بجهودها لإستئناف المسار الدبلوماسي مع إيران”
وأشار المحلل العسكري في صحيفة “يسرائيل هيوم” يوآف ليمور إلى أن الهجمات الإسرائيلية ضد إيران “تستوجب من إسرائيل تيقظا استخباراتيا وعسكريا بمستوى مرتفع، وفي موازاة ذلك اتخاذ قرار حول كيف تعتزم مواصلة هذه المعركة المتصاعدة، التي تعقدت على خلفية العلاقات المتعثرة مع إدارة بايدن”.
وأضاف أن الإدارة الأميركية عبرت عن استياء من الهجمات الإسرائيلية على إيران في الأسابيع الأخيرة، وأن ذلك تمثل بتسريبات معلومات حساسة إلى وسائل إعلام أميركية، “وعلى ما يبدو بهدف التلميح لإسرائيل بأن الولايات المتحدة ليست معنية بأن تعرقل إسرائيل محاولاتها لفتح صفحة جديدة مع طهران. وليس واضحا كيف سيكون رد فعل إدارة بايدن على التخريب الحالي، الذي يأتي في توقيت حساس، بعد أيام من استئناف المحادثات بين إيران والقوى العظمى”.
وفي “هآرتس”، سأل عاموس هرئيل عما إذا كانت تل أبيب قد أعطت علماً للأميركيين قبل هجوم نطنز، مثلما فعلت قبل هجوم البحر الأحمر، لأن الجواب كفيل برسم ملامح العلاقة بين نتنياهو وإدارة بايدن، متوقفاً أيضاً عند الأبعاد الداخلية الإسرائيلية لهذه الهجمات، خصوصاً بعد فشل جولة الإنتخابات الرابعة.
وفي “معاريف”، كتب بن كسبيت أن لا مصلحة سياسية أو أمنية أو إستراتيجية لإسرائيل في العمليات الأخيرة بل مصلحة شخصية سياسية جنائية لنتنياهو، ونقل عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله أن الفائدة من هذه العمليات محدودة جداً.
وأضاف “خلال أسبوع أو أسبوعين من ارتفاع أسعار النفط، يعوّض الإيرانيون كل الضرر الذي لحق بهم، نحن نغامر في ساحة لسنا في موقع قوة فيها. خطوط التجارة البحرية هي نقاط ضعف إسرائيل، ولدينا خطوط بحرية تجارية طويلة جداً ومن غير الممكن الدفاع عنها. المخاطرة في هذه الساحة ليست مقبولة مقارنة بالنتائج، كما نقل عن مصدر أمني آخر قوله:”ميزة المعركة بين الحروب أنها تدور تحت الرادار، وعلى نار خفيفة، وتجري تقريباً من دون مخاطر؛ إذا خرجت إلى العلن، فإنها لا تعود معركة بين الحروب، وستجبر الإيرانيين على البدء بالرد. وهم بدأوا بذلك، وليس واضحاً على الإطلاق أن هذا يخدم المصلحة الإسرائيلية في المدى المتوسط والبعيد.”
وتنقل “هآرتس” عن يوسي ميلمان، الخبير في الشؤون الاستخباراتية والنووية والإرهاب أن الهجوم الإسرائيلي على السفينة الإيرانية في البحر الأحمر، يدل “على أن إسرائيل تلعب بالنار”. ويضيف أنه منذ اللحظة التي نُشر فيها تقرير الـ”وول ستريت جورنال” عن تنفيذ إسرائيل عشرات العمليات الأمنية ضد سفن إيرانية في البحر، كان واضحاً أن هذه الأحاديث “سترفع درجة التوترات مع إيران، بينما من مصلحة إدارة جو بايدن تخفيف اللهب كي يكون في الإمكان التفاوض مع إيران للعودة إلى الاتفاق النووي الأصلي في سنة 2015، ومع رفع العقوبات، لكن يبدو أنهم في إسرائيل لا يفهمون التلميحات، أو يعملون بطريقة أوتوماتيكية”، ويختم “بعد قضية تخريب السفينة الإيرانية التي ترافقت مع خلل خطر هو تسريب معلومات – مما يدل على إهمال كبير كان يمكن أن يؤدي إلى إزهاق أرواح – يبقى فقط أن نأمل بأن يؤدي هذا إلى أن تستنتج إسرائيل أن عليها ألّا تصب الزيت على النار”. (المصادر: نيويورك تايمز، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، القدس العربي، عرب 48).