من السنوسي إلى المنفي.. إنه صراع الشرق والغرب الليبي

تشخص أنظار الليبيين إلى موعد إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021، ذكرى إعلان توحيد البلاد في 1951، أي قبل 70 سنة.

تشكل الإنتخابات الليبية المقبلة نقطة مفصلية في حياة الدولة المستعادة بعد عشر سنوات من الإضطرابات والتوترات والتدخلات الخارجية والإحتلالات التي طُويت نظرياً، بينما واقعياً ما تزال شراراتها تشتعل بين حين وآخر.

تحركات جماعات الإخوان المسلمين في طرابلس ومصراته والزنتان مؤخراً، إثر نشوب معارك في الساحات والطرقات، تستهدف بالدرجة الأولى ضرب هذه الإنتخابات وتأجيلها خوفاً من الهزيمة وإمكانية خروجهم من المشهد السياسي وخسارة النفوذ والمنافع التي جنوها خلال سنين الفوضى والفلتان.

وبرغم انتخاب مجلس رئاسي وحكومة وطنية تمثل الأقاليم الثلاثة برقة وطرابلس وفزان، وبرغم التسوية السياسية التي أقرت في مطلع العام الحالي والتي أشرفت عليها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، لم تعرف ليبيا الهدوء والإستقرار حتى الآن، بل يسودها قلق مجبول بالإنتظار وغموض الحاضر والمستقبل.

ومن “برلين 1” إلى “برلين2″، القرارات تتكرر والهدف ذاته: التوكيد على إجراء الإنتخابات في موعدها وإزالة كل العقبات التي تعترض إنجازها، بما فيها ضرورة إقرار موازنة جديدة، بالإضافة إلى سحب المرتزقة الأجانب.

في الإتفاقات العديدة التي رعتها الأمم المتحدة وأيّدتها القوى الدولية والإقليمية، خصوصا مصر وتونس وفرنسا، تقرر إجراء الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021. إختيار الموعد رمزياً يصادف اعلان الملك ادريس السنوسي توحيد البلاد ولم شمل الاقاليم الثلاثة في دولة واحدة سيدة ومستقرة.

اعتبر تاريخ 24 كانون/ ديسمبر القادم يوماً مفصلياً في حياة الجمهورية الليبية الا انه بعد ستة شهور من اسكات المدافع وانطلاق التسوية السياسية يتبين ان الخلافات اعمق مما تصور مهندسو الحل، وبالتالي يلف الغموض الموعد المحدد لاجراء الانتخابات.

وينحصر جوهر الخلاف بين مدرستين في التفكير؛ فئة تصر على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في موعدها المحدد. وفئة اخرى تطالب باجراء استفتاء على الدستورالجديد قبل موعد الانتخابات، الامر الذي يثير الشكوك في نية هؤلاء المطالبين اذا كانوا حقاً يريدون اجراء الانتخابات ام لا.

وتصر الامم المتحدة على الموعد وتنفيذ الاتفاقات والمخرجات للجنة المصالحة والحوار التي عقدت اجتماعاتها في جنيف بحضور ممثلين عن كافة الاقاليم والجهات والقبائل. ويساعد الامم المتحدة في مساعيها المبعوث الاميركي الى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند الذي يقوم بجهود حثيثة في اقناع اعضاء الحكومة وشخصيات اخرى مؤثرة بضرورة التقيد بالموعد واجراء الانتخابات.

هناك فئات تساير التيار الاسلامي وتؤيد عدم اجراء الانتخابات خدمة لمصالحها لانها تستفيد من الوضع الراهن وتريد اطالة المرحلة الانتقالية قدر المستطاع حتى الوصول الى مرحلة الاستقرار المنشودة

في هذه الاثناء، انتهت الهيئة التأسيسية من وضع الدستور ونال موافقة لجنة الصياغة بأغلبية ثلثي الاعضاء. الظروف الامنية التي حدثت في الشهرين الاخيرين في غرب ليبيا والمناوشات التي جرت بين الجماعات الاسلامية لا تشجع على عرض الدستور على الاستفتاء للموافقة او الرفض.

من جهته، قام رئيس المجلس الرئاسي السفير محمد المنفي بزيارة الى مقر مفوضية الانتخابات وهنّأ رئيسها والاعضاء على العمل الذي قاموا به والانجاز الذي حققوه من اجل تنفيذ الانتخابات في موعدها المقرر.

 وعلى ما يبدو هناك فئات تساير التيار الاسلامي وتؤيد عدم اجراء الانتخابات خدمة لمصالحها لانها تستفيد من الوضع الراهن وتريد اطالة المرحلة الانتقالية قدر المستطاع حتى الوصول الى مرحلة الاستقرار المنشودة.

إلا أن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه وعرقلة عمل الحكومة، يبقي الامور التي سادت خلال الحرب العشرية قائمة ولو بمسمى السلم المقنّع. وهؤلاء يقترحون اجراء الاستفتاء في 24 كانون/ ديسمبر القادم على ان تجري الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لاحقا بعد شهرين او ثلاثة أشهر.

وتبدو مسودة الدستور المعروضة على المواطنين مثيرة للجدل بسبب احتوائها على بنود لا تحظى بقبول شعبي وعرضها قد يفرض اعادتها الى الهيئة التأسيسية للتعديل والتغيير. ويتردد ان مجموعات من الطوارق والثبو والمازيق الذين يشكلون 15% من سكان ليبيا ابدوا تحفظات واعتراضات لان تمثيلهم لم يؤخذ بعين الاعتبار وخصوصيتهم الثقافية والامنية لم تراعَ، مُذكّرين بالاجحاف الذي لحقهم في دستور 2017.

هناك مشكلة أخرى تثار حول كيفية اختيار رئيس البلاد. هل بالتصويت الشعبي المباشر او من قبل البرلمان؟ في هذا الصدد، يقترح البعض اجراء انتخابات برلمانية وابقاء المجلس الرئاسي الحالي كما هو، على ان تجري الانتخابات الرئاسية لاحقاً.

خلال قرن لم تهدأ ليبيا بعد. موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية والغازية تجعلها قبلة التدخلات الخارجية من اقليمية ودولية

وفي مواجهة ما يُثار من مشاكل متدحرجة تُهدّد بتأجيل الانتخابات، عقدت لجنة المصالحة والحوار اجتماعاً مؤخراً وفشلت في التوصل الى قرار نظراً للتباين الكبير في الآراء.

وإزاء اللغط والتهديدات بالنزول الى الشارع لفرض اجراء الانتخابات في موعدها وحق الشعب بانتخاب رئيسه، وقّع 52 نائبا و91 عضوا في مجلس السلطة على عريضة تدعو لاجراء الانتخابات في موعدها وانتخاب رئيس مباشرة من الشعب والموافقة على الدستور الجديد لدورة برلمانية واحدة.

إقرأ على موقع 180  ليبيا... "الخطوط الحمراء" كبديل للصدام المباشر

ليبيا على ما يبدو غير موحدة للقرار. الانقسامات والولاءات موزعة ومتباعدة بين الشرق والغرب والجنوب. الطريق الساحلي الذي يصل الشرق بالغرب لا يزال مقفلاً وعلى جانبيه يحتشد مقاتلون ليبيون ومرتزقة سوريون وتشاديون وسودانيون وروس وهم على أهبة الاستعداد لخوض جولات جديدة.

ويمكن القول انه خلال قرن لم تهدأ ليبيا بعد. موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية والغازية تجعلها قبلة التدخلات الخارجية من اقليمية ودولية. خاضت هذه البلاد حروباً ضد الاستعمار العثماني والايطالي والبريطاني وعرفت قلاقل واضطرابات جهوية وقبلية واثنية في عهد ملك طيب وضعيف وانقلاب قاده ضابط متحمس ومجنون واخيرا انتفاضة شعبية في سياق ما عرف بـ”الربيع العربي” سرعان ما تحولت إلى حرب اهلية دامت عشر سنوات.

في عام 1922 انتصرت الفاشية في ايطاليا فألغت اتفاقاً سابقاً مع الامارة في ليبيا واحتلت البلاد كلها. وعندما تلاقت المصالح بين الحاكم ولندن تلقى دعما لمواجهة الاحتلال الايطالي خلال اندلاع الحرب العالمية الثانية عندما اندحرت الفاشية وقتل موسوليني. نجاح الحلفاء في 1945 ادى الى سيطرة بريطانيا التي حوّلت ليبيا الى مستعمرة وتالياً وقّع اتفاق الاستقلال في نهاية 1951 واقيم النظام الملكي.

استقلال ليبيا تزامن مع لحظات تاريخية كبيرة في المنطقة، إستولدت معها موضة الانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا والعراق.. فظن الملك ادريس الذي ورث بلداً جائعاً وبلا إقتصاد ان جيرانه الكبار سيقفون الى جوار مملكته الضعيفة ويقدمون يد العون والمساعدة إليها.  زار مصر بعد اندلاع ثورة ضباط الاحرار في 1953 والتقى محمد نجيب وجمال عبد الناصر من قيادة الثورة. طلب مساعدة مالية بمليون جنيه لتسيير امور المملكة الوليدة. رُفِضَ طلبه وخاب امله. شعر من وقتها ان العسكر لا يضمرون لحكمه الخير وان نظامه الملكي في خطر. اكتفى بالشعور بالاحباط ولم يتدارك المؤامرة ولم يدرك ان ضعفه ادى الى تشكيل 11 حكومة خلال 18 عاما حتى وُصِفَ بـ”ملك الاستقالات”.

بادر السنوسي مرات عديدة الى التخلي عن الحكم والاستقالة هربا من ازمات سياسية ومعيشية احتاجت الى ملك شجاع ذي شكيمة وارادة قوية. مضى ملكاً حتى سقط حكمه في ايلول/ سبتمبر 1969 برغم بزوغ فجر النفط في مطلع الستينيات الماضية. حاول السنوسي مرتين تحويل النظام الليبي الى جمهورية في 1955 و1965 لتعذر انجابه وريثا وبسبب موت شقيقه ولي العهد، لكنه تراجع عن فكرة اعلان الجمهورية بضغط من اقليم برقة. إنه شرق ليبيا، الذي خشي الذوبان في الغرب ممثلاً بطرابلس وهذا المزاج القلق مستمر الى يومنا هذا حيث لا يزال الصراع على اشده بين الشرق والغرب.

Print Friendly, PDF & Email
مهى سمارة

كاتبة وصحافية لبنانية

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  روسيا النووية.. ما علاقة ستالين والنخبة اليهودية؟