الوصاية على لبنان تبدأ من الكهرباء

أقر مؤتمر باريس الذي عقد قبل أيام 370 مليون دولار لدعم لبنان لفترة 12 شهراً. هذا المبلغ يساوي 5 إلى 7 % فقط مما تحتاجه البلاد سنوياً من دولارات لإستمرار خدماتها العامة الأساسية بالحد الأدنى الذي دونه يدخل لبنان بالكامل مجاهل الدولة الفاشلة، الخطرة على نفسها وعلى غيرها.

تلك المساعدة الزهيدة التي اقرها المجتمع الدولي اشارة اضافية واضحة الى ان لا قيامة نسبية للبنان اقتصادياً إلا بشروط تضعها الدول المانحة، وتحديداً الغربية منها والخليجية، على أن الممر الإلزامي هو اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي أعاد التذكير بالغاء كل أنواع الدعم واجراء تدقيق جنائي في حسابات مصرف لبنان المركزي ومؤسسة كهرباء لبنان، بالاضافة الى شروط أخرى ابرزها اعادة هيكلة القطاع المصرفي شبه المفلس.

وكان مصرف لبنان صرف في أقل من سنتين، ومن أموال المودعين حوالي ١٠ مليارات دولار ذهبت الى دعم سلع وخدمات على نحو عشوائي حيناً، ومقصود أحياناً أخرى أفاد تجاراً ومحتكرين وسياسيين فاسدين قبل أن يصل فتاته الزهيد الى المواطن المحتاج الى دعم.

لكن مصرف لبنان بدأ بتحجيم صرف أموال الدعم تدريجياً، وراح يخفّض بقوة وتيرة توفير الدولارات (بسعري ١٥٠٠ و٣٩٠٠ ليرة) الى حدود دنيا يستحيل معها عودة خدمات الكهرباء وأسعار البنزين والمازوت والدواء الى ما كانت عليه في ٢٠٢٠ وما قبلها.

لذا، بدأ لبنان يشهد أسواقاً سوداء لمعظم تلك السلع والخدمات ما يؤشر الى اهتراء الدولة على نحو مريع، وسيادة منطق المافيات على نحو مرعب. مافيات وضعت نفسها في خدمة من يستطيع دفع الأثمان الغالية، ولا عزاء لفقراء ومعوزين واصحاب دخل محدود نسبتهم الى السكان ارتفعت الى ٧٥٪؜ بفعل الهبوط الاضافي لسعر الليرة مقابل الدولار بنسبة ٥٥ في المائة هذه السنة، علماً بأن اجمالي هبوط العملة اللبنانية في سنتين، او منذ بداية الأزمة، زاد على ٩٣ في المائة.

على صعيد الكهرباء، القطاع الأكثر استهلاكاً للدولارات، ينتظر بدء تنفيذ الاتفاق الذي عقده لبنان مع العراق اعتباراً من الشهر المقبل، تحت وصاية أميركية كاملة تتدخل في تفاصيل التفاصيل. وصاية لا يعترض عليها العراق لا بل يرحب بها ضمناً، ولا يمكن للبنان رفضها لأنه فقد أي قدرة تفاوضية بسبب شح الدولارات من جهة، والفشل التاريخي لقطاع الكهرباء من جهة ثانية. اما السبب غير المعلن لهذه الوصاية المعيبة بحق كل سياسيي لبنان وشعبه فهو الوقوف على كيفية التصرف والصرف منعاً للفساد والهدر وإلتزاماً بمندرجات اللوائح السوداء التي تدبجها وزارة الخزانة الأميركية.

وسيعمد لبنان والعراق الى وضع آلية مشتركة، توافق عليها الولايات المتحدة ممثلة بسفارتيها في كل من بيروت وبغداد، يبادل بموجبها النفط الخام بمادة الفيول عبر شركات تحصل على الأول ثم توفر الثاني لشركة كهرباء لبنان حتى تستطيع زيادة التغطية بالتيار حوالي ٦ ساعات يومياً تضاف الى الساعتين اليتيمتين السائدتين حالياً.

الاتفاق مع حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، والذي تضاعفت كميته من ٥٠٠ ألف طن الى مليون طن من المحروقات، يفترض أن يستمر العمل به بين ٦ أشهر وسنة، وسيحصل العراق في المقابل بموجبه على أموال (تتحول إلى خدمات) من لبنان تصرف في السوق اللبنانية، سواء أكانت عملة صعبة أم بالليرة اللبنانية!

إلى ذلك، ستطلب مؤسسة كهرباء لبنان سلفة اضافية من الحكومة اللبنانية بقيمة ٣٥٠ مليون دولار، بعد أن قارب صرف سلفة الـ ٢٠٠ مليون دولار التي اقرها مجلس النواب قبيل الصيف الحالي. والسلفة الجديدة كما سابقتها تحتاج الى مشروع قانون يقر في مجلس النواب أيضاً. هذا هو شرط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الوقت الذي استمر فيه بدعم مادة المازوت للمولدات. لكن تهديده بايقاف ذلك الدعم فتح بازار سوق سوداء بستة اضعاف السعر المدعوم. وأكد سلامة نفسه ان هذه المادة كانت مدعومة خلال شهر تموز/ يوليو الماضي والأشهر القليلة التي سبقته بقيمة زادت على ٧٠٠ مليون دولار، نافضاً يده من جرائم التهريب والتخزين وبيع المدعوم بأسعار السوق وبأرباح زادت على ٦٠٠ في المائة، واضعاً الشبهة في خانة مصفاتي الزهراني وطرابلس والشركات المستوردة والمافيات الصغيرة منها والكبيرة التي تسرح وتمرح والزعيم راعيها.

طلب ملك الأردن الاسراع في دراسة تزويد لبنان بالكهرباء عبر سوريا، ودون ذلك شبكات تحتاج الى صيانة لا سيما في منطقة درعا. كما اعطى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي توجيهاته إلى وزارة الطاقة المصرية للنظر في إمكان تزويد لبنان بالغاز لزوم توليد الكهرباء

واذا اقرت السلفة الجديدة لكهرباء لبنان تزداد التغطية بمعدل ساعتين اضافيتين، علما بأن هناك جزءًا من مبلغ الـ٣٥٠ مليون دولار سيكون مخصصاً لشركات الصيانة التي لها مستحقات في ذمة كهرباء لبنان وأيضاً لشركات مقدمي الخدمات.

الى ذلك، طلب ملك الأردن عبدالله الثاني الاسراع في دراسة تزويد لبنان بالكهرباء عبر سوريا، ودون ذلك شبكات تحتاج الى صيانة لا سيما في منطقة درعا. كما اعطى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي توجيهاته إلى وزارة الطاقة المصرية للنظر في إمكان تزويد لبنان بالغاز لزوم توليد الكهرباء في عدد من المحطات التي تعمل بالغاز والفيول معاً. ويذكر أن هناك خط انابيب يصل مصر بسوريا، وأنبوباً يصل حمص بالبداوي لكنه بحاجة الى صيانة بعدما تعرض لضرر جراء معارك بالقرب منه او تخريب متعمد تعرض له. ويستفيد جر الغاز المصري الى لبنان عبر سوريا من اعفاء من “قانون قيصر” الأميركي المفروض على الدولة السورية. سعى الى هذا الإعفاء وحصل عليه الملك الأردني لخدمة لبنان، لكن تنفيذه تحت رقابة الادارة الأميركية التي وافقت على هذا الاستثناء.

إقرأ على موقع 180  أبواب الفاتيكان مفتوحة للحريري و"لكل اللبنانيين".. ولا دعوات!

لكن التيار الكهربائي الأردني كما الغاز المصري يحتاجان الى وقت وأعمال فنية، ودونهما موافقات سورية قد لا تأتي الا بشرط حكومة لبنانية تتواصل مع السلطات السورية بشكل رسمي. ويحتاجان الى اتفاقات مالية لسداد الكلفة في وقت تنفد فيه الدولارات في مصرف لبنان ولا مصادر تمويل بالعملة الصعبة قبل تشكيل حكومة تبرم اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي.

وعامل الوقت هو الداهم الأكبر لأن مصرف لبنان يتجه لالغاء دعم المازوت الشهر المقبل، فترتفع اشتراكات المولدات ٣ مرات على الأقل بشكل نهائي علماً بأن الارتفاع بدأ خلال الشهر الحالي وعلت معه صرخات اصحاب الدخل المحدود على نحو مؤلم من مبالغ لا طاقة لهم عليها، وهم بانتظار البطاقة التمويلية المخصصة للفقراء والتي تراوح منذ عدة أشهر في دهاليز بيروقراطيتها الطويلة والعقيمة بحثاً عن افضل صيغة (ربما إنتخابية) لشمول من يحتاج الى دعم دون غيره. والأنكى ان ما تقره تلك البطاقة اضافة الى قرض البنك الدولي المخصص للأكثر فقراً لا يساوي أكثر من ١٠٠ دولار للعائلة الواحدة، أي أقل من ثلث ما سيتكبده المواطن جراء الغاء دعم سلة المواد الغذائية الأساسية، وارتفاع اسعار اشتراكات الكهرباء وخفض دعم فاتورة الدواء ٥٠ بالمائة، وقريباً يأتي دور البنزين الذي تدرس بشأنه وزارة الطاقة مقترحاً يقضي الاستمرار بدعم ٤ صفائح (٨٠ ليتراً) فقط شهرياً لكل سيارة (ما من مؤشر واضح على موافقة مصرف لبنان على الإقتراح) على أن تحرر الاسعار فوق تلك الكوتا، ليبلغ سعر الصفيحة نحو ٣٠٠ الف ليرة مع ما يعني ذلك من ارتفاع في كلفة النقل وبالتالي اسعار كافة السلع، لتدخل البلاد موجة تضخم جديدة ترفع الاجمالي منذ بداية الأزمة الى ٧٠٠ في المائة على الأقل.

كما تدرس وزارة المالية حالياً إمكان إعطاء راتب شهر واحد (مكافأة لمرة واحدة) لكل موظفي القطاع العام، بإستثناء المؤسسات العامة، وذلك بالتزامن مع بدء العام الدراسي، على أن يُموّل من الوفر الناتج عن تراجع الصرف على المشاريع في السنتين الماضيتين.

هذه الخطوات الحكومية لا تسمن ولا تغني من جوع.. ولا مدخل للمعالجة أفضل من تأليف تشكيل حكومة تحظى بثقة المجتمع الدولي الذي بات القشة التي يتعلق الغرقى اللبنانيون بها لاخراجهم تدريجياً من أزمتهم الوجودية بكل معنى الكلمة.

Print Friendly, PDF & Email
منير يونس

صحافي وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  دبلوماسية اللقاحات.. فرصة روسية فريدة