لبنان أسير “هدنة العدوين”.. زمن الخيارات مؤجل!

بدل توزيع الخسائر، اختارت السلطة في لبنان، تخصيص الخسائر. حصة اللبنانيين الغلابى، الرضوخ للأسوأ. لا يُنتظر من هذه الحكومة، أو غيرها، إلا تعاظم المأساة ومراكمة أوهام "الإنتعاش والمساعدات".

لا مكان لصيغة إنقاذية، مؤقتة أو قريبة. على “الشعب” أن يعتاد على ما دون التقشف. المصارف الناهبة، معفاة من أي واجب يعيد الأموال إلى اصحابها. لم يكن اللبناني فقيراً ابداً. طبعاً في لبنان فقراء، ولكن إفقار الطبقة الوسطى من ألفها إلى يائها، هو نتاج مكننة السرقة بينها وبين الحكومات والزعامات التي تولت أن تقوم بدور الجراد. إذاً؛ لن تُعاد أموال الناس للناس. حصتهم القهر والندم وإعتياد الإنفاق بالتقتير.

الحديث عن تدفقات مالية مبالغ فيه. سيعيش اللبناني على حافتي الهجرة والفاقة. سيقتصد كثيراً، ولكن كيف يوفر المال للإستشفاء والدواء والغذاء والكتاب والمحروقات؟ الصناديق الضامنة أفرغت. البنوك أقفلت نوافذها الشحيحة.. و”الدول المانحة” تطالب بإصلاحات جذرية، وفق جداول معروفة وأوامر متوفرة، لتحرير الإقتصاد وبيع ما يملكه لبنان المهذب من أرصدة أملاكه. سيبيعون لبنان، ولن تكون حصة اللبناني سوى الإرتهان. واللبناني، بعدما أهين وتم تشليحه ماله وتعبه ومدخراته وآماله، لم يعد يتطلع إلى السؤال: “أي لبنان نريد؟” أو إلى السؤال: “أي اقتصاد نريد”. انه يريد الخلاص بالتي هي أسوأ او أحسن، سيَّان.

الهدنة الراهنة هشة. أمّنت الشكل الحكومي، أما الخيارات السياسية التي لا بد منها. فلم يحن أوانها بعد.. انما، سيأتي زمن الإستحقاق في ما بعد

هذا ما أوصلتم إليه اللبنانيين، يا “أولاد الأفاعي”.

غداً، ليس يوم آخر. غداً، يوم أسوأ. إرتفاع الأسعار الجنوني، يدفع اللبناني إلى الكفر والسرقة والقهر والذل. زالت الطبقة الوسطى. أُفقرت. الفقراء، موزعون على الإعاشات المذلة والبطاقة التي لا تسد رمق أسبوع واحد.

إذاً ماذا؟ الحكومة تراهن على المساعدات. ستقرع كل الأبواب. أبواب ” الاصدقاء”، (لا أحد يعرف من هم أصدقاء لبنان عن جد) وهي مستعدة لإرتكاب الارتهان للخارج، بغض نظر إلزامي عن الصراع الصامت راهناً، بين محوري الغرب و”العرب” وبين إيران. الهدنة الراهنة هشة. أمّنت الشكل الحكومي، أما الخيارات السياسية التي لا بد منها. فلم يحن أوانها بعد.. انما، سيأتي زمن الإستحقاق في ما بعد.

رأسا الحربة، الولايات المتحدة الأميركية وإيران. هدنة العدوين تأمنت بعد حسابات الخسائر الاميركية، إذا انهار لبنان. إيران مستعدة ومؤهلة وراغبة في استمرار دعمها لمحورها، إذا انهار لبنان. ولـ”حزب الله” تحديداً، وقد تذهب إلى ابعد من ذلك. وهذا ما يجعل مناورة اميركا ضيقة المساحة وملزمة بالتراجع خطوات، كي لا يسقط لبنان إلى نصفين: نصف يستقوي بإيران، ونصف تضعفه اميركا.

العبور من هذه البقعة “المتسالمة” بلا مصالحة، والتي تمثلها هذه الحكومة، ينتظر موعد الإنتخابات النيابية والرئاسية. إذاً هي مرحلة هدنة، إلى موعد الحسم الانتخابي. تراهن اميركا، على تحسين أحصنتها في الداخل ستغدق وعوداً وتملي الأوامر. عينها على السؤال الذي لا سؤال أهم منه لأميركا: أي لبنان تريد أميركا، في جوار “اسرائيل”. طبعاً، لا تريد لبنان المقاوم أبداً. “حزب الله” السياسي.. لا يمكن أن تتهاون أميركا، مع “لبنان المقاومة”، وإسرائيل تحقق انجازات التطبيع من المحيط إلى الخليج.. غير أن هذا الحلم صعب التحقيق. انه كابوس مقلق جداً: سوريا تتعافى قريباً. إيران قد تصافح وتوقع مع واشنطن. ما له علاقة بالحلف النووي، إيران تزداد قوة في شتى المجالات. ستصبح دولة عظمى إقليمية، تشارك في صياغة إقليم يصالحها ولا يعاديها.. كل هذا سينعكس على لبنان، بحيث تأتي الانتخابات. على غير ما تشتهي أميركا فحزب الله آمن، ومؤمن أنه قوي شعبياً، وحلفاؤه كذلك. أما خصومه، فمشتتون، ولا يتفقون الا على خدمة اميركا، ومحاربة “حزب الله”، بالكلام والشعارات والاتهامات.. وتعود حليمة إلى عادتها القديمة.

سيبقى لبنان، نصفه في الشرق حتى الثمالة، ونصفه في الغرب حتى العمالة

في هذه الاثناء، يكون اللبنانيون غرباء عن لبنان. لبنانهم، لا يصنعونه هم، بل يُصنع لهم. سيبقى لبنان، نصفه في الشرق حتى الثمالة، ونصفه في الغرب حتى العمالة.

وفي هذه الأثناء ايضاً. سيضاعف اللبنانيون من أحقادهم. الحقد الطائفي مزمن، وكلّف لبنان عدداً من الفتن والحروب والتدمير. يتساءل المرء، كيف تتجدد الأحقاد المزمنة وتصبح عقائد. كأن اللبنانيين مصرون على أن لا يتعلموا من ويلاتهم. كان لا بد لأحد أن يقنعهم، أن لا دولة ولا وطن ولا تعايش، في ظل انقسامات ترسخت حتى أضحت سياسة. علماً، أن لبنان لم يذق طعم السياسة أبداً، كغيره من البلاد العربية. السياسة هي – البنت الشرعية للديموقراطية. عندنا صفقات بين الأعداء الأقوياء. وهذه الصفقات بحاجة إلى تدخل “حلفاء” وأوصياء من الخارج، القريب والبعيد.

أي أمل تتوقع؟

ما زال الزمن الحامل للأمل بعيداً جداً.

لذا، أختم بهذه الكلمات للفنان الراحل مخول قاصوف:

“خلص زمن الحكي/ وبلّش زمن البكي”.

إقرأ على موقع 180  "البامياء".. رمزاً وطنياً!

فعلاً؛ انه زمن البكاء، ولكن من أين تأتي بالدموع، بعد ما جفت العيون؟

Print Friendly, PDF & Email
نصري الصايغ

مثقف وكاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الوصفة القطرية 2022.. المونديال أسير السياسة!