إيران واتفاقية شنغهاي.. فرصة للتحرر من العقوبات الأميركية

بين الشكوى الأميركية والأوروبية من عدم إعطاء الإيرانيين إشارات واضحة لإستئناف المفاوضات النووية في فيينا، وبين إعلان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان عن إستئناف المفاوضات النووية "قريبًا" تمضي طهران في خيار البحث عن بدائل تُحررها من قبضة العقوبات الأميركية والغربية. كيف؟

تمثل منظمة شنغهاي حوالي ثلث مساحة الأرض، وحوالي 42% من سكان العالم؛ أما في مجال الاقتصاد، فيمتلك أعضاء المنظمة حوالي 25 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ناهيك عما تمثل دول المنظمة من دول وازنة سياسياً وإقتصاديا وعسكرياً مثل الصين وروسيا والهند.

ويأتي قبول عضوية إيران مؤخرًا في “منظمة شنغهاي للتعاون”، في وقت تستمر فيه الولايات المتحدة وبعض حلفائها الغربيين في إتهام إيران بوصفها “الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم” من جهة، وكذلك الضغط عليها “نوويًا” لإعادتها إلى طاولة المفاوضات وفق خارطة طريق لا تمت بصلة إلى الملف النووي، مثل الحديث عن النفوذ الإقليمي أو ملف “الصواريخ الدقيقة” من جهة أخرى.

في هذا السياق، تتبلور في طهران يومًا بعد يوم رؤية إيرانية جديدة تتناقض ونظرة الأميركيين والأوروبيين للدور الإيراني وتلتقي بالمقابل مع رؤية دول إتفاقية شنغهاي الإستراتيجية لهذا الدور، لذلك، ثمة حماسة إيرانية لشراكة سياسية وإقتصادية وعسكرية وأمنية مع منظمة شنغهاي تتقاطع مع مصلحة الأخيرة بفتح أبوابها لأي دولة تشكل إضافة للمنظمة وفي الوقت نفسه تخلق فرصة جديدة للدولة التي تنضم إليها حتى تكون لاعبًا رئيسًا في حيزها الإقليمي أو الدولي.

بهذا المعنى، تعتقد روسيا والصين أن المهمة الرئيسية لاتفاقية شنغهاي هي معالجة التهديدات المتزايدة بسبب “التنمر الأميركي” المتعدد الأشكال، ولا سيما مع مجيء إدارة أميركية جديدة جعلت الكثيرين من حلفاء الولايات المتحدة يترحمون على زمن الإدارة السابقة، ولعل ما جرى مؤخرًا بين أميركا وفرنسا، إثر إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا لمصلحة صفقة بديلة مع الأميركيين يصب في هذه الخانة.

يؤشر ذلك كله إلى أن نزاعًا جيوسياسيًا يتصاعد بين الصين والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يعطي إنضمام إيران إلى اتفاقية شنغهاي ثقلًا لحضور الصين في غرب آسيا ومن الطبيعي أن تتحول إيران إلى لاعب أكثر قوة في زمن تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات خانقة عليها

لذلك، يمكن القول إن عضوية إيران في منظمة شنغهاي مثال على فعالية سياسة “الصبر الإستراتيجي” التي تعتمدها طهران منذ سنوات حيث بدأت تعطي ثمارها ومن حسن حظ حكومة إبراهيم رئيسي المحافظة أن هذه العضوية لها توقيتها الإيراني أيضًا.

لقد قررت الولايات المتحدة خوض مواجهة مع منظمة شنغهاي في عام 2017  بإنشائها “التحالف الرباعي” (كواد) الذي يضمها واليابان وأستراليا والهند، وهي تواجه الآن الصين عبر المعاهدة الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

يؤشر ذلك كله إلى أن نزاعًا جيوسياسيًا يتصاعد بين الصين والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يعطي إنضمام إيران إلى اتفاقية شنغهاي ثقلًا لحضور الصين في غرب آسيا ومن الطبيعي أن تتحول إيران إلى لاعب أكثر قوة في زمن تفرض فيه الولايات المتحدة عقوبات خانقة عليها وتحاول تجويع شعبها وتبذل جهوداً حثيثة لإبقائها “على الهامش”.

ولا شك أن الأهمية الاستراتيجية لإيران ستزداد مع هذه العضوية في منظمة شنغهاي. فقد أصبحت القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية الثلاث، الصين وروسيا والهند، الآن أعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، واثنتان منها عضوان رئيسيان دائمان في مجلس الأمن، ما يمهد الطريق لإيران للتأكد من عدم موافقة مجلس الأمن الدولي على أي خطة أميركية أحادية الجانب تمس بمصالح طهران.

ونظرًا لمواردها الغنية بالطاقة وموقعها الجغرافي الخاص وكثافتها السكانية (85 مليون نسمة)، يمكن لإيران أن تلعب دور الجسر الشمالي ـ الجنوبي والجسر الشرقي ـ الغربي في اتفاقية شنغهاي في مجالات عديدة أبرزها المجال الاقتصادي. ومن شأن عضوية إيران في اتفاقية شنغهاي أن تسهل لها قضاياها الاقتصادية والتجارية وأن تكسر جزءًا كبيرًا من العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

ففي مجال الطاقة، تمتلك إيران، وفقًا للإحصاءات المتاحة، أكبر احتياطيات من النفط والغاز في العالم، والتي تشتد الحاجة إليها من قبل الصين والهند. ويمكن أن تكون هذه العلاقة الاستراتيجية مكملة للتطلع الإيراني صوب الشرق.

ومن خلال عضويتها الدائمة في اتفاقية شنغهاي، سترتبط إيران بالأسواق الشاسعة للدول الأعضاء في المنظمة وهذا الأمر سيكون له مردوده الإيجابي في مجالات التجارة والترانزيت والطاقة وغيرها (تستوعب الإتفاقية 42% من سكان العالم).

في الخلاصة، تعد عضوية إيران في اتفاقية شنغهاي مؤشرًا سياسيًا كبيرًا وتغييرًا هيكليًا وتنظيميًا في سياسة إيران الخارجية، ما يؤدي إلى ولادة إتجاهات جيواستراتيجية فاعلة وجديدة لايران في المنطقة والعالم. هذه الفرصة الكبيرة ستُحيّد حتمًا جزءًا مهمًا من العقوبات الأميركية ضد إيران.

 

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ساحات سليماني.. ما قبله ليست كما بعده
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "وول ستريت جورنال": إيران قوة دولية برغم أميركا