مركز هرتسليا: تحركات إقليمية خارج المعسكرات والتحالفات

Avatar18010/10/2021
نشر الموقع الإلكتروني لـ"معهد السياسات والاستراتيجيا في مركز هرتسليا المتعدد المجالات"، ما أسماها "الخريطة الاستراتيجية" التي تعرض للتحديات المتعاظمة التي تواجه الدولة العبرية، أعدها عدد من الباحثين في المعهد الذي يترأسه عاموس جلعاد، الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي والذي كلف بمهام سياسية في مراحل متعددة.

“تشهد دولة إسرائيل واقعاً أمنياً مريحاً، لكن تحديات الأمن القومي تتعاظم. أعداء إسرائيل يركزون على بناء القوة أكثر من استخدامها، ويمتنعون من التصعيد بسبب أثمانه الباهظة، وبسبب مشكلات داخلية صعبة تتطلب حلاً. مع ذلك، يتصاعد التهديد الاستراتيجي لأمن إسرائيل في مواجهة تعاظُم وبناء القوة.

إحباط البنية التحتية لـ”حماس” في الضفة الغربية أظهر خطورة تهديدها ونجاح القوى الأمنية في المحافظة على الاستقرار الأمني. على سبيل المثال، حادثة فرار نشطاء حركة الجهاد الإسلامي من سجن جلبوع وقدرة القوى الأمنية على إغلاق الدائرة بسرعة، ومنع الحادث التكتيكي من التحول إلى حادث ذي أهمية استراتيجية يشكل نجاحاً عملانياً مثيراً للإعجاب، لكنه في المقابل يعكس هشاشة الهدوء الأمني واحتمال التدهور إلى تصعيد شامل بسرعة.

في الضفة الغربية، تعمل إسرائيل على تحسين الواقع المدني كأساس لهدوء أمني، بطريقة تمنع تعبئة شعبية واسعة للنضال ضد إسرائيل؛ في المقابل، تحاول “حماس” تحدّي هذه المعادلة ومَوضَعة مكانتها في المجتمع الفلسطيني في موقع متقدم للسيطرة على المنظومة السياسية في اليوم التالي لما بعد أبو مازن. البنية التحتية للحركة، التي كُشفت في العملية الأخيرة للجيش الإسرائيلي، والتي تُعتبر أكبر وأهم شبكة جرى كشفها منذ سنة 2014، تعكس الجهد المتواصل الذي تبذله “حماس” لترميم قوتها في الضفة.

في قطاع غزة، يجري الدفع قدماً بالتسوية بوساطة مصرية. وفي المرحلة الحالية، من مصلحة الطرفين الاحتواء وعدم الدخول في جولة قتال إضافية. مع ذلك، الجهد المتواصل الذي تبذله “حماس” للإبقاء على الاحتكاكات ما دون سقف المعركة للحصول على إنجازات مدنية أكثر أهمية، يمكن أن يؤدي إلى معركة أُخرى في وقت قريب.

في الساحة السياسية، جسّد خطاب رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بنيت في الأمم المتحدة وخطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الفجوة العميقة التي تفصل بين الطرفين، وحقيقة عدم وجود لاعب في الساحة الدولية مستعد لاستخدام الضغط من أجل تحريك العملية السياسية.

في الساحة الداخلية  الإسرائيلية، ما يجري في المجتمع العربي يشكل تحدياً استراتيجياً من الدرجة الأولى، حيث الجريمة الواسعة، وظاهرة السلاح، وفقدان القدرة على فرض القانون والردع، وغياب السلطة في جزء واسع من المجتمع العربي (في الأساس في الجنوب)، يتطلب رداً متعدد الأبعاد – مدنياً وأمنياً. إن احتمال انزلاق الجريمة الجنائية إلى جريمة أمنية – قومية تأكد خلال عملية “حارس الأسوار”، وهو ما يزيد الحاجة الملحة إلى تطوير رد على المستوى الوطني.

حديث ملك الأردن مع بشار الأسد الذي عبّر فيه عن تأييده لسوريا موحدة مستقرة وذات سيادة، يشكل خطوة مهمة في التقارب بين الدولتين، وفي الاعتراف بشرعية النظام. الولايات المتحدة لا تطبّق العقوبات، وعدم ردها يسمح باستمرار الاتصالات والخطوات بين الدولتين

في إيران، المفاوضات لتجديد الاتفاق النووي لم تتحرك بعد، في هذه الأثناء تعمل إيران على توسيع برنامجها النووي وتسعى للوصول إلى وضع “دولة على حافة النووي”، إذ عندما تُستأنف الاتصالات سيكون لديها التكنولوجيا والمعلومات لمواصلة المشروع حين تتخذ قراراً بذلك. في هذا الوضع، وأيضاً مع التوصل إلى اتفاق يفرض تفريغ مخزون اليورانيوم المخصب، تستطيع إيران استكمال النقص بواسطة منظومات تخصيب متقدمة طورتها خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.

في المقابل، تواصل إيران العمل بهدف تعميق نفوذها الإقليمي وترسيخ قدرة متقدمة تشكل تهديداً لإسرائيل. عملياً، تحول العراق واليمن إلى ساحتين تشكلان تحدياً لإسرائيل في سيناريو تصعيدي. ضمن هذا الإطار، توسع إيران مساعدة لبنان لبناء قوة بالوكالة عنها تعمل في خدمتها. مؤخراً، كشف وزير الدفاع الإيراني أن إيران تُعد نشطاء من أجل استخدام مسيّرات متقدمة في قاعدة قاشان التي تشكل قاعدة مركزية لإعداد نشطاء لاستخدام أسلحة جوية.

أصداء الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان مستمرة وتنعكس على الصدقية الأميركية وسط حلفائها الإقليميين. التساؤلات عن استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا، وسعي واشنطن لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، والتصدعات في جدار العقوبات المفروضة على نظام الأسد، وغياب استراتيجيا أميركية واضحة، كل ذلك يؤدي إلى تحركات إقليمية خارج المعسكرات والتحالفات.

في سوريا، الولايات المتحدة سمحت لمصر والأردن بتمرير أنبوب الغاز إلى لبنان عبر سوريا، لكنها ليست مستعدة لتقليص العقوبات ضد نظام الأسد. الحوار الاستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة لا يتقدم، وواشنطن لم تعرض بعد استراتيجيا متبلورة تتعلق بسوريا. في هذه المرحلة لا يُتوقع انسحاب القوات الأميركية من شرق سوريا، والتي تكبح مساعي التمدد الإيراني والخطوات التركية في المنطقة. الانسحاب من أفغانستان، الذي وصفه قائد قيادة الأركان المشتركة الأميركية بـ”الفشل الاستراتيجي”، يشكل حاجزاً أمام انسحاب آخر من سوريا أو من العراق، على الأقل في المرحلة الحالية. الأردن ومصر ودول الخليج تتردد في إعادة الأهلية إلى نظام الأسد، لكنها تستخدم “جزرات” اقتصادية وسياسية من أجل ترسيخ تأثيرها في هذه الدولة. حديث ملك الأردن مع بشار الأسد (في 3 تشرين الأول/أكتوبر)، والذي عبّر فيه الملك عن تأييده لسوريا موحدة مستقرة وذات سيادة، يشكل خطوة مهمة في التقارب بين الدولتين، وفي الاعتراف بشرعية النظام. الولايات المتحدة لا تطبّق العقوبات، وعدم ردها يسمح باستمرار الاتصالات والخطوات بين الدولتين.

إقرأ على موقع 180  نتنياهو عندما يتجرع مرارة كأس بن غفير وسموتريتش

في لبنان، تزداد المساعي الدولية في الأسابيع الأخيرة بقيادة فرنسا والولايات المتحدة من أجل تحقيق استقرار المنظومة السياسية، لكنهما لا تتجاهلان أبداً استمرار بناء حزب الله لقوته ووجوده في الحكومة اللبنانية الجديدة. يواصل حزب الله تحصين قوته السياسية والعسكرية في لبنان من دون إزعاج؛ وحكومة نجيب ميقاتي، صديق بشار الأسد، ليس لديها الرغبة ولا القدرة على التضييق على خطوات الحزب. مشكلة تعاظُم قوة حزب الله تزداد حدة مع استمرار تسلُّحه بصواريخ دقيقة وقدرات متطورة أُخرى.

في حال فشلت الوسائل الدبلوماسية وعمليات منع انتقال السلاح من سوريا إلى لبنان، سيتعين على إسرائيل اتخاذ قرار استراتيجي، هل تبادر إلى شن ضربة استباقية والمخاطرة بالتدهور إلى حرب أو التسليم بحصول حزب الله على قدرة نيران دقيقة موجهة ضد إسرائيل بواسطة طهران؟

التداعيات على إسرائيل

المطلوب من حكومة إسرائيل استغلال فترة الهدوء الأمني لإجراء التقييمات وبناء القوة للمواجهات المستقبلية للتهديدات الآخذة في التشكل.

قبل كل شيء، هناك التحدي النووي الإيراني الذي يفرض تنسيقاً كاملاً مع واشنطن، بالإضافة إلى تطوير رد عسكري موثوق به لتعزيز الردع، وللتأثير في بلورة الاتفاق المستقبلي، بحيث يقدم رداً على مطالب إسرائيل الأمنية. يجب على إسرائيل أن تقود معركة دبلوماسية شرسة في الساحة الدولية تصور الانعكاسات الواسعة النطاق لـ”إيران نووية” على الأمن في المنطقة والعالم، إلى جانب ذلك، التوضيح أن “كل الخيارات مطروحة على الطاولة”.

في الضفة الغربية، المطلوب من إسرائيل الاستمرار في التمسك بسياستها الحالية الرامية إلى تحسين نسيج الحياة المدنية وتعزيز التعاون السياسي والأمني مع السلطة الفلسطينية. هذه الاستراتيجيا يمكنها منع تصعيد واسع في الضفة الغربية، لكنها لا تشكل بديلاً من تسوية سياسية دائمة. إن عدم وجود تسوية تعتمد على فكرة الفصل سيؤدي بصورة لا مفر منها إلى واقع الدولة الواحدة.

قرار الطاقم الوزاري، محاربة العنف في المجتمع العربي ومساعدة الشاباك والجيش الإسرائيلي للشرطة في معالجة مشكلة السلاح غير الشرعي في البلدات العربية، يشكل خطوة مهمة في معالجة الجريمة في القطاع العربي، واعترافاً بأن ما يجري يفرض تعاوناً بين جميع الأجهزة الأمنية. مع ذلك، يجب استكمال الجهد الأمني من خلال تطوير حلول شاملة للضائقات المدنية الصعبة وتشجيع مشاريع تهدف إلى تحسين وضع جيل الشباب العربي، وارتباط المواطن العربي بالمجتمع الإسرائيلي والدولة.

في قطاع غزة، اتصالات التسوية تجري بوساطة مصرية، ويبدو في المرحلة الحالية أن المصلحة المشتركة لكل اللاعبين منع التصعيد. مع ذلك، استراتيجية “حماس” الثابتة مع يحيى السنوار هي الاستمرار في الاحتكاكات من دون التسبب بمعركة، بهدف الحصول على إنجازات مدنية مهمة تفرض على إسرائيل الاستعداد لسيناريو تصعيد جديد.

العالم العربي يعمل ببطء على تأهيل نظام الأسد من دون معارضة واشنطن. عدم وجود استراتيجيا أميركية يؤدي إلى تآكل نظام العقوبات وتغيّر وضع النظام السوري في المجالين الإقليمي والدولي. المطلوب من إسرائيل بلورة استراتيجيا تتعلق بسوريا، والمبادرة إلى حوار مع موسكو وواشنطن بهدف التأثير في بلورة الساحة بطريقة تتماشى مع مصالح الأمن القومي الإسرائيلي، طالما أن نافذة الفرص للتأثير متاحة.

في مواجهة لبنان – تعاظُم قوة حزب الله تحت حماية الحكومة اللبنانية، وبتشجيع إيراني، يشكل تهديداً استراتيجياً من الدرجة الأولى. وفي حال فشلت الوسائل الدبلوماسية وعمليات منع انتقال السلاح من سوريا إلى لبنان، سيتعين على إسرائيل اتخاذ قرار استراتيجي، هل تبادر إلى شن ضربة استباقية والمخاطرة بالتدهور إلى حرب أو التسليم بحصول حزب الله على قدرة نيران دقيقة موجهة ضد إسرائيل بواسطة طهران؟

في الخلاصة، العمليات الإسرائيلية ضمن إطار “المعركة بين الحروب” تركز على ناحية استخدام القوة، لكنها لا تُستخدم ضد بناء القوة المستمر تقريباً من دون إزعاج في كل الساحات، خوفاً من التدهور إلى حرب شاملة. هذا الوضع يفاقم المعضلة التي تواجهها إسرائيل، ويزيد في حدة الحاجة إلى تقدير بناء القوة وتطوير عقيدة عمل ملائمة، بالإضافة إلى بلورة استراتيجيا شاملة تحدد أهداف المعركة والطريقة التي يمكن بواسطتها تحقيق هذه الأهداف بصورة تضمن الأمن لفترة طويلة الأمد.

كما أن الوضع الأمني اليوم يسمح بالتركيز على تهديدات بناء القوة أيضاً مع وجود مصالح مشتركة في المحيط الإقليمي تشجع التعاون الاستراتيجي.

في هذا الإطار، تحدّي الدولة الإسلامية (داعش) وتمدُّد النفوذ الإيراني في المنطقة، والضائقات الاقتصادية في دول المنطقة، وجائحة الكورونا، كلها أمور تعزز الأرصدة الإسرائيلية، وتخلق إمكانات لترسيخ “اتفاقات أبراهام” وتوسيعها، وبلورة هندسة إقليمية لكبح إيران”.

(*) نقلاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية

 

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هيكل لا يُراهن على أوباما.. و"يخدع" بايدن!