يأتي طرح هذه الأسئلة في ضوء إعلان الناطقة باسم وزير خارجية الاتحاد الأوروبي أنه من غير المرتقب عقد أي لقاء مع الإيرانيين غداً (الخميس) في بروكسل للبحث في كيفية إعادة إحياء المفاوضات النووية، وفي المقابل، كان وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان أعلن الاحد الماضي في اجتماع مغلق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني أن اجتماعاً إيرانياً ـ أوروبياً سيعقد في بروكسل الخميس، على أن يتمثل الإيرانيون بالمفاوض المحافظ علي باقري. فجأة، قالت الناطقة الأوروبية “لن يكون هناك لقاء الخميس.. في هذه المرحلة لا يمكننا تأكيد إن كان سيعقد اجتماع أو متى”.
قبل ذلك بساعات قليلة، أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أمله في أن يجتمع دبلوماسيون أوروبيون وإيرانيون قريباً، ولكنه لم يؤكد أو ينفي التقارير عن اجتماع الخميس، قائلاً “لا أحد يعلم، أنا متفائل اليوم أكثر من أمس”.
ومع عودة بوريل من واشنطن، قال المتحدث بلسان الخارجية الأميركية نيد برايس إن بلاده لا تعتقد أن هناك حاجة لمثل إجتماع بروكسل!
وحسب بعض الخبراء الإيرانيين، فإن أوروبا باتت متماهية إلى حد التطابق بين موقفها وموقف الولايات المتحدة الأخير الذي عبّر عنه كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ومسؤول ملف إيران في البيت الأبيض روبرت مالي من أن وقت عودة إيران إلى المحادثات في فيننا “على وشك الانتهاء”، وثمة “خيارات أخرى” على الطاولة!
ويشير هؤلاء الخبراء إلى أنه لم يعد هناك أمام إيران إلا أن تشتري المزيد من الوقت قبيل بدء الجولة السابعة من محادثات فيينا النووية، من أجل تحقيق أقصى توسيع ممكن في برنامجها النووي، واستخدامه ورقة ضغط على أوروبا والولايات المتحدة لرفع العقوبات كليًا.. ولا سيما في ظل رغبة الأميركيين بتوسيع جدول الأعمال ليشمل النفوذ الإقليمي والترسانة الصاروخية، وهو الأمر الذي ترفضه طهران حتى الآن.
ويعتقد هؤلاء الخبراء أن تأجيل إجتماع بروكسل هو نتيجة مباشرة لما يمكن تسميتها “الزيارة الفاشلة” التي قام بها المنسق الأوروبي لمحادثات الإتفاق النووي في فيينا إنريكي مورا إلى طهران، الخميس الماضي.
ولم تكد تنتهي زيارة الموفد الأوروبي حتى إستُدعي وزير الخارجية الإيراني إلى اللجنة البرلمانية للأمن القومي والسياسة الخارجية. وخلف الأبواب المغلقة للبرلمان الإيراني، أطلع عبداللهيان أعضاء اللجنة، ومعظمهم ينتمي إلى فريق المحافظين، على المستجدات المتصلة بالمفاوضات مع أوروبا. وكانت أبرز مخرجات هذا الاجتماع هي الآتية:
أولاً؛ يجب على الأميركيين إظهار حسن النية والصدق وإتخاذ إجراءات جدية قبيل إستئناف مفاوضات فيينا، وهذا يعني أنه على الإدارة الأميركية أن ترفع عملياً جميع العقوبات التي فرضتها إدارة دونالد ترامب قبيل العودة إلى الإتفاق النووي (2015)، وما عدا ذلك سيؤدي إلى عرقلة إستئناف المفاوضات والمزيد من تضييع الوقت.
ثانياً؛ ستنفذ طهران قانون العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات وحماية حقوق الشعب الإيراني الذي أقره البرلمان الحادي عشر، وهذه الرسالة موجهة إلى الأطراف المفاوضة في فيينا. ويمكن الإستنتاج حسب تصريحات عبداللهيان، أن القانون الاستراتيجي للبرلمان الإيراني، الذي يترك للحكومة الإيرانية حرية تقليص التزاماتها في الاتفاق النووي، يسمح عملياً لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية بتطوير برامجها بما يتعارض مع الاتفاق النووي (نسب التخصيب وغيرها)، وهذه رسالة واضحة للمفاوضين في فيينا.
إيران ستعيد برنامجها النووي إلى نفس المستوى في عام 2015 إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ورفعت إدارة جو بايدن العقوبات التي فرضت في عهد دونالد ترامب، لكن هل يكون الممر الإلزامي إلى ذلك ذهاب الطرفين إلى التصعيد والتلويح ببدائل قبل أن يجلسا مُجدداً ويمضيا إما بالإتفاق نفسه أو بالذهاب نحو “إتفاق جديد”؟
في ضوء هاتين النقطتين، يطرح الخبراء أسئلة مثل ماذا إذا قررت الولايات المتحدة عدم العودة إلى الاتفاق النووي وإلى أي مدى ستمضي إيران في برنامجها النووي وتحقق مكاسب حماية لمصالحها وأمنها القومي؟
المسار الممتد من الجولة السادسة في فيينا إلى الجولة السابعة المعلقة يدل، حسب تحليلات الخبراء، على أن طهران لم تعد تملك سوى شراء الوقت قبيل أي جولة تفاوضية جديدة، بدليل إستعانتها بعناوين مختلفة أبرزها حاجتها إلى إعادة النظر في فريقها المفاوض وإستراتيجيتها التفاوضية، لكن السؤال الأبرز هو ماذا إذا قرر الأميركيون وضع حد للعبة شراء الوقت، إلى أين يمكن أن يتجه مسار الأمور؟
تعتبر إيران أن الإدارة الأميركية في عهد دونالد ترامب هي المسؤولة في المقام الأول عن أزمة الاتفاق النووي، وهي تطالب إدارة جو بايدن باتخاذ إجراء عملي قبل بدء الجولة السابعة من المفاوضات. ولهذا أكد نائب وزير الخارجية الإيراني علي باقري في اللقاء مع انريكي مورا أنه “من المهم لإيران أن تحقق نتائج ملموسة”، وأن “إيران مستعدة دائمًا لمفاوضات جادة تسفر عن اتفاق عملي وليس اتفاقاً ورقياً”.
وعندما تتحدث الولايات المتحدة عن “الخطة ب” بلسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، بالتزامن مع زيارة إنريكي مورا إلى طهران، وتوفد روبرت مالي، إلى دول الخليج لمناقشة برنامج إيران النووي، حتماً ستكون لهذا التطور في الموقف الأميركي انعكاسات سلبية على الملف النووي والوضع في الشرق الأوسط وحتى على نتائج الحوار السعودي ـ الإيراني.
واللافت للإنتباه أنه مع كل إثارة للملف التفاوضي، تظهر إلى السطح آراء متضاربة بين الفريقين المحافظ والإصلاحي في إيران. فقد كرست صحيفة “جوان” إحدى أبرز الصحف المحافظة في إيران، افتتاحيتها صباح أمس (الثلثاء) للمحادثات الملغاة في بروكسل، وذلك تحت عنوان “فن التفاوض في فيينا بتوقيت إيران”، وشددت على وجوب امتثال أوروبا والولايات المتحدة لما أسمتها “لقواعد الإيرانية الجديدة في المفاوضات”.
أما الدبلوماسي السابق والخبير جاويد قربان أوغلو فقد إستعاد في مقالة له ست سنوات من المفاوضات غير المثمرة خلال ولايتي الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، مشيراً إلى أنه تم التخلي عنها لكن بعد إلحاق ضرر يصعب إصلاحه، لتنطلق بعد ذلك مفاوضات “عُمان” المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، وبعد ذلك حققت مفاوضات مجموعة 5 + 1 إنجازًا كبيرًا بالتوصل إلى الاتفاق النووي. ولذلك، يقول قربان أوغلو إن تجاهل الولايات المتحدة الذي يجب أن يتم الاتفاق معها، “لن يؤدي إلا إلى إضاعة الوقت والإضرار أكثر بالإقتصاد الإيراني، وإعطاء فرصة للمنافسين الإقليميين”، ويحذر من المفاعيل السلبية لإستراتيجية “شراء الوقت” على الإقتصاد الإيراني.
ويعتقد خبراء إيرانيون معتدلون ينتمون إلى معسكر قربان أوغلو أن نظرية فصل الإقتصاد عن ملف المفاوضات هو بمثابة “مزحة ثقيلة”، والدليل على ذلك أن دول الخليج سترهن تطبيع علاقاتها مع إيران بمآلات الملف النووي.
وفي هذا السياق، يقول فريدون مجلسي، الدبلوماسي الإيراني السابق والخبير في الشؤون الدولية، إن الدول العربية المجاورة لإيران، وعلى رأسها السعودية، “لن تتخذ أي إجراء لإحياء العلاقات مع إيران من دون استعادة الاتفاق النووي وتبديد مخاوفها بشأن الأنشطة النووية الإيرانية”. ويعتقد مجلسي أنه في حال فشل محاولات عقد الجولة السابعة من محادثات فيينا، تصبح المحادثات الإيرانية السعودية مهددة ببلوغ الحائط المسدود.
ويخاطب مسيح مهاجري رئيس تحرير صحيفة “الجمهورية الإسلامية” المعتدلة، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قائلاً: “سيدي الرئيس، إذا كنت تعرف طريقة لرفع العقوبات غير إحياء الاتفاق النووي والانضمام إلى مجموعة العمل، فلا تتردد في اتباع هذا المسار لكن إذا شعرت بالحاجة إلى إحياء الاتفاق النووي والانضمام إلى مجموعة العمل المالي FATF، فلا تتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل تحقيق الراحة والرفاهية للشعب الإيراني، فبلادنا تحتاج إلى رفع العقوبات”.
ليس هناك أدنى شك في أن إيران ستعيد برنامجها النووي إلى نفس المستوى في عام 2015 إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي ورفعت إدارة جو بايدن العقوبات التي فرضت في عهد دونالد ترامب، لكن هل يكون الممر الإلزامي إلى ذلك ذهاب الطرفين إلى التصعيد والتلويح ببدائل قبل أن يجلسا مُجدداً ويمضيا إما بالإتفاق نفسه أو بالذهاب نحو “إتفاق جديد”؟