نقاش في برنامجي ميقاتي و”الشيوعي اللبناني”.. أهما برنامجيان؟ (2)

نكتفي في الجزء الثاني والأخير من مقالتنا هذه، بعرض ما يفترض انه برنامج لقوتين: حكومة يُفترض أنّها تمثل غالبية القوى الحاكمة والممثلة في البرلمان، ويُعبّر عنه بالبيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي؛ الحزب الشيوعي اللبناني الذي يفترض أنه أقوى الأحزاب المعارضة الحقيقية وأكثرها إنتشاراً.

أولاً؛ البيان الوزاري لحكومة نجيب ميقاتي كبرنامج:

يفترض البيان أن يكون للسلطة التنفيذية الوحيدة في لبنان، وهي ممثلة لغالبية القوى الحاكمة في لبنان ويفترض أنْ يكون خطة عمل لها لمدة سبعة اشهر التي تفصلها عن موعد الإنتخابات النيابية والبلدية. فماذا تضمن؟

إنطلق البيان الوزاري لحكومة ميقاتي من مقدمتين: إقرار بوجود “أزمة إقتصادية وإجتماعية ومالية ومعيشية خانقة بلغ الوطن فيها مشارف الإنهيار الكامل”، تمسك بمنطلقات تحكمه بالالتزام بالدستور والمواثيق الدولية، وخص قرار مجلس الأمن 1701، واتفاقية الهدنة والمحكمة الدولية، فضلاً عن حق لبنان بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وحق اللبنانيين بمقاومة الإحتلال الاسرائيلي ورد إعتداءاته.

وأعلن خطته لمواجهة الأزمة وتتمحور حول:

  1. التزام سياسي بإجراء الإنتخابات النيابية والبلدية والإختيارية في موعدها.
  2. مواجهة الإنهيارالإقتصادي بـ:
  • التوجه للخارج (إستئناف التفاوض الفوري مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى إتفاق على خطة دعم من الصندوق، معاودة المفاوضات مع الدائنين للإتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام، تثمين المبادرة الفرنسية والإلتزام ببنودها كافة بكل شفافية وبتوصيات الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار والسير بتحديث وتطوير خطة التعافي المالية).
  • التوجه للداخل (وضع خطة لإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلته حيث يلزم، مع إعطاء الأولوية لضمان حقوق وأموال المودعين، السعي بالتعاون مع مجلس النواب إلى إقرار قانون حول الكابيتال كونترول ومتابعة تنفيذ القانون رقم 214 تاريخ 8/4/2021 – إستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد – العمل على إقفال المعابر غير الشرعية وتعزيز مراقبة الشرعية منها، الحد من التهرب الضريبي وتعديل قانون المحاسبة العمومية والإسراع في إنجاز تشريع جديد للجمارك وإقرار الإستراتيجية الشاملة للإصلاحات الجمركية وبرنامجها التنفيذي، إقرار قانون تحديث المعاملات العقارية، العمل على إنجاز الموازنة العامة للعام 2022 مع التشديد على تضمينها بنودا إصلاحية تتناول المالية العامة).
  • معالجة نتائج الإنهيار (تصحيح الرواتب والأجور في القطاع العام، توجيه سياسة الدعم الحالي وحصر الدعم بمستحقيه من المواطنين اللبنانيين المقيمين والإنطلاق نحو سياسة إجتماعية قادرة على سد الثغرات الإجتماعية).
  1. تلميحات إلى ملفات بنيوية تساعد في تنشيط الإقتصاد وتطوير القطاعات الإنتاجية وجذب الإستثمارات وتعزيز الثقة الداخلية والخارجية بالدولة، بعضها عام وغير محدد (دور المرأة، الإغتراب، السياحة، الصناعة، الثقافة، سماع صوت الشباب) وبعضها الآخر يفترض أن يكون في صلب الخطة (استكمال تعيين اعضاء مجلس القضاء الأعلى، اصدار النصوص التطبيقية للقوانين النافذة لمحاربة الفساد، وزيادة ساعات التغذية بالكهرباء).
  2. إدراج نقاط في المسلمات يفترض أن تكون في صلب الخطة (تعزيز الجيش، إستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، المحكمة الخاصة، تغييب الإمام الصدر، عودة النازحين، تعزيز العلاقات العربية والدولية).

ثانياً؛ برنامج الحزب الشيوعي اللبناني:

طرح الحزب الشيوعي اللبناني في 16 حزيران/يونيو 2021 برنامجا للمرحلة سماها الانتقالية وصاغه تحت عنوان “نحو دولة علمانية ديمقراطية، نحو بناء الاقتصاد المُنتِج، نحو العدالة الاجتماعية”، والحزب حزب معارض، لا بل اعرق الأحزاب المعارضة واكثرها انتشارا وفعالية، الأمر الذي يتيح أخذ برنامجه كنموذج للأحزاب اللبنانية المعارضة.

وتفترض طبيعة الحزب ونظامه الداخلي أنّ هذا البرنامج لثلاث سنوات هي الفترة ما بين مؤتمرين، وأنّ ما يعلنه هو ما سيسعى لتحقيقه ضمن ما يراه الأكثر أهمية للناس وللبلد خلال هذه الفترة، وذلك من ضمن مشروعه وبالتحالف مع قوى تتقاطع مشاريعها مع مشروعه.

تضمن البرنامج تقديما وثمانية محاور: في التغيير السياسي وبناء الدولة؛ في السياسات الآنية الإقتصادية والإجتماعية؛ دور الدولة في الإقتصاد؛ خطة للإستثمار في الإقتصاد؛ خطة للإستثمار في البنى التحتية والمرافق العامة؛ سياسة صناعية جديدة؛ في النظام  الضريبي؛ المصرف المركزي؛ في المسائل الإجرائية.

وإنطلق البرنامج من تحديد طبيعة المرحلة الراهنة وسماتها (تصاعد الطروحات الكيانية والدستورية، ركود اقتصادي طويل الأمد، عجز المنظومة الحاكمة عن إيجاد حلول ناجعة للأزمة وعجزها عن تأمين الانتظام العام وإعادة إنتاج أدوات الحكم التنفيذية ومعالجة الشلل الذي يطاول السلطات الأخرى، وإرتفاع منسوب التدخلات الخارجية وبخاصة الأميركية).

أما الأزمة فهي “أزمة متعددة الأبعاد على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافّة”؛ إنْ بفشل السلطات التنفيذية والتشريعية وشللها.. انهيار البنى التحتية ووظائف الدولة الأساسية وازدياد مخاطر التشظي الوطني ومخاطر التدخلات الخارجية، السياسية منها والعدوانية، أو بمخاطر تفشّي وتفاقم الأزمة النقدية والمالية كجزء من أزمة اقتصادية أشدّ عمقاً وشمولاً، وأبرز عواملها: طغيان الأنشطة الريعية والقطاعات المتدنية الإنتاجية غير القادرة على خلق الوظائف، والتفاوت الكبير في توزّع الدخل والثروة وتراجع العوائد الناتجة عن العمل بالتزامن مع ارتفاع متواصل في كلفة المعيشة، وما يرافقها من بطالة وهجرة وتهميش وضعف القدرة الشرائية للعمال والأجراء والموظفين ولمروحة واسعة من الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة.

ويمكن إدراج بنود البرنامج الثمانية في:

  1. القول السياسي، وأدرجه في:
  • التغيير السياسي وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية (إقرار قانون للانتخابات النيابية يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر موسّعة، واستحداث مجلس للشيوخ ـــ وإجراء الانتخابات النيابية وفقاً للقانون الجديد، إقرار جملة قوانين مكملة: قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، قانون وطني جديد للأحزاب السياسية، قانون عصري للإقامة، قانون عصري نسبي للحكم البلدي مع قانون اللامركزية الإدارية. تطوير معايير الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية والقضائية، والالتزام بإعادة بناء القضاء كسلطة مستقلة محصّنة بمهنيّتها واستقلاليتها).
  • بناء الدولة المقاومة وتحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من التبعية للخارج وتعزيز قدرات الجيش وبلورة معالجات لقضية اللاجئين السوريين ومنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية الأساسية واعتماد سياسة خارجية جديدة تؤكّد على احترام خيارات الشعوب في سعيها المشروع لتحقيق أهدافها في التحرّر الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم القضية الفلسطينية وخيارات الشعب الفلسطيني وحقه بالمقاومة ووقف الاستيطان والتمسك بالأرض وحق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس ودعم الحلّ السياسي للأزمة السورية ضمن الدولة السورية الديمقراطية الموحّدة وإستعادة لبنان دوره الريادي في المجال الدبلوماسي والسياسي الخارجي
  1. وقف تبعات الانهيار النقدي الذي يلفّ البلاد حالياً عبر:

ـــ إجراء حساب شامل لجميع أصول ومتوجبات الدولة والقطاع المصرفي (الخاص والعام)، مع التشديد على أهمية المضيّ في التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان (وحسابات المؤسسات العامة الأخرى لاحقاً)

ـــ إجبار المصارف التجارية الحاملة لجزء كبير من الدين العام بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي على إلغاء جزء كبير منه في إطار السعي إلى إعادة هيكلة الدين العام،.

ـــ إصدار المراسيم التنظيمية لقانون استعادة الأموال العامة المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج – ومحاكمة المرتكبين – والعمل على استرداد الثلث المتراكم (المقدّر بنحو 27 مليار دولار أميركي) عبر اقتطاع من كبار المودعين، ومن كبار مساهمي المصارف، واقتطاع من الزعماء الذين تعاقبوا على السلطة منذ 1992، ومن كبار موظفي الإدارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة وكبار المتعهدين لدى مجلس الإنماء والإعمار والتكتلات الاحتكارية الكبرى في قطاعات المحروقات والدواء والإسمنت وغيرها،

ـــ الشروع في تغيير منظومة السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ عام 1992.

ـــ استحداث خطة إنقاذية اقتصادية واجتماعية في مواجهة أزمة الكورونا.

  1. القول اللاحق في الاصلاح عبر تفعيل دور الدولة في الإقتصاد ووضع خطة للاستثمار في البنى التحتية والمرافق العامة ووضع سياسة صناعية جديدة وتعديل النظام الضريبي بإتجاه الجباية الاحسن وفرض ضرائب تصاعدية والزام المصرف المركزي بالشفافية وإخضاعه للمحاسبة وإعطائه وظيفة تنموية.

آلية العمل لتحقيق مشروع الحزب الشيوعي في المرحلة الانتقالية:

  • دعوة القوى الحاملة لانتفاضة 17 اكتوبر الى أن تتحوّل إلى رافعة للتغيير الجذري والشامل في بنية النظام القائم، فأهدافها لا يمكن تحقيقها عبر برامج مجتزأة أو فئوية بل يتطلّب برنامجاً متكاملاً وجذرياً يُنهي مرحلة ويبني على أنقاضها مرحلة جديدة.
  • هذا المشروع يتطلّب من الحزب وقوى التغيير الديموقراطي وضع هذا البرنامج في خدمة إطلاق المبادرات من أجل تعبئة الطاقات والجهود المشتركة لإطلاق المشروع السياسي البديل وبناء التحالف الاجتماعي وتأسيس وتعميم اللجان الشعبية في المدن والمناطق، وصولاً إلى بناء الائتلاف الوطني الواسع لقوى التغيير، يقدّم نفسه بديلاً عن المنظومة الحاكمة، ويتولّى مسؤولية قيادة الصراع معها، لخلق موازين قوى جديدة تفرض تشكيل حكومة إنقاذ وطني انتقالية، بصلاحيات تشريعية استثنائية، من خارج المنظومة الحاكمة لإدارة المرحلة الانتقالية.

ماذا عن مدى برمجية البرنامجين الميقاتي والشيوعي؟

سنحاول مناقشة البرنامجين الميقاتي والشيوعي على ضوء ما افترضناه في البرنامج: مهام المرحلة وقوى الإنجاز وآلياته.

  1. على مستوى مهام المرحلة:

لامس البرنامجان المهمتين المطروحتين: مواجهة الإنهيار الإقتصادي وتفكك الدولة، بذكرهما ووضع مهام لمواجهتهما.

 ففي مواجهة الإنهيار الإقتصادي، ركز البيان الوزاري في خطته  على الإستعانة بالخارج (التفاوض مع صندوق النقد الدولي، المفاوضات مع الدائنين، الإلتزام ببنود المبادرة الفرنسية)، أولاً، وعلى مهام سيقوم بها (خطة لإصلاح القطاع المصرفي، تنفيذ قانون إستعادة الأموال المتأتية عن جرائم الفساد، إقرار قانون الكابيتال كونترول، إقفال المعابر غير الشرعية، الحد من التهرب الضريبي، إنجاز الموازنة العامة)، ثانياً، وعلى معالجة نتائج الإنهيار (تصحيح الراتب والأجور، الدعم للمستحقين)، ثالثاً.

إقرأ على موقع 180  ماذا عن "مصر أولاً"، المشروع العروبي، لبنان وحرائق المنطقة؟

بالمقابل، لم يماشِ برنامج الحزب الشيوعي برنامج الحكومة الميقاتية بالإستعانة بالخارج، ولكنه توافق معها على إصدار المراسيم التنظيمية لقانون استعادة الأموال العامة المنهوبة والمهرّبة إلى الخارج مضيفاً: محاكمة المرتكبين وإجراء حساب شامل لجميع أصول ومتوجبات الدولة والقطاع المصرفي وفرض الغاء المصارف التجارية جزءاً من دينها العام للدولة.

وفي مواجهة تفكك الدولة، كان لكل من البيان والبرنامج مقاربة مختلفة، فالبيان الوزاري، اكتفى من المهام بالإلتزام بإجراء الإنتخابات في موعدها، والعمل على إنجاز الموازنة العامة للعام 2022، وتعزيز الجيش وإستئناف المفاوضات لترسيم الحدود البحرية، وتعزيز العلاقات العربية والدولية، فضلا عن إعلان الإلتزام بالدستور والمواثيق الدولية.

أما البرنامج الشيوعي، فقد كان اكثر وضوحاً وجرأة بالقول، أولاً، بتغيير إعادة إنتاج السلطة بقانون إنتخابي جديد وقوانين مكملة للأحوال الشخصية وللأحزاب السياسية وللإقامة وللحكم البلدي وللسلطة القضائية المستقلة والقول، ثانياً ببناء الدولة المقاومة وتحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من التبعية للخارج.

وفي تقييم البرنامجين، يبدو برنامج الحكومة، على مستوى مواجهة الإنهيار الإقتصادي، اكثر واقعية من برنامج الحزب، وإنْ كانت البنود الأكثر الحاحاً (الكهرباء، التعليم والنقل) مُرّرت، باستحياء، في حين لم يجاف برنامج الحزب الواقعية، لكنه بدا أكثر تطلباً في تشديد المواجهة.

ولم يكن البرنامجان على مستوى مواجهة تفكك الدولة، فقد إكتفى برنامج الحكومة بإجراء الإنتخابات في موعدها، على مستوى إنتاج السلطة، ولم يلحظ، على الأقل، ما لمح اليه من سماع اصوات الشباب، وأول السماع يتمثل في تعديل قانون الإنتخاب لإشراكهم فيه، ولم يكن القول بالمسلمات سوى رداً على القول بتعديل ما ادخله اتفاق الطائف في الدستوروالتشكيك به، دون أن يرقى البيان الى مستوى مواجهة التفكك بالقول، على الأقل، بالالتزام بالقانون في المجالات، كافة، فضلاً عن وحدانية القرار السياسي فيه. فالإلتزام بتطبيق القانون، ولو نصاً، يعلن مواجهته لحالات التسيب التي تعبرها القوى الطائفية المتحكمة وتبني بواسطتها لامركزية طائفية تفكك وحدة السلطة، وبالتالي وجود الدولة، والإلتزام بتطبيق القانون، ايضاً، يعلن مواجهة الخروج عن السيادة ووحدة السلطة بذرائع المقاومة والدفاع عن الذات والقضية القومية والاسلامية.

 أما برنامج الحزب الشيوعي، فقد كان اكثر وضوحاً على مستوى إنتاج السلطة، أي تغييرها، باقتراحه تعديل قانون الإنتخابات وقوانين أخرى متممة، إلا أنه كان أكثر إرتباكا في مواجهة تفكك الدولة، إذ طرح رأيين أو بالأحرى مخرجين: الدولة المدنية والدولة المقاومة، فكلاهما دولة بما تعنيه من قانون واحد يحكم ويُحكم به وسلطة واحدة تحكم ولا تُحكم بغيرها، وكلاهما ليسا في امر اليوم السياسي، وقد يكون الأسلم إختيار قضية/ قضايا محددة يمكن أن يخاض النضال من أجلها، فضلاً عن أنّ شروط كل منهما التي لم يحددها البرنامج متباينة.

فعلى مستوى الدولة المدنية، ورد في البرنامج نقطتين تصحان أن تكونا على طريقه: قانون انتخاب خارج القيد الطائفي ومجلس شيوخ، وقانون مدني إختياري للأحوال الشخصية، الا أنّ العقل البرنامجي الذي يرى المعطيات السائدة يدفع لرفع شعار تطبيق القوانين، وعلى رأسها الدستور، فهي أرقى من المعطيات السائدة في التوظيف الطائفي وفي الوساطة و..

وعلى مستوى الدولة المقاومة، قد يكون تركيز البرنامج على تحرير القرار السياسي من التبعية للخارج وتسمية الولايات المتحدة بالتحديد، نقطة برنامجية، لكن ماذا عن تدخل فرنسا الذي أهان رئيسها كل أركان الدولة؟ وماذا عن تركيا التي تتحرك بحرية، وماذا عن إيران الذي يردد قادتها بيروت عاصمة تابعة لهم ويعلن حزب لبناني ولاءه المطلق لها ويمارس ذلك. وقد يكون مطلب إقرار سياسة دفاعية واحدة للبنان مطلباً برنامجياً يصب في مجرى الدولة المقاومة ويلجم التدخل الخارجي على أنواعه.

  1. على مستوى القوى الحاملة للبرنامجين:

يفترض أن تكون غالبية القوى النافذة في البرلمان حاملة لبرنامج حكومة ميقاتي، ويفترض، أيضاً، انّ حكومة ميقاتي، كأي حكومة أخرى، هي السلطة التنفيذية الوحيدة في الدولة، ويعني هذان الإفتراضان أنّ خطة البيان الوزراي، على نواقصها، ممكنة التحقق ويمكن أن تساهم في وقف التدهور الإقتصادي.

لكن تجربة حكومة حسان دياب وبرنامجها للتعافي الإقتصادي والمالي، وقد كان لها أغلبية برلمانية موصوفة، لا تشجع على نجاح برنامج حكومة ميقاتي، وبخاصة أنّها تقترب من شهرها الثاني بعد نيلها ثقة مجلس النواب وهي مهددة بالتعطيل وتصريف الأعمال.

أما القوى الحاملة لبرنامج الحزب الشيوعي، فتعلن الحاجة إلى: بناء التحالف الاجتماعي وتأسيس وتعميم اللجان الشعبية في المدن والمناطق، وصولاً إلى بناء الائتلاف الوطني الواسع لقوى التغيير، وقد سبق وقال ذلك لقوى “إنتفاضة 17  اكتوبر”، ويعني هذا الحاجة للنزول الى الأحياء والقرى والمعامل والمدارس لبناء اللجان الموافقة على البرنامج، وإقامة تحالف بين قوى التغيير لخلق موازين قوى جديدة.

وإذا كان تشكيل اللجان يصلح لان يكون مطلباً ودونه صعوبات راهنة، فإنّ إقامة التحالف بمن هو موجود هو الأكثر إلحاحاً لتحويل النص – البرنامج الى قوة فاعلة، وقد سبق للحزب الشيوعي بناء تحالف كما أبعه بتحالفات مع قوى أخرى لم تصل الى تحالف شامل، وقد يكون ذلك بفعل عدة عوامل:

  • العامل البرنامجي، إذ يغلب على المجموعات والقوى المدعية الإنخراط بالمواجهة خطاباً متطلباً للأقصى في ما تحلم به، دون وضع خطة ملموسة وممكنة تندرج ضمن برنامج، وتبّدى عند القوى الافعل بينها تباين في نقطتين:
  • الموقف من سلاح حزب الله؛ إذ يعطيه البعض الأولوية في أي برنامج ويغض البعض الآخر النظر عنه لإعتبارات إرتباطه بمواجهة العدو الصهيوني وتمثيل الحزب لكتلة لبنانية وازنة.

وإذا كان البعض الأول متهم بمسايرة أجندة خارجية والتعبير عن هوى طائفي، فإنّ ذلك لا يلغي تأثير السلاح وحامليه على منطق الدولة السيدة ووحدة  سلطتها.

واذا كان البعض الثاني متهم بنزوعه الإيديولوجي نحو الدولة المقاومة، فإنّ ذلك لا يلغي تاريخ هذا السلاح المقاوم وحضور حامليه الشعبي.

وقد تكون التسوية البرنامجية هي طرح الإستراتيجية الدفاعية وإدراج السلاح وحامليه في مؤسسات الدولة وتحت قيادتها، ولو إستدعى ذلك إعطاء حامليه وزناً فيها.

  • الموقف من قانون الإنتخابات النيابية، إذ يصر البعض على التمسك بالقانون الحالي، ويطالب البعض الآخر بالنسبية خارج القيد الطائفي.

وإذا ثبت، بالملموس، عيوب القانون الحالي، فإنّ النسبية خارج القيد الطائفي مطلب مشتهى، لكنه متعذر في المرحلة الراهنة للشبق الطائفي الذي يسود، وقد يكون التوافق على مطالب راهنة بمثابة خطوة الى الأمام مثل تخفيض سن الإقتراع الى 18، الإنتخاب في محل الإقامة، أو على الأقل الإقتراع فيه وإستبدال الصوت التفضيلي بصوتين تفضيليين.

  • تتفاوت القوى المعترضة في قوتها وإتساع حضورها بين الناس، لكنها تلتقي بغالبيتها الساحقة عند إدعاء كل منها بأنّ خطابها هو الأصح، وقد يكون في ذلك بعض الصحة، لكن المعيار في العمل السياسي لا يقتصر على الصحة فقط، بل على الواقعية والفعالية، فكل الحاكمين فاسدون قول صحيح، لكن لا يكفي القول بذلك الى تحوله الى واقع، بل يحتاج الى برنامج متدرج وقوى حاملة، وكذا السلطة الواحدة السيدة وإلغاء الطائفية. ولا يستقيم برنامج على المطلقات، كما لا يستقيم على النرجسية، وإنما يتطلب واقعية في التطلب والأوزان بالحضور والقبول بالمشترك بين مشاريع هذه القوى.
  • إرتباطات القوى المعترضة: يؤخذ على القوى المعترضة، وبخاصة الناشئة في مناخ حراك 17 تشرين إرتباطاتها، فالبعض متهم بالإرتباط بقوى خارجية والبعض الآخر متهم بالإرتباط بالقوى المهيمنة والبعض الثالث متهم بالإرتباط بأجهزة الدولة، وهذه الإرتباطات ليست طارئة في العمل السياسي، وبخاصة في لبنان حيث بنية النظام الزبائني الخدماتي تتيح ذلك، وهي تحمل وجهين:
  • وجه سلبي بالإرتباط بحد ذاته، محاولات حرف  المعارضة باتجاهات تخدم مرابط خيل الرابطين المتناقضة.
  • وجه إيجابي، يتمثل بإدراك القوى الرابطة أهمية الإعتراض وقوته ومشروعيته التي تدفعهم لولوج حقله من جهة وتعبير من يدفع للإنخراط عن حالة تملل يمكن أن تتأثر بالإعتراض بقدر ما يراد لها أن تؤثر من جهة ثانية.
  • الحامل المجتمعي لهذه القوى، لا يملك النص معلومات دقيقة عن الطبيعة المجتمعية للقوى المعترضة، وبخاصة حديثة الولادة، الإ أنّه يمكن القول بـ:
  • غياب النقابات القائمة، باستثناء نقابتين للمهن الحرة (المهندسون والمحامون).
  • وجود محاولات إعتراضية ضمن النقابات لم تصل الى حد تشكيل كتلة وازنة ضمنها.
  • غلبة طابع الطلاب والمثقفين على تركيبة هذه القوى.
  1. على مستوى آليات التحقيق:

إنّ آليات تحقيق خطة الحكومة معروفة وكذا أدواتها، الإ أن مرور أقل من شهرين على نيلها الثقة لا يوحي بالإنجاز.

أما آليات تحقيق برنامج الحزب الشيوعي، فإنها تبدأ من عند إقراره في مؤتمره الثاني عشر الذي لم يحدد موعده حتى الآن، ولا يطفو على سطح الاعلام محاولات لبناء تحالفات لحمل البرنامج، ولو معدلاً.

 (*) الجزء الأول: معنى البرنامج السياسي ومهام المرحلة.. لبنانياً (1)

Print Friendly, PDF & Email
فارس اشتي

أستاذ جامعي متقاعد، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  نتنياهو وإيران.. هل اقتربت الحرب الشاملة؟