“بريطانيا العظمى”.. حروب متهورة وتسليح أسوأ الديكتاتوريات!

كتب الصحافي البريطاني أوليفر إيغلتون نصاً تحليلياً في موقع "اليسار الجديد" (نيوليفت ريفيو) سأل فيه "ماذا عن السياسة الخارجية لحزب المحافظين بعد عامين من استلام بوريس جونسون منصب رئاسة الوزراء، كيف يتوافق وعده بتحقيق مفهوم "بريطانيا العالمية" مع الواقع"؟

“للإجابة عن هذه الأسئلة، علينا أولاً تلخيص معطيات الجغرافيا السياسية للمملكة المتحدة في العقود الماضية. فلطالما اقتصر دور بريطانيا دولياً بالخضوع لواشنطن، حيث كانت تتصرف مثل الكلب الهجومي الرئيسي عندما يقتضى تغيير نظام الحكم في دولة ما. ولطالما كان هذا مشروع الحزبين (الحاكم والمعارض)، لكن “التبعية المفرطة” لحزب العمال الجديد تجاه أمريكا باتت متطرفة، على عكس ردود الفعل السيادية التي أظهرها حزب المحافظين في بعض الأحيان. وبعد فشل سياسات توني بلير العسكرية العدوانية في سنوات حكمه، اعتمد ديفيد كاميرون استراتيجية خارجية مثّلت محاولة شبه متماسكة لبناء “إمبراطورية أذكى”. فتعهدت حكومته بتبسيط وتحديث القوات المسلحة، مع التركيز بشكل أكبر على القوة الناعمة والسياسة التجارية والحملات الدعائية – متبعًا بذلك مسارًا أكثر حذرًا من ذلك الذي اعتمده توني بلير في تنفيذ الإملاءات الأمريكية. وأدى خفض الإنفاق إلى إلغاء الآلاف من الوظائف الدفاعية كما تم استنفاد عدد القوات وقلّت عمليات شراء (وبيع) الأسلحة، على الرغم من استمرار العمل على صنع حاملة طائرات بحجم الجيب، اعتبرها توني بلير وغوردن براون رمزًا للقوة العظمى!.

وعلى الرغم مع الانتقادات الشوفينية المناهضة التي وجّهتها حزب العمال، فإن خفض التكاليف لم يستتبع أي تراجع في “الامتداد العالمي” لبريطانيا. وفي عام 2011، مع استلام باراك أوباما “القيادة من خلف الكواليس”، انضم كاميرون إلى نيكولا ساركوزي في الضغط من أجل تغيير نظام الحكم في ليبيا، حيث شن حلف شمال الأطلسي، وعلى مدى ستة أشهر، ضربات جوية أسفرت عن مقتل حوالي 6000 شخص، وحفّزت عقدًا من العنف بين الفصائل. كما ساهم في اشتداد الحرب الأهلية في سوريا، وعمل مع فرنسوا هولاند على رفع الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على تسليح القوات المناهضة للحكومة، وأنشأ صندوق الصراع والاستقرار والأمن لتمويل معارضي نظام بشار الأسد بما لا يقل عن 350 مليون جنيه إسترليني، متخليًا عن فرص عدة للتفاوض بغية الوصول إلى تسوية كان من الممكن أن تضع حدًا للصراع المتواصل في البلاد.

مفهوم “بريطانيا العالمية” لحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو بمثابة خدمة يقدمها إلى واشنطن

وبين عامي 2010 و2016، عمل كاميرون على نشر قوات عسكرية في الصومال لدعم الهجمات الفتاكة التي شنتها الطائرات الأمريكية بدون طيار، كما مكّن السعودية من قصف اليمن، وضاعف التزامه باحتلال أفغانستان، وشن هجومًا دمويًا ضد مجموعة متفرقة من المعارضين الماليين تحت مسمى “مكافحة الإرهاب”، وأثنى على الضربات التي شنّتها إسرائيل ضد المدنيين في غزة. وكانت تدخلات المملكة المتحدة معظمها عبارة عن عمليات مشتركة مع فرنسا، التي حظيت حملتها الهادفة إلى تحقيق سياسة أمنية أوروبية أكثر تكاملاً على دعم كبير من قبل داونينغ ستريت.

وكما كان متوقعًا، أثار قرار كاميرون المستقل، بخفض ميزانية الدفاع، غضب البيت الأبيض الذي لطالما ذكّر شريكه بمتطلبات إنفاق حلف الناتو. لذا ولحفظ ماء الوجه، اتخذ رئيس الوزراء قرارًا مغايرًا بعد فترة وجيزة من انتخابات 2015، ووافق على تخصيص نسبة 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع – على الرغم من أنه أوعز لمستشاريه بإيجاد طريقة لتحقيق هذا الهدف وتجنب صرف المزيد من الأموال (على سبيل المثال، من خلال توسيع نطاق تعريف الإنفاق الأمني). لكن ما أثار سخط الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، كان رفض كاميرون الانصياع في ما يتعلق بالعلاقات مع جمهورية الصين الشعبية. فبينما كانت الولايات المتحدة تستعد لمنافسة بين القوى العظمى، دعمت المملكة المتحدة إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية وساهمت في وصول الصين إلى الأسواق البريطانية بشكل أوسع، حيث أعلن جورج أوزبورن أنه “لا يوجد اقتصاد في الغرب مفتوح أمام الاستثمار الصيني مثل المملكة المتحدة”. وعندما تعلق الأمر بالهجوم على روسيا، بدت الوحدة عبر الأطلسي وكأنها ستُعاد ظاهريًا فحسب: فقد دعمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة فرض عقوبات تأديبية على فلاديمير بوتين ردًا على ضمه شبه جزيرة القرم (2014). لكن على الرغم من ذلك، لم تتمكن إدارة أوباما من وضع ثقتها الكاملة في حليفها، نظرًا إلى قائمة المتبرعين للكرملين من الذين ينتمون إلى حزب المحافظين.

وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (مطلع 2020)، انهارت شراكاتها مع فرنسا، حيث سعى كل من اليميني الفرنسي ميشال بارنييه  (كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي في ملف بريكسيت سابقا، اليميني الفرنسي) وإيمانويل ماكرون إلى إلحاق أقصى ضرر ممكن ببريطانيا لردع أي تجارب مستقبلية تتعلق بالسيادة الشعبية. وقد ساهم ذلك، إلى جانب ضرورة التماس صفقة تجارية وافق عليها دونالد ترامب، في إعادة إحياء العلاقة الخاصة بين هاتين الدولتين.

وعندما حلت تيريزا ماي محل كاميرون في داونينغ ستريت، مع جونسون وزير خارجيتها المتعثر، ضاعفت المملكة المتحدة حجم قوتها الخاصة في أفغانستان وسهّلت ضربات الطائرات الأمريكية من دون طيار على باكستان. لكن الخلاف بين الطرفين حول الشأن الصيني ظلّ على حاله. فقد شكلت رسوم ترامب الجمركية تباينًا حادًا مع حملة تيريزا ماي الأولية لتعزيز العلاقات التجارية واحتضان مبادرة الحزام والطريق. وبينما كانت واشنطن تحوّل اهتماماتها من الشرق الأوسط نحو آسيا، وضعت لندن تركيزها على دول الخليج، التي تساهم في تمويل عجز المملكة المتحدة عبر شراء الأسلحة، لاعبة دورًا حاسمًا في انتعاش اقتصاد بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، مما يسمح لها “بنشر جناحيها في جميع أنحاء العالم”، كما صرّح وزير الدفاع مايكل فالون في معرض المعدات الدفاعية الدولي الذي أقيم عام 2017.

تتمثل مهمة بريطانيا في تعزيز “الديموقراطية الليبرالية والأسواق الحرة”، لتكون “أكثر نشاطًا في تشكيل النظام الدولي المفتوح للمستقبل”، وبالاستعانة بالقوة عند الضرورة

وبعد عامين، أصبح جونسون رئيس وزراء بريطانيا، واعتبر أن مفهوم “بريطانيا العالمية” لحملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو بمثابة خدمة يقدمها إلى واشنطن. وقام جونسون ومستشاره دومينيك كامينغز بتعيين جون بيو، وهو من أتباع حزب العمال، ومن الأطلسيين المتشددين، بصياغة ما يعرف بـ“المراجعة المتكاملة” لدور المملكة المتحدة الدولي. ويجدر الذكر أن بيو، هو مؤلف أحد التقارير الشهيرة حول سجل أتلي في الحرب الباردة وحول القنبلة البريطانية، بالإضافة إلى كونه حائزًا على كرسي هنري كيسنجر في السياسة الخارجية بمكتبة الكونغرس الأمريكي. ولطالما أشاد بالعلاقة الخاصة بين البلدين وكان مناهضًا لفكرة أن “عدم التدخل في الدول الأخرى من شأنه أن يتركنا آمنين”. ووفقًا لـ“مراجعة جون بيو”، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تزيد المنافسة بين القوى العظمى في “البيئة الأكثر ترابطاً والمتعددة الأقطاب والمتنازع عليها” من أهمية “القوى الوسطى” التي تقف بين الكتلتين الأمريكية والصينية. وفي هذا السياق، تتمثل مهمة بريطانيا في تعزيز “الديموقراطية الليبرالية والأسواق الحرة”، لتكون “أكثر نشاطًا في تشكيل النظام الدولي المفتوح للمستقبل”، وبالاستعانة بالقوة عند الضرورة. ويجب أن “تنشئ قوات مسلحة مستعدة للقتال والمشاركة بشكل أكبر في جميع أنحاء العالم”، بهدف تحقيق وجود عسكري صلب على الساحة الدولية.

ومن هنا بدأت الاستفزازات تظهر في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان، حيث أرسل بوريس جونسون مجموعة حاملة طائرات هجومية وسفينة حربية تحمل اسم “إتش إم إس ريتشموند” في آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر من العام الجاري، مثيرًا غضب وزارة الدفاع الصينية. أيضًا اندلعت المواجهة بين المدمرة البريطانية “إتش إم إس ديفندر” والجيش الروسي في البحر الأسود في حزيران/ يونيو الماضي. هذه الأفعال وإن كانت رمزية بحتة، إنما لا يجعلها ذلك أقل خطورةً، وبحسب أناتول ليفن (كاتب وصحافي بريطاني، حائز على جائزة أورويل، يعمل حاليًا كأستاذ في جامعة جورج تاون، وأستاذ زائر في كينجز كوليدج) “فإنها تمرين مسرحي لا هدف له ولا منطق استراتيجيًا بريطانيًا جادًا”. ولا تمتلك المملكة المتحدة ما يكفي من الطائرات أو السفن المرافقة لجعل حاملة الطائرات “إتش إم إس كوين إليزابيث” تعمل بكامل طاقتها، لذلك، ما تزال تعتمد بشكل كامل على الولايات المتحدة للحصول على الدعم. وتمثل عمليات الانتشار هذه حيلة تعتمدها لندن لإثبات ولائها المطلق للاتفاق الأنجلو-أمريكي. ومع ذلك، كما يؤكد أناتول ليفن، فإن حماقة الانخراط في حرب مع الصين من شأنها أن تلقي بظلالها بسهولة على فشل بريطانيا في تعاونها على ​​غزو العراق. وعلى أقل تقدير، ستؤدي هذه المهام البحرية إلى تدهور العلاقات الأنجلو-صينية، في حين أن قضية أولئك الذين يحاربون من أجل تحقيق المساواة والحرية والديموقراطية في الصين، تتراجع بسبب تزايد الشوفينية المتبادلة.

حماقة الانخراط في حرب مع الصين من شأنها أن تلقي بظلالها بسهولة على فشل بريطانيا في تعاونها على ​​غزو العراق. وعلى أقل تقدير، ستؤدي هذه المهام البحرية إلى تدهور العلاقات الأنجلو-صينية

وإذا كان جونسون عرضة للتهمة، وهذا ما يوضحه أحد النصراء الأطلسيين في “فايننشال تايمز”، فإن هذه المحاولات أصبحت بديلًا عن السياسة الخارجية المتماسكة، تمامًا كما أصبحت الحرب الثقافية بديلاً عن “التسوية”، فهو بذلك يخطط لاستثمار أموال دافعي الضرائب في المكان المناسب. وعلى عكس النهج التي اتبعه كاميرون، وافق جونسون على زيادة قدرها 16.5 مليار جنيه استرليني في الإنفاق الدفاعي على مدى أربع سنوات. وأفاد سلاح الجو الملكي البريطاني أن هذا التمويل سيُستخدم للقيام بعمليات نشر منتظمة في ما يعرف بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، كي تصبح بريطانيا من أبرز الجهات الفاعلة في المنطقة.

إقرأ على موقع 180  الحريات.. ثروة لبنان التاريخية المفقودة!

وطوّرت المملكة المتحدة أيضًا قدراتها في مجال الأمن السيبراني، وأصدرت مجموعة من التشريعات لتسهيل عملياتها السرية. ويسمح قانون مصادر الاستخبارات البشرية السرية الذي أصدره جونسون للعملاء السريين البريطانيين بالقتل والاغتصاب والتعذيب غير آبه بالعقوبة القانونية. كما يمنح مشروع قانون العمليات في الخارج الجنود البريطانيين تصريحًا مجانيًا لارتكاب جرائم حرب، وفي التعديلات التي أضفاها على قانون الأسرار الرسمية، صنّف الصحافيين الناقدين والمعترضين على المخالفات بأنهم “جواسيس للأعداء”، وكل هذا يشير إلى الطموحات الإمبريالية الجديدة التي، كما كان الحال في عهد بلير، كانت أكثر من مجرد إيماءات.

وبحسب وولفغانغ مونشاو (المعلق والكاتب الإقتصادي في “فايننشال تايمز”)، فإن مناورات بريطانيا ضد الصين تشير إلى انقسام أكبر في “الغرب”. فمن غير المرجح أن تتدخل فرنسا وألمانيا في أي حرب باردة جديدة، نظرًا لحاجتهما إلى حماية فوائض الصادرات الكبيرة ودعم توقيع الاتفاقية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين. لكن في المقابل، عملت المملكة المتحدة على جعل نفسها “الدولة الأوروبية الوحيدة التي يمكن للولايات المتحدة الوثوق بها في السعي وراء مصالحها الاستراتيجية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”. ونظرًا لأن الناتو بات مجزأ للغاية داخليًا، بحيث لا يستطيع مواجهة المنافس الرئيسي لأمريكا، فمن المرجح أن تلعب هذه المنظمة “دورًا هامشيًا في المستقبل”، حيث ستنقطع المملكة المتحدة تدريجياً عن السياسة الأمنية الأوروبية وتصطف خلف البيت الأبيض.

وتشير اتفاقية إنشاء حلف أوكوس الثلاثي (أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة)، الهادفة لتأجيج سباق التسلح مع الصين وتهميش فرنسا بشكل عرضي، إلى هذه النية. وكذلك الأمر بالنسبة لطموح بريطانيا بتوسيع مجموعة الدول الصناعية السبع إلى تحلف جديد يدعى “الديمقراطية 10”: تحالف من القوى المعادية للصين سيشمل الهند وأستراليا وكوريا الجنوبية. فاتفق جونسون ونظيره الهندي ناريندرا مودي على العمل من أجل شراكة استراتيجية شاملة بين الهند والمملكة المتحدة هدفها إبرام الصفقات الاقتصادية ومكافحة “التهديدات الأمنية المشتركة”، مع تحديد موعد نهائي مؤقت حتى عام 2030. وفي غضون ذلك، دعمت بريطانيا القوات الهندية في اشتباكات متفرقة على الحدود مع الصينيين. وفي العام المقبل، تأمل المملكة المتحدة في تعزيز نفوذها من خلال الانضمام إلى الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاقية للتجارة الحرة تضم 11 دولة في المحيط الهادئ. وإذا تمكنت من تحقيق ذلك، ستسعى لندن إلى منع الصين من الانضمام اليها.

أطلق ستارمر حملة ضد كافة منتقدي التطهير العرقي الإسرائيلي حتى أكثرهم اعتدالًا. كما منح الضوء الأخضر لأصدقاء حزب العمال في إسرائيل للضغط على الحكومة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل

وفي حين أن القيم الليبرالية الديموقراطية في المملكة المتحدة يتم الإشادة بها في مضيق تايوان، فإنها لا تثير الجلبة نفسها في أجزاء أخرى من العالم. فقد دعمت حكومة جونسون بقوة الانقلاب اليميني عام 2019 في بوليفيا – واستخدمته كفرصة للوصول إلى رواسب الليثيوم في البلاد. وساعدت في تمويل حملة الإطاحة بنيكولاس مادورو في فنزويلا، وعاونت الشرطة الكولومبية في حملاتها الدموية ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في وقت سابق من هذا العام. وفي الوقت عينه، تُواصل بريطانيا تعزيز صداقاتها مع الطغاة في دول الخليج حيث صنع سلاح الجو الملكي البريطاني سربًا مقاتلًا ثانيًا مشتركًا مع قطر كجزء من صفقة أسلحة بقيمة 6 مليارات جنيه إسترليني، على الرغم من دعم نظام هذه الأخيرة لجماعات صنفتها المملكة المتحدة بالإرهابية، بما في ذلك تنظيم القاعدة في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، زوّد جونسون أجهزة الأمن العمانية بمعدات ومنحها التدريب اللازم، مما سمح لها بالاستعانة بالعنف لفض احتجاجات واسعة. وأرسل جنود بريطانيين إلى محافظة المهرة في اليمن لمساعدة القوات السعودية في تعذيب وإخفاء المعتقلين.

وتبيع المملكة المتحدة معدات اعتراض الاتصالات السلكية واللاسلكية بقيمة تتخطى المليارات لكل من هذه الديكتاتوريات، كما تساعدها من خلال “صندوق الخليج الاستراتيجي” الغامض الذي تم إنشاؤه في نيسان/ أبريل من العام الماضي، ومن المقرر أن تتوطد هذه العلاقات المالية أكثر فأكثر. وبعد أن أمضى جونسون أشهرًا في التودد إلى ولي العهد البحريني سلمان بن حمد بن عيسى آل خليفة ، الذي يشرف على التعذيب المنهجي للنشطاء المؤيدين للديموقراطية في بلاده، أصبح رئيس وزراء بريطانيا الآن على أعتاب توقيع اتفاقية تجارية مع مجلس التعاون الخليجي (الذي يضم البحرين والكويت وعمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) والتي ستمنح شركات الأدوية البريطانية العملاقة إمكانية أكبر للوصول إلى أسواقهم. وقد وقع سابقًا على اتفاقية مماثلة مع مصر في عهد عبد الفتاح السيسي، تمنح موافقة ضمنية على عشرات عمليات القتل التي نفذتها وزارة الداخلية خارج نطاق القضاء. كما تلقت إسرائيل، الشريك التجاري الرئيسي الآخر لبريطانيا، دعمًا لم يسبق له مثيل من حكومة جونسون، مما ساعد قوات الأمن على قمع المعارضة في الضفة الغربية ورفض تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب في الأراضي المحتلة.

أليس من المفترض أن يكون سجل جونسون هدفًا مباحًا أمام المعارضة العمالية؟ أجل. ولكن ليس تحت حكم كير ستارمر

حروب متهورة وتسليح لأسوأ ديكتاتوريي الخليج: أليس من المفترض أن يكون سجل جونسون هدفًا مباحًا أمام المعارضة العمالية؟ أجل. ولكن ليس تحت حكم (زعيم حزب العمال البريطاني) كير ستارمر (منافس جونسون لرئاسة الحكومة). وإذا كان الهدف المحلي لزعيم حزب العمال هو الظهور، ومن دون أي جدوى، كنسخة أكثر كفاءة من جونسون، فإن ستارمر قد أثبت أن عدوانيته ستستمر. وحثت وزيرة خارجية الظل (العمالية) ليزا ناندي في تصريح لها حزب المحافظين على منع مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني من دخول بريطانيا، وتهميش دور الصين في الأمم المتحدة، وزيادة التنسيق مع الولايات المتحدة، وتصعيد العقوبات، داعيةً إلى “إنهاء سذاجة العصر الذهبي”. وأكد ستيفن كينوك، المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب العمال حول الشأن الصيني، أن “التحكم بنهضة الصين هو التحدي الجيوسياسي الأول الذي يواجهه العالم”، منتقدًا المحافظين لعدم نجاحهم في “ممارسة أو إبراز تأثيرنا” على الصين. وأقام كل من ناندي وكينوك أيضًا علاقات وثيقة مع أحد أبرز متحدثي اللغة الصينية في حزب المحافظين، الضابط السابق توم توغندهات، الذي قال ساخرًا “يمكنني أنا وستيفن كينوك إلقاء خطابات بعضنا البعض حول هذا الموضوع” (روّج هؤلاء لسياسات مثل طرد الطلاب الصينيين من الجامعات البريطانية).

وينطبق الأسلوب نفسه على قرارات السياسة الخارجية الأخرى. فقد زعم ستارمر أن الحكومة “استهانت بشدة بالتهديد الروسي وبالرد الضروري عليه”؛ وألمح إلى دعمه احتلال أفغانستان إلى أجل غير مسمى. كما رحب بمحاولة حزب المحافظين تحصين الجنود والجواسيس من الملاحقة القضائية، مشيرًا إلى أن مشروع قانون العمليات الخارجية لم يفِ تمامًا بالغرض في هذا المسعى. ورحب الحزب بالتوسع التاريخي لجونسون في الميزانية العسكرية ودعا إلى الاستثمار في غواصات نووية إضافية، معربًا عن تأييده الحازم للأسلحة النووية.

وتتماشى مثل هذه التطمينات للمؤسسة الأمنية مع محاولات حزب العمال الدؤوبة للقضاء على أي أثر لمناهضة الصهيونية في صفوفه. وحتى الآن، أطلق ستارمر حملة ضد كافة منتقدي التطهير العرقي الإسرائيلي حتى أكثرهم اعتدالًا. كما منح الضوء الأخضر لأصدقاء حزب العمال في إسرائيل للضغط على الحكومة للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وألقى باللوم ضمنًا على “الهجمات الصاروخية” التي شنتها حماس والتي استدعت بحسب قوله رد الحكومة الإسرائيلية بقصف السكان الفلسطينيين المحاصرين في غزة. وتأمل حكومة ستارمر بمتابعة تزويد إسرائيل بالأسلحة اللازمة لمواصلة احتلالها غير الشرعي للضفة الغربية وحصارها المفروض على غزة” (الترجمة بتصرف 180 بوست).

Print Friendly, PDF & Email
جنى شقير

صحافية لبنانية

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  نظام دولي ينفرط والآتي يتعثر.. وهذه نماذج