“حربٌ سريةٌ” بين إيران وإسرائيل.. الأسرار لم تعد أسراراً!

تطال الحرب السيبرانية الدائرة بين إيران وإسرائيل مُجدداً أهدافاً مدنية.. يحصل ذلك بالتزامن مع تعقد الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وتُرجح واشنطن أن تتزايد هذه الهجمات، فيما اعتبرها البعض خطوة تُقرّب المواجهة العسكرية.

لسنوات، انخرطت إسرائيل وإيران في حرب سرّية، عن طريق البر والبحر والجو وأجهزة الكمبيوتر، ولكن الأهداف كانت في معظم الأوقات إما عسكرية أو لها صلة بالحكومة. لكن الآن، فإن الحرب الإلكترونية قد اتسعت لتستهدف مدنيين بشكل خاص وعلى نطاق واسع.

ففي الأسابيع الماضية، استهدف هجوم إلكتروني نظام توزيع الوقود في إيران ما أدى إلى شلّ العمل في جميع محطات الوقود في كافة أنحاء البلاد والبالغ عددها نحو 4300 محطة. وقد استغرقت التصليحات 12 يوماً قبل أن تعود للخدمة مجدداً. وبعد أيام تعرضت منشأة طبية كبرى في إسرائيل وموقعاً إسرائيلياً خاصاً بالمواعدة اسمه “أتراف” أو (L.G.B.T.Q.) لهجمات إلكترونية تسببت بفضح ملفات مئات الآلاف من المستخدمين.

اتهام أميركي لإسرائيل!

مسؤولان في وزارة الدفاع الأميركية، تحدثا لصحيفة “نيويورك تايمز” شريطة عدم الكشف عن هويتهما، اتهما إسرائيل بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف شبكة الوقود في إيران، فيما نسب مسؤولون إسرائيليون المسؤولية في اختراق موقع المواعدة والمنشأة الطبية الكبرى إلى إيران.

يأتي هذا التصعيد في الوقت الذي حذرت فيه السلطات الأميركية من محاولات إيرانية لاختراق شبكات الكمبيوتر في المستشفيات والبنية التحتية الحيوية الأخرى داخل الولايات المتحدة. ومع تعقد الجهود الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، فإن واشنطن ترجح أن تتزايد مثل هذه الهجمات.

وكانت الشبكة الوطنية لسكك الحديد في إيران قد تعرضت لهجوم في تموز/يوليو الماضي. لكن هذا الاختراق البسيط نسبياً قد لا يكون من تنفيذ إسرائيل. كذلك فإن إيران مُتهمة بشن هجوم فاشل على شبكة المياه في إسرائيل في العام الماضي.

مسؤولان في وزارة الدفاع الأميركية يتهمان إسرائيل بتعطيل شبكة الوقود في إيران

ويُعتقد أن الهجمات الأخيرة هي الأولى التي ألحقت أضراراً بأعداد كبيرة من المدنيين وعلى نطاق واسع. فشبكات الكمبيوتر غير المحمية هي عموماً أقل أماناً من تلك الخاصة بالجهات الرسمية والمرتبطة بأصول أمن الدولة.

لم تؤد تلك الهجمات إلى وقوع ضحايا أو خسائر في الأرواح، ولكن إذا كان الهدف منها خلق الفوضى وإثارة الغضب والضيق والتوتر وعدم الأمان على نطاق واسع، فيمكن القول إنها كانت هجمات موفقة وناجحة بشكل كبير.

مدنيون لإيصال رسائل حكومية 

يقول بني كفودي، 52 عاماً، وهو مذيع مشهور يعمل في محطة إذاعية إسرائيلية في تل أبيب: “ربما تكون هناك حرب بين إسرائيل وإيران، لكن من منظوري الشخصي، وكمدني عادي، أقول إننا بتنا محتجزين كسجناء بين الطرفين.. ولا حول لنا ولا قوة”.

وكفودي، واحد من مئات آلاف مستخدمي موقع “أتراف” الإسرائيلي للمواعدة، الذي تعرض لإختراق سيبراني، وجد تفاصيل علاقاته الحميمية والخاصة متداولة على وسائل التواصل الإجتماعي. ويتضمن الموقع معلومات مُحرجة تم جمعها عن المستخدمين وعاداتهم الجنسية، بالإضافة إلى صور فاضحة تخصهم.

على الجانب الآخر، هناك علي، 39 عاماً، يعمل سائقاً لدى شركة سيارات الأجرة الوطنية في طهران. ومثل الإيرانيين الآخرين الذين تمت مقابلتهم، طلب علي عدم ذكر كنيته خوفاً على أمنه الشخصي، وأكد في مقابلة عبر الهاتف أنه اضطر أن يغيب عن العمل يوماً كاملاً قضاه واقفاً في طوابير الإنتظار أمام محطات الوقود من دون فائدة.

وأضاف علي: “كل يوم نستيقظ فيه في هذا البلد تواجهنا مشكلة جديدة. ما ذنبنا إذا كانت الحكومات تختلف في ما بينها؟ نحن تكفينا المصاعب التي نتحملها بالفعل لنبقى على قيد الحياة”.

الهجوم الإلكتروني ضد شبكة الوقود الإيرانية كان لإثارة موجة من الاضطرابات المناهضة لحكومة طهران

يبدو أن كلا البلدين (إيران وإسرائيل) يشن هجمات تستهدف المدنيين في بلد الآخر لإرسال رسائل إلى حكومتيهما.

الاختراق الذي استهدف نظام توزيع الوقود في إيران وقع في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أي أنه تزامن مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد ضد قرار الحكومة زيادة أسعار البنزين. يومها سارعت حكومة طهران إلى قمع تلك الاحتجاجات بإجراءات وصفتها منظمة العفو الدولية بـ”الوحشية” وقالت إن أكثر من 300 شخص لقوا حتفهم خلالها.

ويبدو أن الهدف من الهجوم الإلكتروني الأخير كان إثارة موجة ممائلة من الاضطرابات والاحتجاجات المناهضة للحكومة.

فقد توقفت مضخات الغاز عن العمل فجأة، وانتشرت رسائل إلكترونية تُطالب العُملاء بتقديم شكوى إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي، مع عرض رقم هاتف مكتبه.

كما سيطر المتسللون على اللوحات الإعلانية في مدن مثل طهران وأصفهان، واستبدلوا الإعلانات برسالة مكتوب فيها: “خامنئي، أين البنزين الخاص بي”؟

وبحسب مُحسن، وهو مدير محطة وقود في شمال طهران، فإن المضخات في جميع المحطات توقفت عن العمل بشكل مفاجئ “في الساعة 11 صباحاً، وهو أمر لم يحدث من قبل”.

حينها، انتشرت شائعات تُفيد بأن الحكومة افتعلت الأزمة لرفع أسعار الوقود. وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن شركتي سيارات الأجرة في إيران Snap وTapsi، ضاعفتا قيمة أجرتهما المُعتادة استجابة لاضطرار السائقين إلى شراء وقود غير مدعوم بثمن باهظ.

لم يُسفر الهجوم السيبراني عن إشعال انتفاضة أو احتجاجات، إذا سارعت حكومة طهران لاحتواء الأزمة وإخماد نيران غضب المواطنين. وعقدت وزارة النفط والمجلس الوطني للفضاء الإلكتروني اجتماعات طارئة. وأصدر وزير النفط، جواد عوجي، اعتذاراً علنياً نادراً عبر التلفزيون الحكومي، وتعهد بتقديم 10 ليترات إضافية من الوقود المدعوم لكل من يملك سيارة في إيران.

إقرأ على موقع 180  "هآرتس": "وحدة الساحات" رد نصرالله على "الخطة الفرنسية"

لإعادة تشغيل المضخات، كان على وزارة النفط إرسال خبراء فنيين إلى كل محطة وقود في البلاد. لكن، حتى بعد إعادة تشغيل المضخات، بقيت معظم المحطات تبيع الوقود غير المدعوم فقط، والذي سعره  ضعف سعر الوقود المدعوم.

لقد استغرق الأمر نحو أسبوعين لاستعادة شبكة الدعم، التي تخصص لكل سيارة 60 ليتراً – حوالي 16 غالوناً – شهرياً وبنصف السعر.

أسرار إيران في خطر

لكن الاختراق ربما كان أكثر خطورة من مجرد إزعاج سائقي السيارات.

مسؤول كبير في وزارة النفط، يتاجر بالنفط ويعتبر أحد المطلعين على التحقيقات، تحدث لـ”نيويورك تايمز” شريطة عدم الكشف عن هويته، قال “إن المسؤولين قلقون من سيطرة المتسللين على خزانات الوقود التابعة للوزارة، وربما تمكنوا من الوصول إلى مبيعات النفط الدولية، وهو سرٌ من أسرار الدولة، يمكن أن يفضح كيفية تهرب إيران من العقوبات الدولية”.

وخوادم وزارة النفط، التي تحتوي على مثل هذه البيانات الحسَّاسة، غير متصلة بالإنترنت، مما أثار الشكوك بين المسؤولين الإيرانيين بأن إسرائيل ربما تلقت مساعدة من الداخل في تنفيذ الهجوم السيبراني.

“بلاك شادو” 

بعد أربعة أيام من توقف مضخات إيران عن العمل، تمكن المتسللون من الوصول إلى قاعدة البيانات الخاصة بموقع المواعدة الإسرائيلي “أتراف”، والوصول كذلك إلى الملفات الخاصة بمعهد “ماشون مور” الطبي، وهي شبكة من العيادات الخاصة في إسرائيل.

ونشر المتسللون الملفات المسروقة من كلا الاختراقين – بما في ذلك المعلومات الشخصية لنحو 1.5 مليون إسرائيلي، أي حوالي 16 بالمائة من سكان البلاد – على قناة تطبيق المراسلة “تيليغرام”.

وطلبت الحكومة الإسرائيلية من “تيليغرام” حجب القناة، ففعلت ذلك. لكن المتسللين، وهم مجموعة غير معروفة تُسمى “بلاك شادو” Black Shadow، أعادوا نشر المواد على قناة جديدة بشكل فوري، واستمروا في القيام بذلك في كل مرة يتم حظرها فيها.

كما نشرت المجموعة ملفات مسروقة من شركة التأمين الإسرائيلية Shirbit، التي تم اختراقها في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بالإضافة إلى بيانات وملفات خاصة بموظفي وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وقال ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم، إن “بلاك شادو” إما جزء من الحكومة الإيرانية أو يعملون بشكل مستقل لحساب الحكومة.

وعلق كفودي قائلاً: “إن البيانات الشخصية التي تم تسريبها من موقع المواعدة الإسرائيلي تُعد كارثية.. وذلك لأنها لا تحتوي فقط على أسماء المشتركين وعناوينهم وبياناتهم، بل وتحتوي أيضاً تفاصيل حياتهم الجنسية، ومعلومات تكشف عن من هو مصاب بمرض نقصان المناعة (الإيدز).. وغير ذلك من التفاصيل الحميمية والخاصة جدا بالإضافة إلى صور ولقطات فيديو فاضحة جمعها ’أتراف’ عن مشتركيه”.

وسرعان ما اشتكى العديد من مشتركي “أتراف” من اختراق حساباتهم على تطبيقات “إنستغرام” و”فايسبوك” وgmail وغيرها.

ويقول خبراء الإنترنت إن هذه الاختراقات لم تكن من عمل “بلاك شادو”، ولكنها اختراق من قبل مجرمين استخدموا البيانات الشخصية التي نشرتها “بلاك شادو” إذ أنهم في بعض الحالات، قاموا بحظر الحسابات، مطالبين أصحابها بفدية لاستعادة وصولهم إلى حساباتهم.

مرحلة جديدة من الصراع

لم تعلن لا إسرائيل ولا إيران مسؤوليتها علناً عن الهجمات السيبرانية، كما أن أياً منهما لم تلق باللوم على الأخرى. فقد رفض المسؤولون الإسرائيليون توجيه اتهامات علنية لإيران، وألقى مسؤولون إيرانيون باللوم في الهجوم الذي استهدف محطات الوقود على دولة أجنبية من دون أن يسمونها.

يقول الخبراء إن الهجمات الإلكترونية ضد أهداف مدنية يمكن أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الصراع.

وبحسب لوتيم فينكلستين، رئيس الاستخبارات في Check Point، وهي شركة للأمن السيبراني، فان المتسللين الإيرانيين “كشفوا عن ثغرة في فهم الإسرائيليين لإدارة النزاع السيبراني. لقد أدرك الإيرانيون أنهم لا يحتاجون إلى مهاجمة وكالة حكومية، تكون أكثر حماية، ولكن يمكنهم بسهولة مهاجمة الشركات الصغيرة الخاصة، بأمان وبتعقيدات أقل، يمكن أن تتحكم في كميات هائلة من المعلومات، بما في ذلك المعلومات المالية أو الشخصية والحميمية حول العديد من المواطنين”.

كل جانب يلوم الآخر على التصعيد، وحتى لو كانت هناك إرادة لوقف هذا التصعيد، إلا أنه بات من الصعب اليوم إعادة المارد إلى قمقمه مرة أخرى.

تقول ميسم بهرافيش، كبيرة المحللين السابقة في وزارة المخابرات الإيرانية: “نحن في مرحلة خطيرة. ستكون هناك جولة مقبلة من الهجمات الإلكترونية واسعة النطاق على بنيتنا التحتية. نحن نقترب خطوة من المواجهة العسكرية”.

(*) الترجمة عن “نيويورك تايمز” بتصرف.

Print Friendly, PDF & Email
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  كنتُ في طهران.. وهذا ما شاهدته وما سمعته