ماذا يحدث في فيينا؟

تفتقد فيينا لصخب صاحبها طويلاً، الجائحة فتكت بمدينة المؤامرات والجواسيس، كما يُطلق عليها. تحولت إلى مكان ينبض بالكآبة الممزوجة بصقيع يُعزز حالة الإقفال التي تعيشها المدينة منذ أيام بسبب عودة تفشي وباء كورونا. وحدهم المفاوضون وجدوا ضالتهم في هذه الظروف ليتحدثوا عن قرب حول برنامج إيران النووي وإمكانية التوصل إلى تسوية تُعيد إلى الحياة التسوية التي جرى التوصل إليها في المدينة عينها في صيف 2015.

يقول دبلوماسي غربي؛ في دردشة سريعة على الهاتف؛ إن “الظروف مختلفة ولا تبعث على التفاؤل”، مضيفاً أن الأسقف المرتفعة للطرفين الرئيسيين في هذه المعضلة تجعل توقع نهاية ما للمحادثات ضرباً من ضروب التنجيم. “هناك محاولات حثيثة، وعلى إيران المساعدة في تخطي العوائق إذا كانت تنوي الاستفادة من رفع العقوبات”.

في الوقت نفسه، تنقل وكالة “رويترز” عن دبلوماسي أوروبي قوله إن المفاوضين انتهوا من صياغة نحو 80% من نص إتفاق في المحادثات النوویة. تعليق سُرعان ما يأتي ردٌ إيراني عليه لـ “جاده إيران” ليؤكد عضو في الوفد المفاوض الإيراني أن ما من شيء يدفع لتصديق ذلك أصلاً.

الشيطان في التفاصيل

الإتفاق على مناقشة مسألة العقوبات بالدرجة الأولى، وتأجيل الحديث حول خطوات إيران النووية أراح الوفد الإيراني. لكن المشكلة الآن ليست في ما يجري نقاشه أو تأجيله، إذ أن المشكلة ليست في العموميات، إنما في التفاصيل حيث- كما يقول المثل العربي- يكمن الشيطان. وبعد نهاية حقبة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني والتعيينات الجديدة في الفريق التفاوضي الإيراني الجديد، أصبحت التفاصيل كثيرة. وهي تفاصيل لا تبدأ بالثقة المهتزة إلى حد التنافر بين الطرفين، ولا تنتهي في استبعاد كل طرف مطالب الطرف المقابل الرئيسية. فلا الولايات المتحدة تريد تحقيق مطالب إيران برفع العقوبات بشكل كامل ونهائي، ولا طهران تريد مساراً لعودة الاتفاق النووي عن طريق اتفاقات صغيرة وتسويات.

 أميركا لا تريد تحقيق مطالب إيران برفع العقوبات.. وطهران ترفض الاتفاقات الصغيرة والتسويات كمسار لعودة الاتفاق النووي

كثر في فيينا، من ضمنهم شخصيات عملت بشكل قريب جداً من المسار التفاوضي، وقادت مفاوضات المسار الثاني غير الرسمية في مناسبات عديدة، يتساءلون عن شكل الإتفاق المقبل وكيف يمكن صناعته وتمتينه وتعبيد طريقه للاستمرار أطول فترة ممكنة. وهؤلاء لا يملكون أصلا أية إجابات. ولعل الإجابة الأكثر حساسية ستكون عن سؤال لا يريد أحدٌ؛ في الوقت الحالي؛ طرحه هنا بصوت عالٍ. والسؤال هو: ماذا بعد إعلان فشل المفاوضات في حال عدم التوصل لأي تسوية حقيقية؟ إيران اليوم تُخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60%، وهي خصبت سابقاً 20%، وبالتالي أصبحت؛ تقنياً؛ قادرة على أخذ القرار الصعب بخصوص التخصيب بنسبة 90%. وهذا ما يضعه الغربيون وحلفاؤهم في مساحة عسكرة البرنامج النووي. مع أن الظروف والمؤشرات التي تواترت باتت تشير؛ وبشكل واضح؛ إلى أن العامل الأساسي في تأخر إيران عن صناعة القنبلة النووية هو عامل سياسي لا عامل تقني.

إسرائيل المعضلة

وبينما تزدحم الكواليس بمحاولات لجَسر الهوة، والدول الأوروبية خصوصاً تُبذل جهداً كبيراً لإنجاح هذه المحاولات، تزداد المخاوف من مغامرة إسرائيلية غير محسوبة، مثل أن تشن هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية، ما قد يقلب الطاولة رأساً على عقب.

في الوقت نفسه، هناك من يعتقد أن التصعيد الإسرائيلي اللفظي هدفه حث الأميركيين والأوروبيين على التشدد أكثر تجاه إيران وبرنامجها، وفرض قيود قاسية تُبعدها عن القنبلة وعن أي نوع من التطور النووي الذي يُمكن أن يؤثر في التوازن الإستراتيجي.

لكن مؤشرات أخرى تعكس محاولات إسرائيلية لتقويض أي تسوية مفترضة يمكن أن تُعيد إحياء الإتفاق النووي. ولعلَّ ما كشفه موقع “أكسيوس” الأميركي عن أن إسرائيل تبادلت مع الولايات المتحدة وعدد من الحلفاء الأوروبيين خلال الأسبوعين الماضيين معلومات تقول؛ بحسب الموقع؛ بأن إيران تقوم بخطوات فنية استعداداً للتحضير لتخصيب اليورانيوم بنسبة 90 %.

ونشر الموقع تقارير تتحدث عن تبادل معلومات استخباراتية بين إسرائيل والولايات المتحدة تُظهر رغبة طهران بامتلاك أوراق ضغط في فيينا، قد تدفع الجمهورية الإسلامية الايرانية إلى تكثيف الهجمات ضد واشنطن ومصالحها وقواتها في المنطقة من خلال حلفائها في العراق وسوريا واليمن.

بالعودة إلى فيينا، حيث عبء عدم الثقة يخيم على أجواء هذه الجولة من المحادثات نتيجة التراكمات التي سبقتها، تدفع جميع الأطراف نحو الإصرار على محاولة التوصل إلى أي تسوية، حتى لو كان ذلك يعني إطالة فترة المحادثات إلى أسابيع بدل أيام. فالهدف هو عدم التورط في دوامة جولات لا تنتهي ومعها تستمر الظروف في التغير بما قد لا يسمح بالتوصل لتسوية مُستدامة. وبالتالي يصبح الحوار والتفاوض أداة لضبط النزاع لا لإنهائه، ما يعني فتح الباب أمام أطراف من خارج إطار التفاوض للتدخل بالطريقة التي يرونها مناسبة لكسر الحلقة المفرغة.

بالتزامن مع “جاده إيران

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  هذا ما طلبته قيادة الجيش حماية لحقوق لبنان الغازية من الإستباحة الإسرائيلية
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  مأساة المغرب وليبيا.. دولة غائبة وقوارب حاضرة!