الشرق الأوسط ما بعد أميركا: حروبنا الآتية (1)

شعار إدارة جو بايدن للشرق الأوسط بسيط للغاية: "إنهاء كل الحروب الواقعة". فالبيت الأبيض منشغل بإدارة "التحدي الصيني"، ويسعى بالتالي إلى فك إرتباط أميركا بصراعات الشرق الأوسط، الأمر الذي يُنذر بفراغ ستملؤه الخصومات الطائفية، وهذا يعني أن المنطقة مقبلة على مزيد من العنف وعدم الإستقرار. هذا التقرير أعده فالي نصر، عميد جامعة هوبكنز الأميركية ونشره موقع "فورين أفيرز"(*) .

إن الصراع من أجل التفوق الجيوسياسي بين الثيوقراطية الشيعية في إيران والدول التي يقودها العرب السُنَّة (تركيا في الآونة الأخيرة)، يؤجج الصراع في جميع أنحاء المنطقة. وهذا يؤدي إلى تآكل المواثيق الاجتماعية، وتفاقم اختلال الدولة، وتحفيز الحركات المتطرفة. كلا الطرفين عمدا إلى “عسكرة” الهوية الدينية لغايات وأهداف خاصة؛ واستخدما هذه الهوية الدينية المسلحة لحشد المؤيدين وتعزيز النفوذ في جميع أنحاء المنطقة. ونتيجة لذلك، لا يزال الشرق الأوسط المكان الأكثر قابلية للإنفجار وعلى نطاق واسع.

وبرغم احتفاظ إيران باليد العُليا، إلَّا أن التحديات التي تواجه موقعها تتزايد. لقد سئم السُنَّة من التطرف الخبيث، لكن الغضب الذي غذَّى صعود الدولة الإسلامية (داعش) لا يزال ثابتاً؛ حركات التمرد الجديدة في المناطق المدمرة سوف تُسخّر هذا الغضب مرة أخرى بلا أدنى شك. يتزايد غضب السنة في العراق ولبنان وسوريا من تحركات طهران وحلفائها لتشديد قبضتهم على السلطة. وقد ظهر الإرهاب في أفغانستان مرة أخرى، حيث تنزلق البلاد إلى الفوضى في أعقاب الإنسحاب الأميركي وانتصار حركة طالبان. وإذا لم يكن هناك عملية سياسية متكاملة لنزع فتيل هذه التوترات، فمن المحتم أن تندلع موجات جديدة من الاضطرابات وإراقة الدماء.

إسرائيل تصب الزيت على النار

إن تدخل إسرائيل في هذه الصراعات الطائفية إلى جانب القوى السُنّية لم يؤدِ إلَّا إلى صب الزيت على النار. فبسبب تدخل إسرائيل، بات الإستقرار الإقليمي يخضع بدرجة أكبر لمصير البرنامج النووي الإيراني. تناقش واشنطن وتل أبيب بالفعل “الخطة ب” إذا ظلَّت التسوية الدبلوماسية بعيدة المنال. وهذا المسار من شأنه أن يضع إيران والولايات المتحدة على مسار تصادمي؛ بالإضافة إلى تفاقم التوترات الطائفية، وتعميق الانقسامات المجتمعية، وإثارة صراعات جديدة من بلاد الشام إلى أفغانستان.

تأتي رغبة واشنطن في بذل جهود أقل في الشرق الأوسط في وقت تصر فيه كل من الصين وروسيا على الإنخراط أكثر في المنطقة، بينما يحكم إيران حكومة مُتشددة متمسكة بمواقفها وأهدافها، والدول العربية السُنّية أقل ثقة من أي وقت مضى بشأن الضمانات الأمنية الأميركية. وما لم تُمهد الإدارة الأميركية الطريق لنظام إقليمي أكثر استقراراً؛ بدءاً من إبرام صفقة بشأن برنامج إيران النووي؛ فقد تجد نفسها مُنجرفة مرة أخرى إلى صراعات الشرق الأوسط العديدة، على الرغم من بذل قصارى جهدها للإنسحاب.

عسكرة الإسلام

تعود أصول التنافس بين الشيعة والسُنّة إلى بدايات الإسلام. وعلى مر القرون، طوّرت الطائفتان تفسيرات متميزة للشريعة الإسلامية والممارسات الدينية. ومع ذلك، فإن الخلاف بينهما اليوم ليس متجذراً في اللاهوت بل في الصراع على السلطة. يعتبر التشيع والسنة من علامات الهوية البارزة التي تشكل الولاءات السياسية في المجتمعات المنقسمة. لقد انحسرت حدَّة الاقتتال الطائفي على مدى العقدين الماضيين، لكن بروز الطائفية في سياسات المنطقة لم يتضاءل؛ ولا الصراع بين إيران وخصومها الذين يقودهم السنة، والتي تتغذى على هذا الانقسام وتؤججه. هاتان القوتان وجهان مختلفان لعملة واحدة.

كان الغزو الأميركي للعراق عام 2003 هو الذي سمح لإيران بتوسيع نفوذها بشكل كبير في العالم العربي. منذ أن أسقطت الولايات المتحدة النظام الاستبدادي الذي ضمن حكم الأقلية السنية في بغداد، لعبت طهران بخبرة على الولاءات الطائفية لتمكين شبكة من الوكلاء المسلحين؛ التي تمتد الآن من لبنان وسوريا إلى العراق واليمن؛ وشكَّلت ما أطلق عليه الملك الأردني عبد الله الثاني ذات مرة مصطلح “الهلال الشيعي”. وبذلك، تكون إيران قد مكَّنت الشيعة على حساب السُنَّة في جميع أنحاء المنطقة، وعزَّزت نفوذها على منافسيها مثل السعودية وتركيا والإمارات.

إن العالم العربي نحو الديموقراطية والحكم الرشيد، وإندلاع انتفاضات ما يُسمى بـ”الربيع العربي”. والمُستبدون، الذين شعروا بأنهم مُهَدَدين إذا ما تحقق التغيير، سارعوا إلى زيادة تسليح وعسكرة الطائفية بشكل أكبر. فقد أثار الرئيس السوري بشار الأسد الخشية من السنة لتخويف المجتمع العلوي السوري لضمان عدم زعزعة دعم العلويين لنظامه. في البحرين واليمن، برَّر الحُكام حملات القمع العنيفة التي قاموا بها بتوجيه إتهامات للمحتجين الشيعة بأنهم وكلاء لإيران. في المقابل، عزَّزت إيران وخصومها العرب هذه الديناميكية من خلال حشد أنفسهم وراء عملائهم- الشيعة والسنة، على اعتبار أن أنصارهم (إخوانهم في الدين) مجرد أدوات لحماية نفوذهم الإقليمي.

لقد اتسعت بصمة إيران الإقليمية بالتوازي مع برنامجها النووي. كما أن إصرار واشنطن على عدم إدراج المسائل الإقليمية في المحادثات النووية أثار حفيظة حلفائها العرب، الذين كانوا آنذاك على الطرف الخاسر من الحروب الطائفية بالوكالة في العراق وسوريا واليمن. وما عزَّز مخاوفهم بشأن التزام واشنطن بمساعدتهم في هذه الصراعات الموقف الذي اتخذه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عندما أشار على الإيرانيين والسعوديين بضرورة “إيجاد طريقة فعَّالة لتقاسم الجوار”.

لقد كان قرار إلغاء الاتفاق النووي، وليس قرار التوقيع عليه في المقام الأول، هو ما عزَّز قورة إيران في المنطقة

ورأت الدول العربية السُنّية في الاتفاق النووي بمثابة دليل على رفض إدارة أوباما الإطاحة بنظام الأسد. ومن وجهة نظر القادة العرب، فإن هذين القرارين قد رجحا ميزان القوى الإقليمي لصالح طهران وبشكل قاطع: فالفشل في الإطاحة بالأسد قد مكَّين حُلفاء طهران الشيعة في دول أخرى، فيما فشل الإتفاق النووي في كبح تدخل إيران الإقليمي. بالنسبة للزعماء العرب، لقد بدا الأمر وكأن الولايات المتحدة تُبارك الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط.

كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب متعاطفاً مع الرأي الأخير، وانسحب من الإتفاق النووي في 2018، وقال إن أي إتفاق جديد يجب أن يعالج دور إيران الإقليمي. وفرضت حملته “الضغط الأقصى” عقوبات قاسية على النظام الإيراني. في عهد ترامب أيضاً، اتخذت واشنطن عدَّة خطوات لكبح جماح إيران، بما في ذلك تنفيذ غارة جوية بطائرة بدون طيار في عام 2020 أسفرت عن مقتل قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورفيقه القيادي العراقي البارز أبو مهدي المهندس.

نجحت إدارة ترامب في ضرب الاقتصاد في إيران، وزيادة البؤس الاجتماعي والاستياء السياسي العام. لكن محاولتها لفرض انسحاب إيراني أوسع نطاقاً من العالم العربي فشلت فشلاً ذريعاً. على العكس من ذلك، ردَّت إيران بتصعيد التوترات الإقليمية: هاجمت ناقلات في الخليج العربي، واستهدفت منشآت نفطية في السعودية، وشنَّت ضربة صاروخية جريئة على القواعد الجوية العراقية التي تأوي القوات الأميركية، ما جعل طهران وواشنطن أقرب إلى الحرب أكثر مما سبق.

خرجت إيران من عهد ترامب أكثر عدوانية. ومنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، زادت مخزونها من اليورانيوم المُخصب، ووسعت بنيتها التحتية النووية، واكتسبت خبرات نووية هامة. وهي الآن على وشك امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية.

لقد كان قرار إلغاء الاتفاق النووي، وليس قرار التوقيع عليه في المقام الأول، هو الأمر الذي عزَّز قوة إيران في المنطقة. لقد تطورت طموحات طهران النووية والإقليمية جنباً إلى جنب: يوفر برنامج نووي موثوق به مظلة تحمي وكلاء إيران في جميع أنحاء المنطقة، مما يعزز بدوره نفوذ إيران بشكل أكبر. وبالتالي، كلما كانت المظلة النووية أكثر اتساعاً ومرونة، زادت فعالية الوكلاء الذين يعملون تحت حمايتها. من خلال تقليص نطاق البرنامج النووي الإيراني، قلَّل الاتفاق النووي لعام 2015 أيضاً من الحماية التي يُمكن أن توفرها طهران لقواتها بالوكالة. لكن مع تعليق الصفقة ونجاح إيران في تطوير برنامجها النووي بالسرعة التي حصلت، ستصبح قوتها الإقليمية أكثر قدرة على المواجهة.

إن حتمية الحفاظ على نفوذ إيران في العالم العربي أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من الحسابات الإستراتيجية للدولة العميقة، والميليشيات التي أسستها طهران لهذه المهمة هي حقائق على الأرض في جميع أنحاء المنطقة

كما عزَّز المتشددون الإيرانيون (المحافظون) قوتهم خلال سنوات ترامب. لقد رأوا أن نظرتهم للعالم تبرؤها حملة “الضغط القاسية” المفروضة على بلادهم: فبالنسبة لهم، كان ذلك دليلاً على أن واشنطن كانت من الأساس تسعى إلى تغيير النظام في طهران ولن تتراجع حتى تنهار الجمهورية الإسلامية. وهذا جعل التعامل مع واشنطن عديم الجدوى؛ ويعني أن إيران لن تستطيع تأمين مصالحها إلّا من خلال المواجهة مع الولايات المتحدة وحلفائها. وهكذا خرجت إيران من عهد ترامب أكثر عزماً على مواصلة برنامجها النووي وتعزيز مكانتها في المنطقة (…).

إقرأ على موقع 180  هل ينجح العقلاء في إنقاذ الإتفاق النووي؟

لقد تبنت الحكومة الإيرانية الجديدة برئاسة إبراهيم رئيسي وجهة نظر انتصارية بشأن الأحداث في الشرق الأوسط. برأيها أن التدخل الإيراني في سوريا قد أنقذ بشار الأسد بفضل مساندة طهران له في إفشال مسعى أميركي- أوروبي- تركي وعربي سني منسق للإطاحة به. وفي اليمن، فشلت الحملة العسكرية السعودية الوحشية المدعومة من الولايات المتحدة في تغيير حقيقة أن الحوثيين راسخون بقوة في العاصمة صنعاء وكافة مناطق شمال البلاد. كما حافظت إيران على مكانتها المهيمنة في العراق ولبنان، على الرغم من الضغوط الاقتصادية وما تعتبره تدخلاً من خصومها.

إن حتمية الحفاظ على نفوذ إيران في العالم العربي أصبحت الآن جزءاً لا يتجزأ من الحسابات الإستراتيجية للدولة العميقة، والميليشيات التي أسستها طهران لهذه المهمة هي حقائق على الأرض في جميع أنحاء المنطقة. لكن على الرغم من كل الانتصارات الإيرانية الأخيرة، فإن الصراعات الطائفية التي تعصف بالشرق الأوسط لم تنته بعد.

قابل للإنفجار

ليست إيران الطرف الوحيد الذي يقف وراء تصاعد الصراع الطائفي في جميع أنحاء الشرق الأوسط. فقد دعمت قطر والسعودية وتركيا والإمارات الفصائل السُنية في العالم العربي. تركيا ورجال الأعمال السنة الأثرياء في الخليج العربي هم من موَّل بعض الفصائل السنية الأكثر تطرفاً التي سعت للإطاحة بالأسد؛ بما في ذلك “داعش”. إن معاداة هذه المجموعة الشرسة للشيعة ووعدها بإحياء الخلافة الإسلامية، التي كانت مقراً للسلطة السنية في العصور السابقة، استنفر السُنَّة المحرومين في المناطق الممتدة من دمشق إلى بغداد. في النهاية، تم القضاء على “داعش” من خلال تحالف المصالح الذي شكلته روسيا والولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى حلفاء إيران الشيعة المحليين في العراق وسوريا.

ولكن، على الرغم من أن طهران تمكنت؛ حتى الآن؛ من احتلال الصدارة في الصراع الإقليمي على النفوذ، فقد تجد نفسها تحت ضغط متزايد في السنوات المقبلة. فدول الخليج العربي السنية، إلى جانب إسرائيل وتركيا، لديها مصلحة من الصراعات الطائفية التي تعصف بالعالم العربي. ومع إشارة الولايات المتحدة إلى أنها لن تحاول طرد إيران من مختلف الأماكن التي رسخت فيها نفسها، يستعد اللاعبون الإقليميون لقبول التحدي.

مصير سوريا والعراق مترابط 

في سوريا، يحاول نظام الأسد ترسيخ سلطته، لكن البلاد لا تزال عبارة عن برميل بارود طائفي. قد يستأنف القتال للسيطرة على محافظة إدلب الشمالية الغربية والمنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد. تراجعت تركيا عن محاولات منع الأسد من السيطرة على إدلب، وعزَّزت مزاعمها بأنها المُدافع عن حقوق السُنة في سوريا. كذلك انجرت إسرائيل أيضاً إلى دوامة الصراع السوري، مع تزايد مخاوفها من توسع الوجود العسكري الإيراني هناك. وفي الوقت نفسه، فإن غالبية السكان السُنَّة في البلاد، الذين يعيشون في المناطق التي دمرتها الحرب على مدى السنوات العشر الماضية، لا يزالون محرومين من حقوقهم ويعيشون في فقر مدقع.

حزب الله لن يتخلى عن السلطة بدون قتال. ولا تزال قبضته على الطائفة الشيعية قوية، وإيران ملتزمة بدعمه. فلطالما كان لبنان عرضة لنوبات العنف، وليس من الصعب أن نرى كيف تُمهد الأحداث الجارية المسرح لنوبة أخرى من الصراع الطائفي مرتقبة هناك

مصير سوريا مرتبط بمصير العراق. لم يؤد انتصار الحكومة العراقية المركزية على “الجهاديين” السُنَّة إلَّا إلى تأكيد اعتمادها على الدعم العسكري من إيران والولايات المتحدة، كما جاء على حساب تعزيز نفوذ الميليشيات الشيعية في البلاد. لقد تمكن العراقيون من تهدئة الصراع الطائفي في الوقت الحالي، لكن جمره يتوهج تحت السطح مباشرة. كذلك أبرزت الانتخابات الأخيرة هشاشة الوضع السياسي الراهن في العراق. قبل التصويت في تشرين الأول/ أكتوبر، شجع آية الله العظمى علي السيستاني والمؤسسة الدينية الشيعية العراقيين على التوجه إلى صناديق الاقتراع؛ لكن هذه المناشدات لم تلق آذاناً صاغية. نتج عن اللامبالاة العامة انخفاضاً قياسياً في الإقبال على الاقتراع، مما أعطى دفعة لأكثر الشخصيات السياسية الطائفية في البلاد: رجل الدين المنشق مقتدى الصدر ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي. كان الجانب المشرق الوحيد هو أن أداء الأحزاب التابعة للميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كان ضعيفاً أيضاً. ومع ذلك، فقد منحهم ذلك دافعاً لزعزعة استقرار البلاد؛ كما يتضح من المحاولة الأخيرة لاغتيال رئيس وزراء البلاد مصطفى الكاظمي.

صعود مقتدى الصدر لا يبشر بالخير للسلام الطائفي في العراق. وبرغم أنه نصَّب نفسه على أنه قومي، فهو يساوي بين المصالح الوطنية للعراق وحق طائفته الشيعية في حكم البلاد. كانت مليشياته في طليعة الحرب الأهلية الطائفية التي اجتاحت العراق عام 2006، ولا ينوي التنازل عن السلطة لتهدئة السُنَّة. وعلى الرغم من أنه يريد الحكم بمعزل عن إيران، لكنه سيواجه الفصائل المتنافسة في الداخل وسيتصدى للمناورات من الممالك السنية في الخليج، الذين عارضوا سيطرة الشيعة على العراق. لذا فإن ميوله ستكون الاعتماد على طهران.

حزب الله الرقم الصعب

تنذر الاضطرابات المتزايدة في لبنان أيضاً بعدم الاستقرار، لكنها لا تنذر بتقليص النفوذ الإيراني. الفاعل السياسي المهيمن في البلاد هو حزب الله، الذي بنى قدرته العسكرية على مرّ السنين بدعم إيراني سخي. لقد أدَّت الجماعات الشيعية اللبنانية أداءً جيداً في الحروب ضد إسرائيل، ولا تزال ترسانتها الضخمة من الصواريخ تشكل رادعاً يهدد العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران. كما نجح حزب الله في نشر مقاتليه نيابة عن حلفاء إيران في جميع أنحاء العالم العربي، ولا سيما في العراق وسوريا، وأصبح بالنسبة لطهران حليف لا غنى عنه.

لكن حزب الله هو أيضاً قوة سياسية في لبنان، متورطة بالأزمة الاقتصادية التي أدَّت إلى تآكل الدولة والمجتمع. ولطالما استنكر المجتمعان المسيحي والسني في البلاد ولاءات حزب الله الموالية لإيران وإصراره على العمل كدولة داخل دولة. ويلقي عليه عدد متزايد من اللبنانيين باللائمة الآن لتقويضه سير التحقيق الرسمي في الانفجار المدمر الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020؛ ودمر أجزاءً كبيرة من المدينة. حزب الله لن يتخلى عن السلطة بدون قتال. ولا تزال قبضته على الطائفة الشيعية قوية، وإيران ملتزمة بدعمه. فلطالما كان لبنان عرضة لنوبات العنف، وليس من الصعب أن نرى كيف تُمهد الأحداث الجارية المسرح لنوبة أخرى من الصراع الطائفي مرتقبة هناك.

في اليمن، أصبحت الحرب الأهلية حرباً بالوكالة. من جهة، هناك الحكومة المركزية المدعومة من السعودية. ومن جهة أخرى، هناك قبائل حوثية تنحدر من شمال البلاد الذي يسيطر عليه أعضاء من الطائفة الزيدية الشيعية، ويتمتعون بدعم إيران. في عام 2015، اتخذت الحرب طابعاً طائفياً علنياً؛ عندما تدخل تحالف دول بقيادة السعودية والإمارات لمنع انتصار الحوثيين وإنشاء “رأس شاطئ إيراني” في شبه الجزيرة العربية. وقد دمرت حملتهم اليمن؛ لكنها لم تقهر الحوثيين الذين إزداد اعتمادهم على إيران أكثر خلال القتال. وعندما تنتهي الحرب، سيسيطر الحوثيون على أجزاء كبيرة من اليمن، وسيكون لهم رأي كبير في سياساته. وسيكون النصف الممتلئ من الكأس لإيران والجانب الشيعي، بينما سيكون النصف الفارغ للسعودية وحلفائها السُنَّة.

(*) النص الأصلي في “الفورين أفيرز

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  مؤتمر منظمة العمل الشيوعي.. العودة إلى الصفر (2)