هناك نقطتان تركز عليهما أميركا والدول الأوروبية في المفاوضات غير المباشرة المقبلة؛ الأولى، عدم إمكانية التحقق من برنامج إيران النووي بسبب لجوء طهران إلى الحد من تعهداتها وإيقاف عمليات التفتيش المباغتة على منشآتها النووية، وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن الإتفاق الأخير بين إيران والوكالة الدولية (نصب كاميرات مراقبة جديدة في موقع كرج (تسا) لصناعة أجهزة الطرد المركزي الحديثة) من شأنه الحد من المخاوف الغربية حيال هذا الأمر.
النقطة الثانية هي بلوغ إيران نقطة الخروج عن السيطرة النووية والإتهامات التي يتم توجيهها لإيران في ما يتعلق بسلمية برنامجها النووي، برغم أن إيران نفت مراراً وتكراراً هذه الإتهامات إلا أن الدول الغربية وبسبب رفع إيران مستوى تخصيب اليورانيوم وإستخدام أجهزة طرد مركزي متطورة وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب جعلت المخاوف الغربية تتعاظم.
ولو عدنا إلى الجولات السبع السابقة، نجد أن أميركا أعلنت أنها مستعدة لرفع العقوبات التي تنتهك بشكل مباشر الإتفاق النووي المبرم عام 2015، والمقصود بها تلك التي يُجمع الطرفان الأميركي والإيراني على أنها فرضت خلافاً لمضمون الإتفاق النووي، ما يعني أن الخلاف يتمحور حول العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة، غداة خروجها من الإتفاق النووي، عام 2018، تحت مسميات أخرى مثل “الإرهاب” و”حقوق الإنسان”. يعتبر الإيرانيون أن هذه العقوبات تُشكل إنتهاكاً لإتفاق 2015 لأنها فُرضت في إطار “سياسة الضغط الأقصى” التي تبنتها إدارة دونالد ترامب بهدف دفع طهران للإستسلام، وهذا ما لم توافق عليه الإدارة الأميركية الحالية.
خلص كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى أن أضرار إدارة الحوار غير المباشر مع واشنطن عن طريق الوفود الأوروبية أكبر بكثير من فوائدها وقد تم إبلاغ الجهات المعنية في طهران بهذه النتيجة، حسب مصادر إيرانية مطلعة. وأشارت المصادر إياها إلى أن الإدارة الأميركية بعثت برسالة سرية إلى القيادة الإيرانية عن طريق وزير خارجية العراق
نقطة الخلاف الجوهرية الآنفة الذكر هي التي تحول دون عودة إيران إلى الإلتزام بتعهداتها المنصوص عليها في الإتفاق النووي، فالغرب يريد من إيران التراجع عن خطواتها التصعيدية التي تبنتها في السنتين الأخيرتين مثل رفع تخصيب اليورانيوم إلى ستين بالمائة وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب وزيادة أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي شغّلتها في منشآتها النووية، والسؤال هنا: هل توافق طهران على هذه الشروط في حال إصرار أميركا على الإبقاء على العقوبات التي لا تندرج تحت مسمى “العقوبات النووية”؟
الجواب المرجح: لا. يعني ذلك أن ثمة خلافات جدية تحتاج إلى إتخاذ قرارات سياسية صعبة لإنجاح المفاوضات، كما أن الإيرانيين لديهم علامات استفهام في ما يتعلق بإلتزام أميركا بالإتفاق النووي أو هل يمكن أن تخرج منه مرة أخرى إذا تغيّرت الإدارة بعد ثلاث سنوات؟ ولذلك تطرح طهران موضوع الضمانات المسبقة، وهذه النقطة لم يتم التوصل إلى حل لها في الجولات السابقة، ومن الواضح أن تشدد الطرفين في التمسك بمطالبهما يُقلّل فرص التوصل إلى إتفاق.
وإستناداً إلى التجارب السابقة، سوف تتمسك طهران بوضع آلية من أجل التحقق من رفع العقوبات بشكل عملي، ويبدو واضحاً أن الحكومة الإيرانية ترفع سقف المطالب التفاوضية لكي تحصل على تعهدات مقبولة من الطرف الآخر.
غير أن اللافت للإنتباه أنه برغم كل هذه الخلافات، ثمة تلميحات إلى حصول تقدم ملحوظ في المفاوضات النووية (تعهدات إيران النووية) ولكن لم يحصل أي تقدم في المفاوضات المتعلقة بالعقوبات (تعهدات الولايات المتحدة الأميركية في الإتفاق) والسؤال: هل يمكن أن تحقق المفاوضات في هذا المجال تقدماً في الجولة الثامنة؟
كان جواب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان واضحاً عندما رمى الكرة في ملعب الأميركيين بقوله إن الوفد الإيراني “أثبت مرونته في التعامل مع الآخرين وأثبت استعداد إيران للعودة إلى الإلتزام بكافة تعهداتها النووية في حال رفع العقوبات المفروضة عليها.. وعلى الغرب الآن أن يثبت حسن نواياه ويبدي مرونة في مجال رفع العقوبات لكي تحقق المفاوضات التقدم المنشود”.
ولا يخفي الأستاذ الجامعي والخبير في العلاقات الدولية حميد صالحي تفاؤله بالمفاوضات، ويقول إن الفريق الإيراني المفاوض إذا تحلى بالديبلوماسية اللازمة وأخذ بالإعتبار المصالح الوطنية الإيرانية يمكنه أن يحقق نتائج إيجابية ولو بشكل نسبي، وإذا اخترنا التفاوض مع الآخر على أساس أن نعطي بعض الإمتيازات ونحصل على بعض الإمتيازات، سوف نتوصل إلى نتائج جيدة في مفاوضات فيينا المقبلة، وأبدى تفاؤله قائلاً “أجواء مفاوضات فيينا بشكل عام تدفعني إلى التفاؤل، أعتقد أن طرفي المفاوضات توصلا إلى نتيجة مفادها أنه يجب التوصل إلى إتفاق جزئي”.
واللافت للإنتباه أن صحيفة “جوان” المقربة من الحرس الثوري وحكومة إبراهيم رئيسي كتبت تقول إنه برغم أن أميركا أعلنت أن المفاوضات لا تسير بالسرعة المطلوبة وحققت تقدماً طفيفاً إلا أن المفاوضات في جولتها الأخيرة “كانت بناءة وجيدة بشكل عام”، واعتبرت الصحيفة أن الموقف الأميركي في نهاية الجولة السابعة من المفاوضات “أصبح قريباً من الموقفين الإيراني والروسي”، وبحسب الصحيفة التي تُعبّر عن موقف “الحرس” من المفاوضات، فإن واشنطن وبرغم أنها تعترف بوجود إختلافات جذرية مع طهران إلا أنها تسعى من أجل التوصل إلى إتفاق.
ويعتقد متابعون ديبلوماسيون إيرانيون أن ملف العلاقات بين إيران ودول الجوار بات مرتبطاً بمفاوضات فيينا، وفي هذا الصدد، يقول الديبلوماسي الإيراني السابق قاسم محبعلي: “ربما تريد المملكة أن تنتظر لترى إلى أين تميل الكفة في المفاوضات النووية في فيينا، وهل سوف تؤدي إلى إتفاق بين إيران والغرب أم لا”.
وتوقفت وكالة أنباء “نورنيوز” الإيرانية المقربة من مجلس الأمن القومي الأعلى عند “آثار التوجه الجديد الذي تبنته الحكومة الإيرانية الجديدة”، فالمواقف المتناغمة، بين إيران وروسيا والصين، عشية الجولة السابعة وخلالها، إستجلبت ردود فعل غير بناءة من الوفود الأوروبية، والسبب “أنهم (الأوروبيون) باتوا يشعرون الآن أنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية في المفاوضات”!
وبرغم أن الحكومة الإيرانية تقول إنها لن تسمح بأن يكون اقتصادها رهينة مفاوضات فيينا وبالتالي أنجزت مشروع موازنة العام الجديد من دون أخذ نتائج مفاوضات فيينا في الإعتبار، إلا أنها تدرك جيداً أن نتائج هذه المفاوضات سيكون لها تأثير جذري على الإقتصاد الإيراني. إنطلاقاً من ذلك، سوف يدخل الوفد الإيراني المفاوض إلى الجولة الثامنة مُزوداً بتوجيهات بوجوب التوصل إلى إتفاق جيد وعادل وشامل.
وفي هذا السياق، أبدى المفاوض الروسي ميخائيل أوليانوف تفاؤله بالجولة الثامنة، وقال إن المشاركة في إدارة برنامج عمل جاد في الفترة الزمنية بين عيدي الميلاد وراس السنة الجديدة “ليس بالأمر المعتاد”، معتبراً أنه “دليل على أن جميع الوفود المفاوضة لا ترغب في إضاعة الوقت والجميع يبحث عن إحياء الإتفاق النووي في أسرع وقت ممكن”.
يقول الديبلوماسي الإيراني السابق قاسم محبعلي: “ربما تريد المملكة العربية السعودية أن تنتظر لترى إلى أين تميل الكفة في المفاوضات النووية في فيينا، وهل سوف تؤدي إلى إتفاق بين إيران والغرب أم لا”
وتعليقاً على دعوة وزير خارجية العراق فؤاد حسين من طهران إلى مفاوضات إيرانية أميركية مباشرة، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني، قال المحلل الإيراني المتخصص في الشؤون الدولية رضا نصري إنه “من الواضح أنه إذا سمحت المؤسسات العليا للفريق المفاوض في فيينا بإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، فإن فرص التوصل إلى حل طويل الأمد ستزداد بشكل كبير”.
واللافت للنظر أن عبداللهيان لم يعلق على الأمر ولو بكلمة واحدة، وهذا لا يمكن إعتباره مؤشراً سلبياً من الجانب الإيراني، ذلك أن هكذا نوع من المفاوضات ـ إن وافقت القيادة الإيرانية على مبدأ إجرائها ـ يجري الإعداد لها على نار هادئة في مطبخ وزارة الخارجية الإيرانية، لا سيما وأن كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني خلص إلى أن أضرار إدارة الحوار غير المباشر مع واشنطن عن طريق الوفود الأوروبية أكبر بكثير من فوائدها وقد تم إبلاغ الجهات المعنية في طهران بهذه النتيجة، حسب مصادر إيرانية مطلعة. وأشارت المصادر إياها إلى أن الإدارة الأميركية بعثت برسالة سرية إلى القيادة الإيرانية عن طريق وزير خارجية العراق، في ما يشبه الإستعادة الأميركية للرسالة التي أرسلها الرئيس باراك أوباما إلى السيد علي خامنئي، عشية إتفاق 2015.
ويقول المحلل رضا نصري “إننا نسعى إلى رفع العقوبات الأميركية الأحادية الجانب، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي يمكنها اتخاذ القرار”. ويضيف “بدلاً من الجلوس وجهاً لوجه مع الولايات المتحدة، فإن الجلوس في غرفة مغلقة والتوسط عبر خمس دول أخرى، بعضها أكثر عدوانية من الولايات المتحدة، للتشاور مع الوفد الأميركي وإرسال الرسائل من خلاله، يبدو أنه طريقة غير مفيدة وغير فعالة”.