إردوغان يكسب “غازياً” في المتوسط.. بفرصة أميركية
This picture taken on January 31, 2019 shows an aerial view of the newly-arrived foundation platform for the Leviathan natural gas field in the Mediterranean Sea, about 130 kilometres (81 miles) west of the coast of the Israeli city of Haifa. (Photo by Marc Israel SELLEM / POOL / AFP) (Photo credit should read MARC ISRAEL SELLEM/AFP/Getty Images)

تتجه أنقرة إلى إنهاء الشهر الأوّل من العام الجديد محققة ما يبدو أنّه انتصار دبلوماسي في مياه شرق المتوسط بعد توجيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ضربة إلى مشروع قديم لخصوم تركيا الإقليميين كان يقضي بنقل كميات من الغاز المستكشف إلى أوروبا دون العبور بأراضيها، في تطوّر أراح العاصمة التركية القلقة منذ سنوات واستكمل بصورة سلسة إيقاعات خفض التوتر الذي صار يسود علاقاتها بالدول المجاورة وبإسرائيل على وجه الخصوص.

وجاء الموقف الأميركي لينهي قضية شكّلت في السنوات الأخيرة مادةً دسِمة لتغذية التوتر الإقليمي الناجم عن رفض أنقرة الحدود البحرية الإقليمية والتي تقول إنّها فُرضت عليها مع استعجال الدول المجاورة مثل إسرائيل ومصر واليونان إلى إقامتها. وهو لا يفرض وقائع جديدة، إذ إنّ المشروع يواجه انتقادات كثيرة لناحية جدواه الاقتصادية ولم يقرّ إلا جزئياً في ظل عدم توقيع إيطاليا عليه، وهي الدولة التي يفترض أن يصلها الغاز ويوزّع منها إلى جنوب أوروبا.

وعلّق الرئيس التركي الأسبوع الماضي بأنّ نقل الغاز إلى أوروبا “لا يمكن أن ينجح بدون تركيا”.

وكان مشروع مدّ “أنبوب شرق المتوسط” قد بدأ تبلوره مع اكتشاف كميات من الغاز بين إسرائيل وقبرص في مطلع الألفية الجديدة ولا علاقة له بمنتدى شرق المتوسط الذي تأسس عام ٢٠١٩ في القاهرة ويجمع دولاً منافسة لتركيا.

وجاء الموقف الأميركي الجديد معاكساً لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولكنّه مفاجئ كونه صدر عن واشنطن عبر مدوّنات دبلوماسية وتسريبات صحفية تبعها بيانٌ عن سفارتها لدى أثينا اكتفى بالإشارة إلى الشكوك حول الجدوى الاقتصادية للمشروع والتشديد على مشاريع تحترم طموحات “التحوّل البيئي” في العالم.

ورأى إسرائيل فيشر في “هآرتس” أنّ “التوتر مع روسيا وهي أكبر مزوّد لأوروبا بالغاز، يملي الأحداث خلف الكواليس”، وخصوصاً في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية المحتدمة. وأضاف أنّ “العامل الآخر يتمثّل بالرغبة في إعادة العلاقات مع الرئيس التركي المعارض لهذا المشروع وفي وقت تحتاج الولايات المتحدة إلى مساندته وسط أزمة المحادثات النووية مع إيران”.

وبدا الموقف الرسمي هادئاً في أثينا رغم “الخلافات داخل جهاز الدولة اليوناني (…) والتي تشير إلى مواجهة بين أولئك الذين يتبعون طريق إيمانويل ماكرون نحو تحقيق الحكم الأوروبي الذاتي، والذين يتابعون بشكل أعمى مصالح واشنطن في المنطقة، حتى ولو كانت على حساب المصالح اليونانية”، وفق الصحافي اليوناني بول انطونوبولوس.

ونقلت شبكة “اوراكتيف” الصحفية الأوروبية عن المتحدث باسم الحكومة اليونانية يوانيس اويكونومو أنّ حكومته التي تولت مهامها قبل أشهر فقط، “دعمت منذ البداية مشروع ايست ميد، ودعمت ولا تزال تدعم عدداً من السبل البديلة التي قد تكون أقلّ كلفة وتتمتع بمقوّمات الاستثمار ويمكن الشروع بها تقنياً”.

رأى إسرائيل فيشر في “هآرتس” أنّ “التوتر مع روسيا وهي أكبر مزوّد لأوروبا بالغاز، يملي الأحداث خلف الكواليس”، وخصوصاً في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية المحتدمة، وأضاف أنّ “العامل الآخر يتمثّل بالرغبة في إعادة العلاقات مع الرئيس التركي المعارض لهذا المشروع وفي وقت تحتاجه أميركا وسط أزمة محادثاتها مع إيران”

ورأى أنّ “ما يهم هو أنّ بلدنا ليس منتجاً، بل هو ممر عبور قوي”، في تصريح يشير ضمنياً إلى أنّ انتفاء المشروع أو بقاءه، لن يلغي التنافس الدائر بين كلّ من تركيا واليونان ومصر على التحوّل إلى قطب إقليمي ينقل الكمية الأكبر من الغاز عبر مصافيه إلى أوروبا.

وأكدت صحيفة “كاثيمرني” اليونانية مساء يوم السبت الماضي أنّ اليونان ستلجأ إلى إنشاء محطتين إضافيتين للغاز الطبيعي المسال “من أجل التخزين والتغويز، وبالتالي تعزيز أمن إمدادات الغاز”. وقالت إنّ ذلك سيكسبها “دوراً قوياً في عبور (الغاز)… وتستفيد بصورة قصوى من موقعها الاستراتيجي وممراتها الجديدة لتزويد أوروبا والبلقان”.

وقال الباحث في المركز الفرنسي للأبحاث الدولية جورج تزوغوبولوس لموقع “بوليتيكو”، إنّ “إنشاء الأنبوب أو عدمه، لا يؤثر على نقل احتياطات الغاز إلى أوروبا، لأنّ الخيار المصري يبدو أنجع وأكثر قابلية للتطبيق”. ووفق المصدر نفسه، اعتبر الباحث التركي في “مجموعة اوراسيا” امري بكر أنّ “زوال” مشروع الأنبوب ايست ميد “سيزيل سببا رئيسيا للتوتر في المنطقة، إذ ستنقص منطقة من المناطق التي تشعر فيها تركيا بأنها محاصرة”.

وأضاف “بينما كان إيصال الغاز (في هذا المشروع) حلما سياسيا على الدوام أكثر منه مشروعا واقعيا، فإنّه ساهم في عدم الاستقرار من خلال إثارة غضب أنقرة. وبدونه، ستكون أنقرة أكثر ميلا للحفاظ على الانفراج الإقليمي الهش”.

وفي دلالة على ذلك وعلى مقبولية الخطوة الأميركية من قبل الأطراف جميعها باستثناء قبرص بسبب التهديد الدائم الذي تفرضه تركيا عليها، أجرى الخميس الماضي وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو محادثة مع نظيره الإسرائيلي، هي الأولى لمسؤولين في المنصب منذ ١٣ عاماً، فضلاً عن إمكانية قيام الرئيس الإسرائيلي بزيارة تركيا قريباً، وفق ما أعلن إردوغان.

واستقبل وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس في تل أبيب الخميس الماضي نظيره اليوناني نيوكلاس بانيوتوبولو، في محاولة لـ”تهدئة المخاوف من محاولات التقارب بين إسرائيل وتركيا”.

ودعا وزير الخارجية اليوناني الأسبق ايفنجيلو فنيزلو (٢٠١٣-٢٠١٥) في مقال نشره يوم الخميس الماضي إلى ضرورة الحذر فيما يخص العلاقات اليونانية التركية لأنّها “الأكثر حساسية بالنسبة إلينا على صعيد السياسة الخارجية”، وذلك “إذا ما تبيّن، كما هو واضح، أنّ تمركزاً مماثلاً للإدارة الأميركية كافٍ لدول وقّعت على اتفاق ذي صلة كي تتخلى عملياً” عنه.

إقرأ على موقع 180  "إخوان سوريا" والمصالحة الخليجية.. رهانات مفتوحة!

وقال إنّ رأيه كان منذ البداية بأنّ أحد شروط نجاح هكذا مشروع “هو مدى قبوله سياسياً من الأطراف الأساسيين”. ولكنّه ختم مقاله بأنّ “التطورات الدولية التي تعيد تشكيل خريطة العالم، وبشكل أساسي مجالات النفوذ في المنطقة الأوروبية الأوسع، من شأنها تغيير السياق الذي يؤطر العلاقات اليونانية التركية والمسألة القبرصية عبر تقليص دور البلدان المعنية مباشرة”.

وأوضح أنّ “العامل الحاسم سيكون في المستوى الأعلى، على سبيل المثال العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا التي تحدد بدورها العلاقات بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، وفي نهاية المطاف العلاقات بين الولايات المتحدة والصين”.

وقال إنّ “هذه الترابطات الجديدة تحدد هوامش المرونة لدى اللاعبين الإقليميين. وقد تكون مسألة “ايست ميد” أوّل مؤشر عملي إلى كيفية عمل النظام الجديد للعلاقات الدولية على المستوى السياسي وعلى مستوى الطاقة”.

Print Friendly, PDF & Email
محمود مروّة

مُحرّر موقع "المراسل"، لبنان

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  كربلاء عربية جديدة.. أما من ناصر لغزة هاشم؟