الخليج يعود إلى لبنان.. هل يزور الأسد الرياض!

لا يُبشّر المشهد اللبناني بـ"أبطاله" وسياقاته بأي تغيير. لا الإنتخابات النيابية المقبلة، إن حصلت، ستوجد حلولاً للمعضلات الإقتصادية والإجتماعية والمالية، ولا المحافظة على "الستاتيكو" الراهن، سيمنع المزيد من الإنهيار الحتمي.. من أين نبدأ؟

لبنان ليس جزيرة معزولة. الحدث الأوكراني ترك تأثيراته على مجمل الواقع الدولي. أصيب الشرق الأوسط بإحراجات. ليس سهلاً أن تعتاد دوله على ثلاثين سنة من الأحادية القطبية. سمح ذلك بالعديد من الزيجات وشهور العسل في سرير واحد. نموذج شهر العسل الإسرائيلي ـ الروسي والسوري ـ الروسي.. ومؤخراً التركي ـ الروسي. جرى التعامل مع روسيا كدولة إقليمية وحاول هذا وذاك أن يستفيد منها من دون أن يستفز “الإمبراطورية”. حتى أوروبا نفسها لم تعد تتعامل بالحماسة إياها مع الصياغات الأميركية.. إلى أن جاء الحدث الأوكراني. الكل محرجون ومطالبون بتحديد خياراتهم. لم يعد الرمادي مجدياً في حسابات واشنطن. أنت مع جو بايدن أم مع “المجرم” فلاديمير بوتين؟

يحاول “المحرجون” إلتقاط صياغات إحتيالية. كلهم صاروا يريدون أن يكونوا وسطاء بين بوتين وبايدن من نفتالي بينيت وعبد الفتاح السيسي إلى رجب طيب أردوغان ومحمد بن سلمان. في أوروبا نفسها، كثر الوسطاء والروسي لا يريد إلا الأميركي قبالته.. لكن لا مانع من ملء الوقت الضائع بفرص يُتقن سيد الكرملين إلتقاطها، وهو المحاصر بحرب العقوبات والإعلام والسوشيل ميديا وصواريخ “جافلين” المضادة للدروع و”ستينغر” المضادة للطائرات!

هل يُشكل هذا الحراك الديبلوماسي في العديد من الإتجاهات قوة دفع للمضي في خيار إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها أم يعطي فرصة لتأجيل يُشكل فسحة لتمرير الإنتخابات الرئاسية أولاً (بتوافق أميركي ـ إيراني)، تمهيداً لإجراء الإنتخابات النيابية في العام 2023؟

قبل حوالي الأسبوعين تماماً، وصل مسؤول إيراني رفيع المستوى إلى فيينا. كان وصوله أوضح إشارة إلى بدء العد العكسي لتوقيع الإتفاق النووي. فجأة رمى الوفد الروسي قضية الضمانات الخطية (قضية العقوبات). إحتاج الأمر إلى حراك إيراني ـ أميركي غير مباشر أقنع الروس بتجاوز هذه العقبة. بقيت نقطة أخيرة على جدول الأعمال. رفع الحرس الثوري عن برنامج العقوبات. مطلب كاد أن يطيح بالمفاوضات لولا تدخل أكثر من وسيط دولي وإقليمي. دخل أمير قطر ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي على الخط. أمكن إيجاد صيغة على طريقة أن لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم. صيغة قيد الدرس حالياً بين طهران وواشنطن. مناخات فيينا تشي بحتمية التوصل إلى إتفاق نووي. هذه إرادة الطرفين، وكان مأمولاً أن تترجم قبيل عيد النوروز (بداية السنة الفارسية الذي يصادف اليوم). إذا حصل أمر من خارج المألوف يُمكن لمسار فيينا أن يتعثر. في سياقه، ثمة إشارات لافتة للإنتباه. الجولة الخامسة السعودية الإيرانية التي كانت مقررة هذا الأسبوع في بغداد تأجلت بسبب الإعدامات التي حصلت في المملكة قبل عشرة أيام. التأجيل لا يعني الإلغاء. جدول الأعمال سيتمحور حول ثلاث نقاط حتى الآن: توفير مخرج للسعوديين يحفظ ماء وجههم في اليمن؛ إيجاد مخرج للإنسداد السياسي في العراق حتى لو أدى ذلك لاحقاً إلى حل البرلمان الجديد والدعوة إلى إنتخابات تشريعية مجدداً؛ لا مانع من نفوذ سياسي وإقتصادي خليجي في سوريا.. ولعل البداية تكون بتطبيع إماراتي ـ سوري (زيارة بشار الأسد إلى الإمارات) تعقبه خطوة كبيرة على خط دمشق ـ الرياض، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

دخل الروس على خط التطبيع الخليجي ـ السوري. مطلب موسكو كان مزمناً. تجاوبت أبو ظبي والرياض، في إطار “كباشهما” المكشوف مع إدارة بايدن. غير أن العرقلة “أتت من مطرح آخر”، يقول من هم على تماس مع دائرة القرار السوري: “إبحث عن دور مصر في هذه المرحلة. كلمة السر الأميركية أعطيت للقاهرة. ممنوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هذه السنة”!

تفهم الأوروبيون خطوة الإمارات برغم غضب الأميركيين. باريس تستعد للتقدم خطوة جديدة إلى الأمام بإتجاه دمشق إستكمالاً للزيارة التي قام بها وفد أمني وديبلوماسي فرنسي إلى العاصمة السورية نهاية السنة الماضية. لنترقب فتح خطوط الإتصال قريباً بين الرئاستين الفرنسية والسورية، إذا صدق العاملون على هذا الخط، من بغداد إلى بيروت.

فجأة، تتحرك المياه الراكدة في ملف العلاقات اللبنانية الخليجية. يتلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دعوة إلى زيارة رسمية إلى دولة قطر ينتظر أن يلبيها خلال أسبوع على أبعد تقدير. وزير خارجية الكويت أحمد ناصر المحمد الصباح يعطي أول إشارة خليجية إيجابية غداة الإجتماع الوزاري العربي الذي ترأسه لبنان في القاهرة، ممثلاً بوزير الخارجية عبدالله بو حبيب. الإشارة الكويتية التي تلقاها ميقاتي “يُفترض أن تُترجم بعودة متدرجة لبعثات خليجية إلى بيروت، بدءاً من الأسبوع المقبل”، وفق تقديرات أحد الديبلوماسيين العرب الذين حضروا إجتماع القاهرة. كان لافتاً للإنتباه البيان الصادر عن رئاسة الحكومة اللبنانية وفيه تجدد إلتزامها “باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التَّعاون مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التَعاون الخليجي”، و”التزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية”، والتزام لبنان “العمل الجدي والفعلي لمتابعة واستكمال تنفيذ مندرجاتها بما يضمن السِّلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان وتحصين وحدته”.

إقرأ على موقع 180  اقتصاد تركيا ينزلق.. والمناخ السلطوي يتصاعد!

ماذا بعد؟

كان رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة ينتظران الفوز بورقة “لوتو” الترسيم الحدودي قبل موعد الإنتخابات النيابية المقبلة. جاءت الصيغة الخطية الأميركية التي أرسلها الديبلوماسي الأميركي المعني بملف الترسيم عاموس هوكستين بواسطة سفيرة الولايات المتحدة في بيروت “مخيبة للآمال”. من الواضح من خلال الخط المتعرج المُقترح أميركياً أن الإسرائيليين ليسوا مستعدين للتنازل شبراً واحداً عن حوالي ثلاثمائة كلم 2 في البلوك 8 تقع جنوب خط فرديريك هوف (2012)، وهو الأمر الذي يطرح علامات إستفهام حول المكامن التي يحتويها هذا البلوك.. وحتماً إستكشفها الإسرائيليون ولديهم تقديرات أولية بشأنها، في إنتظار الحفر الإستكشافي في حقول اسرائيلية قريبة من البلوك 8 اللبناني.. وعندها تصبح الأوراق مكشوفة أمام الجميع.

الإشارة الكويتية التي تلقاها ميقاتي يُفترض أن تُترجم بعودة متدرجة لبعثات خليجية إلى بيروت، بدءاً من الأسبوع المقبل، وفق تقديرات أحد الديبلوماسيين العرب الذين حضروا إجتماع القاهرة

عملياً، عادت الأمور إلى نقطة الصفر. لبنان عاد إلى الخط 23. مراسم دفن الخط 29 باتت مُنجزة في اليرزة. هل يعود هوكستين إلى بيروت؟ لا حماسة أميركية لا للعودة إلى المفاوضات غير المباشرة في الناقورة ولا إلى خوض مفاوضات مكوكية بين بيروت وتل أبيب. يشي ذلك بأن ملف الترسيم وإمكان إستفادة لبنان من ثرواته الغازية بات مجمداً إلا إذا دخل عنصر خارجي مفاجىء على الخط كأن يعطي الإماراتيون إشارة ما في إتجاه المثلث الغازي السوري ـ الإسرائيلي ـ اللبناني، علماً أن هناك من يجزم بأن أي مبادرة أميركية جديدة “ممرها القطري حظوظه مرتفعة في هذه الأيام”، في ظل البرودة غير المسبوقة في ملف العلاقات الأميركية ـ الإماراتية والأميركية ـ السعودية.

يبقى السؤال الأهم: هل يُشكل هذا الحراك الديبلوماسي في العديد من الإتجاهات قوة دفع للمضي في خيار إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها المقرر في الخامس عشر من أيار/ مايو المقبل أم يعطي فرصة لتأجيل يُشكل فسحة لتمرير الإنتخابات الرئاسية أولاً (بتوافق أميركي ـ إيراني)، تمهيداً لإجراء الإنتخابات النيابية في العام 2023.. للبحث صلة.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  عقوبات الغرب تتجاوز أوكرانيا.. مطلوب يلتسين جديد!