ما بعد فيينا.. لغز الإقليم المُحيّر!

لم يأتِ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بجديد عندما نقل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن مفاوضات فيينا قريبة من الاتفاق بعدما رمی الكرة في الملعب الأميركي بقوله إن بلاده أرسلت مقترحاتها حول "القضايا المتبقية" في المفاوضات للجانب الأميركي عبر الإتحاد الأوروبي.

لو تجاوزنا محاولة الأميركيين رمي الكرة النووية في ملعب الإيرانيين من خلال تحميلهم مسؤولية التقدّم بطلبات جديدة “لا صلة لها بالملف النووي”، فإن “القضايا المتبقية” التي اشار إليها الوزير عبد اللهيان و”القرارات السياسية الصعبة” التي يطالب بها الجانب الإيراني تتعلق بالحظر المفروض علی “الحرس الثوري”، وهي مشكلة المشاكل التي من أجلها انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من “الإتفاق النووي” الموقع عام  2015؛ وهي المشكلة ذاتها التي دفعت بترامب للقول عن “الاتفاق النووي” بأنه “إتفاق سيء”؛ ذلك أنه لم يعالج “الأمن الإسرائيلي” الذي يرتبط بشكل مباشر بأهداف “الحرس الثوري” الذي يأخذ علی عاتقه “إزالة الكيان الإسرائيلي”، وفقاً لأدبياته المتوارثة منذ إنشائه حتى يومنا هذا.

وليس خافياً أن الدول الست وهي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وأميركا وروسيا والصين التي فاوضت إيران حتى التوصل الى إتفاق 2015؛ لم تكن متفقة في أهدافها. فالدول الأوروبية كانت تنظر إلى هذا الاتفاق إستناداً إلى خلفية أمنية إقليمية هادفة إلى خلق بيئة تجعلها قادرة على حماية إستثماراتها في المنطقة، إضافة إلی أن هذا الإتفاق منح الدول الأوروبية، وتحديداً فرنسا وألمانيا، فرصة الدخول في معادلة دولية إلی جانب الدول الكبری روسيا والولايات المتحدة بعدما كان ذلك عصياً عليها منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن؛ فيما نظرت روسيا إلى الإتفاق علی أنه يحد من الطموحات النووية الإيرانية ويبقيها في اطار مستوی التخصيب 3.67 بالمئة خصوصاً أنها معنية ببرنامج إيران النووي كونها تزوّد طهران بالمفاعلات النووية ابتداء من مفاعل بوشهر وانتهاء بثلاثين مفاعلاً نووياً تريد إيران بناءها في إطار الخطة التي تنتهي في العام 2035. في الوقت الذي نظرت اليه الصين علی أنه يؤمّن لها الأجواء للافادة من الأراضي والموانىء الإيرانية في برنامجها “الحزام والطريق”. تبقی الولايات المتحدة فإنها كانت ولا تزال تملك هدفاً مغايراً للجميع قوامه أن يكون “الأمن الإسرائيلي” في صلب الإتفاق النووي. وعندما قال ترامب إنه “إتفاق سيء” فإنه كان يشير بوضوح إلى أنه لم يوفر ذلك الأمن الذي تعتبره واشنطن ضمن أولوياتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط. وما فرضه ترامب من عقوبات علی “الحرس الثوري” يرتبط بما تفكر به لوبيات القرار في الولايات المتحدة حيال أهداف “الحرس” إسرائيلياً.

ما يرشح من معلومات عن البيت الابيض انه يعمل علی تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية لازالة الحظر عن “الحرس الثوري” مقابل مطالب محددة أجابت عنها طهران وأرسلتها إلى واشنطن عبر مفاوض الاتحاد الاوروبي أنريكي مورا، كما أوضح ذلك عبد اللهيان

لقد توصل المشاركون في مفاوضات فيينا حتى الآن إلی حل للقضايا المرتبطة بالعقوبات المفروضة علی إيران علی خلفية البرنامج النووي في الوقت الذي طالبت إيران بازالة الحظر عن “الحرس الثوري” باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الدولة الإيرانية، وهو معني بالجانب الاقتصادي حيث تعمل مؤسساته في المجالات الهندسية والفنية والعمرانية والاقتصادية الإيرانية ومن غير المنطقي – كما تعتقد إيران – ان تُرفع العقوبات عن إيران الدولة وتستمر علی مؤسسات اقتصادية تابعة لمؤسسة “الحرس”.

ما يرشح من معلومات عن البيت الابيض انه يعمل علی تهيئة الأجواء الداخلية والخارجية لازالة الحظر عن “الحرس الثوري” مقابل مطالب محددة أجابت عنها طهران وأرسلتها إلى واشنطن عبر مفاوض الاتحاد الاوروبي أنريكي مورا، كما أوضح ذلك الوزير عبد اللهيان.

وهناك تصور يفيد ان مفاوضات فيينا تقترب من نهايتها وان “القرار الصعب” الذي تريد الادراة الأميركية اتخاذه بات موضوعاً علی طاولة البيت الأبيض وينتظر الفرصة المناسبة لإعلانه أو لنقل إخراجه بالشكل المطلوب الذي يخدم الرئيس جو بايدن في الانتخابات النصفية المقرر اجراؤها في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

الوزير عبد اللهيان قال في مقابلة تلفزيونية إن قادة “الحرس الثوري” أبلغوه أنه يستطيع التوصل الى اتفاق في مفاوضات فيينا حتی وإن كان ذلك علی حساب إبقاء “الحرس الثوري” على قائمة الحظر، إلا أنه عاد وصحّح تصريحه بعد انتقادات وجهّها إليه الفريق المتشدد الذي إعتبر أن إزالة الحظر عن “الحرس الثوري” بمثابة “خط أحمر” لا يمكن التساهل معه؛ الأمر الذي أعطی إشارة واضحة إلی عدم استعداد إيران للتنازل عن هذا المطلب.

لم يُسرّب الإيرانيون حدود قبولهم بإزالة الحظر لانه يحتمل أحد مسارين. الأول، اخراج “الحرس” من القائمة الارهابية المصنفة أميركياً؛ الثاني، إزالة العقوبات المفروضة علی “الحرس”. ومن خلال تصريحات منسوبة للمندوب الأميركي للشأن الإيراني روبرت مالي يتضح ان الإدارة الأميركية ترغب في العمل علی المسار الأول وإبقاء المسار الثاني. لكن ليس من المعلوم هل يُرضي ذلك الإيرانيين أم لا، إلا أن الأكيد أن القمم والمؤتمرات التي جرت في المنطقة خلال الشهر الماضي لا تُشجّع إيران على إبداء مرونة في مواقفها خصوصاً أن هذه الإجتماعات كانت موجهة بشكل خاص ضد طهران سواء قمة شرم الشيخ الثلاثية أو العقبة الرباعية مروراً بالنقب السداسية عطفاً علی جولة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الإقليمية.

إقرأ على موقع 180  أمريكا والصين.. وخطر الإنزلاق العسكري!

ومهما يكن من أمر، فإن التصور الإيراني للأمن الإقليمي الذي هو “اللغز المحير” في مفاوضات فيينا، مطروح علی الإدارة الأميركية، وهي التي تستطيع البت فيه في الوقت الذي تشعر طهران بأنها أكثر حرية في تعاطيها الاقتصادي بعد الأزمة الأوكرانية.

[email protected]

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  أمريكا والصين.. وخطر الإنزلاق العسكري!