وجاء الإعلان عن هذه الجولة من المفاوضات خارج مسار فيينا الذي توقف منذ أكثر من مائة يوم، في ضوء دولية ولا سيما أوروبية، ترجمتها زيارة مفاجئة لمنسق السیاسة الخارجیة للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى طهران في نهاية الأسبوع الماضي، وسبقتها زيارة لوزير خارجية الإتحاد الروسي سيرغي لافروف إلى العاصمة الإيرانية، فضلاً عن نقاشات في الداخل الإسرائيلي كشفت عنها مواقع إسرائيلية في الأيام الماضية.
وكان لافتاً للإنتباه أنه في ضوء التقرير الذي نشره موقع “يديعوت أحرونوت”، أمس (الأحد) وأشار فيه إلى مواقف إسرائيلية متباينة بشأن إبرام اتفاق نووي مع إيران، نشر وزير الحرب الإسرائيلي بني غانتس مساء أمس (الأحد) بياناً استثنائياً تعقيباً على ذلك قال فيه إن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتعامل مع التهديد الإيراني ليلاً نهاراً باعتباره القضية الاستراتيجية الأكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الحالي بالنسبة إلى أمن إسرائيل”، وأشار في تغريدة على موقع “تويتر” إلى “أن هذا التعامل يجري بالتنسيق بين كافة الأذرع الأمنية ومع منح حرية التعبير عن الرأي، لكن القرارات يتم اتخاذها من طرف المستوى السياسي. إننا سنستمر في إجراء حديث منفتح وعميق بهذا الشأن داخل الغرف المغلقة فقط. وإن أي طريق أُخرى تمس أمن دولة إسرائيل”.
وأعطى بني غانتس في بيانه إشارة قوية إلى إنزعاج المحافل السياسية العبرية من تظهير الخلافات الداخلية إلى العلن. وحسب تسريبات “يديعوت”، فإن قيادة الجيش الإسرائيلي تؤيد التوصل إلى اتفاق نووي جديد، بينما تعتقد قيادة جهاز “الموساد” أنه لا يجوز تغيير السياسة الإسرائيلية الحالية حيال الاتفاق النووي، وأن “إسرائيل لا يمكنها أن تكون شريكة في اتفاق سيئ، تنتهي صلاحيته قريباً ولا يوجد فيه رد على ثقوب كانت موجودة في الاتفاق الأصلي مع الدول العظمى وتلك التي اكتشفت منذئذ”. وتطالب قيادة “الموساد”، حسب “يديعوت”، وزير الخارجية يائير لبيد، عشية توليه المتوقع لمنصب رئيس الحكومة الانتقالية، في الأسبوع الحالي، بعدم تغيير السياسة الإسرائيلية حيال الاتفاق النووي. أمّا رئيس الحكومة نفتالي بينت الذي سيتولى في الحكومة الانتقالية منصب رئيس الحكومة البديل والوزير المسؤول عن الملف الإيراني، فإنه يؤيد الموقف الذي يقوده “الموساد” ضد العودة إلى الإتفاق النووي. كما أن رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الجنرال أفيف كوخافي يؤيد موقف “الموساد”.
وقال المراسل العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشواع إنه “من غير المستبعد أن يكون بينت طالب بالاحتفاظ بمنصب الوزير المسؤول عن الملف الإيراني لأنه تخوف من ضغوط قد يمارسها الجيش الإسرائيلي على لبيد في كل ما يتعلق بالموقف من الاتفاق النووي، وذلك قبيل الزيارة التي من المتوقع أن يقوم بها الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل في 13 تموز/يوليو المقبل”.
وأوردت “يديعوت أحرونوت” أنه في الفترة الأخيرة إزداد عدد المسؤولين الإسرائيليين، وخصوصاً في قيادة الجيش وفي صفوف الذين يتولون مناصب أمنية حساسة، الذين يؤيدون توقيع اتفاق نووي جديد مع طهران.
وبحسب هؤلاء المسؤولين فإن الاتفاق النووي السابق الذي جرى توقيعه سنة 2015 “لم يكن جيداً، لكن انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه سنة 2018 أدى إلى تسريع تطوير البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي يفضل هؤلاء المسؤولون في الوقت الحالي التوصل إلى اتفاق نووي حتى لو كان سيئاً، ويعتبرون أن اتفاقاً كهذا من شأنه أن يمنح إسرائيل الوقت الكافي من أجل إعداد خيار عسكري لمهاجمة إيران”.
من جهته، قال الناطق بلسان وزراة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، اليوم (الإثنين) إن جوزيب بوريل أبلغ طهران “أن الولايات المتحدة أعطت تعهدًا بالعمل بالاتفاق النووي وبضمان استفادة إيران من الاتفاق وضمان مصالحها فيه”، وأوضح أن المحادثات المقبلة (في الدوحة) “سوف تتمحور فقط حول المسائل العالقة بين واشنطن وطهران في مجال رفع العقوبات”، وأردف قائلاً “لقد قررنا الدخول في هذه المفاوضات بعزم وجدية، ولكن بدون ثقة مؤكدة بأننا سوف نذهب للأمام مع الجانب الأميركي”.
في الإطار نفسه، نقل موقع “جاده إيران” عن مصدر دبلوماسي إيراني تحذيره من تضخیم رسائل زیارة جوزيب بوريل قائلاً: “إنها محاولة يمكن وصفها بالناجحة لإنقاذ الحوار وعودة قطار المفاوضات إلى سكّته، بالنظر إلى التعاون الإيراني الشامل مع الوساطة الأوروبية”، وأضاف المصدر: “یمثل استئناف المفاوضات خلال الأشهر الثلاثة المقبلة فرصة دبلوماسیة مهمة للغایة قبل الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنّ استئناف الحوار لا یعني بالضرورة تجاوز التحدیات والخلافات التي لا تزال قائمة بین الجانبین، بل هو فرصة أخرى أمام الولايات المتحدة لاتخاذ القرار الضروري لإحياء اتفاق عام 2015 وتحریر أرصدة إيران المجمدة، إلى جانب إعطاء ضمانات حقیقیة لعدم تكرار ما جری عام 2018″.
يذكر أن قضية رفع الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب شكلت أحد أبرز البنود الخلافية في إجتماعات فيينا الأخيرة.
من جهة ثانية، قال خطيب زاده إن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “نقل إلينا أن الرياض مستعدة لرفع مستوى المباحثات مع طهران في بغداد (تردد أن الجولة المقبلة ستعقد على مستوى وزراء الخارجية) وكذلك استئناف التمثيل الدبلوماسي بين البلدين”، وأضاف أن الحوار بين إيران والسعودية “سوف ينعقد قريباً في بغداد على مستوى دبلوماسي وهو يخدم مصلحة جميع دول المنطقة”. (المصادر: رويترز، يديعوت أحرونوت، جاده إيران، 180 بوست).