“فورين أفيرز” تُحاكِم بايدن: واشنطن تُكرّر أخطاءها!

منى فرحمنى فرح01/08/2022
الشرق الأوسط اليوم ليس بوضع يجبره على تلقي أوامر من الولايات المتحدة. قادته باتوا يرون خياراتهم ورهاناتهم في عالم متعدد الأقطاب. ومن السخرية أن ينتهي "النظام" الذي يتطلع إليه جو بايدن بحرب كارثية كما حصل مع بيل كلينتون، بحسب تقرير لمارك لينش في "الفورين أفيرز".

لم تسفر رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط عن أي صدى ذي معنى يُذكر، بل على العكس، لقد سجلت الكثير من التذمر. والمكافآت التي حصل عليها “لقاء السلام بالقبضة” مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ثبُت أنها كانت تافهة: فالرياض لم تلتزم بزيادة إنتاج النفط، وكذلك لم تُفرج عن أي من المعارضين المعتقلين. أما قضايا حقوق الإنسان فقد أُثيرت فقط عندما رفض بن سلمان الانتقاد الموجه إليه بخصوص مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، لا بل أنه ردَّ على تلك الانتقادات بإشارة إلى الصمت الأميركي تجاه مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية، شيرين أبو عاقله، برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، في أيار/مايو الماضي. أضف أن السعودية لم تُعلن عن أي تحرك جدّي نحو التطبيع مع إسرائيل، ولم يَظهر أي تحالف أمني جديد.

كان لدى إدارة بايدن طموحات أوسع للرحلة. فهي أرادت إعادة تقوية العلاقات مع السعودية وغيرها من الحلفاء الإقليميين، لتحقيق مصلحة خاصة تعينها في التعامل مع مجموعة قضايا أخرى، خصوصاً مفاوضات النووي الإيراني، والحرب في أوكرانيا.

وبحسب تسريبات إعلامية سبقت الرحلة، كان القصد من الرحلة هو دفع المنطقة نحو نظام إقليمي جديد يقوم على تعاون إسرائيلي- عربي ضد إيران وتقوده أميركا. لكن مثل هذه الخطوات لن تؤدي إلَّا إلى تكرار أخطاء الماضي، لأنها ستسرّع إنهيار أي نظام إقليمي جديد من خلال عكس مسار التهدئة، وتشجيع القمع المحلي، وتمهيد الطريق لجولة تالية من الانتفاضات الشعبية، خصوصاً وأن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تعصف بمعظم دول المنطقة. كما أن البنية الأمنية التي تصورتها الإدارة لن تكون غير مألوفة. فاصطفاف بعض الدول العربية مع إسرائيل ضد إيران قائم منذ عقود. و”اتفاقات أبراهام“، التي أُبرمت في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، جعلت التعاون بين هذه الدول وإسرائيل رسمياً وعلنياً، وأزالت صراحة قضية فلسطين وحقوق الإنسان من المعادلة.

أساطير 1991

إن الرغبة في قيادة نظام إقليمي موجودة في الحمض النووي لواشنطن. ولطالما كانت هذه هوايتها (على الأقل منذ عام 1991، بعدما نجحت في طرد جيش صدام حسين من الكويت). حنين واشنطن إلى “شرق أوسط التسعينيات” عميقٌ جداً، وهناك جيل من مجتمع السياسة الخارجية الأميركية ينظر إلى عام 1991، والنظام الإقليمي الذي تم إنشاؤه في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، على أنه “المثل الأعلى” الذي يجب محاكاته. والسبب معروف. كانت الحقبة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي ذروة تفوق أميركا على العالم. وبعد حرب الخليج الأولى (تحرير الكويت) أطلقت إداراتا جورج بوش الأب وبيل كلينتون جهوداً طموحة لربط المنطقة بالأحادية القطبية الأميركية، وتثبيت نظام إقليمي يلائم مصالحها الخاصة.

في تلك الفترة، كانت كل الطرق تؤدي إلى واشنطن: فهي التي أطلقت مؤتمر مدريد للسلام الإسرائيلي- الفلسطيني، وأشرفت على “اتفاقية أوسلو”، وشرعت بإنشاء نظام إقليمي أرادت أن يشمل إسرائيل والدول العربية. حتى حلفاء السوفييت السابقون؛ مثل سوريا؛ بحثوا عن طريقة للإنضمام لهذا النظام (..). كذلك إيران؛ المُنهكة من عقد من الحرب مع العراق؛ سعت إلى إعادة بناء علاقات مع أوروبا ودول الخليج، وإطلقت “حوار بين الحضارات” في الأمم المتحدة، واتخذت خطوات صغيرة للحد من تدخلها في الإقليم وتحسين العلاقة مع واشنطن.

لفترة وجيزة، ظهر ما تم تحقيقه وكأنه يقدم رؤية إيجابية محتملة لمستقبل الشرق الأوسط. لكن ثَبُتَ أنه من الصعب إدارة نظام إقليمي، وأن تلك الفترة لم تكن منظمة كما تقول الأسطورة. لقد فشل “نهج 1991” في إنتاج نظام إقليمي مستقر وشرعي (…)، وهذا الفشل يقدم دروساً مفيدة اليوم، خصوصاً وأن الشرق الأوسط اليوم ليس في وضع يُجبره على تلقي أوامر منها. وقادته باتوا متحفظين في خياراتهم ورهاناتهم ضمن ما يرونه عالم متعدد الأقطاب. وهذا اتضح من خلال رفضهم الإنحياز إلى جانب أميركا وأوروبا ضد روسيا.

الشرق الأوسط اليوم ليس في وضع يُجبره على تلقي أوامر من واشنطن. وقادته متحفظين في خياراتهم ورهاناتهم ضمن ما يرونه عالم متعدد الأقطاب

لا شيء للعرض

لم ينجح النظام الإقليمي الأميركي بعد عام 1991 في إدارة نفسه. فقد تَطَلب ما يُسمى بالإحتواء المزدوج لإيران والعراق إنشاء قواعد عسكرية أميركية شبه دائمة في جميع أنحاء المنطقة، وخاصة في الخليج الفارسي. كان هذا تحولاً هائلاً عن عقود من التوازن في الخارج اعتمدته الولايات المتحدة عندما تراقب المنطقة من خلال حلفائها المحليين وتتجنب خيار القواعد العسكرية الدائمة والواسعة النطاق. كما تطلب الأمر تكريس قدر هائل من الجهود الدبلوماسية لحل مشاكل المنطقة. وكان التعامل مع هذه المشاكل يتطلب أحياناً كثيرة تجاهل، أو حتى تعزيز الأنظمة الاستبدادية، ما قوَّض النظام الإقليمي في نهاية المطاف (…).

كذلك فشلت واشنطن في الوفاء بوعدها بتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين (…) وبالمثل فشلت في تحقيق السلام الإسرائيلي- السوري.

شهدت فترة التسعينيات أيضاً تراجع الإهتمام بمسألة الديموقراطية، خوفاً من أن يحقق “الإسلاميون” إنتصارات في صناديق الاقتراع. وبدلاً من ذلك، تظاهرت واشنطن بأنها تعتقد أن الحُكام العرب المُستبدين يعملون على تمكين المجتمعات المدنية، ويهيئون شعوبهم ليكونوا لتجربة ديموقراطية حقيقية. وبطبيعة الحال، هذا هو الجدال ذاتُه الذي ساقته معظم الأنظمة الاستبدادية العربية، وهو إدعاء لم يُبدِ فريق بايدن أي اهتمام للطعن فيه. في نهاية المطاف، كانت نتيجة مقايضة الترويج للديموقراطية بنظام مستقر ترسيخ الإستبداد مع جميع أمراضه. وليس صدفة أن التسعينيات كانت أيضاً فترة فورة التمرد الإسلامي (مصر والجزائر)، وبروز تنظيم القاعدة (…).

الأخطاء تتكرر

حاولت الإدارات الرئاسية التي أعقبت كلينتون إعادة تصميم نظام إقليمي للشرق الأوسط. بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر، شرعت إدارة جورج دبليو بوش في “إستراتيجية تفوق الولايات المتحدة” محورها “الحرب على الإرهاب”، التي تطلبت تعاوناً وثيقاً من قبل أجهزة الأمن الإقليمية، وتوسعاً هائلاً للوجود الأميركي في المنطقة. بالطبع، لقد أثبت الإحتلال الأميركي للعراق؛ للإطاحة بصدام حسن؛ أنه كارثي: أسس لحالة عدم الاستقرار في المنطقة، وأطلق العنان للصراع الطائفي، ما أدّى إلى تمكين كل من إيران والحركات الجهادية السنية مثل “داعش”، وتسبب في تدفق ملايين اللاجئين. حرب العراق استنفدت الرغبة والقدرة الأميركية على العمل عسكرياً في المنطقة (…).

ومع ذلك، كان هناك نظام يمكن العثور عليه وسط هذه الفوضى: “الشرق الأوسط الجديد”؛ وهو المصطلح الذي صاغته وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس خلال ذروة حرب إسرائيل على لبنان عام 2006. وكان هذا “النظام” عنيفاً بشكل مفرط، ولكن من الناحية الهيكلية كان يشبه ما هو سائد اليوم. من جهة، كان هناك ما أسماه المسؤولون الأميركيون “محور المعتدلين” (إسرائيل وأغلبية الدول العربية)، ومن جهة أخرى كان “محور المقاومة” (إيران وسوريا و”حماس” وحزب الله). وغالباً ما يُنسى أن وسائل الإعلام المملوكة للسعودية دعمت في البداية حرب إسرائيل على حزب الله عام 2006، قبل أن تجبرهم ردود فعل الجماهير على تغيير خطهم التحريري. إن افتقار الجهود الأميركية للشعبية في العراق وأفغانستان، سمحت لتركيا وقطر بتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، من خلال التصرف كدول متأرجحة تتخذ مواقف أكثر انسجاماً مع الرأي العام العربي.

قدم الرئيس باراك أوباما رؤية مختلفة تماماً للنظام الإقليمي، تستند إلى إيجاد توازن قوى مستقر وقابل للتطبيق بين إيران وجيرانها (الدبلوماسية في الملف النووي وتقليص الوجود العسكري الأميركي). لكن إسرائيل والسعودية والإمارات عارضته (…) ما أدَّى إلى تقويض جهوده لصياغة نظام إقليمي جديد.

إنشاء تحالف إسرائيلي- عربي ضد إيران تكرارٌ لأخطاء الماضي.. وتسريع للتصعيد.. وتمهيد الطريق لجولة تالية من الانتفاضات الشعبية

لذلك، رحَّبت إسرائيل والسعودية والإمارات؛ مثل العديد من القادة العرب الآخرين؛ بعودة إدارة ترامب إلى نموذج “الشرق الأوسط الجديد”. فترامب تبنى وجهات نظرهم على أنها وجهة نظره الخاصة: لم يضغط بملف حقوق الإنسان، لم يهتم بالقضية الفلسطينية، إنسحب من الإتفاق النووي الإيراني، وواصل حملة “الضغط الأقصى” ضد طهران. ولكن مرة أخرى، جاءت محاولات فرض نظام إقليمي بنتائج عكسية. فسلوك ترامب شجَّع إسرائيل على قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وأثار أسوأ غرائز الحكومات العربية الإستبدادية، وساهم في مضاعفة الإخفاقات وتأجيج الأزمات في جميع أنحاء المنطقة؛ من اليمن إلى ليبيا وسوريا؛ وساهم كذلك في زيادة عدم الاستقرار وعودة شبح الانتفاضات.

إقرأ على موقع 180  لا قنصلية أميركية في القدس إلا بقرار إسرائيلي!

لكن، ما أثار استياء هؤلاء الحلفاء الإقليميين، أن احتضان ترامب لهم كان له حدود، ظهرت برفضه الانتقام من إيران عندما هاجمت منشأتين نفطيتين رئيسيتين داخل السعودية (عام 2019). فإذا لم يكن بالإمكان الاعتماد على الإدارة الأميركية للرد على مثل هكذا إعتداء، فهل يمكن الوثوق بأي ضمانات أمنية أميركية؟

خلص الكلام

يُظهر مفهوم بايدن للمنطقة أن إدارته تكرر الأخطاء نفسها، وأن الرؤية الأميركية لنظام إقليمي ما زالت قائمة بين قادة المنطقة وفي دوائر السياسة في واشنطن، برغم الصراعات والبؤس الذي ولدته. لقد تكيفت الأنظمة العربية مع مطالب واشنطن، وأثبتت فعَّاليتها في صد أي جهود أميركية لتغيير السياسات. أغلبية فريق بايدن عملوا مع إدارة كلينتون، ويعتقدون أنهم تعلموا الدروس الصحيحة من سنوات أوباما وترامب. لكن المفارقة أن الشرق الأوسط الذي يأملون في تصميمه يشبه ما حاول بوش الإبن تصميمه.

ما يدل على أن فريق بايدن يتبنى نموذج بوش الإبن هو إهمال “أجندة الحريات”. بوش تخلَّى عن أفكار الترويج للديموقراطية في الشرق الأوسط بمجرد فوز “حماس” في انتخابات 2006. وكذلك فعل بايدن؛ في رحلته الأخيرة إلى السعودية. فهو اختار إصلاح العلاقات مع القادة العرب بأي شكل، وتجنب أي شيء قد يثير استعدائهم، وهو أيضاً يراهن على أن تتبنى الدول العربية الاستبدادية نظاماً إقليمياً يشمل إسرائيل دون أي اعتبار لمواقف شعوبها من هذه السياسات.

عالمٌ مختلفٌ

كان الاستبداد العربي هو “الغراء” الذي ربط بين أشكال النظام الإقليمي الذي قادته أميركا منذ التسعينيات (…). وفي حين يريد المستبدون العرب اليوم أن تصدق واشنطن أنهم استعادوا سيطرتهم على النظام القديم بقوة وحزم، وأن الديموقراطية أصبحت خارج الطاولة، تشير المؤشرات الاقتصادية الكئيبة في معظم أنحاء المنطقة إلى أن هذا مجرد وهم (…).

تبدو المنطقة مختلفة تماماً عن العقود الثلاثة الماضية. الشرق الأوسط اليوم مُتعدد الأقطاب داخلياً. ومركز القوة انتقل من بلاد الشام ومصر إلى الخليج. وهناك مشاركة لدول غير عربية (تركيا وإسرائيل وإيران). إن إنعدام الأمن الوجودي لنظام إقليمي في أعقاب انتفاضات عام 2011، وانتشار الحروب الأهلية والطائفية، أدَّى إلى تغيير منطق التدخل وتغيير ميزان القوى: أوباما رفض التدخل مباشرة في سوريا، وترامب لم يرد على الهجمات الإيرانية ضد منصات نفطية سعودية، وبايدن انسحب من أفغانستان بشكل مُخزي.. كل ذلك غيَّر؛ وبشكل جذري؛ نظرة القادة العرب إلى أميركا كمزوّد للأمن.

في الوقت نفسه، هذه ليست فترة الهيمنة الأميركية. هذا لا يعني أن هناك قطبية ثُنائية جديدة ولا حتى تعددية قطبية في العالم. فلطالما كانت روسيا الطرف “الكابح” أكثر من كونها قطباً منافساً، وهي اليوم منشغلة في حربها في أوكرانيا. والصين لم تقم بعد بأي محاولة لترجمة وجودها الاقتصادي المتنامي بسرعة إلى نفوذ سياسي أو عسكري. وهي، في الغالب، تشارك واشنطن في مصالح أساسية، مثل الحفاظ على تدفق النفط في الخليج.

ببساطة، أميركا لم تعد تملك الموارد أو القدرات السياسية للعب دور المُهيمن في الشرق الأوسط. لم تعد القوى الإقليمية تؤمن بأنها تستطيع، أو ستتحرك عسكرياً للدفاع عنها. الانتفاضات العربية علَّمت هؤلاء القادة الاستبداديين أن واشنطن لا تستطيع ضمان بقاء الأنظمة التي تعمل من أجل مصالحها. الشكوك في أن واشنطن تخلت عنهم عميقة جداً وتعكس مشاعرهم العميقة بعدم الأمان (…)، ويبدو أن القدرات الأميركية والإرادة السياسية غير كافية.

الشرق الأوسط اليوم مُتعدد الأقطاب داخلياً. مركز القوة انتقل من بلاد الشام ومصر إلى الخليج.. والدول أكثر قدرة على التصرف بمعزل عن أميركا

قد يبدو هذا وكأنه أمر سيئ، ولكن لا يجب أن يكون كذلك. فبدلاً من محاولة إعادة بناء نظام تآكلت أساساته بشكل لا يمكن إصلاحها، الأفضل هو تشجيع المبادرات التي تتخذها الدول بمفردها (…). فخلال العام الماضي، أعادت الإمارات بناء علاقاتها مع قطر وتركيا، وسرى وقف لإطلاق للنار في اليمن وليبيا، وأجرت السعودية محادثات أولية مع إيران. إن تحركات واشنطن؛ لبناء جبهة موحدة ضد إيران، وتنشيط مبيعات الأسلحة، وإعادة تأكيد ضماناتها الأمنية؛ يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً. فكلما تحركت واشنطن لتوسيع إلتزاماتها العسكرية والسياسية لقيادة نظام إقليمي جديد، كلما أصبحت المنطقة أقل استقراراً.

تعاني المنطقة من اضطرابات عميقة منذ عام 2011. والكيفية التي يُعاد بها إنشاء نظام إقليمي لها عواقب وخيمة، وسوف تُسهم المفاهيم البالية بمزيد من الفشل. اليوم، أصبح الخليج منطقة أكثر استقلالية، والدول أكثر إستعداداً وقدرة على التصرف دون أي اعتبار لراعي قوة عظمى. في الوقت نفسه، تُعد المنطقة أيضاً (خارج دول الخليج الثرية) خليطاً من المشاهد الحربية والمشكلات الاقتصادية الهائلة والمتفاقمة. فالصراع في ليبيا وسوريا واليمن يمكن أن يتجدد ويشتد في أي وقت (…)، والظروف الاقتصادية والسياسية أسوأ مما كانت عليه عشية انتفاضات 2011. كما أنه، وفي غياب أي أمل في حل الدولتين، أو فرض أي قيود دولية جادّة على احتلالها لفلسطين، فإن إستمرار إسرائيل في قضم الأراضي في الضفة الغربية، وحصارها المتواصل لقطاع غزة يمكن أن يفجر الصراع في أي لحظة.

الولايات المتحدة نفسها في حالة فوضى، يستنزفها الاقتتال والاستقطاب السياسي في الداخل. لقد تخلَّت إلى حد كبير حتى عن التظاهر بتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان. يجادل المدافعون، في إسرائيل والخليج، بأن “اتفاقيات إبراهام” توفر رؤية للمنطقة يمكن بناء نظام حولها. لكن كل الأدلة تشير إلى أن الجماهير العربية، بأغلبيتها الساحقة، ترفض فكرة التطبيع مع إسرائيل دون حلٍ عادلٍ للقضية الفلسطينية. إن المراهنة على أنظمة استبدادية لقمع الرأي العام بدلاً من بناء نظام يحكم بالشرعية خارج القصور لن يكون مستقراً أو دائماً.

سيكون من السخرية حقاً إذا انتهى هذا النظام مثلما حصل في عهد كلينتون؛ أي بحرب كارثية (…) خلال رحلته إلى الشرق الأوسط، تجنب بايدن مناقشة استخدام القوة ضد إيران. وطريقة انسحابه من أفغانستان تُعطي بعض المصداقية لتصميمه على تجنب حرب أخرى. لكن الضغط لاتخاذ إجراء حاسم سيتزايد مع تضييق الخيارات بين القبول بإيران نووية أو شنّ عمل عسكري لمنعها. إن المسار الذي يسلكه بايدن لبناء نظام إقليمي جديد يجعل مثل هذه النتيجة الكارثية أكثر احتمالية.

– النص بالإنكليزية على موقع “الفورين أفيرز“. مارك لينش أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن.

Print Friendly, PDF & Email
منى فرح

صحافية لبنانية

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  القدريّون والله.. الرقص بين المتناقضات (4)